36/03/27
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
1 ) – المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
ونحن نقول:- ليس من المناسب علمياً إعطاء قانونٍ لا يُعلَم مقدار صحته ثم دفع الإشكال على أساسه ومجرّد المثال والمثالين لا ينفع كتأسيسٍ لقاعدةٍ، فإنّه أعطى قانوناً وهو أنّه ( إذا كان الاستثناء متّصلاً فلا يستفاد العموم في جانب المستثنى أمّا إذا كان منقطعاً فيستفاد ذلك )، ومن أين لك هذا ؟ إنّه إمّا من خلال بعض الأمثلة وهذا لا يصحّ فإنّ بعض الأمثلة لا تصلح كدليلٍ، أو من علماء البلاغة وغيرهم وقولهم لم تثبت حجّيته.
والطريق العلمي أن يقال:- نحن علينا أن نتساير في كلّ موضعٍ ومثالٍ مع الظهور الذي نستفيده في ذلك المثال فإنّ باب الظواهر ينبغي أن يكون أمرها كذلك، وإذا ذهبنا إلى قوله عليه السلام:- ( لا صلاة إلا بطهور ) نفهم أنَّ الإمام عليه السلام بصدد بيان أن فاتحة الكتاب جزء أساسي في الصلاة يعني أنّه من دونها لا تصح الصلاة - إلّا ما خرج بالدليل - ولا يريد أن يقول إنّه كلّما وجدت الفاتحة فالصلاة ثابتة حتى لو فُقِدَت بقيّة الشرائط والأجزاء فهي ليست في هذا الصدد . وهذا المطلب نقوله ليس من باب أنّ الاستثناء متّصلٌ - كما أفاد صاحب البلغة(قده) - بل نتعامل مع المورد الخاص فنحن نفهم هذا المعنى من هذا الكلام، وهذا بخلافه في مثل قوله تعالى:- ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينکم بالباطل ﴾[1]فإنّ الآية في صدد تأسيس قانونٍ شرعيّ وقاعدةٍ شرعيّةٍ يراد تقديمها بيد المؤمنين وهي أنّ الأكل بالباطل لا يجوز وأمّا إذا كانت تجارة عن تراضٍ فيجوز، وبذلك لا نحتمل أنّ التجارة عن تراضٍ جزء السبب ويحتمل أنّ هناك جزءاً ثانٍ فإنَّ هذا خلف كون الآية بصدد إعطاء قانونٍ وقاعدةٍ كلّية فنفهم من الآية هذا المعنى، وليس منشأ ذلك كون الاستثناء منقطعاً وإنما ذلك من جهة أنَّ الآية نستفيد منها ذلك بقطع النظر عن كون الاستثناء متّصلاً أو منفصلاً.
وقد اتضح من خلال هذا كلّه أنّ التمسّك بالآية الكريمة لإثبات صحّة كلّ معاملة مشكوكة شيءٌ وجيهٌ لكن بشرط أن يصدق عنوان التجارة عن تراضٍ بنحو الجزم، أمّا إذا كان هناك شكٌّ مفهومي يدور فيه الأمر بين السعة والضيق أو شكٌّ مصداقيٌّ فلا يجوز التمسّك بها إذ لو كان الشك مصداقيّاً يصير المورد من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وإن كان الشك مفهوميّاً فلا يجوز التمسّك به في موارد إجمال المفهوم في المقدار المشكوك.
البيان الرابع:- قوله تعالى:- ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾[2]، بتقريب:- أنّ المقصود من الحلّية في قوله تعالى ( أحلَّ ) إمّا الوضعيّة أو التكليفيّة ولا ثالث في البين، وعلى كليهما يتمّ المطلوب.
أمّا على الأوّل - يعني كون المقصود هو الحلّية الوضعيّة كما يقتضيه نسبة الحِلّ إلى الأمر الاعتباري فإن البيع أمرٌ اعتباريٌّ فحينما ينسب الحِلّ إليه فمن المناسب هو الحلية الوضعيّة، ولا يحتمل كون المقصود هو الحليّة التكليفيّة إذ لا احتمال لحرمة الألفاظ بما هي ألفاظ فهي ليست كسبِّ شخص - فالمطلوب ثابت على ذلك كما هو واضحٌ إذ الحلّية الوضعيّة تعني الصحّة والامضاء والنفوذ فيثبت بذلك أنّ البيع صحيحٌ ونافذٌ وهو، مطلوبنا.
