34/11/02
تحمیل
الموضوع:- تنبيهات ( التنبيه الثالث:- الاستصحاب التعليقي ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
المثال الخامس:- إن الشخص اذا أحرم حرمت عليه النساء بمعنى العقد عليها وغير ذلك وحرم عليه ايضاً التطيب بالأقسام الخمسة من الطيب المذكورة في الرسائل العملية - اعني المسك والعنبر والورس والزعفران والعود وهذا مذكور في الرواية - ولكن إذا شككنا في أن غير هذه الخمسة هل هو حرام أو ليس بحرام ؟ فنستصحب آنذاك عدم الحرمة فنقول إنه كانت هناك إباحة للطيب بجميع أقسامه قبل الاحرام وبالإحرام حرمت خمسة جزماً وما زاد نشك فيه فنستصحب إباحة ما عدى الخمسة وهذا الاستصحاب تنجيزي ولا مشكلة فيه ولكن اذا شككنا بأنه هل يجوز للمحرم أن يرجع الى زوجته المطلّقة حالة إحرامه ؟ إنه قد يقال يجري استصحاب الجواز فقبل الاحرام كان يجوز له الرجوع وبعد الاحرام نشك فنستصحب جواز الرجوع وواضح أن هذا يكون اذا لم نستظهر من الأدلة أو من هنا وهناك عدم الجواز فمفروضنا هو اننا نحن والاصل - إن هذا الاستصحاب هل هو استصحاب تنجيزي أو تعليقي ؟ في بادئ النظر قد يقال هو تنجيزي فكما أن جواز التطيّب كان تنجيزياً فاستصحاب جواز الرجوع هو تنجيزيّ أيضاً ولا فرق بينهما فكلاهما جواز . ولكن يمكن ان يقال هو تعليقي وذلك لأن الجواز التكليفي - أي جواز الرجوع تكليفاً - لا محذور فيه فتكليفا لا محذور في أن يقول الزوج ( رجعت ) وانما الكلام هو أنه هل تحلّ له آنذاك لو رجع بأن يمسها مثلاً وينظر الى بدنها فالكلام هو في الجواز الوضعي - أي في الصحة - وإلّا فالجواز التكليفي - أي بمجرد ان يقول ( رجعت ) - لا محذور فيه وإذا كنا نشك فيه وأنه جائز أو لا فهو يجري ولا محذور فيه ولكن أقصى ما يثبت هو الجواز التكليفي ولكن المهم الذي نريده هو الجواز الوضعي الذي يترتب عليه أنه لو رجع يجوز له أن يمسّها من دون شهوة أو ينظر إليها أو ما شاكل ذلك ، فإذن جواز الرجوع إليها في العدّة هو جواز وضعي وعلى هذا الاساس يكون الاستصحاب من ناحيته استصحاباً لحكم تعليقي وليس استصحاباً لحكمٍ تنجيزي ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
المثال السادس:- اذا فرض أن المرأة كانت حائضاً فهي حالة نزول الدم يحرم وطؤها كما أنه يحرم طلاقها فإذا فرض أنه انقطع الدم وبعد لم تغتسل فهل يجوز وطؤها أو لا ؟ فإذا شككنا فنستصحب الحرمة السابقة فنقول إنه كان يحرم وطؤها سابقاً والآن كذلك وهذا استصحاب لحكم تنجيزي ولا اشكال فيه ولكن الكلام بالنسبة الى الحكم الثاني يعني اذا شككنا في جواز طلاقها فهل يجري استصحاب جواز طلاقها ؟ هنا يمكن أن يقال هو تعليقي باعتبار أن الجواز الذي نقصده ليس هو الجواز التكليفي وإلا فتكليفا أن يقول الزوج لزوجته الحائض ( انت طالق ) ليس بحرام ولكنّه لا يترتب عليه أثر . اذن الجواز الذي نقصده هو الجواز الوضعي يعني إن طلّقها هل يصح أن تذهب وتتزوج بشخصٍ آخر فالكلام هنا وهذا كما ترى استصحاب للحكم المعلّق فإن الجواز بهذا المعنى يرجع في روحه الى قضيّة تعليقيّة - يعني ( إن طلقاها جاز لها أن تتزوج بعد العدّة ) - فهو قضية تعليقية واستصحابه استصحاب لحكم تعليقي.
هذا بالنسبة الى بعض التوضيح من خلال الأمثلة لفكرة الاستصحاب التعليقي.
الآراء في المسألة:-
قد اختلف الاصوليون في حجية الاستصحاب التعليقي فقد نقل الشيخ الاعظم(قده) عن سيد مشايخه - السيد محمد المجاهد - وعن والده أي والد السيد محمد المجاهد وهو السيد مير علي صاحب الرياض(قده) أنهما اختارا عدم الحجيّة ، بيد أن الشيخ نفسه وهكذا تلميذه الشيخ الخراساني ذهبا الى الحجيّة والجريان وحينما وصلت النوبة الى الشيخ النائيني ومدرسته - واعني من المدرسة مثل السيد الخوئي(قده) - ذهب الى عدم الجريان ولكن الشيخ العراقي ومدرسته - وأعني من مدرسة الشيخ العراقي يعني مثل السيد الحكيم(قده) - ذهب الى الجريان . اذن المسألة خلافية من هذه الناحية بهذا الشكل.
