36/06/21
تحمیل
الموضوع:- دوران الأحكام مدار الأسماء والعناوين- قواعد وفوائد.
قلنا إنّ العناوين تارةً تؤخذ بنو الطريقية وتارةً تؤخذ بنحو الموضوعيّة:-
أمّا ما يؤخذ بنحو الطريقية:- فله أمثلة متعدّدة نأخذ بعضها:-
من قبيل:- لوله تعالى:- ﴿ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ﴾ [1]، فهنا وقع الكلام في أنّه هل التبيّن أخذ بنحو الطريقيّة أو بنحو الموضوعيّة ؟ والمقصود من الطريقية يعني أنه كمشيرٍ إلى الفترة المعيّنة - أي فترة طلوع الفجر - وليس التبيّن بعنوانه هو له الموضوعيّة، وتظهر الثمرة في الليالي المقمرة ففيها لا يمكن التبيّن لأنّ نور القمر منتشرٌ في السماء فالتبيّن سوف يتأخر عمّا عليه في الأيام غير المقمرة، يعني في الأيام غير المقمرة كالليلة العاشرة مثلاً إذا كان التبيّن يصير في الساعة الخامسة فنرى عمود الصبح قد ظهر أمّا في الليالي المقمرة فلأجل نور القمر لا يمكن أن يحصل هذا التبيّن تراه إليه العين بل يحصل بعد ربع ساعةٍ مثلاً، فإذا حملنا التبيّن على التبيّن الفعلي الموضوعي دون الطريقي ففي الليالي المقمرة يتأخّر الفجر إلى الخامسة والربع مثلاً، بينما إذا كان مأخوذاً بنحو الطريقية فهو يبقى في الساعة الخامسة وإذا كان هناك فرقٌ فالرق يكون بدقيقةٍ واحدة مثلاً لا أن يكون بربع ساعة.
هنا يمكن أن يقال المناسب أن يكون التبيّن مأخوذاً بنحو الطريقيّة دون الموضوعية، والوجه في ذلك بعض الأمور نذكر واحداً منها - لأنّ كلامنا الآن ليس فقهياً - وهو أنّ نفس مادّة التبيّن تستبطن الطريقية، يعني أنَّ المدار في الحقيقة على ما يُتَبَيَّن فنفس مادّة التبين لها خصوصيّة فحينما أقول لك ( تَبيّن أو افحص أو ابحث ) فكلّ هذه تستبطن الطريقية وليس المدار على التبيّن بداته، فمادّة التبيّن هي بنفسها تستبطن الطريقيّة فهذه قرينة على كون هذا العنوان أخذ بنحو الطريقية، خلافاً للشيخ الهمداني(قده) في صلاته والسيد الخميني(قده) حيث ذهبا إلى أنّ المدار على التبيّن الفعلي وتظهر الثمرة في الليالي المقمرة.
ومن قبيل:- موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:- ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك )[2]، فهل العلم هنا مأخوذ بنحو الطريقيّة أو بنحو الموضوعيّة ؟ فإن قلنا بأنّه مأخوذ بنحو الطريقيّة فلو فرض أني لا أعلم الآن أنّ هذا الشيء دم ونجس وأخذت أساوره ثم تبيّن لي أنه نجس فبناءً على الطريقية وبناءً على كون المتنجّس ينجّس يلزم حينئذٍ تطهير كلّ الأشياء التي لامستها لأنّ نجس واقعاً ولكني لم أكن أعلم بنجاسته، أمّا بناءً على الموضوعيّة فهو ليس بنجسٍ وإنما يصير نجساً من حين العلم به، وقد ذهب صاحب الحدائق(قده) ذهب إلى هذا - أي ذهب إلى الموضوعيّة - حيث قال إذا لم تعلم أنّ هذا دمٌ فهو طاهرٌ واقهاً ولازمه أنّه إذا ساورته ثم اتضح بعد ذلك فهل أحكم بنجاسة يدي أو لا ؟ والجواب:- إن كان على يدي دم بالفعل فسوف تكون نجسة لأنّي علمت أنّ هذا دمٌ، وأما إذا لم يوجد عليها دم بالفعل فتكون طاهرة وكذلك ثوبي لأنّه في تلك الفترة صحيحٌ أنّه كان دماً ولكنه ليس بنجسٍ فلا يجنّس، ونص عبارته هكذا:- ( إنّ ظاهر الخبر المذكور أنه لا تثبت النجاسة للأشياء ولا تتصف بها إلا بالنظر إلى علم المكلف لقوله عليه السلام " فإذا علمت قفد قذر " بمعنى أنه ليس التنجيس عبارة عمّا لا قته عين النجاسة واقعاً خاصة بل ما كان كذلك وعلم به المكلف )[3].