وأمّا على الثاني - يعني رادة الحلّية التكليفية كما يقتضيه قرينة السياق حيث قالت الآية بعد ذلك ﴿ وحرّم الربا ﴾[3] فبوحدة السياق يكون المناسب إرادة الحليّة التكليفيّة بالنسبة إلى البيع وأيضاً نفس مادّة الحلّ يمكن أن يقال هي في حدّ ذاتها ظاهرة في الحلّ التكليفي - فيثبت المطلوب أيضاً إذ الحلّية لم تنسب إلى الإنشاء بما هو إنشاء والألفاظ بما هي ألفاظ لما قلنا من أنّه لا يحتمل ذلك وإنما المقصود هو حليّة التصرفات بعد البيع من أكلٍ وشربٍ وإتلافٍ وما شاكل ذلك، وحلّية التصرفات المترتّبة على البيع تلازم صحّته وإلا صار التصرّف تصرفاً في ملك الغير من دون إذنٍ.
إذن الآية الكريمة تدلّ على المطلوب على كِلا التقديرين غايته أنّ دائرتها ضيّقة أيضاً بخصوص البيع على خلاف آية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فإنّها تعمّ جميع العقود.
هذا وقد يشكل على التمسّك بالآية الكريمة[4]بما حاصله:- إنّه لو قرأنا تمام الآية فيمكن أن يقال هي ليست في مقام البيان حيث أنّها قال: - ﴿ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلّا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ ذلك بأنّهم قالوا إنّما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ﴾[5] فالمحلّلون للربا قالوا أنّه لا فرق بين البيع والربا والآية الكريمة تردّ عليهم وتقول هما ليسا سواء فالأحكام تابعة للعناوين فعنوان البيع غير عنوان الربا فالبيع حلالٌ والربا حرامٌ، وبناءً على كون هذا هو المقصود لا يمكن استفادة الإطلاق وأنَّ كلّ بيعٍ هو حلالٌ فإنّه لو كانت قد جاءت ابتداءً وحدها بأن قالت ( يا أيها الذين آمنوا أحلّ الله البيع ) لكانت واضحة في الإطلاق أمّا بعد أن فرض أنَّها بصدد ردّ شبهةٍ فلا ينعقد آنذاك الإطلاق.
أجاب الشيخ الأصفهاني(قده)[6]بجوابين:-
الأوّل:- إنّ هذا صحيحٌ ولكن المشهور بين الفقهاء هو التمسّك بالآية الكريمة في مقام الاستدلال والشهرة تدفع الإشكال، فإذا كان هناك ضعفٌ في الاستدلال فتجبره الشهرة.
الثاني:- توجد رواية تمسّك فيها الإمام عليه السلام بالاطلاق وهي:- ( الشيخ الصدوق بإسناده عن عمر بن يزيد قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- جعلت فداك إنَّ الناس يزعمون أنّ الربح على المضطرّ حرامٌ وهو من الربا، قال:- وهل رأيت أحداً يشتري غنيّاً أو فقيراً إلّا من ضرورة ؟!! يا عمر قد أحلَّ الله البيع وحرّم الربا فاربح ولا تُرْبِ[7]، قلت:- وما الربا ؟ قال:- دارهم بدراهم مثلين بمثل[8])[9]، وتقريب الدلالة:- هو أنّ الإمام عليه السلام تمسّك بإطلاق الآية الكريمة لإثبات أنّ البيع يصحّ على المضطرّ والمحتاج وتمسّكه بالآية هو تمسّكٌ بإطلاقها الشامل للبيع على المحتاج وهذا معناه أنَّ الإطلاق في الآية الكريمة ثابتٌ ولا إشكال فيه.
