36/01/23
تحمیل
الموضوع:- الروايات الشريفة - أدلة الاحتياط - الأصول العملية.
الروايات التي استدل بها على الاحتياط اربعة طوائف:-
الطائفة الاولى:- ما دل على حرمة العمل والقول بغير علم بتراكيب مختلفة ولكن المضمون واحد مثل ما روي عن أبي عبيدة (قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : من أفتى الناس بغير علم، ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه)[1]، وعن مفضل بن مزيد (قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال : أنهاك أن تدين الله بالباطل، وتفتي الناس بما لا تعلم)،[2] وغيرها من الروايات التي هي بهذا المضمون.
الجواب عن الطائفة الاولى:-
اولاً:- هذا اللسان ــ كما مر بنا ــ لا يسعف الاخباريين وإن استدل به الاخباريون كثيراً، لان هذا اللسان مرتبط بعمل الفقيه كمفتي وليس مرتبط بعمل المكلف من حيث هو هو كعملٍ في باب من ابواب الفقه.
ثانيا:- انه مع الاستناد الى ادلة البراءة الشرعية او العقلية بعد حجية العقل فلا يكون من القول بغير علم.
ثالثا:- ان لسان ادلة البراءة بناء على ان المرفوع فقط المؤاخذة وليس هو لسان انشاء حكم الحلية او الاباحة فهو ليس بصدد اسناد حكم لله تعالى وانما فقط تعذير.
ولكن يقال:- إنصافاً أن بحث التنجيز والتعذير من شؤون الشارع ومرتبط بحكم الشارع وحينئذ اذا أسند الانسانُ التعذير او التنجيز الى الباري تعالى او الى الشريعة من دون مؤمن فغير بعيد أن تشمله ادلة التحريم والقول بغير علم.
الا انه على ايتي حال العمدة هي الخدشة الاولى والثانية في هذا الاستدلال.
الطائفة الثانية:- وهي ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة وهذا اللسان انصافا متواتر واكثر رواياته اوردها صاحب الوسائل في الباب التاسع من ابواب صفات القاضي والامر بالوقوف عند الشبهة وبالتالي هذا معناه هو الاحتياط كما عن أبي سعيد الزهري (عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه)[3]،وعن أبي شيبة، (عن أحدهما (عليهما السلام) قال ـ في حديث : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة)[4]، و وحديث مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) (عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال : لا تجامعوا في النكاح على الشبهة، وقفوا عند الشبهة ـ إلى أن قال : ـ فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة)[5]، وعن السكوني، عن جعفر عن أبيه (عن علي (عليهم السلام)، قال: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في التهلكة، وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه)[6]، وعن عمر بن حنظلة، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما ـ إلى أن قال : ـ فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، واختلف فيهما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ فقال : الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما، في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر، قال : فقلت : فانهما عدلان مرضيان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على صاحبه، قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به، المجمع عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه ـ إلى أن قال : ـ فان كان الخبران عنكم مشهورين، قد رواهما الثقات عنكم ؟ قال : ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة، قلت : جعلت فداك، إن رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة، والاخر مخالفا لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال : ما خالف العامة ففيه الرشاد، فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعا ؟ قال : ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالاخر، قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا ؟ قال: إذا كان ذلك فارجئه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)[7].
الجواب عن الطائفة الثانية:-
اولاً:- هو ان هذه الروايات كلها تحمل على انها بلحاظ الشبهة الحكمية قبل الفحص او قل الشبهة الحكمية مع امكان الفحص أي مع امكان الوصول للواقع وهذا شيء طبيعي ولكن كلامنا مع الاخباريين ليس في جريان البراءة قبل الفحص او قل جريان البراءة مع امكان الوصول والوقوف على الواقع فان هذا ليس هو محل النزاع بيننا لان هذا ليس محل البراءة، وهذه الروايات المتواترة هي احد ادلة لزوم الفحص في الشبهات الحكمية او مع امكان الوصول الى الواقع بل هي عمدتها وهذا محل اتفاق بين الفريقين، لذا بالدقة ان ادلة لزوم الاحتياط التي يستدل بها الاخباريون لا يخلوا حالها اما قبل الفحص او مع امكان الوصول الى الواقع او تحمل على حال وجود علم اجمالي وهذا ليسن محل الكلام، فهذه محامل ثلاثة لهذه الطائفة.
