36/07/29
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
والكلام يقع في قضايا ثلاث:-
القضية الأولى:- ربَّ قائل يقول إنّ الطائفة الأولى لابد من رفع اليد عنها وطرحها من الحساب وبالتالي نبقى نحن والطائفة الثانية فقط، والنتيجة حينئذٍ سوف تصير هي الحرمة فيما إذا علمت أنه سوف يصنعه صنماً، وبالتالي نعمّم إلى جميع الموارد بعد إلغاء خصوصيّة المورد فمتى ما علمت فهو حرام.
أمّا لماذا نلغي الطائفة الأولى ؟
ذلك باعتبار أنها تدلّ على أن ّالأئمة عليهم السلام كانوا يبيعون تمرهم ممّن يعلم أنه يصنعه شراباً خبيثاً، وحيث إنّ هذا المضمون لا يمكن الأخذ به في حقّهم صلوات الله عليهم فهذه الطائفة مطروحة ويتعيّن الأخذ بالطائفة الثانية، وبإلغاء الخصوصيّة حينئذٍ نقول يحرم البيع متى ما علمت أنّ المشتري يصنع المبيع حراماً . هكذا ربما يخطر إلى الذهن.
وجواب ذلك:-
أوّلاً:- ما أشرنا إليه سابقاً من احتمال أن يكون المقصود من فقرة ( ألسنا ) يعني كمجتمع إسلامي لا كأئمة.
إن قلت:- إنّه حتى لو فرض أنّ المقصود هو أنّه كمجتمع إسلامي ولكن الأئمة داخلون في المجتمع الإسلامي فعادت المشكلة من جديد . إذن تفسير كلمة ( ألسنا ) بالمجتمع الإسلامي لا ينفع شيئاً بعدما كان المصداق البارز له هو الأئمة عليهم السلام.
قلت:- إنّ هذا التعبير لا يقصد منه ما يشمل الأئمة عليهم السلام، نظير ما إذا كنّا نتحدث فيما بيننا وأقول ( نحن المسلمون ألسنا نستغيب ونسرق ألسنا يقاتل بعضنا بعضاً ؟! )، إنّنا نعبّر هكذا ولكن ليس المقصود أنّي أنا المتكلّم واحدٌ منهم وأفعل كما يفعل هؤلاء وإنما لم أفرز نفسي من باب الأدب في التعبير فليس من المناسب أن أقول ( أنتم تفعلون هكذا ) .
إذن لا يمكن أن نقول إنَّ الأئمة عليهم السلام قد دخلوا جزماً ضمن هذا التعبير حتى يأتي الإشكال، ومادمنا نحتمل أنّ المقصود ما أشرنا إليه فلا إشكال حينئذٍ.
وثانياً:- إنّ غاية الأمر هو أنّ هذه الرواية يُرَدَّ علمها إلى أهلها وتسقط عن الاعتبار ولكن لماذا نُسقِط جميع روايات هذه الطائفة ؟! إنّه شيء بلا مبرّر، بل المناسب لو أردنا أن نُسقِط روايةً فنُسقِط خصوص هذه الرواية التي اشتملت على هذا المضمون، وهذه قضيّة واضحة ولا تستدعي التوقّف أكثر من ذلك.
القضية الثانية:- ذكرنا فيما سبق أنّا نتكلّم تارةً بمقتضى الروايات وأخرى بمقتضى قاعدة حرمة الاعانة على الحرام.
ورب قائل يقول:- إنّه بعدما دلّت الطائفة الأولى على الجواز - أي جواز بيع العنب على من يعلم أنه يصنعه شراباً خبيثاً - فذلك يعني أنّ الاعانة على الحرام جائزة، ومادامت جائزة بالروايات فيثبت بذلك أنّ قاعدة حرمة الاعانة باطلة، يعني لا حرمة للعانة.
