35/12/04
تحمیل
الموضوع:- الأخبار
العلاجية - أخبار التخيير.
هذا ويمكن أن يقال:- إنها حتى لو كانت تامّة السند فهي لا تعارض رواية الراوندي؛ باعتبار أنّ هذه الرواية مطلقة - يعني أنّ الامام عليه السلام قال:- ( إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت ) - ومقتضى إطلاقها أنّه موسّعٌ عليك بأيّهما أخذ سواءً فرض أنّه يوجد أحد المرجّحات في أحد الطرفين أم لم يوجد ، فيقيّد إطلاقها برواية الراوندي ، فالمورد من باب المطلق والمقيّد ، وتصير النتيجة هي أنّه إذا كان يوجد أحد المرجّحين المذكورين في رواية الراوندي فلابد من إعمالهما وإن لم يكونا فحينئذٍ تكون مخيّراً ، فالاختلاف سوف يصير فيما إذا لم يوجد المرجّحان فإنّ مقتضى رواية الراوندي هو الرجوع إلى القاعدة - الذي هو العمل بالأصل اللفظي إن كان أو بالأصل العملي - وهذا كما قلنا تمسّكٌ بالقاعدة وإن لم تصرّح به رواية الراوندي ، وهذه - أي رواية الحسن بن الجهم - يكون مفادها أنّه لا يجوز الرجوع إلى القاعدة بعد وجود المرجّحين وإنما يكون الحكم هو التخيير ، فالاختلاف والتنافي إن كان فهو بهذا المقدار لا أنّه يكون الحكم هو التخيير ابتداءً من دون نظرٍ إلى المرجّحات فإن المورد كما ذكرنا مورد الطلاق والتقييد.
إذن هذا جوابٌ آخر يمكن أن نذكره في هذا المجال لو تمّ سند هذه الرواية فنُعمِل التقييد . ولكنّي أعود من جديد وأقول إنّ سندها ضعيف لما أشرنا إليه.
إن قلت:- يمكن التغلب على مشكلة ضعف السند وذلك بأن يقال إنّ الروايات في هذا المجال على ما اتضح لنا هي بمقدار ثمان روايات وبضمّ بعضٍ إلى بعضٍ يحصل الاطمئنان بحقّانية المضمون وحينئذٍ لا يؤثر ضعف السند.
وبكلمة أخرى:- لو كانت الرواية واحدة أو ثنتين بحيث تكون عمليّه ضمّ بعضٍ إلى بعضٍ غير موجود إلى درجة الاطمئنان فنقول إنَّ الرواية والسند ساقط ، أمّا إذا كانت هناك كثر كاثرة في الرواية كعدد ثمان روايات فليس من البعيد حصول الاطمئنان فنعمل حينئذٍ بالرواية.
قلت:- إنَّ هذه الكبرى تامّة فيما إذا فرض أنّ الدلالة كانت في جمع الروايات تامّة بأن كانت توجد عندنا روايات بقدر ثمانٍ مثلاً ودلالة الجميع واضحة ليس فيها مناقشة فحينئذٍ يمكن التغلّب على مشكلة السند فنقول توجد استفاضة في الرواية أو ما شاكل ذلك بحدٍّ يحصل الاطمئنان ، أمّا إذا فرض أنّ الدلالة كانت ضعيفة فلا معنى آنذاك لضمّ بعضٍ إلى بعض لفرض أنّ الدلالة ضعيفة في حدّ نفسها فلا تنفع هذه الكبرى . إذن هذه الكبرى تامّة على تقدير تماميّة الدلالة.
ومن هنا لا نحتاج في باب التواتر إلى مراجعة السند ، فحديث الغدير مثلاً مادامت دلالته تامّة لا حاجة إلى البحث السندي وأنّ هذه الرواية الأولى تامّة السند أو لا وهكذا الرواية الثانية والثالثة ...... وهكذا ، كلّا بل كلّ هذا لا حاجة إليه . وهكذا بالنسبة إلى روايات ولادة الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف فالبعض يذهب ويبحث بحثاً سنديّاً ، كلّا فإنه مادامت الروايات الدالة على الولادة بالمدلول المطابقي أو التضمّني أو الالتزامي كثيرة فحينئذٍ لا نحتاج إلى مراجعة السند ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها ، والنكتة في ذلك هي ما أشرت إليه من أنّه بعد فرض كون العدد كبيراً فيتولّد آنذاك اطمئنان بحقّانية المضمون وصدوره وبعد حصول الاطمئنان لا داعي إلى البحث عن السند ، وهذه قضيّة ينبغي أن تكون واضحة.
