36/05/16
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
7 ) - المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
حكم الإعلام في موارد أخرى:-
ذكرنا فيما سبق أنّ الإعلام بنجاسة الدهن المتنجّس وهكذا سائر المتنجسات لازمٌ في باب البيع فعلى البائع أن يبيّن أنّ هذا المبيع متنجّس فيما إذا كان من المأكولات كالدبس والسكنجبين وما شاكل ذلك، وقد ذكرنا أنّ السيد الخوئي(قده) استدل ببيانين غير الأخبار كما استدل المحقّق الأردبيلي ببيانٍ آخر، ونحن قلنا إنَّ المناسب التمسّك بالأخبار الدالة على لزوم ذلك وإلا فالبيانات المذكورة كلّها قابلة للمناقشة كما تقدّم.
والآن بمناسبة ذِكر وجوب الإعلام في باب المتنجّسات نذكر موارد أخرى يجب فيها الإعلام وهي من قبيل:-
أوّلاً:- تقديم شيءٍ متنجّس إلى الغير لا من باب البيع كأن جاءنا ضيفٌ وقدّمنا له عصيراً متنجّساً فهنا يجب الإعلام فإنّ الروايات المتقدّمة وإن وردت في باب البيع وأنّ من باع شيئاً متنجّساً يلزمه أن يُعلِم المشتري بذلك ولكن العرف يلغي خصوصيّة البيع ويرى أنّ هذا نحوٌ من التسبيب إلى تناول المتنجّس فلا يجوز، وبالتالي لا فلاق بين مورد البيع وبين غيره.
نعم نستدرك من ذلك ما إذا فرض أنّ الطرف الثاني لا يبالي بالتجنّب عن المتنجس فهنا لا يلزم إعلامه إذ الهدف من الإعلام هو الاجتناب والمفرض أنّ هذا الشخص لا يجتنب حتى لو أُعلِمَ.
وبكلمة أخرى:- إنّ وجوب الإعلام وجوبٌ طريقيّ وليس جوباً نفسياً أي هو طريقٌ لتجنّب الطرف المقابل عن الشيء المتنجّس فإذا علم بأنّه لا يتجنب فلا يلزم إعلامه، وهذا من دون فرق بين باب البيع وبين غيره.
إنّ قلت:- إنّ الشخص الذي يقدّم المتنجس سواء في البيع أو في غيره هو بالتالي يصير مسبباً لتناول للمتنجّس ولولا عرضه المتنجّس على الشخص الآخر لما تناوله فالسببيّة محفوظةٌ فيلزم أن يكون تقديم الشيء المتنجّس إلى لطرف الثاني في البيع وفي غيره محرّماً حتى لو فرض أنّ الطرف الثاني لم يكن متورّعاً عن النجاسات والمتنجّسات إذ بالتالي يصدق على من قدّم له المتنجّس أنّه مسبّبٌ والمستفاد من الأخبار أنّ التسبيب إلى تناول المتنجّس ليس بجائز فيلزم أن نحكم بحرمة هذا أيضاً.
قلت:- إنّ الروايات السابقة الدالة على حرمة التسبيب إلى تناول المتنجّس غاية ما يستفاد منها هو أنّ التسبيب من ناحية ترك الإعلام شيء غير جائز، أمّا أنّ التسبيب من غير هذه الناحية كأن يكون التناول لأجل اختيار المكلّف وليس لأجل ترك الإعلام فلا يستفاد منها تحريمه.
إن قلت:- صحيحٌ أنّه من ناحية التسبيب إلى الحرام لا حرمة في التقديم في البيع وفي وغيره ولكن يمكن أن نحكم بالحرمة من ناحية أنّ نفس التقديم والعرض هو نحوٌ من التشجيع على ارتكاب الحرام، فبتقديمي لذلك الشيء كأنّي شجعت ومهّدت الطريق للطرف الثاني على تناول الحرام والتشجيع على فعل الحرام قد يقال بحرمته ومبغوضيته شرعاً.
قلت:- إنّ هذا شيءٌ وجيهٌ ولكن إذا كان الطرف الآخر يعلم بهذا، فالذي يعلم بأنّ هذا حرامٌ وأنا قدّمته له فيمكن أن يقال إنّ نفس التقديم هو تشجيعٌ على الحرام كما لو علم الطرف الآخر بأنّ هذا متنجّس فالتقديم له يكون تشجيعاً على فعل الحرام، ولكن محلّ كلامنا هو أنّ الشخص جاهلٌ ولا يعلم أنّ هذا متنجّس فلا يصدق في مثل هذه الحالة عنوان التشجيع على الحرام.