وإن شئت قلت:- لو سلّمنا أنّ الاعانة على الحرام حرام لكنّ هذا بقطع النظر عن الروايات، أمّا إذا دلّت الروايات على أنّ الاعانة جائزة حيث دلّت الروايات الأربع على جواز بيع العنب ممّن يعلم أنه يصنعه خمراً فبعدما دلّت على جواز الاعانة فلا معنى حينئذٍ لبحث هذه القاعدة وأنّ الاعانة على الحرام هل حرام أو لا، بل أصل هذه القاعدة لا وجه له وتكون باطلة، يعني بتعبيرٍ آخر أنَّ الاعانة على الحرام ليست حراماً لأجل الروايات المذكورة وإن كانت القاعدة بقطع النظر عن الروايات تقتضي الحرمة ولكن مادام توجد روايات في المسألة فحينئذٍ نرفع اليد عن قاعدة حرمة الاعانة ولا مجال لبحثها بعد دلالة الروايات على جواز الاعانة على الحرام.
والجواب:- إنّ هذه قضيّة سوف نبحثها عندما نتعرّض إلى القاعدة المذكورة بعد قليل، وحاصل ما سوف نذكره هو أن الاعانة على الحرام تارةً نبني على أنّها حرام بحكم العقل، فالعقل يُقبِّح الاعانة على الحرام ومنه نستكشف الحرمة، إنّه بناءً على هذا حيث لا يمكن تخصيص حكم العقل يعني لا معنى لأن يقال ( يقبح الاعانة على الحرام حرامٌ إلا في بيع العنب ممّن يعلم أنه سوف يصنعه خمراً ) فإنّ هذا لا يصحّ لأنّ الأحكام العقليّة غير قابلة للتخصيص فهنا تصحّ هذه المقالة - يعني نستكشف أنّ قاعدة حرمة الاعانة باطلة ولا معنى لبحثها -، أمّا إذا قلنا إنّ حرمة الاعانة ليست ثابتةً بحكم العقل وإنما هي ثابتة بحكم الشرع فإذا بنينا على هذا فحينئذٍ نقول لا بأس بتخصيص الحكم الشرعي، فشرعاً يحرم الاعانة على الحرام وقد خرج من ذلك بيع العنب على من يعلم أنه يصنعه خمراً بالدليل فإنَّ الأحكام الشرعيّة قابلة للتخصيص.
إن قلت:- إنّ هذا وجيه إذا لم نلغي خصوصيّة المورد، أمّا إذا ألغيت عرفاً فلا مدخليّة لها وحينئذٍ سوف يثبت في مطلق الموارد أنّ الاعانة جائزة وبالتالي سوف تكون عمليّة التخصيص باطلة إذ لا يمكن تخصيص الجميع فإنَّ تخصيص الجميع لا معنى له وهو مضحكٌ، فإنّه سوف يثبت بالروايات أنّ جميع موارد الاعانة جائزة فلا معنى لعمليّة التخصيص آنذاك فإنّها مقبولة في موردٍ أو موردين لا في جميع الموارد كما هو واضح.
قلت:- إنّ إلغاء خصوصيّة المورد هي أوّل الكلام، ولكن لو قبلنا ذلك فنقبله بالنسبة إلى المورد الآخر المساوي كبيع الخاتم من الذهب مثلاً على رجلٍ أعلم أنّه سوف يلبسه فهنا يمكن أن نلغي خصوصيّة المورد، فهذا من باب أنّه لا خصوصيّة للعنب نتعدّى إلى الخاتم فنقول إذا جاز ذاك فهذا جائز، إمّا لو فرض أني أردت أن أبيع سكّيناً على شخص أعلم أنه سوف يقتل بها بريئاً فإنّ هذا تعدٍّ من الأدون إلى الأعلى والعرف هنا لا يغلي الخصوصيّة، فهو إن ألغى الخصوصيّة فهو يلغيها بلحاظ المساوي والمشاكل لا بلحاظ الأعلى كما هو واضح فتبقى حرمة الاعانة على حالها بلحاظ ذلك الفرد الأعلى.
الخلاصة:- أنّ بحث قاعدة حرمة الاعانة شيء وجيهٌ رغم وجود روايات تدلّ على جواز الاعانة - أي روايات الطائفة الأولى - ولكنّه لا يثبت بذلك بطلان حرمة الاعانة بشكلٍ مطلقٍ وإنما يثبت البطلان بناءً على أنّ حرمة الاعانة حكم عقليّ فإنّ الحكم العقلي لا يقبل التخصيص، وأمّا إذا كان حكماً شرعيّاً فهو قابلٌ للتخصيص.
