36/04/12
تحمیل
الموضوع:- إمكان جعل الأحكام
الظاهرية - مباحث الحكم.
والأجدر في الجواب أن يقال:- إنّ المولى بعد أن شرّع أحكاماً واقعيّة كوجوب بعض الأشياء مثلاً سوف يواجه قضيّة وهي أنّ المكلف إذا علم بهذا الشيء حكماً وموضوعاً فلا مشكلة ولكنه إذا جهل - أو بتعبير آخر شكّ - في أنّ هذا مصداقٌ لذلك الشيء الواجب أو لا أو شكّ في أصل الحكم وأنّ المولى شرّع له الوجوب أو لا - ولعلّ المثال بالحرمة أوضح - كأن شكّ في أنّ هذا خمر أو لا أو شكّ في أنّ الفقاع حرامٌ أو لا فالمولى لابد وأن ينظر حالة الشك ويتّخذ موقفاً ولا يمكن أن يترك تحديد الموقف فماذا يصنع في مثل ذلك ؟ فهل يلزمهم بالاحتياط وأن يقول كلّ شيءٍ احتملتم أنّه مصداقٌ للواجب فيلزم فعله وكلّ شيءٍ احتملتم أنّه مصداقٌ للحرام فيلزم تركة ؟ هذه طريقةٌ، ولكن هذا سوف يكون سبباً لوقوع لناس في العسر والحرج وهو لا يريد واقعاً لهم ذلك إذ في العسر والحرج مفسدةٌ، فماذا يصنع في مثل ذلك ؟
المناسب أن يقال:- إذا فرض وجود طريقٍ له درجة من الكاشفيّة عن تحديد الواقع كخبر الثقة مثلاً فإنه كاشف ظنّي فالمولى في مثل هذه الحالة يجعله حجّة يمكن من خلاله تحديد أنّ هذا الشيء حرامٌ أو ليس بحرامٍ فقّاعٌ أو ليس بفقّاع خمرٌ أو ليس بخمرٍ رغم أنه يحتمل فيه الاشتباه ولكن مع ذلك لا محذور في أن يجعله حجّة باعتبار أن له كاشفية بدرجة 70% مثلاً إذ لو لم يجعله حجة فأمره - كما قلنا - يدور بين أن يأمر بالاحتياط وفي ذلك عسرٌ وحرج أو يلزم بخصوص الطريق العلمي وفي ذلك عسرٌ وحرجٌ أو تفويتٌ للواقع في كثيرٍ من الأحيان فحينئذٍ يجعل خبر الثقة حجّة، وحينما يجعله حجّة ما هو منشأ جعله للحجيّة ؟ إنّه ليس إلا التحفّظ على مصلحة الواقع - أي مصلحة الواجبات أو مفسدة المحرمات - فهي التي تدعوه إلى جعل هذا الطريق فجعل الحجيّة له نشأ من مصلحة الواقع أو مفسدته، هذا إذا فرض أنّه كان يوجد طريق.
وهناك حالة ثانية يلزم أن يعالجها المولى أيضاً وهي أنه أحيانا لا يوجد طريقٌ فلا يوجد خبرٌ ولا أمارة أخرى فماذا يصنع المكلّف فهل يأمره بالاحتياط وقلنا يلزم العسر ؟ إنّه يمكن في هذه الحالة إذا فرض أن التسهيل على العباد ذو مصلحةٍ أقوى فيقول لهم كلّ شيءٍ شككتم في وجوبه فلا يجب عليكم الإتيان به أو شككتم في حرمته فلا يحرم عليكم فعله فيجعل أصل البراءة، وهذا الأصل الذي نعبّر عنه بالحكم الظاهري لم ينشأ أيضاً من ملاكٍ يغاير ملاك الواقع بل هو ناشئٌ منه فإنّ التحفّظ على اليسر بلحاظ العباد وأن لا يقعوا في عسرٍ هو من المصالح التي ينظر إليها المولى في عالم الواقع فتحفّظاً على مصلحة اليسر والتسهيل يجعل أصل البراءة، وإذا فرض العكس أي أنّ مصلحة الواقع بنظره كانت هي الأهم فسوف يجعل أصل الاحتياط تبعاً لما يشخّصه، ولكن على كلِا التقديرين هذا الحكم الظاهري لم ينشأ إلا من تلك المصلحة الواقعيّة الأهم بنظر المولى.