ثانياً:- تحمل ادلة هذه الطائفة على الاحتياط في خصوص الشبهة الموضوعية الخاصة بالاموال والاعراض والدماء وهذا ايضا ليس هو محل الكلام فان مشهور الاصوليين يجرون الاحتياط فيها مع عدم وجود امارة موضوعية ولذا فإنها استثناء من البراءة وهذا هو الصحيح وسوف نبين في تنبيهات البراءة ان البراءة اصلا لا تجري ـ وفاقا لمشهور القدماء ــ في الشبهة الموضوعية المرتبطة بالاموال او الدماء او الاعراض، وهذا محمل رابع.
ثالثاً:- ان الاحتياط هنا في هذه الالسن محمول على الاستحباب وهذا ايضا لا خلاف فيه، وهذا محمل خامس.
رابعاً:- يوجد محمل سادس للأدلة ذكره البعض وهو انه في موارد التكاليف والاحكام البالغة الاهمية والخطورة فليس ببعيد انه من اهمية ذلك الحكم يستفاد لزوم الحيطة بمعنى اخر لا لزوم الحيطة عند الشك أي لزوم الحيطة في المقدمات الاعدادية او الوجودية وان لا يقترب منها الانسان وهذا طبعا معطوف على الاموال والاعراض والدماء مثل ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾[8] فان القضية مرتبطة بالنبي (صلى الله عليه وآله) اذن الامور الخطيرة المرتبطة ببيضة لدين تلك حتى في المقدمات يجب على الانسان ان يحتاط فيها وهذا احتياط ليس بالمعنى المصطلح.
هذه ستة محامل للطائفة الثانية.
الطائفة الثالثة:- ما دل على الأمر بالاحتياط في الدين وهي مثل ما روي (عن الرضا (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لكميل بن زياد : أخوك دينك، فاحتط لدينك بما شئت)[9].
الجواب عن الطائفة الثالثة:-
اولاً:- هذا اللسان ايضا لسان عام يحمل على الرجحان والاستحباب اما نفس هذا اللسان فلا نستفيد منه اللزوم.
ثانياً:- وهذه خدشة عامة في الاسن كلها وهي ان هذه الالسن باعتراف الاخباريين ان اغلبها غير منحصرة بالشبهات التحريمية بل نادر منها عبر فيه عن الحرام فهي مطلقة وايضا شاملة للشبهة الموضوعية مع ان الشبهة الموضوعية ما عدا الموارد التي ذكرناها هي مسلم عند الاخباريين ان الجاري فيها البراءة لا الاحتياط بل في الشبهة الحكمية جل الاخباريين متفقون مع الاصوليين على جريان البراءة كما في الشبهة الوجوبية وفي الدوران بين الوجوب والحرمة فهذه موارد يتفق الاخباريون جلهم على ان الاحتياط ليس لازم هنا ويجيبون عن روايات الاحتياط هنا في هذه الموارد بهذه المحامل التي ذكرناها اذن نستطيع ان نقول ان هذا اللسان الثالث واضح في الحمل على الاستحباب.
الطائفة الرابعة:- وهو ما يعبر عنها بأخبار التثليث كما عن جميل بن صالح، عن الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ في كلام طويل ـ : الامور ثلاثة : أمر تبين لك رشده فاتّبعه، وأمر تبين لك غيه فاجتنبه، وامر اختلف فيه فرده إلى الله عزّ وجلّ)[10] وما عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ (قال : وإنما الامور ثلاثة : أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى الله ( وإلى رسوله ) . قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات، وهلك من حيث لا يعلم، ثم قال في آخر الحديث : فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)[11].