القضية الثالثة:- إنّ مورد الروايات كما عرفنا هو خاصّ ببيع الخشب ليصنع صليباً أو صنما ًأو العنب ليصنع خمراً وهل يمكن في مثل ذلك أن نتعدّى ونوسّع إلى مطلق الموارد ونقول أنّه لا خصوصيّة لهذه الموارد فإذا جاز بيع العنب على من يصنعه خمراً فيجوز التعدّي إلى مسالة الخاتم فيجوز بيعه على من يعلم أنه سوف يلبسه ؟ فهل نتعدّى إلى الموارد الأخرى أو نبقى نقتصر على موارد هذه الروايات ؟
يظهر من تعبير الفقهاء الاقتصار على موردها لأنهم خصّصوا بالعنب وبالخشب بالذكر ولم يذكروا قانوناً عامّاً.
وقد اتضح من خلال ما ذكرناه أنّ مسألة بيع الخشب على من يصنعه صنما ًأو صليباً يحتمل الخصوصيّة له لأنّ هذه مسألة عبادة ولعله يتشدد الشرع بلحاظها، وهكذا مسألة بيع العنب لعلّه جوّزه لأجل خصوصيّة فيه، أما أن نتعدّى إلى الموارد التي هي أعلى وليست مساوية فلا وجه له على ما اتضح.
إذن إلغاء خصوصيّة المورد بشكلٍ عام وإعطاء قاعدة كلّية بشكلٍ عامٍّ وأنه يجوز مطلقاً أخذاً بالطائفة الأولى مثلاً أو يمنع مطلقاً أخذاً بالطائفة الثانية عمليّة غير صحيحة، بل يلزم أن نبقى نتحفّظ على المورد وإذا أردنا أن نتعدّى فنتعدّى إلى الموارد المشابهة والمساوية لا أن نتعدّى بشكلٍ مطلقٍ ونعطي قاعدةً عامةً بالحرمة أو بعدم الحرمة، وهذا مطلب واضحٌ وقد اتضح من خلال ما ذ كرناه سابقاً.
وبهذا ننهي كلامنا بلحاظ الروايات.
وأما بلحاظ قاعدة حرمة الاعانة:-
فالكلام يقع في نقاط أربع:-
النقطة الأولى:- تحرير محلّ النزاع.
النقطة الثانية:- مستندات القاعدة المذكورة.
النقطة الثالث:- هل أخذت بعض القيود في مفهوم الاعانة ؟
النقطة الرابعة:- بناءً على ثبوتها هل حرمة الاعانة قابلة للتخصيص أو لا ؟
النقطة الأولى:- تحرير محلّ النزاع.
ونشير في هذا المجال إلى مطلبين:-
الأوّل:- هناك عنوان ينبغي استثناؤه وقد اتفق الجميع على الحرمة فيه وهو ما إذا صدق عنوان إعانة الظلمة والمصداق الواضح لهم سلاطين الجور . إنّ هذا العنوان بنفسه قد دلّت الروايات على حرمته، فمتى ما صدق أن هذا الفعل إعانة للظلمة فيصير محرّمٌ لخصوصيّة في هذا العنوان.
إذن كلامنا حينما نبحث عن حرمة الاعانة فهو يما إذا لم تكن الاعانة إعانة لعنوان الظلمة، كما لو أراد شخصٌ أن يلبس خاتماً من ذهبٍ فهنا لا يصدق أنّه إعانة للظلمة، أو أبيع سكّيناً يريد أن يقتل بها شخصاً، نعم قد يصدق عليه أنّه ظالم بالمعنى اللغوي وبالمعنى الوسيع أمّا الظلم بالعنوان المعهود فلا يصدق عليه.
إذن عنوان الظلمة ينبغي الاتّفاق على تحريمه وهو خارجٌ عن محلّ الكلام للاتفاق على حرمته وقد دلّت روايات على ذلك، وقد عقد صاحب الوسائل(قده) باباً باسم ( باب تحريم معونة الظالمين ولو بمدّة قلم وطلب ما في أيديهم من الظلم[1] ) وذكر عدّة أحاديث تحت هذا العنوان نذكر منها حديثين:-
الأوّل:- صحيحة يونس بن يعقوب:- ( قال:- قال لي أبو عبد الله عليه السلام:- لا تعنهم على بناء مسجد )[2].