وفي مقامنا حيث إنّ دلالة كلّ رواية كانت ضعيفة فإذن لا يمكن أن نضمّ بعضٍ إلى بعضٍ ونقول إنَّ ضعف سند الرواية لا يضرّ ، وهذا مطلب واضح.
والنتيجة من كلّ ما ذكرناه:- إنّ المجموعة الثانية التي تدلّ على التخيير هي ضعيفة الدلالة وإذا كان بعضها تامّ الدلالة فهو ضعيفُ السند فتبقى حينئذٍ رواية الراوندي بلا معارض.
أخبار الإرجاء.
وأحسن ما يمكن ذكره في هذا المجال روايتان:-
الرواية الأولى:- مقبولة ابن حنظلة المتقدّمة فإنه بعد أن فرض في كلام السائل فقدان جميع المرجّحات أمر الإمام عليه السلام بالإرجاء حتى يلقى الامام عليه السلام حيث قال:- ( أرجئه حت تلقى إمامك ) . إذن يستفاد من هذه المقبولة أنّ الحكم في مورد المتعارضين هو الإرجاء دون ما جاء في رواية الراوندي.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّها لا تتنافى مع رواية الراوندي إذ رواية الراوندي أمرت بإعمال المرجّحات أما في حالة فقدانها فهي قد سكتت وقلنا إنّه مادام هي قد سكتت فالمناسب الرجوع إلى القاعدة وهي تقتضي بعد التساقط الرجوع إلى الأصل اللفظي إن كان وإلّا فالأصل العملي ، فهي إذن أمرت بإعمال المرجّحات ، وهذا المقدار لا ترفضه مقبولة ابن حنظلة فإنها أعملت المرجّحات أيضاً لا أنّها أنكرت إعمالها وهي قد أمرت بالإرجاء بعد فقدان المرجّحات.
إذن لا تعارض بينهما في هذا المجال وإنما لو كان هناك تعارض فهو في حالة فقدان المرجّحات فهنا هل نرجع إلى القاعدة كما تقتضيه رواية الراوندي أو الحكم هو الأرجاء حتى لقاء الإمام عليه السلام ؟ أمّا في ذلك المقدار فلا تنافي في البين.
بل يمكن أن يقال:- إنه حتى في هذا المقدار الأخير - يعني عند فقدان المرجّحات - لا تنافي فإن مقبولة ابن حنظلة حينما أمرت بالإرجاء حتى لقاء الإمام ماذا يقصد من الارجاء ؟ هل معناه أننا نجلس وننتظر الإمام حتى نلقاه في مكّة أو المدينة ولا نعمل بالأصل اللفظي أو الأصل العملي ؟ إنّ هذا لا يحتمل ، وإنما المقصود من ( أرجئه ) بمعنى أنّه لا تحكم على طبق أحد الخبرين لا أنّه لا ترجع إلى القاعدة التي تقتضي العمل بالأصل اللفظي أو بالأصل العملي ، وعليه لا منافاة حتّى من هذ الناحية.
إذن في حالة وجود المرجّحات لا تنافي بينهما وهما متفقان على لزوم إعمال المرجّحات ، وإذا فقدت المرجحات يمكن أن نقول لا تنافي أيضاً إذ المقصود من الأمر بالإرجاء ليس هو الأمر بهجر الأصل اللفظي أو العملي وإنما المقصود هو ترك العمل على طبق أحد الخبرين بخصوصه.
ثانياً:- لو تنزّلنا وقلنا إنّها تأمر بالإرجاء فيمكن أن نقول هي ناظرة إلى زمان حضور الإمام عليه السلام كما تقدّمت الإشارة إليه سابقاً حيث قال عليه السلام:- ( أرجه حتى تلقى إمامك ) والمقصود من الإمام هو الإمام الحاضر وليس هو الإمام الغائب فإن هذا ليس بمحتملٍ في حدّ نفسه ، أفهل يحتمل أنّ الإمام الصادق عله السلام يقول لعمر بن حنظلة أرجئه حتى تلقى الامام الحجة - يعني بعد فترة طويلة - ؟!! إنّ هذا غير محتمل . فإذن حتماً المقصود هو الإمام الحاضر ولكن أنت بما أنّك في مكّة فأرجئه إلى أن ترى الإمام في المدينة فتلتقي به وتسأله آنذاك.
ومادام موردها هو حالة الحضور وليس حالة الغيبة فنقول يحتمل بلحاظ حالة الغيبة أن لا يكون الأمر هو الإرجاء بل الأمر حينئذٍ يكون هو بتساقط الروايتين والرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة.