الجواب عن الطائفة الرابعة:-
اولاً:- هذا اللسان الخدش فيه من جهة انه ليس مختص بالشبهة التحريمية بل يشمل اقسام كثيرة فهذه الجواب مشترك بين الطوائف التي مرت.
ثانياً:- الخدشة المختصة به هي انه اذا دققنا في هذا اللسان نجده مرتبط بالشك بالشبهة الحكمية قبل الفحص فهناك قرائن متعددة دالة على ان مورد الروايات هو في الشبهة قبل الفحص او مع امكان الوصول للواقع وقرينة اخرى وهي (ان لكل ملك حمى فمن حام حول الحمى اوشك ان يقع فيه) أي المراد منها الاحتياط في المقدمات الاعدادية او الوجودية وهذا محمل اخر لهذا اللسان وهو انه لا تقترب من المحرمات.
اذن هذا اللسان له ثلاث محامل وكلا اللسانين الاول والرابع ورد في مصححة عمر ابن حنظلة المتقدمة وهي من اولها الى اخرها كلها في فعل المفتي وفعل القاضي وهذا لا ربط له بالفعل الخارجي من حيث هو هو.
ولذا نستطيع ان نذكر محمل سابع وان كان لباً يرجع الى المحامل السابقة وهو ان الفقيه والقاضي لا يجوز له ان يسند شيء على الظنة والتخرص من دون تثبت فتقريبا هذه الالسن الاربعة موجهة الى الفقيه والمجتهد فإنها تقول له تورع لا تبت بسرعه قبل ان تتروى، لذلك سياتي حتى في بحث التعارض وفي بحث القضاء ان الورع في هذه الموارد ليس المراد منه السلوك الفردي او الاسري وان كان هذا مطلوب وراجح بلا شك بل المراد الورع في العمل العلمي أي في الاستنباط فهو اشد من كل انواع الورع فكلمة واحد من رجل الدين في غير محلها لا سامح الله يعذب عليها عذاب اشد من عذاب الفساق.
الروايات التي استدل بها على الاحتياط اربعة طوائف:-
الطائفة الاولى:- ما دل على حرمة العمل والقول بغير علم بتراكيب مختلفة ولكن المضمون واحد مثل ما روي عن أبي عبيدة (قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : من أفتى الناس بغير علم، ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه)[1]، وعن مفضل بن مزيد (قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال : أنهاك أن تدين الله بالباطل، وتفتي الناس بما لا تعلم)،[2] وغيرها من الروايات التي هي بهذا المضمون.
الجواب عن الطائفة الاولى:-
اولاً:- هذا اللسان ــ كما مر بنا ــ لا يسعف الاخباريين وإن استدل به الاخباريون كثيراً، لان هذا اللسان مرتبط بعمل الفقيه كمفتي وليس مرتبط بعمل المكلف من حيث هو هو كعملٍ في باب من ابواب الفقه.
ثانيا:- انه مع الاستناد الى ادلة البراءة الشرعية او العقلية بعد حجية العقل فلا يكون من القول بغير علم.
ثالثا:- ان لسان ادلة البراءة بناء على ان المرفوع فقط المؤاخذة وليس هو لسان انشاء حكم الحلية او الاباحة فهو ليس بصدد اسناد حكم لله تعالى وانما فقط تعذير.
ولكن يقال:- إنصافاً أن بحث التنجيز والتعذير من شؤون الشارع ومرتبط بحكم الشارع وحينئذ اذا أسند الانسانُ التعذير او التنجيز الى الباري تعالى او الى الشريعة من دون مؤمن فغير بعيد أن تشمله ادلة التحريم والقول بغير علم.
الا انه على ايتي حال العمدة هي الخدشة الاولى والثانية في هذا الاستدلال.
