35/01/28
تحمیل
الموضوع:- تنبيهات / التنبيه الرابع ( الأصل
المثبت ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
ثم إنه إن استظهرنا سعة مفهوم كلمة النقض وأنه شامل لحالة عدم ترتيب آثار الواسطة الخفيّة فالأمر واضحٌ يعني أنه يلزم ترتيب آثار الواسطة من جهة صدق عنوان النقض ، وإذا جزمنا بعدم سعة هذا المفهوم فالأمر واضح أيضاً يعني لا نرتّب آثار الواسطة الخفية وأما إذا شككنا كما هو ليس ببعيد - ولعل هذا الشقّ الثالث هو المناسب - فالمناسب ماذا نصنع ؟ المناسب هو عدم ترتيب آثار الواسطة الخفيّة فإن العام لا يجوز التمسك به في مورد إجمال مفهومه كما لو فرض أنه قال ( أكرم كلَّ عالمٍ ) وشكننا أن كلمة عالم هل تشمل عالم الكيمياء والفيزياء كمفهومٍ عرفيّ أو لا فشككنا في سعته وأنه يشمله أو لا فهنا لا يجوز التمسّك بالعام لإثبات السعة فإن العام لا يقول إن مفهومي وسيعٌ أو أنه ضيّق وإنما يقول إنه متى ما تحقّق هذا المفهوم فيلزم ترتيب الحكم وحيث لا نجزم بصدق هذه المفهوم في مورد الشك فلا يجوز التمسّك بعموم العام.
ومن هنا يتّضح أن العام كما لا يجوز التمسّك به في الشبهة المصداقيّة لا يجوز التمسّك به في الشبهة المفهوميّة.
ولا تقل:- إنّا قرأنا أن العام يجوز التمسّك به في موارد إجمال المفهوم فكيف تقول الآن إنه لا يجوز التمسّك به ؟
قلت:- هناك حالتان ينبغي التمييز بينهما فتارةً نفترض أن العام يطرأ عليه مخصّص والمخصّص نشك في سعة مفهومه وضيقه وليس في سعة مفهوم العام وضيقه كأن قال ( أكرم كل شخصٍ إلا الفاسق ) والفاسق نشك هل يصدق على من انقضى عنه مبدأ الفسق أو لا فهذا شكٌّ في سعة وضيق المخصّص فهنا يكون الخاص حجّة في المتلبّس وأمّا ما زاد فنرجع فيه إلى عموم العام هذا هو ما قرأناه وهو صحيح ، وهناك حالة ثانية وهي أنه لم يطرأ مخصّص وإنما قال ( أكرم كلّ رجلٍ ) وكان عندنا شخصٌ كبيرٌ ولكنه فاقد للوعي بشكلٍ من الإشكال - لديه نصف الوعي - فهذا هل يشمله مفهوم ( رجل ) أو لا يشمله فهنا لا يوجد مخصّص وإنما نشكّ هل أن مفهوم العالم يشمله أو لا أو قال ( أكرم كلّ عالم ) ولا ندري أن كلمة عالم هل تشمل صاحب الفيزياء والكيمياء أو لا فلا يوجد هنا مخصّصٌ بل إن هذا العام نشكّ في أن مفهومه صادقٌ أو لا فهنا لا نتمسّك بعموم العام لأن العام يقول أنت أكرم العالم أما أن مفهوم العام وسيعٌ أو ضيّق فلا يثبته بل لابد من إثباته وتنقيحه من الخارج فهو يقول أنا لا أثبت السعة ولا أثبت الضيق . إذن ينبغي التفرقة بين هذين المطلبين.
والنتيجة التي انتهينا إليها هي أن مفهوم النقض إذا شككنا في سعته وضيقه لا يجوز التمسّك به في الواسطة الخفيّة فإن العام لا يجوز التمسّك بعمومه في مورد إجمال مفهومه فكما لا يصح التمسك به في الشبهة المصداقية لا يصحّ التمسّك به في مورد إجمال مفهومه. هذا كله بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ الأعظم(قده).