فإذن لو تنزلنا وسلمنا أنّ المقصود من الأرجاء هو بهذا المعنى لا بالمعنى الذي أشرت إليه - يعني الإرجاء بمعنى عدم الحكم على طبق أحدهما - فنقول هي خاصّة بزمان حضور الإمام فلعلّه في زمان الغيبة هناك تسهيلٌ ولا يلزم الإرجاء بل ترجع إلى ما تقتضيه القاعدة فلا تكون عامّة لزمان الغيبة.
ثالثاً:- إنّ المقبولة ناظرة إلى حالة اختلاف الحاكمين - يعني لو اختلف الحاكمان وكان منشأ اختلافهما هو اختلاف الروايتين فالعمل هو هذا يعني تطبيق أحد المرجّحات التي ذكرها الإمام عليه السلام ومن ثم الإرجاء - أمّا إذا فرض أنّه لا يوجد حاكمان بل يوجد فقيهٌ وعنده روايتان ويريد أن يستنبط الحكم ورأى وجود تعارضٍ بينهما فهل تكون المقبولة دالّة على لزوم الإرجاء في مورد التعارض ؟ كلّا فإنَّ ذلك الحكم المتقدّم لعله هو خاصٌّ بمورد اختلاف الحاكمين الناشئ من اختلاف الروايتين أمّا في مورد اختلاف الروايتين بلا وجود حاكمين وخصومةٍ وإنما استنباطٌ فلعلّ الحكم ليس هو ذلك وإنما هو شيء آخر وهو التساقط والرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة . إذن المقبولة لا يمكن أن يستفاد منها ما أريد - وهو الأرجاء-.
الرواية الثانية:- ما رواه ابن إدريس في سرائره عن كتاب مسائل الرجال لعلي بن محمد أن محمد بن علي بن عيسى:- ( كتب إليه يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجادك عليهم السلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه أو أرد عليك فيما اختلف فيه ؟ فكتب عليه السلام:- ما علمتم أنّه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا )[1] ، ودلالتها واضحة حيث إنّه بعد أن سأل السائل عن الروايات المختلفة وماذا نصنع تجاهها أجاب عليه السلام بأنه:- ( ما علمتم أنّه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا ) وهذا الأمر بالردّ عبارة أخرى عن الإرجاء.
هذا ويمكن أن يقال:- إنها حتى لو كانت تامّة السند فهي لا تعارض رواية الراوندي؛ باعتبار أنّ هذه الرواية مطلقة - يعني أنّ الامام عليه السلام قال:- ( إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت ) - ومقتضى إطلاقها أنّه موسّعٌ عليك بأيّهما أخذ سواءً فرض أنّه يوجد أحد المرجّحات في أحد الطرفين أم لم يوجد ، فيقيّد إطلاقها برواية الراوندي ، فالمورد من باب المطلق والمقيّد ، وتصير النتيجة هي أنّه إذا كان يوجد أحد المرجّحين المذكورين في رواية الراوندي فلابد من إعمالهما وإن لم يكونا فحينئذٍ تكون مخيّراً ، فالاختلاف سوف يصير فيما إذا لم يوجد المرجّحان فإنّ مقتضى رواية الراوندي هو الرجوع إلى القاعدة - الذي هو العمل بالأصل اللفظي إن كان أو بالأصل العملي - وهذا كما قلنا تمسّكٌ بالقاعدة وإن لم تصرّح به رواية الراوندي ، وهذه - أي رواية الحسن بن الجهم - يكون مفادها أنّه لا يجوز الرجوع إلى القاعدة بعد وجود المرجّحين وإنما يكون الحكم هو التخيير ، فالاختلاف والتنافي إن كان فهو بهذا المقدار لا أنّه يكون الحكم هو التخيير ابتداءً من دون نظرٍ إلى المرجّحات فإن المورد كما ذكرنا مورد الطلاق والتقييد.
إذن هذا جوابٌ آخر يمكن أن نذكره في هذا المجال لو تمّ سند هذه الرواية فنُعمِل التقييد . ولكنّي أعود من جديد وأقول إنّ سندها ضعيف لما أشرنا إليه.
إن قلت:- يمكن التغلب على مشكلة ضعف السند وذلك بأن يقال إنّ الروايات في هذا المجال على ما اتضح لنا هي بمقدار ثمان روايات وبضمّ بعضٍ إلى بعضٍ يحصل الاطمئنان بحقّانية المضمون وحينئذٍ لا يؤثر ضعف السند.