الثاني:- صحيحة ابن أبي يعفور قال:- ( كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ّإذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له:- جعلت فداك إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسنّاة يصلحها فما تقول في ذلك ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام:- ما أحبّ أنّي عقدت لهم عقدةً أو وكيت لهم وكاءً وأنّ لي ما بين لابتيها[3]، لا ولا مدّةٍ بقلم إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نارٍ حتى يحكم الله بين العباد )[4] .... إلى غير ذلك.
وقد اتضح أنّ هذه الرواية لا يمكن الإشكال على دلالتها على التحريم - باعتبار أنّها قالت ( لا أحبّ ) وهذا التعبير لا دلالة فيه على التحريم - وذلك لأنّ ذيلها الذي يقول ( في سرادق من نار ) يستفاد منه التحريم.
نعم هناك كلامٌ وهو أنّ الظلمة هل تحرم إعانتهم حتى في المباحات كبيع قرصِ خبزٍ لهم أو خياطة ثوبٍ ؟ إنّ هذه مسألة وقعت محلاً للكلام بين الفقهاء وقد اختار صاحب الجواهر(قده) الجواز وتخصيص الحرمة بما إذا كان على الحرام، فإنّه ذكر تبعاً للمحقّق هذه المسألة وقال:- ( فالمتّجه حينئذٍ في الجمع بين الجميع تخصيص الحرمة في الاعانة على المحرّم في نفسه كما في كلّ عاصٍ وإعداد نفسه لها ..... وأمّا ما عدى ذلك من خياطة ثوبٍ أو بناء جدارٍ أو نحو ذلك ممّا هو مباحٌ في نفسه ولم يكن من قصد الفاعل ما سمعت فالظاهر جوازه وإن هو لا يخلو من كراهة )[5].
والكلام يقع في قضايا ثلاث:-
القضية الأولى:- ربَّ قائل يقول إنّ الطائفة الأولى لابد من رفع اليد عنها وطرحها من الحساب وبالتالي نبقى نحن والطائفة الثانية فقط، والنتيجة حينئذٍ سوف تصير هي الحرمة فيما إذا علمت أنه سوف يصنعه صنماً، وبالتالي نعمّم إلى جميع الموارد بعد إلغاء خصوصيّة المورد فمتى ما علمت فهو حرام.
أمّا لماذا نلغي الطائفة الأولى ؟
ذلك باعتبار أنها تدلّ على أن ّالأئمة عليهم السلام كانوا يبيعون تمرهم ممّن يعلم أنه يصنعه شراباً خبيثاً، وحيث إنّ هذا المضمون لا يمكن الأخذ به في حقّهم صلوات الله عليهم فهذه الطائفة مطروحة ويتعيّن الأخذ بالطائفة الثانية، وبإلغاء الخصوصيّة حينئذٍ نقول يحرم البيع متى ما علمت أنّ المشتري يصنع المبيع حراماً . هكذا ربما يخطر إلى الذهن.
وجواب ذلك:-
أوّلاً:- ما أشرنا إليه سابقاً من احتمال أن يكون المقصود من فقرة ( ألسنا ) يعني كمجتمع إسلامي لا كأئمة.
إن قلت:- إنّه حتى لو فرض أنّ المقصود هو أنّه كمجتمع إسلامي ولكن الأئمة داخلون في المجتمع الإسلامي فعادت المشكلة من جديد . إذن تفسير كلمة ( ألسنا ) بالمجتمع الإسلامي لا ينفع شيئاً بعدما كان المصداق البارز له هو الأئمة عليهم السلام.
قلت:- إنّ هذا التعبير لا يقصد منه ما يشمل الأئمة عليهم السلام، نظير ما إذا كنّا نتحدث فيما بيننا وأقول ( نحن المسلمون ألسنا نستغيب ونسرق ألسنا يقاتل بعضنا بعضاً ؟! )، إنّنا نعبّر هكذا ولكن ليس المقصود أنّي أنا المتكلّم واحدٌ منهم وأفعل كما يفعل هؤلاء وإنما لم أفرز نفسي من باب الأدب في التعبير فليس من المناسب أن أقول ( أنتم تفعلون هكذا ) .