والخلاصة:- لا مشكلة في تقديم الطعام المتنجّس مادام الطرف الثاني جاهلاً مادام لا يبالي بتناول المتنجّس فيجوز التقديم إليه من دون حاجةٍ إلى الإعلام، هذا هو مقتضى القواعد، إلا أنّ الاحتياط شيءٌ حسن.
ثانياً:- ما إذا فرض أناّ علمنا من الخارج بالمبغوضيّة المطلقة، كما هو الحال بالنسبة إلى الدماء، فإنّا نعلم أنّ إراقة دم النفس البريئة هو مبغوض ومحرّم بأيّ شكلٍ من الإشكال - وإن كان ذلك بسبب الارتكازات أو الاستفادة من بعض النصوص أو غير ذلك -، وما دمنا قد استفدنا ذلك فيلزم الإعلام بمعنى أنّه لو أراد شخصٌ أن يقتل نفساً وهو لا يعلم بأنّها بريئة فأنا لابد وأن أعلمه بأنّ هذه النفس بريئة ولا يجوز السكوت من هذا الباب لا من باب النهي عن المنكر إذ لا منكر في حقّه لفرض أنّه جاهلٌ بل من باب أنّ إراقة دم النفس البريئة نعلم بمبغوضيته فيلزم الإعلام في هذا المورد أيضاً - بل نقول أكثر من لزوم الإعلام وإنما يلزم الردع لا الإعلام فقط وهذه قضية ثانية -.
ثالثاً:- ما إذا فرض صدق عنوان الغشّ، فإنه متى ما صدق عنوان الغش يكون الإعلام لازماً حتى لا يصدق عنوان الغش، كما إذا فرض أنّي قدّمت لشخصٍ تربة متنجّسة وهو يريد السجود عليها والهدف المهمّ هو التربة الطاهرة وأنّ التربة المتنجّسة لا يستفاد منها فلو فرضنا أنّ هذا يصدق عليه عنوان الغش وبنينا على أنّ الغشّ محرّمٌ لا في خصوص البيع بل متى ما صدق فهو محرّم فيمكن حينئذٍ أن نلتزم بأنّ تقديم التربة المتنجسة إلى الغير أمرٌ ليس بجائزٍ من باب صدق عنوان الغش.
وهذا يتمّ لو سلّمنا بالصغرى والكبرى - يعني سلّمنا أنّ الغش يصدق في غير باب البيع وسلّمنا أنّ كلّ غش حرام - فحينئذٍ يكون ذلك محرّماً.
الرابع:- الأحكام الشرعيّة فإنّ بيانها شيءٌ واجب.
ويمكن أن يستدلّ على وجوب بيان الأحكام الشرعيّة بالضرورة، يعني أنّ وجوب بيان الأحكام من ضروريات الدين - أو من ضروريات الفقه - باعتبار أنّه لو لم نبيّن الأحكام فسوف يلزم ذهاب الشريعة شيئاً فشيئاً وبالتالي تُنسى وتُتناسى وهذا نجزم الشيء بأنّ الشريعة تبغضه - ولا أدري هل هذا محذور بنفسه أو يرجع إلى الضرورة ؟!! فليجعل محذوراً ثانياً غير الضرورة -.
ويوجد دليل آخر على وجوب الإعلام وهو آية النفر حيث قالت:- ﴿ وما كان المؤمنون لينفورا كافة فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ﴾[1] والشاهد ليس في قوله تعالى ﴿ ليتفقهوا ﴾ إذ غاية ما يدلّ عليه هو وجوب النفر للتفقّه يعني لابد وأن تأتي جماعة في كلّ فترةٍ زمنيّةٍ إلى الحوزات العلميّة مثلاً ليتفقّهوا في الدين أمّا أنّه يجب بيان هذه الأحكام التي تعلّموها وتبليغها فلا وإنما الذي يدلّ على ذلك هو قوله تعالى:- ﴿ ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ﴾
إذن يمكن أن نستدلّ بدليلين في هذا المجال الضرورة وآية النفر،ولعله بمراجعة بعض الروايات في باب التعليم والتعلّم ونشر العلم لعلّه يستفاد منها ما يدلّ على ذلك، ولكن القضيّة ليست مهمّة بعد ضرورة لزوم التعليم.