وبهذا البيان تندفع الصيغة الأولى للإشكال:- حيث إنّه كان يقول إنّه يلزم من تشريع الأحكام الظاهريّة اجتماع حكمين تحليل وتحريم مثلاً واجتماعهما بما هما اعتباران لا مشكلة فيه وإنما المشكلة في اجتماع ملاكين - وجوابه قد اتضح فإنّه لا يوجد إلا الملاك الواقعي الأقوى والمولى يشرّع على طبقه الحكم الظاهري، فقد يكون الملاك الأقوى هو الوجوب فيشرّع أصالة الاحتياط أو مصلحة اليسر على العباد فيشرّع البراءة فلا يلزم من ذلك اجتماع ملاكين حتى تثبت المشكلة.
وهذا الجواب هو روح ما أفاده السيد الشهيد(قده) غايته أنّه أدخل مسألة الإباحة في الحساب وقال هناك بعض الأشياء هي مباحة والمباحات على قسمين إباحة لا اقتضائيّة والمولى لا يعير لها أهميّة فيجعل الحكم الظاهري على طبق مصلحة الواقع - أي على طبق مصلحة الوجوب - لأنّه لا يوجد مزاحمٌ إذ المزاحم هو الإباحة والمفروض أنها لا اقتضائية ومادامت لا اقتضائية فهي ليس لها ملاك فيبقى ملاك الواقع وحده بلا مزاحم، نعم إذا كانت اقتضائيّة فيقع تزاحمٌ حفظي بين الملاك الواقعي وملاك الإباحة الاقتضائيّة ويجعل الحكم الظاهري على طبق الملاك الأهم منهما.
ونحن غضضنا النظر عن مسألة الإباحة الاقتضائيّة واللا اقتضائيّة فإنّ ما فاده(قده) يتمّ إذا كانت الإباحة اقتضائية ويقع تزاحم حفظي، وقد يقال إنّ وجود الاباحة الاقتضائية نادرٌ الوجود، مضافاً إلى أنّ هذا قد يكون مبنيّاً على أنّ الإباحة هي من الأحكام المجعولة فإذا لم نقل بأنها مجعولة فتتولّد مشكلة وهي أنّه لا يوجد حكمان بل يوجد حكمٌ واحد، إنّ كلّ هذا نحن في غنىً عنه فلا نحتاج إلى إدخال مسألة الإباحة الاقتضائيّة في الحساب حتى لا نبتلي بما ذكرناه.
مضافاً إلى أنّ واقع الحال يسعفنا بأنّه لا حاجة إلى هذا التطويل بل يكفينا مصلحة التيسير حتى إذا فرض أنّه لا يوجد حكمٌ إباحتي مجعول، فبالتالي المولى يلاحظ أنّه إذا أراد أن يجعل الاحتياط يلزم بذلك العسر على الناس وهناك مصلحةٌ تقتضي التيسير فيدور الأمر بين مصلحة التيسير وبين مصلحة الواقع من دون الأخذ بفكرة الاباحة الاقتضائيّة أو اللا اقتضائيّة في الحساب، ولعل مقصود السيد الشهيد(قده) ما يعمّ مثل هذه الحالة.
وكذلك تندفع الصيغة الثانية للإشكال:- وهو إشكال نقض الغرض يعني بجعل الإباحة الظاهرية قد فوّتنا على المكلف المصلحة الواقعيّة - فجوابه قد اتضح حيث يقال:- إنّ هذا تفويتٌ لأجل إدراك الملاك الأهم وتفويت المصلحة لأجل إدراك الملاك الأهم ليس منكراً بل هو مقبولٌ وشيءٌ في محلّه.
كما تندفع الصورة الثالثة للإشكال:- يعني تخصيص قاعدة قبح العقاب بلا بيان - إذ نجيب:- بأنّا لو سلّمنا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان فنقول إنّ هذه القاعدة هي ضيّقة من البداية والعقل لا يحكم بها إلّا في المورد الذي لا توجد فيه حجّة تعبّدية من قبل المولى أما مع وجودها فمن البداية هو لا يحكم بقبح العقاب، فدائرة حكمه ليست وسيعة من البداية حتى نريد بعد ذلك تضييقها بل هي ضيقة من البداية، فواقع الحال من البداية هو أنّ العقل إنّما يقول يقبح العقاب بلا علمٍ فيما إذا فرض أنّه لا توجد عندك حجّة من قبل المولى أمّا بعد وجودها فحينئذٍ لا يقبح العقاب على مخالفتها ولا يحكم العقل آنذاك بقبح العقاب بلا بيان.