وأما ما أفاده الشيخ الخراساني(قده):- - من أنه في موارد عدم إمكان التفكيك بين التعبّدين فإذا ثبت التعبّد بأحدهما سوف يثبت التعبد بالثاني من قبيل الأبوّة والبنوّة والعليّة والمعلوليّة فإذا عبّدنا بالأبوّة بالاستصحاب فسوف تثبت البنوّة أيضاً والنكتة في ذلك هي عدم إمكان التفكيك بينهما بالنظرة العرفيّة فالعرف يرى أن المولى إذا عبّدني ببقاء الأبوّة يلزم أن يعبّدني ببقاء البنوّة أما أنّه لا يعبّدني بالبنوّة رغم أنه عبّدني بالأبّوة يرى أن هذا شيئاً غير ممكن وهكذا في العليّة والمعلوليّة – فهو وجيهٌ من حيث الكبرى ولكنه عملاً قد لا يكون شيئاً نافعاً ومهماً باعتبار أنه يمكن تطبيق دليل الاستصحاب ابتداءً على الطرف الثاني - يعني بلا حاجة إلى تطبيقه على الأبوّة ثم منه ننتقل إلى ثبوت البنوّة - فإنه إذا افترضنا وجود تلازم بينهما فأبوّة فعليّة بلا بنوّة فعليّة لا يمكن فإذا تيقنّا بالأبوّة يلزم أن نتيقن بالبنوّة فنطبّق دليل الاستصحاب ابتداءً على البنوّة بلا حاجة إلى تطبيقه على الأبوّة ثم يأتي صاحب الكفاية ويقول إنه سوف تثبت البنوّة من باب عدم إمكان التفكيك إن ما أفاده لا ثمرة عمليّة له بعد إمكان تطبيق دليل الاستصحاب على الطرف والشقّ الثاني كما ذكرنا.
هذا ويبقى شيءٌ أذكره من باب الكلام يجر الكلام:- وهو أن تطبيق دليل الاستصحاب على الأبوّة أوّلاً ومن ثم نثبت البنوّة من باب عدم إمكان التفكيك هو شيءٌ وجيهٌ إذا فرض أن عنوان الأبوّة كان له أثرٌ بقطع النظر عن ثبوت النبوّة وعدم الثبوت كما إذا فرض أني نذرت أنه لو كانت الأبوّة ثابتة فأنا أتصدّق على الفقير بكذا فهنا يوجد أثر ٌشرعيٌّ للأبوّة بقطع النظر عن ثبوت البنوّة وعدم ثبوتها فهنا يأتي ما أفاده صاحب الكفاية(قده) من أن دليل الاستصحاب يشمل الأبوّة باعتبار أن لها أثراً شرعياً وهو وجوب التصدق وأنا قد تيقنت بها سابقاً وأشك فيها لاحقاً فيثبت بقاءها بالاستصحاب وإذا ثبتت بالاستصحاب يلزم ثبوت البنوّة من باب عدم إمكان التفكيك بين التعبّدين إن هذا شيءٌ وجيهٌ ، وأما إذا فرض أن الأبوّة لم يكن لها أثرٌ إلا بلحاظ البنوّة وإلا فالأبوّة بما هي أبوّة لا أثر لها فهنا دليل الاستصحاب لا يمكن تطبيقه على الأبوّة لفرض أنه لا أثر لبقاء الأبوّة بما هو بقاء للأبوة فكيف نطبّق دليل الاستصحاب على الأبوّة كي تثبت بعد ذلك البنوّة ؟! إن المفروض أن الأبوّة لا يمكن أن يشملها دليل الاستصحاب لعدم الأثر في حدّ نفسها وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً ، ويترتب على ذلك هذا المثال الفقهي فلو فرض أن امرأة اضطرت إلى أن تذهب إلى الطبيب الرجل - كما لو انحصر ذلك بالطبيب الرجل - واحتاجت إلى أن تكشف عن بدنها أمامه فهنا يوجد سؤالان الأوّل هو أنه هل يجوز لها أن تكشف عن بدنها أمام الطبيب - وهذا هو السؤال الأوّل بلحاظ حالها هي - ؟ والسؤال الثاني هو أنها لو كشفت هل يجوز للطبيب أن ينظر أو لا ؟