إذن لا يمكن أن نقول إنَّ الأئمة عليهم السلام قد دخلوا جزماً ضمن هذا التعبير حتى يأتي الإشكال، ومادمنا نحتمل أنّ المقصود ما أشرنا إليه فلا إشكال حينئذٍ.
وثانياً:- إنّ غاية الأمر هو أنّ هذه الرواية يُرَدَّ علمها إلى أهلها وتسقط عن الاعتبار ولكن لماذا نُسقِط جميع روايات هذه الطائفة ؟! إنّه شيء بلا مبرّر، بل المناسب لو أردنا أن نُسقِط روايةً فنُسقِط خصوص هذه الرواية التي اشتملت على هذا المضمون، وهذه قضيّة واضحة ولا تستدعي التوقّف أكثر من ذلك.
القضية الثانية:- ذكرنا فيما سبق أنّا نتكلّم تارةً بمقتضى الروايات وأخرى بمقتضى قاعدة حرمة الاعانة على الحرام.
ورب قائل يقول:- إنّه بعدما دلّت الطائفة الأولى على الجواز - أي جواز بيع العنب على من يعلم أنه يصنعه شراباً خبيثاً - فذلك يعني أنّ الاعانة على الحرام جائزة، ومادامت جائزة بالروايات فيثبت بذلك أنّ قاعدة حرمة الاعانة باطلة، يعني لا حرمة للعانة.
وإن شئت قلت:- لو سلّمنا أنّ الاعانة على الحرام حرام لكنّ هذا بقطع النظر عن الروايات، أمّا إذا دلّت الروايات على أنّ الاعانة جائزة حيث دلّت الروايات الأربع على جواز بيع العنب ممّن يعلم أنه يصنعه خمراً فبعدما دلّت على جواز الاعانة فلا معنى حينئذٍ لبحث هذه القاعدة وأنّ الاعانة على الحرام هل حرام أو لا، بل أصل هذه القاعدة لا وجه له وتكون باطلة، يعني بتعبيرٍ آخر أنَّ الاعانة على الحرام ليست حراماً لأجل الروايات المذكورة وإن كانت القاعدة بقطع النظر عن الروايات تقتضي الحرمة ولكن مادام توجد روايات في المسألة فحينئذٍ نرفع اليد عن قاعدة حرمة الاعانة ولا مجال لبحثها بعد دلالة الروايات على جواز الاعانة على الحرام.
والجواب:- إنّ هذه قضيّة سوف نبحثها عندما نتعرّض إلى القاعدة المذكورة بعد قليل، وحاصل ما سوف نذكره هو أن الاعانة على الحرام تارةً نبني على أنّها حرام بحكم العقل، فالعقل يُقبِّح الاعانة على الحرام ومنه نستكشف الحرمة، إنّه بناءً على هذا حيث لا يمكن تخصيص حكم العقل يعني لا معنى لأن يقال ( يقبح الاعانة على الحرام حرامٌ إلا في بيع العنب ممّن يعلم أنه سوف يصنعه خمراً ) فإنّ هذا لا يصحّ لأنّ الأحكام العقليّة غير قابلة للتخصيص فهنا تصحّ هذه المقالة - يعني نستكشف أنّ قاعدة حرمة الاعانة باطلة ولا معنى لبحثها -، أمّا إذا قلنا إنّ حرمة الاعانة ليست ثابتةً بحكم العقل وإنما هي ثابتة بحكم الشرع فإذا بنينا على هذا فحينئذٍ نقول لا بأس بتخصيص الحكم الشرعي، فشرعاً يحرم الاعانة على الحرام وقد خرج من ذلك بيع العنب على من يعلم أنه يصنعه خمراً بالدليل فإنَّ الأحكام الشرعيّة قابلة للتخصيص.