إذن هو قد أخذ العلم بنحو الموضوعيّة دون الطريقية.
وواضحٌ أنّه تذكر عدة قرائن في ردّ ما ذكره(قده) من جملتها أنّ الإمام عليه السلام يقول ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر ) يعني أنّه قذر واقعاً وهذا معناه أنّ النجاسة الواقعيّة ثابتة في فترة عدم علمك ولكن تتعامل معه معاملة الطاهر إلى أن تعلم أنّه نجس واقعاً، فنفس هذه الرواية يفهم منها أنّ المدار في النجاسة على الواقع ومن دون علمك فأنت تعامل معه معاملة الطاهر وهذا ما يعبّر عنه بالطهارة الظاهرية، يعني مادمت لا تعلم فأنت تعامل معه معاملة الطاهر لا أنّه طاهر واقعاً كما يقول صاحب الحدائق(قده).
مضافاً إلى أنّ لازمه أنّ الدم نجسٌ في حقّ العالم به وليس بنجسٍ في حقّ الشاك - غير العالم - وهذا بعيدٌ من المرتكزات المتشرعيّة.
ومن قبيل:- ورايات الديكة، حيث تقول الرواية الشريفة:- ( ربما اشتبه الوقت علينا في يوم الغيم، فقال:- تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديكة فقلت نعم، قال:- إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصلِّ )[4]، إنه عليه السلام أخذ عنوان ارتفاع أصوات الديكة وجعله دليلاً لدخول الوقت - إما للزوال أو للفجر وهذه الرواية قد أخذته للزوال في يوم الغيم -، فهنا أخذ هذا العنوان أيضاً بنحو الطريقيّة جزماً، والقرينة على ذلك هي أنّه لو لم يكن عندنا ديك فهل معنى ذلك أنه سوف لا يدخل الوقت ؟!! فواضحٌ أنّ هذا العنوان قد أخذ بنحو المشيرية إلى تلك الفترة الزمنيّة لمعيّنة.
ومن هذا القبيل:- مسيرة يوم، فإن الوارد في الروايات أنّ صلاة القصر على ثمانية فراسخ أو مسيرة يوم وليلية، فمسيرة يوم وليلة أخذ من باب الطريقيّة لإحراز أنّه قد تحقّق مقدار المسافة الشرعيّة وهو ثمانية فراسخ.
وأمّا ما يؤخذ بنحو الموضوعيّة:- فهو الغالب، فإنّ الغالب هو كون العنوان مأخوذاً بنحو الموضوعيّة.
وإذا سألت وقلت:- إذا شكّكنا أنّ هذا العنوان قد أخذ بنحو الموضوعيّة أو بنحو الطريقية فما هو المناسب ؟
والجواب:- لا يبعد أن الأصل الأولي يقتضي الموضوعيّة وأمّا الطريقيّة فهي التي تحتاج إلى القرائن والمثبتات.
وإذا قلت:- من أين لك هذا الأصل وما هو معناه ؟
قلت:- الأصل هنا بمعنى الظهور، يعني أنّ الظاهر الابتدائي لكلّ عنوانٍ يؤخذ في موضوع الحكم لدى العرف هو أنّه مأخوذ بنحو الموضوعيّة إلا إذا لاح من القرائن أنّه مأخوذٌ بنحو الطريقية كما في الأمثلة السابقة فإنّا ذكرنا قرائن على إثبات الطريقيّة.