كما تندفع الصورة الثالثة للإشكال:- وهو لزوم طلب الواجبين فيما إذا كان الواجب وجوب صلاة الظهر ثم أدّت الأمارة إلى وجوب صلاة الجمعة فسوف يكون هذا طلب للضدين - فجوابه قد اتضح:- وهو أنّ هذا الطلب بما هو اعتبار لا محذور فيه إذ لا بأس في اعتبار هذا الضدّ في ذمة المكلّف واعتبار هذا الضدّ أيضاً وإنّما المحذور في اجتماع الملاكين وقد اتضح أنّه لا يوجد ملاكان.
كما تندفع الصورة الخامسة للأشكال:- وهو أنّه قد ينشأ الحكم بلا مصلحة - فجوابه:- إنّه ناشئ من المصلحة غايته من مصلحةٍ أخرى، فالمصلحة الأخرى موجودةٌ لا أنّ المصلحة الواقعيّة واحدة فيلاحظ المولى حينئذٍ المصلحة الأهم وعلى طبقها يجعل الوجوب، فالوجوب حينما ينشأ فهو مراعاة للمصلحة الأهم ولا محذور في ذلك فإنّ الحكم الظاهري ناشئٌ من المصلحة الأهم فلا يلزم نشوء الحكم الظاهري من دون مصلحة.
ويمكن في نفس الوقت أن نقول:- إن هذه الطريقة التي أوضحناها هي طريقة عقلائيّة نابعة من الواقع العقلائي وإذا تأملنا الواقع العقلائي فهو يوضّح لنا المطلب أكثر، فأنت مثلاً لو احتملت مجيء ضيوف لك هذا اليوم فهل تطلب من أهلك طهي الطعام أو لا فأنّه لابد وأن تثبت لهم تكليفاً ؟ أنّه يدور عندك ملاكان الملاك الواقعي وهو أنّه قد يأتي الضيوف وإكرامهم لازمٌ وقد لا يأتون وفي ذلك تبذيرٌ وخسارة ماليّة وكلفةٌ للأهل فماذا تصنع ؟ إنّه لك طريقان إمّا أن تقول لهم إذا جاءكم مخبرٌ عن مجيئهم فخذوا بقوله وإن لم يحصل لكم الجزم فتسلك هذا الطريق من باب كونه كاشف ظنّي، وأمّا إذا لم يأتي المخبر فتقارن بين المطلبين بين هذه المصلحة وتلك المفسدة وعلى طبقها تقرّر فقد تأمرهم بالطبخ وقد لا تامرهم به، ولكن على كِلا التقديرين هذا الأمر ناشئ من الملاك الأهم بنظرك بعد الموازنة بينهما.
والأجدر في الجواب أن يقال:- إنّ المولى بعد أن شرّع أحكاماً واقعيّة كوجوب بعض الأشياء مثلاً سوف يواجه قضيّة وهي أنّ المكلف إذا علم بهذا الشيء حكماً وموضوعاً فلا مشكلة ولكنه إذا جهل - أو بتعبير آخر شكّ - في أنّ هذا مصداقٌ لذلك الشيء الواجب أو لا أو شكّ في أصل الحكم وأنّ المولى شرّع له الوجوب أو لا - ولعلّ المثال بالحرمة أوضح - كأن شكّ في أنّ هذا خمر أو لا أو شكّ في أنّ الفقاع حرامٌ أو لا فالمولى لابد وأن ينظر حالة الشك ويتّخذ موقفاً ولا يمكن أن يترك تحديد الموقف فماذا يصنع في مثل ذلك ؟ فهل يلزمهم بالاحتياط وأن يقول كلّ شيءٍ احتملتم أنّه مصداقٌ للواجب فيلزم فعله وكلّ شيءٍ احتملتم أنّه مصداقٌ للحرام فيلزم تركة ؟ هذه طريقةٌ، ولكن هذا سوف يكون سبباً لوقوع لناس في العسر والحرج وهو لا يريد واقعاً لهم ذلك إذ في العسر والحرج مفسدةٌ، فماذا يصنع في مثل ذلك ؟
المناسب أن يقال:- إذا فرض وجود طريقٍ له درجة من الكاشفيّة عن تحديد الواقع كخبر الثقة مثلاً فإنه كاشف ظنّي فالمولى في مثل هذه الحالة يجعله حجّة يمكن من خلاله تحديد أنّ هذا الشيء حرامٌ أو ليس بحرامٍ فقّاعٌ أو ليس بفقّاع خمرٌ أو ليس بخمرٍ رغم أنه يحتمل فيه الاشتباه ولكن مع ذلك لا محذور في أن يجعله حجّة باعتبار أن له كاشفية بدرجة 70% مثلاً إذ لو لم يجعله حجة فأمره - كما قلنا - يدور بين أن يأمر بالاحتياط وفي ذلك عسرٌ وحرج أو يلزم بخصوص الطريق العلمي وفي ذلك عسرٌ وحرجٌ أو تفويتٌ للواقع في كثيرٍ من الأحيان فحينئذٍ يجعل خبر الثقة حجّة، وحينما يجعله حجّة ما هو منشأ جعله للحجيّة ؟ إنّه ليس إلا التحفّظ على مصلحة الواقع - أي مصلحة الواجبات أو مفسدة المحرمات - فهي التي تدعوه إلى جعل هذا الطريق فجعل الحجيّة له نشأ من مصلحة الواقع أو مفسدته، هذا إذا فرض أنّه كان يوجد طريق.