أما بالنسبة إلى السؤال الأوّل:- فهو جائزٌ باعتبار قاعدة ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) فإنها مضطرة إلى ذلك فيجوز بلا كلام في ذلك ، وأما الطبيب فيمكن أن يستشكل ويتوقّف فيقول أنتِ مضطرة فيجوز لكِ أن تكشفي وأما أنا فلست بمضطرٍ فكيف أنظر إلى بدنكِ ، وربما هي تقترح على الطبيب فتقول له إني أطبق على نفسي حديث رفع الاضطرار فيثبت لي جواز الكشف وإذا ثبت لي جواز الكشف فيثبت لك جواز النظر إذ جواز الكشف لي من دون جواز النظر لك لغوٌ وبلا فائدة فإذن يجوز لك أن تنظر بعد أن أطبق حديث رفع الاضطرار على نفسي فهل هذه المحاولة من قبل المرأة صحيحة أو ليست بصحيحة ؟
إنه يمكن للطبيب أن يجيب ويقول:- أنتِ أثبِتي في المرحلة الأوّلى أن حديث رفع الاضطرار يشملك حتماً ، إن شموله مادام يتوقف على أن أنظر أنا والمفروض أن جواز نظري لم يثبت فكيف نجزم حينئذٍ بأن الحديث شاملٌ لكِ ، نعم لو جاء نصّ خاصّ كصحيحة أبي حمزة الثمالي حيث ذكرت أن الرجل إذا كان أرفق من المرأة جاز لها أن تكشف عن بدنها إن هذا ّنصٌّ خاصّ دلَّ على جواز أن تكشف فيثبت بالملازمة على جواز نظر الطبيب ولكن المفروض في مقامنا أنّا نتكلم مع عموم ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) أما إذا كنا نحن وحديث رفع الاضطرار فلابد وأن تثبي أن الحديث يشملكِ حتماً فبعد شموله لك يثبت أني يجوز لي النظر أما مادام شموله لك متوقّف على أنه أنا يجوز لي النظر فأصل الشمول لك يكون مشكوكاً ولا مثبت له فعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك بعموم العام فعموم العام يمكن التمسك به وإثبات الطرف الثاني بالملازمة لو كان شمول العام لمورده لا يتوقف على ثبوت الملازمة وعلى ثبوت حكم الملازمة الثانية والطرف الثاني بالملازمة أما إذا كان أصل شمول العام للفرد موقوف على ثبوت الملازمة وثبوت الطرف الثاني بالملازمة فلا يصح التمسك بعموم العام . إذن ما أفاده صاحب الكفاية(قده) من أنه نتمسك بعموم ودليل الاستصحاب لإثبات الأبّوة ثم بعد ذلك نثبت البنوّة يصح فيما إذا كانت البنوّة لها أثرٌ في حدّ نفسها فهنا يشمله دليل الاستصحاب وبعد أن ثبتت الأبوّة بالاستصحاب نطبّق الملازمة فتثبت البنوّة ، أما إذا لم يكن هناك أثرٌ للأبوّة إلا من حيث ثبوت البنوّة فلا يمكن تطبيق دليل الاستصحاب على الأبوّة إذ لا أثر لها إلا بعد ثبوت البنوّة بالملازمة فمن قال إن حديث الاستصحاب يشمل مثل هذا المورد ؟! هذه نكتة علميّة سيّالة ينبغي الالتفات إليها . بهذا أنهينا حديثنا عن الأمر التاسع من الأمور التي ترتبط بالأصل المثبت ، وما ذكرته ليس هو إشكال على الشيخ الخراساني وإنما هو بيان واقع.
الأمر العاشر:- الأثر الشرعي بواسطة الأثر الشرعي.