وقد تسأل وتقول:- هل المدار في العنوان المأخوذ بنحو الموضوعيّة على وجوده الواقعي أو على وجوده العلمي ؟ وبتعبير آخر:- حينما أخذ العنوان وقيل ( الدم نجس ) وظاهره الدم بما هو دم له الموضوعيّة فهل المقصود هو الدم المعلوم أنّه دم أو المقصود هو الدم الواقعي نجس وهكذا في كلّ الأمثلة الأخرى ؟
والجواب:- هو أنّ المدار والأصل على الوجود الواقعي دون الوجود العلمي، والمستند هو الظهور أيضاً فإنّ الحكم قد انصبّ على عنوان الدم ولم يؤخذ قيد العلم فلم يُقَل ( الدم المعلوم أنّه دم نجس ).
إذن المدار في العناوين أن تكون مأخوذةً بنحو الموضوعيّة والمدار أيضاً على وجودها الواقعي دون الوجود المعلوم.
وما الهدف من هذا التقسيم وهذا الفرز ؟
والجواب:- إنّ الذي نريد أن نقوله هو أنّ قاعدة ( الأحكام تدور مدار العناوين والأسماء ) ناظرة إلى ما كان من القبيل الثاني دون ما كان من القبيل الأوّل، يعني أنّ العناوين المأخوذة بنحو الموضوعيّة دون الطريقية هي التي يأتي فيها كلامنا وهو أنّ الأحكام تدور مدار هذه العناوين وجوداً وعدما، أمّا بالنسبة إلى العناوين المأخوذة بنحو الطريقيّة فلا تأتي تلك القاعدة في حقّها ولا تدور الأحكام مدار تلك العناوين لأنّ تلك العناوين ليست لها خصوصيّة بل هي قد أخذت بنحو الطريقيّة.
وما هي الثمرات العمليّة المترتّبة على هذا البحث ؟
والجواب:- الثمرات كثيرة جداً نذكر من باب المثال باب الاستحالة حيث قال الفقهاء إذا صار الكلب الميّت ملحاً فهل يجوز أكل هذا الملح وهل هو طاهر أولا ؟ وإذا قلت هو طاهر فعليك أن تأتي بالدليل فإنه لا توجد آية أو رواية تدلّ على ذلك، فإذن من أين هذا الحكم ؟
والجواب:- نقول إنَّ النجاسة منصبّة على عنوان الكلب وهذا ليس بكلبٍ بل هو ملحٌ فموضوع النجاسة قد زال ودليل النجاسة لا يمكن تطبيقه هنا فنحكم بالطهارة.
وقد تقول:- كيف نثبت طهارة هذا الملح ؟
قلت:- إذا كانت عندنا ورايات تقول إنّ الملح طاهرٌ ويجوز أكله فنتمسّك بإطلاقها وتكفينا المؤونة، وأما إذا لم توجد هكذا روايات فيوجد عندنا أصل الطهارة وأصل الحلّيّة فأصل الحلّية يثبت حلّية الأكل وأصل الطهارة يثبت طهارته.
وقد يقال:- لماذا لا نجري الاستصحاب فنقول إنّه كان نجساً والآن نشك فنستصحب النجاسة ؟
قلت:- إنّ الاستصحاب لا يجري لأنّه في باب الاستصحاب لابد من وحدة الموضوع والملح بالنظر العرفي - دون الدقّي - غير الكلب إذ الملح لم يكن نجساً سابقاً حتى تستصحب النجاسة وإنما الذي كان نجساً هو عنوان الكلب وهو الآن ليس بموجودٍ فلا يجري الاستصحاب لتغيّر الموضوع، فنثبت الطهارة إمّا بالدليل الاجتهادي إنّ كان وهكذا الحلّية وإلا فبالأصل.