وهناك حالة ثانية يلزم أن يعالجها المولى أيضاً وهي أنه أحيانا لا يوجد طريقٌ فلا يوجد خبرٌ ولا أمارة أخرى فماذا يصنع المكلّف فهل يأمره بالاحتياط وقلنا يلزم العسر ؟ إنّه يمكن في هذه الحالة إذا فرض أن التسهيل على العباد ذو مصلحةٍ أقوى فيقول لهم كلّ شيءٍ شككتم في وجوبه فلا يجب عليكم الإتيان به أو شككتم في حرمته فلا يحرم عليكم فعله فيجعل أصل البراءة، وهذا الأصل الذي نعبّر عنه بالحكم الظاهري لم ينشأ أيضاً من ملاكٍ يغاير ملاك الواقع بل هو ناشئٌ منه فإنّ التحفّظ على اليسر بلحاظ العباد وأن لا يقعوا في عسرٍ هو من المصالح التي ينظر إليها المولى في عالم الواقع فتحفّظاً على مصلحة اليسر والتسهيل يجعل أصل البراءة، وإذا فرض العكس أي أنّ مصلحة الواقع بنظره كانت هي الأهم فسوف يجعل أصل الاحتياط تبعاً لما يشخّصه، ولكن على كلِا التقديرين هذا الحكم الظاهري لم ينشأ إلا من تلك المصلحة الواقعيّة الأهم بنظر المولى.
وبهذا البيان تندفع الصيغة الأولى للإشكال:- حيث إنّه كان يقول إنّه يلزم من تشريع الأحكام الظاهريّة اجتماع حكمين تحليل وتحريم مثلاً واجتماعهما بما هما اعتباران لا مشكلة فيه وإنما المشكلة في اجتماع ملاكين - وجوابه قد اتضح فإنّه لا يوجد إلا الملاك الواقعي الأقوى والمولى يشرّع على طبقه الحكم الظاهري، فقد يكون الملاك الأقوى هو الوجوب فيشرّع أصالة الاحتياط أو مصلحة اليسر على العباد فيشرّع البراءة فلا يلزم من ذلك اجتماع ملاكين حتى تثبت المشكلة.
وهذا الجواب هو روح ما أفاده السيد الشهيد(قده) غايته أنّه أدخل مسألة الإباحة في الحساب وقال هناك بعض الأشياء هي مباحة والمباحات على قسمين إباحة لا اقتضائيّة والمولى لا يعير لها أهميّة فيجعل الحكم الظاهري على طبق مصلحة الواقع - أي على طبق مصلحة الوجوب - لأنّه لا يوجد مزاحمٌ إذ المزاحم هو الإباحة والمفروض أنها لا اقتضائية ومادامت لا اقتضائية فهي ليس لها ملاك فيبقى ملاك الواقع وحده بلا مزاحم، نعم إذا كانت اقتضائيّة فيقع تزاحمٌ حفظي بين الملاك الواقعي وملاك الإباحة الاقتضائيّة ويجعل الحكم الظاهري على طبق الملاك الأهم منهما.
ونحن غضضنا النظر عن مسألة الإباحة الاقتضائيّة واللا اقتضائيّة فإنّ ما فاده(قده) يتمّ إذا كانت الإباحة اقتضائية ويقع تزاحم حفظي، وقد يقال إنّ وجود الاباحة الاقتضائية نادرٌ الوجود، مضافاً إلى أنّ هذا قد يكون مبنيّاً على أنّ الإباحة هي من الأحكام المجعولة فإذا لم نقل بأنها مجعولة فتتولّد مشكلة وهي أنّه لا يوجد حكمان بل يوجد حكمٌ واحد، إنّ كلّ هذا نحن في غنىً عنه فلا نحتاج إلى إدخال مسألة الإباحة الاقتضائيّة في الحساب حتى لا نبتلي بما ذكرناه.