وبكلمة أخرى:- لو كانت الرواية واحدة أو ثنتين بحيث تكون عمليّه ضمّ بعضٍ إلى بعضٍ غير موجود إلى درجة الاطمئنان فنقول إنَّ الرواية والسند ساقط ، أمّا إذا كانت هناك كثر كاثرة في الرواية كعدد ثمان روايات فليس من البعيد حصول الاطمئنان فنعمل حينئذٍ بالرواية.
قلت:- إنَّ هذه الكبرى تامّة فيما إذا فرض أنّ الدلالة كانت في جمع الروايات تامّة بأن كانت توجد عندنا روايات بقدر ثمانٍ مثلاً ودلالة الجميع واضحة ليس فيها مناقشة فحينئذٍ يمكن التغلّب على مشكلة السند فنقول توجد استفاضة في الرواية أو ما شاكل ذلك بحدٍّ يحصل الاطمئنان ، أمّا إذا فرض أنّ الدلالة كانت ضعيفة فلا معنى آنذاك لضمّ بعضٍ إلى بعض لفرض أنّ الدلالة ضعيفة في حدّ نفسها فلا تنفع هذه الكبرى . إذن هذه الكبرى تامّة على تقدير تماميّة الدلالة.
ومن هنا لا نحتاج في باب التواتر إلى مراجعة السند ، فحديث الغدير مثلاً مادامت دلالته تامّة لا حاجة إلى البحث السندي وأنّ هذه الرواية الأولى تامّة السند أو لا وهكذا الرواية الثانية والثالثة ...... وهكذا ، كلّا بل كلّ هذا لا حاجة إليه . وهكذا بالنسبة إلى روايات ولادة الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف فالبعض يذهب ويبحث بحثاً سنديّاً ، كلّا فإنه مادامت الروايات الدالة على الولادة بالمدلول المطابقي أو التضمّني أو الالتزامي كثيرة فحينئذٍ لا نحتاج إلى مراجعة السند ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها ، والنكتة في ذلك هي ما أشرت إليه من أنّه بعد فرض كون العدد كبيراً فيتولّد آنذاك اطمئنان بحقّانية المضمون وصدوره وبعد حصول الاطمئنان لا داعي إلى البحث عن السند ، وهذه قضيّة ينبغي أن تكون واضحة.
وفي مقامنا حيث إنّ دلالة كلّ رواية كانت ضعيفة فإذن لا يمكن أن نضمّ بعضٍ إلى بعضٍ ونقول إنَّ ضعف سند الرواية لا يضرّ ، وهذا مطلب واضح.
والنتيجة من كلّ ما ذكرناه:- إنّ المجموعة الثانية التي تدلّ على التخيير هي ضعيفة الدلالة وإذا كان بعضها تامّ الدلالة فهو ضعيفُ السند فتبقى حينئذٍ رواية الراوندي بلا معارض.
أخبار الإرجاء.
وأحسن ما يمكن ذكره في هذا المجال روايتان:-
الرواية الأولى:- مقبولة ابن حنظلة المتقدّمة فإنه بعد أن فرض في كلام السائل فقدان جميع المرجّحات أمر الإمام عليه السلام بالإرجاء حتى يلقى الامام عليه السلام حيث قال:- ( أرجئه حت تلقى إمامك ) . إذن يستفاد من هذه المقبولة أنّ الحكم في مورد المتعارضين هو الإرجاء دون ما جاء في رواية الراوندي.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّها لا تتنافى مع رواية الراوندي إذ رواية الراوندي أمرت بإعمال المرجّحات أما في حالة فقدانها فهي قد سكتت وقلنا إنّه مادام هي قد سكتت فالمناسب الرجوع إلى القاعدة وهي تقتضي بعد التساقط الرجوع إلى الأصل اللفظي إن كان وإلّا فالأصل العملي ، فهي إذن أمرت بإعمال المرجّحات ، وهذا المقدار لا ترفضه مقبولة ابن حنظلة فإنها أعملت المرجّحات أيضاً لا أنّها أنكرت إعمالها وهي قد أمرت بالإرجاء بعد فقدان المرجّحات.
إذن لا تعارض بينهما في هذا المجال وإنما لو كان هناك تعارض فهو في حالة فقدان المرجّحات فهنا هل نرجع إلى القاعدة كما تقتضيه رواية الراوندي أو الحكم هو الأرجاء حتى لقاء الإمام عليه السلام ؟ أمّا في ذلك المقدار فلا تنافي في البين.