ونحن نقول:- ليس من المناسب علمياً إعطاء قانونٍ لا يُعلَم مقدار صحته ثم دفع الإشكال على أساسه ومجرّد المثال والمثالين لا ينفع كتأسيسٍ لقاعدةٍ، فإنّه أعطى قانوناً وهو أنّه ( إذا كان الاستثناء متّصلاً فلا يستفاد العموم في جانب المستثنى أمّا إذا كان منقطعاً فيستفاد ذلك )، ومن أين لك هذا ؟ إنّه إمّا من خلال بعض الأمثلة وهذا لا يصحّ فإنّ بعض الأمثلة لا تصلح كدليلٍ، أو من علماء البلاغة وغيرهم وقولهم لم تثبت حجّيته.
والطريق العلمي أن يقال:- نحن علينا أن نتساير في كلّ موضعٍ ومثالٍ مع الظهور الذي نستفيده في ذلك المثال فإنّ باب الظواهر ينبغي أن يكون أمرها كذلك، وإذا ذهبنا إلى قوله عليه السلام:- ( لا صلاة إلا بطهور ) نفهم أنَّ الإمام عليه السلام بصدد بيان أن فاتحة الكتاب جزء أساسي في الصلاة يعني أنّه من دونها لا تصح الصلاة - إلّا ما خرج بالدليل - ولا يريد أن يقول إنّه كلّما وجدت الفاتحة فالصلاة ثابتة حتى لو فُقِدَت بقيّة الشرائط والأجزاء فهي ليست في هذا الصدد . وهذا المطلب نقوله ليس من باب أنّ الاستثناء متّصلٌ - كما أفاد صاحب البلغة(قده) - بل نتعامل مع المورد الخاص فنحن نفهم هذا المعنى من هذا الكلام، وهذا بخلافه في مثل قوله تعالى:- ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينکم بالباطل ﴾[1]فإنّ الآية في صدد تأسيس قانونٍ شرعيّ وقاعدةٍ شرعيّةٍ يراد تقديمها بيد المؤمنين وهي أنّ الأكل بالباطل لا يجوز وأمّا إذا كانت تجارة عن تراضٍ فيجوز، وبذلك لا نحتمل أنّ التجارة عن تراضٍ جزء السبب ويحتمل أنّ هناك جزءاً ثانٍ فإنَّ هذا خلف كون الآية بصدد إعطاء قانونٍ وقاعدةٍ كلّية فنفهم من الآية هذا المعنى، وليس منشأ ذلك كون الاستثناء منقطعاً وإنما ذلك من جهة أنَّ الآية نستفيد منها ذلك بقطع النظر عن كون الاستثناء متّصلاً أو منفصلاً.
وقد اتضح من خلال هذا كلّه أنّ التمسّك بالآية الكريمة لإثبات صحّة كلّ معاملة مشكوكة شيءٌ وجيهٌ لكن بشرط أن يصدق عنوان التجارة عن تراضٍ بنحو الجزم، أمّا إذا كان هناك شكٌّ مفهومي يدور فيه الأمر بين السعة والضيق أو شكٌّ مصداقيٌّ فلا يجوز التمسّك بها إذ لو كان الشك مصداقيّاً يصير المورد من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وإن كان الشك مفهوميّاً فلا يجوز التمسّك به في موارد إجمال المفهوم في المقدار المشكوك.
البيان الرابع:- قوله تعالى:- ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾[2]، بتقريب:- أنّ المقصود من الحلّية في قوله تعالى ( أحلَّ ) إمّا الوضعيّة أو التكليفيّة ولا ثالث في البين، وعلى كليهما يتمّ المطلوب.
أمّا على الأوّل - يعني كون المقصود هو الحلّية الوضعيّة كما يقتضيه نسبة الحِلّ إلى الأمر الاعتباري فإن البيع أمرٌ اعتباريٌّ فحينما ينسب الحِلّ إليه فمن المناسب هو الحلية الوضعيّة، ولا يحتمل كون المقصود هو الحليّة التكليفيّة إذ لا احتمال لحرمة الألفاظ بما هي ألفاظ فهي ليست كسبِّ شخص - فالمطلوب ثابت على ذلك كما هو واضحٌ إذ الحلّية الوضعيّة تعني الصحّة والامضاء والنفوذ فيثبت بذلك أنّ البيع صحيحٌ ونافذٌ وهو، مطلوبنا.