وأمّا فعل النبي صلى الله عليه وآله أو غيره بإرسال بعض الصحابة للتعليم فهو واضح التأمّل باعتبار أنه فعلٌ وهو لا يدلّ على اللزوم.
ولكن النفطة المهمة التي أريد أن أقولها:- وهي أنّه ما هي طريقة تعليم الأحكام الشرعيّة فهل يلزم أن نذهب إلى كلّ شخصٍ شخصٍ ونعلّمه أو أنّه يكفي أن نجلس في الملأ العام كالمسجد والحسينية أو الفضائيات ؟ نعم يكفي أن يتّبع الشخص الوسيلة العامة التي أشرت إلى بعض مصاديقها أمّا أن يعلّم كلّ شخصٍ شخصٍ فلا دليل على لوزمه.
إذن الوجه في عدم لزوم ذلك هو أنّ المدرك للزوم تعليم الأحكام هو الضرورة وآية النفر كما قلنا، أمّا الضرورة فالقدر المتيقّن منها هو ما أشرنا إليه يعني إيصال الأحكام بالوسائل العامة لا من خلال تعليم كلّ فردٍ فرد، وأمّا قوله تعالى:- ﴿ ولينذروا قومهم ﴾ فيصدق امتثاله بما إذا فرض أنّي جلست في المسجد أو في الفضائية وبيّنت الأحكام الشرعيّة فإنه يصدق أني أنذرت قومي ولا يتوقّف إنذار القوم على أن أذهب إلى كلّ شخصٍ شخص، فالمطلوب هو طبيعي إنذار القوم وهذا الطبيعي يصدق ببعض أفراده وذلك بأن أبيّن ذلك في المسجد أو ما شاكل ذلك.
وإذا سألت وقلت:- إذا رأينا شخصاً توجد لديه مخالفة شرعيّة عن جهلٍ في صومه أو صلاته فهل يجب إعلامه بذلك أو لا ؟
والجواب قد اتضح من خلال ما ذكرنا:- حيث ذكرنا أنّ الإعلام اللازم يتحقّق ولو من خلال الوسيلة العامّة فإنّ الضرورة يتحقّق مفعولها بهذا المقدار ولا تقتضي الضرورة التبليغ الشخصي لكلّ شخصٍ شخص وإنما الضرورة هو أصل تبليغ الأحكام في الجملة أما كلّ شخصٍ شخص فلا ضرورة، فإذن لا دليل.
وهكذا آية النفر فهي لا تدلّ على أنّ الإنذار لازمٌ لكل شخصٍ شخص بل هو للطبيعي وهو صادقٌ بالوسيلة العامّة.
إذن بيان الحكم لكلّ شخصٍ شخص ليس بلازم من باب عدم الدليل على ذلك للقصور في المقتضي فإنّ المقتضي هو الضرورة وآية النفر وهما لا يقتضيان تعليم كلّ شخصٍ شخص وإنما باتباع الوسائل العامّة.
نعم صحيح أنّ تعليم هذا أو ذاك ليس بلازمٍ ولكنه شيءٌ حسنٌ ولا ينبغي تركه، ونحن الآن بصدد بيان أنّه واجب أو لا أمّا أنه شيءٌ حسنٌ فلا إشكال في ذلك.
وقد يحاول شخصٌ أن يؤيدنا في عدم الوجوب مضافاً إلى فكرة القصور في المقتضي فيقول:- إنّه إذا لزم أن أبيّن لكلّ شخصٍ شخص لزم من ذلك الحرج ؟
والجواب:- إنّ دليل نفي الحرج لا يمكن الاستعانة به في موردنا لأجل أنّه يمكن أن نجيب ونقول يلزمك أن تبيّن وتعلّم بالمقدار الذي لا يلزم منه الحرج كساعةٍ مثلاً.
إذن دليل نفي الحرج لا يدلّ على نفي الوجوب رأساً من خلال البيان لكلّ شخصٍ شخص بل غاية ما يقتضيه هو أنّه إذا لزم الحرج لا يلزم أن تُعلِّم لا أنّه من البداية لا يلزمك أن تعلّم ونحن نريد أن ندّعي أنّه من البداية حتى من دون حرج لا دليل على لزوم التعليم لأنّ الدليل منحصرٌ بأمرين وكلاهما لا يقتضيان ذلك.