الطائفة الثانية:- وهي ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة وهذا اللسان انصافا متواتر واكثر رواياته اوردها صاحب الوسائل في الباب التاسع من ابواب صفات القاضي والامر بالوقوف عند الشبهة وبالتالي هذا معناه هو الاحتياط كما عن أبي سعيد الزهري (عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه)[3]،وعن أبي شيبة، (عن أحدهما (عليهما السلام) قال ـ في حديث : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة)[4]، و وحديث مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) (عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال : لا تجامعوا في النكاح على الشبهة، وقفوا عند الشبهة ـ إلى أن قال : ـ فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة)[5]، وعن السكوني، عن جعفر عن أبيه (عن علي (عليهم السلام)، قال: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في التهلكة، وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه)[6]، وعن عمر بن حنظلة، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما ـ إلى أن قال : ـ فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، واختلف فيهما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ فقال : الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما، في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر، قال : فقلت : فانهما عدلان مرضيان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على صاحبه، قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به، المجمع عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه ـ إلى أن قال : ـ فان كان الخبران عنكم مشهورين، قد رواهما الثقات عنكم ؟ قال : ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة، قلت : جعلت فداك، إن رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة، والاخر مخالفا لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال : ما خالف العامة ففيه الرشاد، فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعا ؟ قال : ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالاخر، قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا ؟ قال: إذا كان ذلك فارجئه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)[7].
الجواب عن الطائفة الثانية:-
اولاً:- هو ان هذه الروايات كلها تحمل على انها بلحاظ الشبهة الحكمية قبل الفحص او قل الشبهة الحكمية مع امكان الفحص أي مع امكان الوصول للواقع وهذا شيء طبيعي ولكن كلامنا مع الاخباريين ليس في جريان البراءة قبل الفحص او قل جريان البراءة مع امكان الوصول والوقوف على الواقع فان هذا ليس هو محل النزاع بيننا لان هذا ليس محل البراءة، وهذه الروايات المتواترة هي احد ادلة لزوم الفحص في الشبهات الحكمية او مع امكان الوصول الى الواقع بل هي عمدتها وهذا محل اتفاق بين الفريقين، لذا بالدقة ان ادلة لزوم الاحتياط التي يستدل بها الاخباريون لا يخلوا حالها اما قبل الفحص او مع امكان الوصول الى الواقع او تحمل على حال وجود علم اجمالي وهذا ليسن محل الكلام، فهذه محامل ثلاثة لهذه الطائفة.
ثانياً:- تحمل ادلة هذه الطائفة على الاحتياط في خصوص الشبهة الموضوعية الخاصة بالاموال والاعراض والدماء وهذا ايضا ليس هو محل الكلام فان مشهور الاصوليين يجرون الاحتياط فيها مع عدم وجود امارة موضوعية ولذا فإنها استثناء من البراءة وهذا هو الصحيح وسوف نبين في تنبيهات البراءة ان البراءة اصلا لا تجري ـ وفاقا لمشهور القدماء ــ في الشبهة الموضوعية المرتبطة بالاموال او الدماء او الاعراض، وهذا محمل رابع.
ثالثاً:- ان الاحتياط هنا في هذه الالسن محمول على الاستحباب وهذا ايضا لا خلاف فيه، وهذا محمل خامس.
رابعاً:- يوجد محمل سادس للأدلة ذكره البعض وهو انه في موارد التكاليف والاحكام البالغة الاهمية والخطورة فليس ببعيد انه من اهمية ذلك الحكم يستفاد لزوم الحيطة بمعنى اخر لا لزوم الحيطة عند الشك أي لزوم الحيطة في المقدمات الاعدادية او الوجودية وان لا يقترب منها الانسان وهذا طبعا معطوف على الاموال والاعراض والدماء مثل ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾[8] فان القضية مرتبطة بالنبي (صلى الله عليه وآله) اذن الامور الخطيرة المرتبطة ببيضة لدين تلك حتى في المقدمات يجب على الانسان ان يحتاط فيها وهذا احتياط ليس بالمعنى المصطلح.
هذه ستة محامل للطائفة الثانية.