وأمّا على الثاني - يعني رادة الحلّية التكليفية كما يقتضيه قرينة السياق حيث قالت الآية بعد ذلك ﴿ وحرّم الربا ﴾[3] فبوحدة السياق يكون المناسب إرادة الحليّة التكليفيّة بالنسبة إلى البيع وأيضاً نفس مادّة الحلّ يمكن أن يقال هي في حدّ ذاتها ظاهرة في الحلّ التكليفي - فيثبت المطلوب أيضاً إذ الحلّية لم تنسب إلى الإنشاء بما هو إنشاء والألفاظ بما هي ألفاظ لما قلنا من أنّه لا يحتمل ذلك وإنما المقصود هو حليّة التصرفات بعد البيع من أكلٍ وشربٍ وإتلافٍ وما شاكل ذلك، وحلّية التصرفات المترتّبة على البيع تلازم صحّته وإلا صار التصرّف تصرفاً في ملك الغير من دون إذنٍ.
إذن الآية الكريمة تدلّ على المطلوب على كِلا التقديرين غايته أنّ دائرتها ضيّقة أيضاً بخصوص البيع على خلاف آية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فإنّها تعمّ جميع العقود.
هذا وقد يشكل على التمسّك بالآية الكريمة[4]بما حاصله:- إنّه لو قرأنا تمام الآية فيمكن أن يقال هي ليست في مقام البيان حيث أنّها قال: - ﴿ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلّا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ ذلك بأنّهم قالوا إنّما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ﴾[5] فالمحلّلون للربا قالوا أنّه لا فرق بين البيع والربا والآية الكريمة تردّ عليهم وتقول هما ليسا سواء فالأحكام تابعة للعناوين فعنوان البيع غير عنوان الربا فالبيع حلالٌ والربا حرامٌ، وبناءً على كون هذا هو المقصود لا يمكن استفادة الإطلاق وأنَّ كلّ بيعٍ هو حلالٌ فإنّه لو كانت قد جاءت ابتداءً وحدها بأن قالت ( يا أيها الذين آمنوا أحلّ الله البيع ) لكانت واضحة في الإطلاق أمّا بعد أن فرض أنَّها بصدد ردّ شبهةٍ فلا ينعقد آنذاك الإطلاق.
أجاب الشيخ الأصفهاني(قده)[6]بجوابين:-
الأوّل:- إنّ هذا صحيحٌ ولكن المشهور بين الفقهاء هو التمسّك بالآية الكريمة في مقام الاستدلال والشهرة تدفع الإشكال، فإذا كان هناك ضعفٌ في الاستدلال فتجبره الشهرة.
الثاني:- توجد رواية تمسّك فيها الإمام عليه السلام بالاطلاق وهي:- ( الشيخ الصدوق بإسناده عن عمر بن يزيد قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- جعلت فداك إنَّ الناس يزعمون أنّ الربح على المضطرّ حرامٌ وهو من الربا، قال:- وهل رأيت أحداً يشتري غنيّاً أو فقيراً إلّا من ضرورة ؟!! يا عمر قد أحلَّ الله البيع وحرّم الربا فاربح ولا تُرْبِ[7]، قلت:- وما الربا ؟ قال:- دارهم بدراهم مثلين بمثل[8])[9]، وتقريب الدلالة:- هو أنّ الإمام عليه السلام تمسّك بإطلاق الآية الكريمة لإثبات أنّ البيع يصحّ على المضطرّ والمحتاج وتمسّكه بالآية هو تمسّكٌ بإطلاقها الشامل للبيع على المحتاج وهذا معناه أنَّ الإطلاق في الآية الكريمة ثابتٌ ولا إشكال فيه.
[4] وهذا الاشكال لم يشر إليه الشيخ الانصاري في
المكاسب.
[6] حاشية المكاسب، الاصفهاني، ج1، ص25.
[7] هذا ما ورد في هامش المخطوطة للوسائل ولكن في
الوسائل موجود مع الهاء يعني ( ولا تربه ).
[8] قوله ( دراهم بدراهم ) إشارة إلى اعتبار وحدة
الجنس يعني أن الشرط الأول هو أنه لابد وأن يكون من جنسٍ واحد، وقوله ( مثلين
بمثل ) يعني مع الزيادة فهنا يتحقق الربا.