حكم الإعلام في موارد أخرى:-
ذكرنا فيما سبق أنّ الإعلام بنجاسة الدهن المتنجّس وهكذا سائر المتنجسات لازمٌ في باب البيع فعلى البائع أن يبيّن أنّ هذا المبيع متنجّس فيما إذا كان من المأكولات كالدبس والسكنجبين وما شاكل ذلك، وقد ذكرنا أنّ السيد الخوئي(قده) استدل ببيانين غير الأخبار كما استدل المحقّق الأردبيلي ببيانٍ آخر، ونحن قلنا إنَّ المناسب التمسّك بالأخبار الدالة على لزوم ذلك وإلا فالبيانات المذكورة كلّها قابلة للمناقشة كما تقدّم.
والآن بمناسبة ذِكر وجوب الإعلام في باب المتنجّسات نذكر موارد أخرى يجب فيها الإعلام وهي من قبيل:-
أوّلاً:- تقديم شيءٍ متنجّس إلى الغير لا من باب البيع كأن جاءنا ضيفٌ وقدّمنا له عصيراً متنجّساً فهنا يجب الإعلام فإنّ الروايات المتقدّمة وإن وردت في باب البيع وأنّ من باع شيئاً متنجّساً يلزمه أن يُعلِم المشتري بذلك ولكن العرف يلغي خصوصيّة البيع ويرى أنّ هذا نحوٌ من التسبيب إلى تناول المتنجّس فلا يجوز، وبالتالي لا فلاق بين مورد البيع وبين غيره.
نعم نستدرك من ذلك ما إذا فرض أنّ الطرف الثاني لا يبالي بالتجنّب عن المتنجس فهنا لا يلزم إعلامه إذ الهدف من الإعلام هو الاجتناب والمفرض أنّ هذا الشخص لا يجتنب حتى لو أُعلِمَ.
وبكلمة أخرى:- إنّ وجوب الإعلام وجوبٌ طريقيّ وليس جوباً نفسياً أي هو طريقٌ لتجنّب الطرف المقابل عن الشيء المتنجّس فإذا علم بأنّه لا يتجنب فلا يلزم إعلامه، وهذا من دون فرق بين باب البيع وبين غيره.
إنّ قلت:- إنّ الشخص الذي يقدّم المتنجس سواء في البيع أو في غيره هو بالتالي يصير مسبباً لتناول للمتنجّس ولولا عرضه المتنجّس على الشخص الآخر لما تناوله فالسببيّة محفوظةٌ فيلزم أن يكون تقديم الشيء المتنجّس إلى لطرف الثاني في البيع وفي غيره محرّماً حتى لو فرض أنّ الطرف الثاني لم يكن متورّعاً عن النجاسات والمتنجّسات إذ بالتالي يصدق على من قدّم له المتنجّس أنّه مسبّبٌ والمستفاد من الأخبار أنّ التسبيب إلى تناول المتنجّس ليس بجائز فيلزم أن نحكم بحرمة هذا أيضاً.
قلت:- إنّ الروايات السابقة الدالة على حرمة التسبيب إلى تناول المتنجّس غاية ما يستفاد منها هو أنّ التسبيب من ناحية ترك الإعلام شيء غير جائز، أمّا أنّ التسبيب من غير هذه الناحية كأن يكون التناول لأجل اختيار المكلّف وليس لأجل ترك الإعلام فلا يستفاد منها تحريمه.
إن قلت:- صحيحٌ أنّه من ناحية التسبيب إلى الحرام لا حرمة في التقديم في البيع وفي وغيره ولكن يمكن أن نحكم بالحرمة من ناحية أنّ نفس التقديم والعرض هو نحوٌ من التشجيع على ارتكاب الحرام، فبتقديمي لذلك الشيء كأنّي شجعت ومهّدت الطريق للطرف الثاني على تناول الحرام والتشجيع على فعل الحرام قد يقال بحرمته ومبغوضيته شرعاً.
قلت:- إنّ هذا شيءٌ وجيهٌ ولكن إذا كان الطرف الآخر يعلم بهذا، فالذي يعلم بأنّ هذا حرامٌ وأنا قدّمته له فيمكن أن يقال إنّ نفس التقديم هو تشجيعٌ على الحرام كما لو علم الطرف الآخر بأنّ هذا متنجّس فالتقديم له يكون تشجيعاً على فعل الحرام، ولكن محلّ كلامنا هو أنّ الشخص جاهلٌ ولا يعلم أنّ هذا متنجّس فلا يصدق في مثل هذه الحالة عنوان التشجيع على الحرام.