ذكرنا فيما سبق أنه بالاستصحاب يثبت شيءٌ بنحو القدر المتيقن ولا يثبت شيءٌ بنحو القدر المتيقن أيضاً والذي يثبت بنحو القدر المتيقن هو الأثر الشرعي المباشري للمستصحب فإذا كان المستصحب له أثرٌ شرعيٌّ مباشريٌّ فيثبت بنحو الجزم واليقين ولا كلام في ذلك ، أما حالة أنه لا يثبت الأثر يقيناً ما إذا فرض أن الأثر الشرعي كان مترتباً على واسطة غير شرعية كما مثلنا باستصحاب حياة الولد لإثبات نبات لحيته ومن ثم وجوب التصدّق فوجوب التصدق أثرٌ شرعيٌّ ولكنه مترتّب على نمو اللحية الذي هو واسطة غير شرعية للحياة فهنا باستصحاب الحياة لا يثبت نمو اللحية وبالتالي لا يثبت وجوب التصدّق هذا شيء جزمي يقيناً ، وهناك حالة ثالثة أريد أن أشير اليها الآن وهي ما إذا كان لدينا أثرٌ شرعيٌّ مترتّب على أثرٍ شرعي آخر - فكلاهما شرعيٌّ - فهل يثبت الأثر الثاني مضافاً إلى الأثر الأوّل بعد فرض أنهما شرعيان معاً أو يثبت خصوص الأثر الأوّل دون الثاني ؟
إنه لا إشكال بين الأعلام في ثبوت الأثر الثاني أيضاً مضافاً إلى الأوّل ولكن كيف التخريج الفنّي ومثال ذلك ما لو كان لدينا ماءٌ كان سابقاً طاهراً والآن شُكّ في تنجّسه وكان لدينا ثوبٌ متنجّس وقد غسلناه بذلك الماء الذي كان طاهراً سابقاً والآن نشك في طهارته فهنا يجري استصحاب طهارة الماء فيثبت بذلك الأثر الشرعي المباشري وهو طهارة الثوب المغسول به لأنه شرعاً رُتِّب طهارة الثوب على طهارة الماء وإذا ثبت طهارة الثوب يثبت بذلك جواز الصلاة به فإن جواز الصلاة به أثرٌ لطهارة الثوب ، والسؤال هو كيف يثبت جواز الصلاة في هذا الثوب والحال أنه يمكن أن يقال نحن إما أن نسلّم بوجود إطلاقٍ في دليل الاستصحاب يشمل جميع الآثار الشرعيّة ولو غير المباشريّة أو لا نسلّم بذلك فإن قلنا بالأوّل فيلزم بذلك حجيّة الأصل المثبت إذ وجوب الصدقة أثرٌ شرعيٌّ للحياة مترتّب على واسطةٍ وهي نمو اللحية فإذا فرضنا أن دليل الاستصحاب يعمّ كلّ أثرٍ شرعيٍ حتى غير المباشري فيلزم أن يثبت وجوب التصدّق المترتب على نبات اللحية أي يلزم من ذلك حجيّة الأصل المثبت - هذا إذا فرضنا أنه يوجد اطلاق لدليل حجيّة الاستصحاب يشمل جميع الآثار الشرعية ولو المترتبة بالواسطة - ، وعلى الثاني - أي إذا قلنا إنه لا يوجد إطلاق - فيلزم من ذلك أن لا يثبت الأثر الشرعي الثاني ويختصّ الثبوت بالأثر الشرعي الأوّل ، هذا هو الإشكال في المقام.
وإن شئت قلت بصيغة ثانية أو بروحٍ ثانية:- إن شرط ثوت الأثر الشرعي هو اليقين بموضوعه ولو يقيناً تعبدياً تنزيليّاً من قبل الشارع فإذا كان الأثر الشرعي مباشريّاً فالشارع عبدنا بموضوعه بأنه باقٍ فيحصل اليقين بموضوعه فيثبت الأثر الشرعي وأما إذا لم يكن مباشريّاً فالأثر الأوّل لا يقين لنا به - الذي هو موضوع للأثر الثاني - فكيف يثبت الأثر الثاني ؟! هذا إشكال على الآثار الشرعية الثابتة بواسطة الآثار الشرعية وقلت هي بلا إشكال تثبت أصولياً أو فقهياً ولكن الكلام في أنه كيف التخريج الفنّي مع هذا الإشكال الذي أشرنا إليه.
ثم إنه إن استظهرنا سعة مفهوم كلمة النقض وأنه شامل لحالة عدم ترتيب آثار الواسطة الخفيّة فالأمر واضحٌ يعني أنه يلزم ترتيب آثار الواسطة من جهة صدق عنوان النقض ، وإذا جزمنا بعدم سعة هذا المفهوم فالأمر واضح أيضاً يعني لا نرتّب آثار الواسطة الخفية وأما إذا شككنا كما هو ليس ببعيد - ولعل هذا الشقّ الثالث هو المناسب - فالمناسب ماذا نصنع ؟ المناسب هو عدم ترتيب آثار الواسطة الخفيّة فإن العام لا يجوز التمسك به في مورد إجمال مفهومه كما لو فرض أنه قال ( أكرم كلَّ عالمٍ ) وشكننا أن كلمة عالم هل تشمل عالم الكيمياء والفيزياء كمفهومٍ عرفيّ أو لا فشككنا في سعته وأنه يشمله أو لا فهنا لا يجوز التمسّك بالعام لإثبات السعة فإن العام لا يقول إن مفهومي وسيعٌ أو أنه ضيّق وإنما يقول إنه متى ما تحقّق هذا المفهوم فيلزم ترتيب الحكم وحيث لا نجزم بصدق هذه المفهوم في مورد الشك فلا يجوز التمسّك بعموم العام.