قلنا إنّ العناوين تارةً تؤخذ بنو الطريقية وتارةً تؤخذ بنحو الموضوعيّة:-
أمّا ما يؤخذ بنحو الطريقية:- فله أمثلة متعدّدة نأخذ بعضها:-
من قبيل:- لوله تعالى:- ﴿ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ﴾ [1]، فهنا وقع الكلام في أنّه هل التبيّن أخذ بنحو الطريقيّة أو بنحو الموضوعيّة ؟ والمقصود من الطريقية يعني أنه كمشيرٍ إلى الفترة المعيّنة - أي فترة طلوع الفجر - وليس التبيّن بعنوانه هو له الموضوعيّة، وتظهر الثمرة في الليالي المقمرة ففيها لا يمكن التبيّن لأنّ نور القمر منتشرٌ في السماء فالتبيّن سوف يتأخر عمّا عليه في الأيام غير المقمرة، يعني في الأيام غير المقمرة كالليلة العاشرة مثلاً إذا كان التبيّن يصير في الساعة الخامسة فنرى عمود الصبح قد ظهر أمّا في الليالي المقمرة فلأجل نور القمر لا يمكن أن يحصل هذا التبيّن تراه إليه العين بل يحصل بعد ربع ساعةٍ مثلاً، فإذا حملنا التبيّن على التبيّن الفعلي الموضوعي دون الطريقي ففي الليالي المقمرة يتأخّر الفجر إلى الخامسة والربع مثلاً، بينما إذا كان مأخوذاً بنحو الطريقية فهو يبقى في الساعة الخامسة وإذا كان هناك فرقٌ فالرق يكون بدقيقةٍ واحدة مثلاً لا أن يكون بربع ساعة.
هنا يمكن أن يقال المناسب أن يكون التبيّن مأخوذاً بنحو الطريقيّة دون الموضوعية، والوجه في ذلك بعض الأمور نذكر واحداً منها - لأنّ كلامنا الآن ليس فقهياً - وهو أنّ نفس مادّة التبيّن تستبطن الطريقية، يعني أنَّ المدار في الحقيقة على ما يُتَبَيَّن فنفس مادّة التبين لها خصوصيّة فحينما أقول لك ( تَبيّن أو افحص أو ابحث ) فكلّ هذه تستبطن الطريقية وليس المدار على التبيّن بداته، فمادّة التبيّن هي بنفسها تستبطن الطريقيّة فهذه قرينة على كون هذا العنوان أخذ بنحو الطريقية، خلافاً للشيخ الهمداني(قده) في صلاته والسيد الخميني(قده) حيث ذهبا إلى أنّ المدار على التبيّن الفعلي وتظهر الثمرة في الليالي المقمرة.
ومن قبيل:- موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:- ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك )[2]، فهل العلم هنا مأخوذ بنحو الطريقيّة أو بنحو الموضوعيّة ؟ فإن قلنا بأنّه مأخوذ بنحو الطريقيّة فلو فرض أني لا أعلم الآن أنّ هذا الشيء دم ونجس وأخذت أساوره ثم تبيّن لي أنه نجس فبناءً على الطريقية وبناءً على كون المتنجّس ينجّس يلزم حينئذٍ تطهير كلّ الأشياء التي لامستها لأنّ نجس واقعاً ولكني لم أكن أعلم بنجاسته، أمّا بناءً على الموضوعيّة فهو ليس بنجسٍ وإنما يصير نجساً من حين العلم به، وقد ذهب صاحب الحدائق(قده) ذهب إلى هذا - أي ذهب إلى الموضوعيّة - حيث قال إذا لم تعلم أنّ هذا دمٌ فهو طاهرٌ واقهاً ولازمه أنّه إذا ساورته ثم اتضح بعد ذلك فهل أحكم بنجاسة يدي أو لا ؟ والجواب:- إن كان على يدي دم بالفعل فسوف تكون نجسة لأنّي علمت أنّ هذا دمٌ، وأما إذا لم يوجد عليها دم بالفعل فتكون طاهرة وكذلك ثوبي لأنّه في تلك الفترة صحيحٌ أنّه كان دماً ولكنه ليس بنجسٍ فلا يجنّس، ونص عبارته هكذا:- ( إنّ ظاهر الخبر المذكور أنه لا تثبت النجاسة للأشياء ولا تتصف بها إلا بالنظر إلى علم المكلف لقوله عليه السلام " فإذا علمت قفد قذر " بمعنى أنه ليس التنجيس عبارة عمّا لا قته عين النجاسة واقعاً خاصة بل ما كان كذلك وعلم به المكلف )[3].