الطائفة الثالثة:- ما دل على الأمر بالاحتياط في الدين وهي مثل ما روي (عن الرضا (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لكميل بن زياد : أخوك دينك، فاحتط لدينك بما شئت)[9].
الجواب عن الطائفة الثالثة:-
اولاً:- هذا اللسان ايضا لسان عام يحمل على الرجحان والاستحباب اما نفس هذا اللسان فلا نستفيد منه اللزوم.
ثانياً:- وهذه خدشة عامة في الاسن كلها وهي ان هذه الالسن باعتراف الاخباريين ان اغلبها غير منحصرة بالشبهات التحريمية بل نادر منها عبر فيه عن الحرام فهي مطلقة وايضا شاملة للشبهة الموضوعية مع ان الشبهة الموضوعية ما عدا الموارد التي ذكرناها هي مسلم عند الاخباريين ان الجاري فيها البراءة لا الاحتياط بل في الشبهة الحكمية جل الاخباريين متفقون مع الاصوليين على جريان البراءة كما في الشبهة الوجوبية وفي الدوران بين الوجوب والحرمة فهذه موارد يتفق الاخباريون جلهم على ان الاحتياط ليس لازم هنا ويجيبون عن روايات الاحتياط هنا في هذه الموارد بهذه المحامل التي ذكرناها اذن نستطيع ان نقول ان هذا اللسان الثالث واضح في الحمل على الاستحباب.
الطائفة الرابعة:- وهو ما يعبر عنها بأخبار التثليث كما عن جميل بن صالح، عن الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ في كلام طويل ـ : الامور ثلاثة : أمر تبين لك رشده فاتّبعه، وأمر تبين لك غيه فاجتنبه، وامر اختلف فيه فرده إلى الله عزّ وجلّ)[10] وما عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ (قال : وإنما الامور ثلاثة : أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى الله ( وإلى رسوله ) . قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات، وهلك من حيث لا يعلم، ثم قال في آخر الحديث : فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)[11].
الجواب عن الطائفة الرابعة:-
اولاً:- هذا اللسان الخدش فيه من جهة انه ليس مختص بالشبهة التحريمية بل يشمل اقسام كثيرة فهذه الجواب مشترك بين الطوائف التي مرت.
ثانياً:- الخدشة المختصة به هي انه اذا دققنا في هذا اللسان نجده مرتبط بالشك بالشبهة الحكمية قبل الفحص فهناك قرائن متعددة دالة على ان مورد الروايات هو في الشبهة قبل الفحص او مع امكان الوصول للواقع وقرينة اخرى وهي (ان لكل ملك حمى فمن حام حول الحمى اوشك ان يقع فيه) أي المراد منها الاحتياط في المقدمات الاعدادية او الوجودية وهذا محمل اخر لهذا اللسان وهو انه لا تقترب من المحرمات.
اذن هذا اللسان له ثلاث محامل وكلا اللسانين الاول والرابع ورد في مصححة عمر ابن حنظلة المتقدمة وهي من اولها الى اخرها كلها في فعل المفتي وفعل القاضي وهذا لا ربط له بالفعل الخارجي من حيث هو هو.
ولذا نستطيع ان نذكر محمل سابع وان كان لباً يرجع الى المحامل السابقة وهو ان الفقيه والقاضي لا يجوز له ان يسند شيء على الظنة والتخرص من دون تثبت فتقريبا هذه الالسن الاربعة موجهة الى الفقيه والمجتهد فإنها تقول له تورع لا تبت بسرعه قبل ان تتروى، لذلك سياتي حتى في بحث التعارض وفي بحث القضاء ان الورع في هذه الموارد ليس المراد منه السلوك الفردي او الاسري وان كان هذا مطلوب وراجح بلا شك بل المراد الورع في العمل العلمي أي في الاستنباط فهو اشد من كل انواع الورع فكلمة واحد من رجل الدين في غير محلها لا سامح الله يعذب عليها عذاب اشد من عذاب الفساق.