مضافاً إلى أنّ واقع الحال يسعفنا بأنّه لا حاجة إلى هذا التطويل بل يكفينا مصلحة التيسير حتى إذا فرض أنّه لا يوجد حكمٌ إباحتي مجعول، فبالتالي المولى يلاحظ أنّه إذا أراد أن يجعل الاحتياط يلزم بذلك العسر على الناس وهناك مصلحةٌ تقتضي التيسير فيدور الأمر بين مصلحة التيسير وبين مصلحة الواقع من دون الأخذ بفكرة الاباحة الاقتضائيّة أو اللا اقتضائيّة في الحساب، ولعل مقصود السيد الشهيد(قده) ما يعمّ مثل هذه الحالة.
وكذلك تندفع الصيغة الثانية للإشكال:- وهو إشكال نقض الغرض يعني بجعل الإباحة الظاهرية قد فوّتنا على المكلف المصلحة الواقعيّة - فجوابه قد اتضح حيث يقال:- إنّ هذا تفويتٌ لأجل إدراك الملاك الأهم وتفويت المصلحة لأجل إدراك الملاك الأهم ليس منكراً بل هو مقبولٌ وشيءٌ في محلّه.
كما تندفع الصورة الثالثة للإشكال:- يعني تخصيص قاعدة قبح العقاب بلا بيان - إذ نجيب:- بأنّا لو سلّمنا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان فنقول إنّ هذه القاعدة هي ضيّقة من البداية والعقل لا يحكم بها إلّا في المورد الذي لا توجد فيه حجّة تعبّدية من قبل المولى أما مع وجودها فمن البداية هو لا يحكم بقبح العقاب، فدائرة حكمه ليست وسيعة من البداية حتى نريد بعد ذلك تضييقها بل هي ضيقة من البداية، فواقع الحال من البداية هو أنّ العقل إنّما يقول يقبح العقاب بلا علمٍ فيما إذا فرض أنّه لا توجد عندك حجّة من قبل المولى أمّا بعد وجودها فحينئذٍ لا يقبح العقاب على مخالفتها ولا يحكم العقل آنذاك بقبح العقاب بلا بيان.
كما تندفع الصورة الثالثة للإشكال:- وهو لزوم طلب الواجبين فيما إذا كان الواجب وجوب صلاة الظهر ثم أدّت الأمارة إلى وجوب صلاة الجمعة فسوف يكون هذا طلب للضدين - فجوابه قد اتضح:- وهو أنّ هذا الطلب بما هو اعتبار لا محذور فيه إذ لا بأس في اعتبار هذا الضدّ في ذمة المكلّف واعتبار هذا الضدّ أيضاً وإنّما المحذور في اجتماع الملاكين وقد اتضح أنّه لا يوجد ملاكان.
كما تندفع الصورة الخامسة للأشكال:- وهو أنّه قد ينشأ الحكم بلا مصلحة - فجوابه:- إنّه ناشئ من المصلحة غايته من مصلحةٍ أخرى، فالمصلحة الأخرى موجودةٌ لا أنّ المصلحة الواقعيّة واحدة فيلاحظ المولى حينئذٍ المصلحة الأهم وعلى طبقها يجعل الوجوب، فالوجوب حينما ينشأ فهو مراعاة للمصلحة الأهم ولا محذور في ذلك فإنّ الحكم الظاهري ناشئٌ من المصلحة الأهم فلا يلزم نشوء الحكم الظاهري من دون مصلحة.
ويمكن في نفس الوقت أن نقول:- إن هذه الطريقة التي أوضحناها هي طريقة عقلائيّة نابعة من الواقع العقلائي وإذا تأملنا الواقع العقلائي فهو يوضّح لنا المطلب أكثر، فأنت مثلاً لو احتملت مجيء ضيوف لك هذا اليوم فهل تطلب من أهلك طهي الطعام أو لا فأنّه لابد وأن تثبت لهم تكليفاً ؟ أنّه يدور عندك ملاكان الملاك الواقعي وهو أنّه قد يأتي الضيوف وإكرامهم لازمٌ وقد لا يأتون وفي ذلك تبذيرٌ وخسارة ماليّة وكلفةٌ للأهل فماذا تصنع ؟ إنّه لك طريقان إمّا أن تقول لهم إذا جاءكم مخبرٌ عن مجيئهم فخذوا بقوله وإن لم يحصل لكم الجزم فتسلك هذا الطريق من باب كونه كاشف ظنّي، وأمّا إذا لم يأتي المخبر فتقارن بين المطلبين بين هذه المصلحة وتلك المفسدة وعلى طبقها تقرّر فقد تأمرهم بالطبخ وقد لا تامرهم به، ولكن على كِلا التقديرين هذا الأمر ناشئ من الملاك الأهم بنظرك بعد الموازنة بينهما.