وقبل أن نوضح أدلة الطرفين نشير الى نكتتين جانبيتين:-
النكتة الاولى:- إنه يقع الخلاف في حجية الاستصحاب التعليقي وأنه يجري أو لا لو كنّا نبني على جريان الاستصحاب في الاحكام الكليّة أما اذا انكرنا ذلك - كما أنكر السيد الخوئي(قده) وقال إن الاستصحاب في الاحكام الكليّة لا يجري باعتبار أن استصحاب بقاء الحكم الفعلي معارض بأصالة عدم الجعل الزائد بلحاظ الفترة الزائدة - فلا معنى آنذاك في النزاع في أن الاستصحاب التعليقي يجري أو لا يجري إذ المفروض انه استصحاب حكميّ فهو لا يجري من ناحية شبهة المعارضة قبل أن تصل النوبة الى محذور التعليق فهو لا يجري في حد نفسه.
نعم لو أراد السيد الخوئي(قده) أن يدخل في هذا النزاع فهو إما أن يدخل دخولاً فرضياً وتقديرياً ويقول على تقدير أننا نقول بجريان الاستصحاب في الاحكام الكليّة فرأينا كذا في الاستصحاب التعليقي واما اذا لم يرد التنازل عن رأيه فلا دخل له في هذا النزاع ، أو أن نفترض أنه يدخل في مساحة ضيقّة لأن النزاع في الاستصحاب التعليقي تارةً يقع في باب الاحكام - وهو المهم - واخرى في باب الموضوعات - كما سوف نبين فيما بعد انشاء الله تعالى - فإن التعليقية كما تتصور في الحكم قد تتصور في الموضوع وكما وقع الكلام في أن استصحاب الاحكام التعليقية حجّة او لا كذلك وقع الكلام في ان استصحاب الموضوعات التعليقية حجّة او لا وفي باب الموضوعات وهو(قده) يقول بجريان الاستصحاب لأنه لا يوجد فيها جعل أي في باب الموضوعات حتى يعارض استصحاب بقاء الموضوع بأصالة عدم الجعل الزائد . اذن مثل السيد الخوئي(قده) اما ان يدخل في هذا النزاع دخولا تقديرياً فرضياً او يدخل في مساحة ضيقّة - يعني في باب الموضوعات - وهذه نكتة جانبية ليست مهمة وهي بيان واقع لا أكثر.
النكتة الثانية:- إن من الأمثلة المعروفة التي تذكر في باب الاستصحاب التعليقي مثال العنب والزبيب وأن العنب لو صار زبيباً هل يجري استصحاب الحرمة المعلّقة فنقول العنب قبلاً أو هذا الزبيب قبلاً كان لو غلى يحرم والآن كذلك فهل يجري هذا الاستصحاب التعليقي أو لا ؟ هذا هو المثال المعروف للاستصحاب التعليقي ، وهذا المثال فيه اشكالان:-
الاشكال الاول:- وهو ما يخطر الى ذهن كل سامع لهذا المثال حيث يمكن أن يقال إن العنب والزبيب عنوانان متغايران بحيث يصدق أن الموضوع ليس واحداً وشرط جريان الاستصحاب وحدة الموضوع,.
وهذا الاشكال لو تم وقبلنا أن هذا العنوان يغاير ذلك العنوان عرفاً وواضح أن في ذلك كلام وأنه عرفاً هل هما عنوانان متغايران او هما ليسا متغايرين بل حالة الجفاف حالة طارئة على العنب لا تغيره عما هو عليه فلا يقال هذا غير ذاك عرفاً وعلى أي حال لو غضضنا النظر وسلمنا انهما اثنان - فلو سلمنا أنهما متغايران ومتباينان ولكن أقول هذه مناقشة في المثال وليست المناقشة في المثال من دأب المحصلين يعني يمكن أن نترك هذا المثال للاستصحاب التعليقي ونختار مثالاً آخر ونحن قد ذكرنا فيما سبق ستة أمثلة فنذهب مثلاً الى المسكوكات الذهبية أو الفضيّة بعد أن هجر التعامل بها فهجران التعامل بها لا يغيّر الموضوع . اذن هذا الاشكال إشكال في المثال وليس على أصل الموضوع وإنما نذكر هذا المثال من باب أنه مثال معروف متداول وقد يتفاعل معه الطالب بسرعة وإلا فلا خصوصيّة له ويمكن تركة والتمثيل بأمثلة أخرى.