ومن هنا يتّضح أن العام كما لا يجوز التمسّك به في الشبهة المصداقيّة لا يجوز التمسّك به في الشبهة المفهوميّة.
ولا تقل:- إنّا قرأنا أن العام يجوز التمسّك به في موارد إجمال المفهوم فكيف تقول الآن إنه لا يجوز التمسّك به ؟
قلت:- هناك حالتان ينبغي التمييز بينهما فتارةً نفترض أن العام يطرأ عليه مخصّص والمخصّص نشك في سعة مفهومه وضيقه وليس في سعة مفهوم العام وضيقه كأن قال ( أكرم كل شخصٍ إلا الفاسق ) والفاسق نشك هل يصدق على من انقضى عنه مبدأ الفسق أو لا فهذا شكٌّ في سعة وضيق المخصّص فهنا يكون الخاص حجّة في المتلبّس وأمّا ما زاد فنرجع فيه إلى عموم العام هذا هو ما قرأناه وهو صحيح ، وهناك حالة ثانية وهي أنه لم يطرأ مخصّص وإنما قال ( أكرم كلّ رجلٍ ) وكان عندنا شخصٌ كبيرٌ ولكنه فاقد للوعي بشكلٍ من الإشكال - لديه نصف الوعي - فهذا هل يشمله مفهوم ( رجل ) أو لا يشمله فهنا لا يوجد مخصّص وإنما نشكّ هل أن مفهوم العالم يشمله أو لا أو قال ( أكرم كلّ عالم ) ولا ندري أن كلمة عالم هل تشمل صاحب الفيزياء والكيمياء أو لا فلا يوجد هنا مخصّصٌ بل إن هذا العام نشكّ في أن مفهومه صادقٌ أو لا فهنا لا نتمسّك بعموم العام لأن العام يقول أنت أكرم العالم أما أن مفهوم العام وسيعٌ أو ضيّق فلا يثبته بل لابد من إثباته وتنقيحه من الخارج فهو يقول أنا لا أثبت السعة ولا أثبت الضيق . إذن ينبغي التفرقة بين هذين المطلبين.
والنتيجة التي انتهينا إليها هي أن مفهوم النقض إذا شككنا في سعته وضيقه لا يجوز التمسّك به في الواسطة الخفيّة فإن العام لا يجوز التمسّك بعمومه في مورد إجمال مفهومه فكما لا يصح التمسك به في الشبهة المصداقية لا يصحّ التمسّك به في مورد إجمال مفهومه. هذا كله بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ الأعظم(قده).
وأما ما أفاده الشيخ الخراساني(قده):- - من أنه في موارد عدم إمكان التفكيك بين التعبّدين فإذا ثبت التعبّد بأحدهما سوف يثبت التعبد بالثاني من قبيل الأبوّة والبنوّة والعليّة والمعلوليّة فإذا عبّدنا بالأبوّة بالاستصحاب فسوف تثبت البنوّة أيضاً والنكتة في ذلك هي عدم إمكان التفكيك بينهما بالنظرة العرفيّة فالعرف يرى أن المولى إذا عبّدني ببقاء الأبوّة يلزم أن يعبّدني ببقاء البنوّة أما أنّه لا يعبّدني بالبنوّة رغم أنه عبّدني بالأبّوة يرى أن هذا شيئاً غير ممكن وهكذا في العليّة والمعلوليّة – فهو وجيهٌ من حيث الكبرى ولكنه عملاً قد لا يكون شيئاً نافعاً ومهماً باعتبار أنه يمكن تطبيق دليل الاستصحاب ابتداءً على الطرف الثاني - يعني بلا حاجة إلى تطبيقه على الأبوّة ثم منه ننتقل إلى ثبوت البنوّة - فإنه إذا افترضنا وجود تلازم بينهما فأبوّة فعليّة بلا بنوّة فعليّة لا يمكن فإذا تيقنّا بالأبوّة يلزم أن نتيقن بالبنوّة فنطبّق دليل الاستصحاب ابتداءً على البنوّة بلا حاجة إلى تطبيقه على الأبوّة ثم يأتي صاحب الكفاية ويقول إنه سوف تثبت البنوّة من باب عدم إمكان التفكيك إن ما أفاده لا ثمرة عمليّة له بعد إمكان تطبيق دليل الاستصحاب على الطرف والشقّ الثاني كما ذكرنا.