والخلاصة:- لا مشكلة في تقديم الطعام المتنجّس مادام الطرف الثاني جاهلاً مادام لا يبالي بتناول المتنجّس فيجوز التقديم إليه من دون حاجةٍ إلى الإعلام، هذا هو مقتضى القواعد، إلا أنّ الاحتياط شيءٌ حسن.
ثانياً:- ما إذا فرض أناّ علمنا من الخارج بالمبغوضيّة المطلقة، كما هو الحال بالنسبة إلى الدماء، فإنّا نعلم أنّ إراقة دم النفس البريئة هو مبغوض ومحرّم بأيّ شكلٍ من الإشكال - وإن كان ذلك بسبب الارتكازات أو الاستفادة من بعض النصوص أو غير ذلك -، وما دمنا قد استفدنا ذلك فيلزم الإعلام بمعنى أنّه لو أراد شخصٌ أن يقتل نفساً وهو لا يعلم بأنّها بريئة فأنا لابد وأن أعلمه بأنّ هذه النفس بريئة ولا يجوز السكوت من هذا الباب لا من باب النهي عن المنكر إذ لا منكر في حقّه لفرض أنّه جاهلٌ بل من باب أنّ إراقة دم النفس البريئة نعلم بمبغوضيته فيلزم الإعلام في هذا المورد أيضاً - بل نقول أكثر من لزوم الإعلام وإنما يلزم الردع لا الإعلام فقط وهذه قضية ثانية -.
ثالثاً:- ما إذا فرض صدق عنوان الغشّ، فإنه متى ما صدق عنوان الغش يكون الإعلام لازماً حتى لا يصدق عنوان الغش، كما إذا فرض أنّي قدّمت لشخصٍ تربة متنجّسة وهو يريد السجود عليها والهدف المهمّ هو التربة الطاهرة وأنّ التربة المتنجّسة لا يستفاد منها فلو فرضنا أنّ هذا يصدق عليه عنوان الغش وبنينا على أنّ الغشّ محرّمٌ لا في خصوص البيع بل متى ما صدق فهو محرّم فيمكن حينئذٍ أن نلتزم بأنّ تقديم التربة المتنجسة إلى الغير أمرٌ ليس بجائزٍ من باب صدق عنوان الغش.
وهذا يتمّ لو سلّمنا بالصغرى والكبرى - يعني سلّمنا أنّ الغش يصدق في غير باب البيع وسلّمنا أنّ كلّ غش حرام - فحينئذٍ يكون ذلك محرّماً.
الرابع:- الأحكام الشرعيّة فإنّ بيانها شيءٌ واجب.
ويمكن أن يستدلّ على وجوب بيان الأحكام الشرعيّة بالضرورة، يعني أنّ وجوب بيان الأحكام من ضروريات الدين - أو من ضروريات الفقه - باعتبار أنّه لو لم نبيّن الأحكام فسوف يلزم ذهاب الشريعة شيئاً فشيئاً وبالتالي تُنسى وتُتناسى وهذا نجزم الشيء بأنّ الشريعة تبغضه - ولا أدري هل هذا محذور بنفسه أو يرجع إلى الضرورة ؟!! فليجعل محذوراً ثانياً غير الضرورة -.
ويوجد دليل آخر على وجوب الإعلام وهو آية النفر حيث قالت:- ﴿ وما كان المؤمنون لينفورا كافة فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ﴾[1] والشاهد ليس في قوله تعالى ﴿ ليتفقهوا ﴾ إذ غاية ما يدلّ عليه هو وجوب النفر للتفقّه يعني لابد وأن تأتي جماعة في كلّ فترةٍ زمنيّةٍ إلى الحوزات العلميّة مثلاً ليتفقّهوا في الدين أمّا أنّه يجب بيان هذه الأحكام التي تعلّموها وتبليغها فلا وإنما الذي يدلّ على ذلك هو قوله تعالى:- ﴿ ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ﴾
إذن يمكن أن نستدلّ بدليلين في هذا المجال الضرورة وآية النفر،ولعله بمراجعة بعض الروايات في باب التعليم والتعلّم ونشر العلم لعلّه يستفاد منها ما يدلّ على ذلك، ولكن القضيّة ليست مهمّة بعد ضرورة لزوم التعليم.