بل يمكن أن يقال:- إنه حتى في هذا المقدار الأخير - يعني عند فقدان المرجّحات - لا تنافي فإن مقبولة ابن حنظلة حينما أمرت بالإرجاء حتى لقاء الإمام ماذا يقصد من الارجاء ؟ هل معناه أننا نجلس وننتظر الإمام حتى نلقاه في مكّة أو المدينة ولا نعمل بالأصل اللفظي أو الأصل العملي ؟ إنّ هذا لا يحتمل ، وإنما المقصود من ( أرجئه ) بمعنى أنّه لا تحكم على طبق أحد الخبرين لا أنّه لا ترجع إلى القاعدة التي تقتضي العمل بالأصل اللفظي أو بالأصل العملي ، وعليه لا منافاة حتّى من هذ الناحية.
إذن في حالة وجود المرجّحات لا تنافي بينهما وهما متفقان على لزوم إعمال المرجّحات ، وإذا فقدت المرجحات يمكن أن نقول لا تنافي أيضاً إذ المقصود من الأمر بالإرجاء ليس هو الأمر بهجر الأصل اللفظي أو العملي وإنما المقصود هو ترك العمل على طبق أحد الخبرين بخصوصه.
ثانياً:- لو تنزّلنا وقلنا إنّها تأمر بالإرجاء فيمكن أن نقول هي ناظرة إلى زمان حضور الإمام عليه السلام كما تقدّمت الإشارة إليه سابقاً حيث قال عليه السلام:- ( أرجه حتى تلقى إمامك ) والمقصود من الإمام هو الإمام الحاضر وليس هو الإمام الغائب فإن هذا ليس بمحتملٍ في حدّ نفسه ، أفهل يحتمل أنّ الإمام الصادق عله السلام يقول لعمر بن حنظلة أرجئه حتى تلقى الامام الحجة - يعني بعد فترة طويلة - ؟!! إنّ هذا غير محتمل . فإذن حتماً المقصود هو الإمام الحاضر ولكن أنت بما أنّك في مكّة فأرجئه إلى أن ترى الإمام في المدينة فتلتقي به وتسأله آنذاك.
ومادام موردها هو حالة الحضور وليس حالة الغيبة فنقول يحتمل بلحاظ حالة الغيبة أن لا يكون الأمر هو الإرجاء بل الأمر حينئذٍ يكون هو بتساقط الروايتين والرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة.
فإذن لو تنزلنا وسلمنا أنّ المقصود من الأرجاء هو بهذا المعنى لا بالمعنى الذي أشرت إليه - يعني الإرجاء بمعنى عدم الحكم على طبق أحدهما - فنقول هي خاصّة بزمان حضور الإمام فلعلّه في زمان الغيبة هناك تسهيلٌ ولا يلزم الإرجاء بل ترجع إلى ما تقتضيه القاعدة فلا تكون عامّة لزمان الغيبة.
ثالثاً:- إنّ المقبولة ناظرة إلى حالة اختلاف الحاكمين - يعني لو اختلف الحاكمان وكان منشأ اختلافهما هو اختلاف الروايتين فالعمل هو هذا يعني تطبيق أحد المرجّحات التي ذكرها الإمام عليه السلام ومن ثم الإرجاء - أمّا إذا فرض أنّه لا يوجد حاكمان بل يوجد فقيهٌ وعنده روايتان ويريد أن يستنبط الحكم ورأى وجود تعارضٍ بينهما فهل تكون المقبولة دالّة على لزوم الإرجاء في مورد التعارض ؟ كلّا فإنَّ ذلك الحكم المتقدّم لعله هو خاصٌّ بمورد اختلاف الحاكمين الناشئ من اختلاف الروايتين أمّا في مورد اختلاف الروايتين بلا وجود حاكمين وخصومةٍ وإنما استنباطٌ فلعلّ الحكم ليس هو ذلك وإنما هو شيء آخر وهو التساقط والرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة . إذن المقبولة لا يمكن أن يستفاد منها ما أريد - وهو الأرجاء-.
الرواية الثانية:- ما رواه ابن إدريس في سرائره عن كتاب مسائل الرجال لعلي بن محمد أن محمد بن علي بن عيسى:- ( كتب إليه يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجادك عليهم السلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه أو أرد عليك فيما اختلف فيه ؟ فكتب عليه السلام:- ما علمتم أنّه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا )[1] ، ودلالتها واضحة حيث إنّه بعد أن سأل السائل عن الروايات المختلفة وماذا نصنع تجاهها أجاب عليه السلام بأنه:- ( ما علمتم أنّه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا ) وهذا الأمر بالردّ عبارة أخرى عن الإرجاء.