إذن هو قد أخذ العلم بنحو الموضوعيّة دون الطريقية.
وواضحٌ أنّه تذكر عدة قرائن في ردّ ما ذكره(قده) من جملتها أنّ الإمام عليه السلام يقول ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر ) يعني أنّه قذر واقعاً وهذا معناه أنّ النجاسة الواقعيّة ثابتة في فترة عدم علمك ولكن تتعامل معه معاملة الطاهر إلى أن تعلم أنّه نجس واقعاً، فنفس هذه الرواية يفهم منها أنّ المدار في النجاسة على الواقع ومن دون علمك فأنت تعامل معه معاملة الطاهر وهذا ما يعبّر عنه بالطهارة الظاهرية، يعني مادمت لا تعلم فأنت تعامل معه معاملة الطاهر لا أنّه طاهر واقعاً كما يقول صاحب الحدائق(قده).
مضافاً إلى أنّ لازمه أنّ الدم نجسٌ في حقّ العالم به وليس بنجسٍ في حقّ الشاك - غير العالم - وهذا بعيدٌ من المرتكزات المتشرعيّة.
ومن قبيل:- ورايات الديكة، حيث تقول الرواية الشريفة:- ( ربما اشتبه الوقت علينا في يوم الغيم، فقال:- تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديكة فقلت نعم، قال:- إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصلِّ )[4]، إنه عليه السلام أخذ عنوان ارتفاع أصوات الديكة وجعله دليلاً لدخول الوقت - إما للزوال أو للفجر وهذه الرواية قد أخذته للزوال في يوم الغيم -، فهنا أخذ هذا العنوان أيضاً بنحو الطريقيّة جزماً، والقرينة على ذلك هي أنّه لو لم يكن عندنا ديك فهل معنى ذلك أنه سوف لا يدخل الوقت ؟!! فواضحٌ أنّ هذا العنوان قد أخذ بنحو المشيرية إلى تلك الفترة الزمنيّة لمعيّنة.
ومن هذا القبيل:- مسيرة يوم، فإن الوارد في الروايات أنّ صلاة القصر على ثمانية فراسخ أو مسيرة يوم وليلية، فمسيرة يوم وليلة أخذ من باب الطريقيّة لإحراز أنّه قد تحقّق مقدار المسافة الشرعيّة وهو ثمانية فراسخ.
وأمّا ما يؤخذ بنحو الموضوعيّة:- فهو الغالب، فإنّ الغالب هو كون العنوان مأخوذاً بنحو الموضوعيّة.
وإذا سألت وقلت:- إذا شكّكنا أنّ هذا العنوان قد أخذ بنحو الموضوعيّة أو بنحو الطريقية فما هو المناسب ؟
والجواب:- لا يبعد أن الأصل الأولي يقتضي الموضوعيّة وأمّا الطريقيّة فهي التي تحتاج إلى القرائن والمثبتات.
وإذا قلت:- من أين لك هذا الأصل وما هو معناه ؟
قلت:- الأصل هنا بمعنى الظهور، يعني أنّ الظاهر الابتدائي لكلّ عنوانٍ يؤخذ في موضوع الحكم لدى العرف هو أنّه مأخوذ بنحو الموضوعيّة إلا إذا لاح من القرائن أنّه مأخوذٌ بنحو الطريقية كما في الأمثلة السابقة فإنّا ذكرنا قرائن على إثبات الطريقيّة.