وأمّا فعل النبي صلى الله عليه وآله أو غيره بإرسال بعض الصحابة للتعليم فهو واضح التأمّل باعتبار أنه فعلٌ وهو لا يدلّ على اللزوم.
ولكن النفطة المهمة التي أريد أن أقولها:- وهي أنّه ما هي طريقة تعليم الأحكام الشرعيّة فهل يلزم أن نذهب إلى كلّ شخصٍ شخصٍ ونعلّمه أو أنّه يكفي أن نجلس في الملأ العام كالمسجد والحسينية أو الفضائيات ؟ نعم يكفي أن يتّبع الشخص الوسيلة العامة التي أشرت إلى بعض مصاديقها أمّا أن يعلّم كلّ شخصٍ شخصٍ فلا دليل على لوزمه.
إذن الوجه في عدم لزوم ذلك هو أنّ المدرك للزوم تعليم الأحكام هو الضرورة وآية النفر كما قلنا، أمّا الضرورة فالقدر المتيقّن منها هو ما أشرنا إليه يعني إيصال الأحكام بالوسائل العامة لا من خلال تعليم كلّ فردٍ فرد، وأمّا قوله تعالى:- ﴿ ولينذروا قومهم ﴾ فيصدق امتثاله بما إذا فرض أنّي جلست في المسجد أو في الفضائية وبيّنت الأحكام الشرعيّة فإنه يصدق أني أنذرت قومي ولا يتوقّف إنذار القوم على أن أذهب إلى كلّ شخصٍ شخص، فالمطلوب هو طبيعي إنذار القوم وهذا الطبيعي يصدق ببعض أفراده وذلك بأن أبيّن ذلك في المسجد أو ما شاكل ذلك.
وإذا سألت وقلت:- إذا رأينا شخصاً توجد لديه مخالفة شرعيّة عن جهلٍ في صومه أو صلاته فهل يجب إعلامه بذلك أو لا ؟
والجواب قد اتضح من خلال ما ذكرنا:- حيث ذكرنا أنّ الإعلام اللازم يتحقّق ولو من خلال الوسيلة العامّة فإنّ الضرورة يتحقّق مفعولها بهذا المقدار ولا تقتضي الضرورة التبليغ الشخصي لكلّ شخصٍ شخص وإنما الضرورة هو أصل تبليغ الأحكام في الجملة أما كلّ شخصٍ شخص فلا ضرورة، فإذن لا دليل.
وهكذا آية النفر فهي لا تدلّ على أنّ الإنذار لازمٌ لكل شخصٍ شخص بل هو للطبيعي وهو صادقٌ بالوسيلة العامّة.
إذن بيان الحكم لكلّ شخصٍ شخص ليس بلازم من باب عدم الدليل على ذلك للقصور في المقتضي فإنّ المقتضي هو الضرورة وآية النفر وهما لا يقتضيان تعليم كلّ شخصٍ شخص وإنما باتباع الوسائل العامّة.
نعم صحيح أنّ تعليم هذا أو ذاك ليس بلازمٍ ولكنه شيءٌ حسنٌ ولا ينبغي تركه، ونحن الآن بصدد بيان أنّه واجب أو لا أمّا أنه شيءٌ حسنٌ فلا إشكال في ذلك.
وقد يحاول شخصٌ أن يؤيدنا في عدم الوجوب مضافاً إلى فكرة القصور في المقتضي فيقول:- إنّه إذا لزم أن أبيّن لكلّ شخصٍ شخص لزم من ذلك الحرج ؟
والجواب:- إنّ دليل نفي الحرج لا يمكن الاستعانة به في موردنا لأجل أنّه يمكن أن نجيب ونقول يلزمك أن تبيّن وتعلّم بالمقدار الذي لا يلزم منه الحرج كساعةٍ مثلاً.
إذن دليل نفي الحرج لا يدلّ على نفي الوجوب رأساً من خلال البيان لكلّ شخصٍ شخص بل غاية ما يقتضيه هو أنّه إذا لزم الحرج لا يلزم أن تُعلِّم لا أنّه من البداية لا يلزمك أن تعلّم ونحن نريد أن ندّعي أنّه من البداية حتى من دون حرج لا دليل على لزوم التعليم لأنّ الدليل منحصرٌ بأمرين وكلاهما لا يقتضيان ذلك.