إن قلت:- إنّ هذا وجيه إذا لم نلغي خصوصيّة المورد، أمّا إذا ألغيت عرفاً فلا مدخليّة لها وحينئذٍ سوف يثبت في مطلق الموارد أنّ الاعانة جائزة وبالتالي سوف تكون عمليّة التخصيص باطلة إذ لا يمكن تخصيص الجميع فإنَّ تخصيص الجميع لا معنى له وهو مضحكٌ، فإنّه سوف يثبت بالروايات أنّ جميع موارد الاعانة جائزة فلا معنى لعمليّة التخصيص آنذاك فإنّها مقبولة في موردٍ أو موردين لا في جميع الموارد كما هو واضح.
قلت:- إنّ إلغاء خصوصيّة المورد هي أوّل الكلام، ولكن لو قبلنا ذلك فنقبله بالنسبة إلى المورد الآخر المساوي كبيع الخاتم من الذهب مثلاً على رجلٍ أعلم أنّه سوف يلبسه فهنا يمكن أن نلغي خصوصيّة المورد، فهذا من باب أنّه لا خصوصيّة للعنب نتعدّى إلى الخاتم فنقول إذا جاز ذاك فهذا جائز، إمّا لو فرض أني أردت أن أبيع سكّيناً على شخص أعلم أنه سوف يقتل بها بريئاً فإنّ هذا تعدٍّ من الأدون إلى الأعلى والعرف هنا لا يغلي الخصوصيّة، فهو إن ألغى الخصوصيّة فهو يلغيها بلحاظ المساوي والمشاكل لا بلحاظ الأعلى كما هو واضح فتبقى حرمة الاعانة على حالها بلحاظ ذلك الفرد الأعلى.
الخلاصة:- أنّ بحث قاعدة حرمة الاعانة شيء وجيهٌ رغم وجود روايات تدلّ على جواز الاعانة - أي روايات الطائفة الأولى - ولكنّه لا يثبت بذلك بطلان حرمة الاعانة بشكلٍ مطلقٍ وإنما يثبت البطلان بناءً على أنّ حرمة الاعانة حكم عقليّ فإنّ الحكم العقلي لا يقبل التخصيص، وأمّا إذا كان حكماً شرعيّاً فهو قابلٌ للتخصيص.
القضية الثالثة:- إنّ مورد الروايات كما عرفنا هو خاصّ ببيع الخشب ليصنع صليباً أو صنما ًأو العنب ليصنع خمراً وهل يمكن في مثل ذلك أن نتعدّى ونوسّع إلى مطلق الموارد ونقول أنّه لا خصوصيّة لهذه الموارد فإذا جاز بيع العنب على من يصنعه خمراً فيجوز التعدّي إلى مسالة الخاتم فيجوز بيعه على من يعلم أنه سوف يلبسه ؟ فهل نتعدّى إلى الموارد الأخرى أو نبقى نقتصر على موارد هذه الروايات ؟
يظهر من تعبير الفقهاء الاقتصار على موردها لأنهم خصّصوا بالعنب وبالخشب بالذكر ولم يذكروا قانوناً عامّاً.
وقد اتضح من خلال ما ذكرناه أنّ مسألة بيع الخشب على من يصنعه صنما ًأو صليباً يحتمل الخصوصيّة له لأنّ هذه مسألة عبادة ولعله يتشدد الشرع بلحاظها، وهكذا مسألة بيع العنب لعلّه جوّزه لأجل خصوصيّة فيه، أما أن نتعدّى إلى الموارد التي هي أعلى وليست مساوية فلا وجه له على ما اتضح.
إذن إلغاء خصوصيّة المورد بشكلٍ عام وإعطاء قاعدة كلّية بشكلٍ عامٍّ وأنه يجوز مطلقاً أخذاً بالطائفة الأولى مثلاً أو يمنع مطلقاً أخذاً بالطائفة الثانية عمليّة غير صحيحة، بل يلزم أن نبقى نتحفّظ على المورد وإذا أردنا أن نتعدّى فنتعدّى إلى الموارد المشابهة والمساوية لا أن نتعدّى بشكلٍ مطلقٍ ونعطي قاعدةً عامةً بالحرمة أو بعدم الحرمة، وهذا مطلب واضحٌ وقد اتضح من خلال ما ذ كرناه سابقاً.
وبهذا ننهي كلامنا بلحاظ الروايات.