وقد تسأل وتقول:- هل المدار في العنوان المأخوذ بنحو الموضوعيّة على وجوده الواقعي أو على وجوده العلمي ؟ وبتعبير آخر:- حينما أخذ العنوان وقيل ( الدم نجس ) وظاهره الدم بما هو دم له الموضوعيّة فهل المقصود هو الدم المعلوم أنّه دم أو المقصود هو الدم الواقعي نجس وهكذا في كلّ الأمثلة الأخرى ؟
والجواب:- هو أنّ المدار والأصل على الوجود الواقعي دون الوجود العلمي، والمستند هو الظهور أيضاً فإنّ الحكم قد انصبّ على عنوان الدم ولم يؤخذ قيد العلم فلم يُقَل ( الدم المعلوم أنّه دم نجس ).
إذن المدار في العناوين أن تكون مأخوذةً بنحو الموضوعيّة والمدار أيضاً على وجودها الواقعي دون الوجود المعلوم.
وما الهدف من هذا التقسيم وهذا الفرز ؟
والجواب:- إنّ الذي نريد أن نقوله هو أنّ قاعدة ( الأحكام تدور مدار العناوين والأسماء ) ناظرة إلى ما كان من القبيل الثاني دون ما كان من القبيل الأوّل، يعني أنّ العناوين المأخوذة بنحو الموضوعيّة دون الطريقية هي التي يأتي فيها كلامنا وهو أنّ الأحكام تدور مدار هذه العناوين وجوداً وعدما، أمّا بالنسبة إلى العناوين المأخوذة بنحو الطريقيّة فلا تأتي تلك القاعدة في حقّها ولا تدور الأحكام مدار تلك العناوين لأنّ تلك العناوين ليست لها خصوصيّة بل هي قد أخذت بنحو الطريقيّة.
وما هي الثمرات العمليّة المترتّبة على هذا البحث ؟
والجواب:- الثمرات كثيرة جداً نذكر من باب المثال باب الاستحالة حيث قال الفقهاء إذا صار الكلب الميّت ملحاً فهل يجوز أكل هذا الملح وهل هو طاهر أولا ؟ وإذا قلت هو طاهر فعليك أن تأتي بالدليل فإنه لا توجد آية أو رواية تدلّ على ذلك، فإذن من أين هذا الحكم ؟
والجواب:- نقول إنَّ النجاسة منصبّة على عنوان الكلب وهذا ليس بكلبٍ بل هو ملحٌ فموضوع النجاسة قد زال ودليل النجاسة لا يمكن تطبيقه هنا فنحكم بالطهارة.
وقد تقول:- كيف نثبت طهارة هذا الملح ؟
قلت:- إذا كانت عندنا ورايات تقول إنّ الملح طاهرٌ ويجوز أكله فنتمسّك بإطلاقها وتكفينا المؤونة، وأما إذا لم توجد هكذا روايات فيوجد عندنا أصل الطهارة وأصل الحلّيّة فأصل الحلّية يثبت حلّية الأكل وأصل الطهارة يثبت طهارته.
وقد يقال:- لماذا لا نجري الاستصحاب فنقول إنّه كان نجساً والآن نشك فنستصحب النجاسة ؟
قلت:- إنّ الاستصحاب لا يجري لأنّه في باب الاستصحاب لابد من وحدة الموضوع والملح بالنظر العرفي - دون الدقّي - غير الكلب إذ الملح لم يكن نجساً سابقاً حتى تستصحب النجاسة وإنما الذي كان نجساً هو عنوان الكلب وهو الآن ليس بموجودٍ فلا يجري الاستصحاب لتغيّر الموضوع، فنثبت الطهارة إمّا بالدليل الاجتهادي إنّ كان وهكذا الحلّية وإلا فبالأصل.