الاشكال الثاني:- إن مصب الحرمة هو غليان العصير العنبي والعصير عبارة عما يُعتَصَر فالعنب إذا عصرناه فيقال لهذا السائل بأنه ( العصير العنبي ) وأما الزبيب فسلمنا أنه عنب ولكن مصب الحرمة هو عنوان العصير إذ الزبيب لس فيه عصير إذ هو قد جف إلا اللهم أن تقول أنقعه بالماء ولكن نقول هذا الماء هو ليس بعصيرِ زبيبٍ بل هو ماءٌ خلط بالزبيب وليس عصيراً . فإذن الاستصحاب لا يجري لا من ناحية أن عنوان العنب يغاير عنوان الزبيب بل من ناحية أن مصب الحرمة بالغليان هو العصير - أي ما يعتصر - والزبيب ليس فيه عصير ، وهذا اشكال وارد مقبول . اذن الاستصحاب لا يجري في هذا المثال حتى لو سلمنا وحدة العنبيّة والزبيبيّة عرفاً فرغم ذلك لا يجري الاستصحاب من باب أن مصب الحرمة هو العصير وهنا لا يوجد عصير ، ولكن هذا ايضاً اشكال في خصوص هذا المثال ويمكن التعويض ببقيّة الأمثلة ، وهذه نكتة جانبية كما أشرنا.
ولنعد الى أدلة الطرفين
أدلة الطرفين:-
أما ما يستدل به على الحجية والجريان:- فهو واضح ومختصر وهو الاطلاقات - يعني اطلاق ( لا تنقض اليقين بالشك ) - فيقال كما أنه يشمل استصحاب الحكم التنجيزي كذلك يشمل استصحاب الحكم التعليقي أيضاً ، فأنا القائل بالحجيّة لا أحتاج الى مؤونة كما لو شككت في أن هذا المكان طاهر او لا ؟ وهل أن هذا الطعام الذي يباع في السوق طاهر أو لا ؟ فإنا الذي أقول بأصل الطهارة لا أحتاج الى دليل بل أنت الذي تحتاج الى دليل ولا تسألني وتقول ما هو دليلك على أن الفأرة مثلاً طاهرة أو أن الوزغ طاهر فأنا لا احتاج الى دليل بل انت الذي تدعي النجاسة لابد من أن تأتي بدليل.
اذن القائل بالحجيّة لا يحتاج الى دليل اذ يكفيه اطلاق دليل ( لا تنقض اليقين بالشك ) فإنه كما يشمل الاحكام التنجيزية كذلك يشمل الأحكام التعليقية أيضاً . إذن لابد وأن نسلط الاضواء على أدلة عدم الجريان.
وأما ما يستدل به على عدم الجريان وعدم الحجية:- فالمهم منه ثلاثة أدلة:-
الدليل الاول:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده) وحاصله أن الذي يراد استصحابه في باب الأحكام التعليقية لا يخلو من أحد احتمالات أربعة:-
الاحتمال الاول:- أن يستصحب الجعل فنقول ( جعل الحرمة للعنب إن غلى كان ثابتاً سبقاً والآن- أي حينما صار زبيباً - نشك في بقائه فقبلاً كان الجعل موجوداً وحينما صار العنب جافاً نشك أن الجعل موجود أو لا فننظر الى الجعل ونستصحبه ).
والجواب:- إن هذا لا معنى له كما هو واضح لأن الجعل لا نشك في بقائه وإنما يشك في بقائه في موارد احتمال النسخ ونحن لا نحتمل النسخ وأنه نسخت ورفعت الحرمة كلا فهذا الاحتمال ليس موجوداً وإنما الموجود هو الشك في سعة المجعول بالجعل يعني أن الذي جعل - وهو الحرمة على تقدير الغليان - هل هو ضيق ويختص بحالة العنبيّة أو هو وسيع وممتدّ ويشمل حتى لو جفّ العنب فالشك في المقام ليس شكاً في أصل الجعل حتى يستصحب بقاء الجعل والجعل إنما يشك فيه في موارد احتمال النسخ وموردنا لا يوجد فيه احتمال النسخ وإنما في مقامنا يوجد شك في سعة المجعول وضيقه وعلى هذا الاساس يكون استصحاب بقاء الجعل لا معنى له.
الاحتمال الثاني:- أن نستصحب المجعول لا الجعل ونقصد بالمجعول الحرمة الفعليّة فنقول الحرمة الفعليّة كانت ثابتة سابقاً - أي حالة العنبيّة - والآن نشك في بقائها فنستصحب بقاءها.
وجوابه واضح:- فإن الحرمة الفعليّة لم تكن ثابتة سابقاً فإن ثبوت الحرمة الفعليّة فرع الغليان إذ بالغليان تصير الحرمة فعليّة والمفروض أنه لم يغلِ وإلا لم يصر زبيباً فالحرمة السابقة إذن ليست حرمة فعليّة وإنما هي حرمة مشروطة فلا معنى لاستصحاب الحرمة الفعليّة بعد فرض أن الغليان لم يتحقق سابقاً.