وأما بلحاظ قاعدة حرمة الاعانة:-
فالكلام يقع في نقاط أربع:-
النقطة الأولى:- تحرير محلّ النزاع.
النقطة الثانية:- مستندات القاعدة المذكورة.
النقطة الثالث:- هل أخذت بعض القيود في مفهوم الاعانة ؟
النقطة الرابعة:- بناءً على ثبوتها هل حرمة الاعانة قابلة للتخصيص أو لا ؟
النقطة الأولى:- تحرير محلّ النزاع.
ونشير في هذا المجال إلى مطلبين:-
الأوّل:- هناك عنوان ينبغي استثناؤه وقد اتفق الجميع على الحرمة فيه وهو ما إذا صدق عنوان إعانة الظلمة والمصداق الواضح لهم سلاطين الجور . إنّ هذا العنوان بنفسه قد دلّت الروايات على حرمته، فمتى ما صدق أن هذا الفعل إعانة للظلمة فيصير محرّمٌ لخصوصيّة في هذا العنوان.
إذن كلامنا حينما نبحث عن حرمة الاعانة فهو يما إذا لم تكن الاعانة إعانة لعنوان الظلمة، كما لو أراد شخصٌ أن يلبس خاتماً من ذهبٍ فهنا لا يصدق أنّه إعانة للظلمة، أو أبيع سكّيناً يريد أن يقتل بها شخصاً، نعم قد يصدق عليه أنّه ظالم بالمعنى اللغوي وبالمعنى الوسيع أمّا الظلم بالعنوان المعهود فلا يصدق عليه.
إذن عنوان الظلمة ينبغي الاتّفاق على تحريمه وهو خارجٌ عن محلّ الكلام للاتفاق على حرمته وقد دلّت روايات على ذلك، وقد عقد صاحب الوسائل(قده) باباً باسم ( باب تحريم معونة الظالمين ولو بمدّة قلم وطلب ما في أيديهم من الظلم[1] ) وذكر عدّة أحاديث تحت هذا العنوان نذكر منها حديثين:-
الأوّل:- صحيحة يونس بن يعقوب:- ( قال:- قال لي أبو عبد الله عليه السلام:- لا تعنهم على بناء مسجد )[2].
الثاني:- صحيحة ابن أبي يعفور قال:- ( كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ّإذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له:- جعلت فداك إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسنّاة يصلحها فما تقول في ذلك ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام:- ما أحبّ أنّي عقدت لهم عقدةً أو وكيت لهم وكاءً وأنّ لي ما بين لابتيها[3]، لا ولا مدّةٍ بقلم إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نارٍ حتى يحكم الله بين العباد )[4] .... إلى غير ذلك.
وقد اتضح أنّ هذه الرواية لا يمكن الإشكال على دلالتها على التحريم - باعتبار أنّها قالت ( لا أحبّ ) وهذا التعبير لا دلالة فيه على التحريم - وذلك لأنّ ذيلها الذي يقول ( في سرادق من نار ) يستفاد منه التحريم.
نعم هناك كلامٌ وهو أنّ الظلمة هل تحرم إعانتهم حتى في المباحات كبيع قرصِ خبزٍ لهم أو خياطة ثوبٍ ؟ إنّ هذه مسألة وقعت محلاً للكلام بين الفقهاء وقد اختار صاحب الجواهر(قده) الجواز وتخصيص الحرمة بما إذا كان على الحرام، فإنّه ذكر تبعاً للمحقّق هذه المسألة وقال:- ( فالمتّجه حينئذٍ في الجمع بين الجميع تخصيص الحرمة في الاعانة على المحرّم في نفسه كما في كلّ عاصٍ وإعداد نفسه لها ..... وأمّا ما عدى ذلك من خياطة ثوبٍ أو بناء جدارٍ أو نحو ذلك ممّا هو مباحٌ في نفسه ولم يكن من قصد الفاعل ما سمعت فالظاهر جوازه وإن هو لا يخلو من كراهة )[5].
[3] هذه اشارة إلى المدينة المنورة فإنها بين لابتين وهذ كناية عن
أنه حتى لو فرض أني اعطيت هذا المكان الوسيع المهم فأنا لا أحب ذلك.