هذا ويبقى شيءٌ أذكره من باب الكلام يجر الكلام:- وهو أن تطبيق دليل الاستصحاب على الأبوّة أوّلاً ومن ثم نثبت البنوّة من باب عدم إمكان التفكيك هو شيءٌ وجيهٌ إذا فرض أن عنوان الأبوّة كان له أثرٌ بقطع النظر عن ثبوت النبوّة وعدم الثبوت كما إذا فرض أني نذرت أنه لو كانت الأبوّة ثابتة فأنا أتصدّق على الفقير بكذا فهنا يوجد أثر ٌشرعيٌّ للأبوّة بقطع النظر عن ثبوت البنوّة وعدم ثبوتها فهنا يأتي ما أفاده صاحب الكفاية(قده) من أن دليل الاستصحاب يشمل الأبوّة باعتبار أن لها أثراً شرعياً وهو وجوب التصدق وأنا قد تيقنت بها سابقاً وأشك فيها لاحقاً فيثبت بقاءها بالاستصحاب وإذا ثبتت بالاستصحاب يلزم ثبوت البنوّة من باب عدم إمكان التفكيك بين التعبّدين إن هذا شيءٌ وجيهٌ ، وأما إذا فرض أن الأبوّة لم يكن لها أثرٌ إلا بلحاظ البنوّة وإلا فالأبوّة بما هي أبوّة لا أثر لها فهنا دليل الاستصحاب لا يمكن تطبيقه على الأبوّة لفرض أنه لا أثر لبقاء الأبوّة بما هو بقاء للأبوة فكيف نطبّق دليل الاستصحاب على الأبوّة كي تثبت بعد ذلك البنوّة ؟! إن المفروض أن الأبوّة لا يمكن أن يشملها دليل الاستصحاب لعدم الأثر في حدّ نفسها وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً ، ويترتب على ذلك هذا المثال الفقهي فلو فرض أن امرأة اضطرت إلى أن تذهب إلى الطبيب الرجل - كما لو انحصر ذلك بالطبيب الرجل - واحتاجت إلى أن تكشف عن بدنها أمامه فهنا يوجد سؤالان الأوّل هو أنه هل يجوز لها أن تكشف عن بدنها أمام الطبيب - وهذا هو السؤال الأوّل بلحاظ حالها هي - ؟ والسؤال الثاني هو أنها لو كشفت هل يجوز للطبيب أن ينظر أو لا ؟
أما بالنسبة إلى السؤال الأوّل:- فهو جائزٌ باعتبار قاعدة ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) فإنها مضطرة إلى ذلك فيجوز بلا كلام في ذلك ، وأما الطبيب فيمكن أن يستشكل ويتوقّف فيقول أنتِ مضطرة فيجوز لكِ أن تكشفي وأما أنا فلست بمضطرٍ فكيف أنظر إلى بدنكِ ، وربما هي تقترح على الطبيب فتقول له إني أطبق على نفسي حديث رفع الاضطرار فيثبت لي جواز الكشف وإذا ثبت لي جواز الكشف فيثبت لك جواز النظر إذ جواز الكشف لي من دون جواز النظر لك لغوٌ وبلا فائدة فإذن يجوز لك أن تنظر بعد أن أطبق حديث رفع الاضطرار على نفسي فهل هذه المحاولة من قبل المرأة صحيحة أو ليست بصحيحة ؟
إنه يمكن للطبيب أن يجيب ويقول:- أنتِ أثبِتي في المرحلة الأوّلى أن حديث رفع الاضطرار يشملك حتماً ، إن شموله مادام يتوقف على أن أنظر أنا والمفروض أن جواز نظري لم يثبت فكيف نجزم حينئذٍ بأن الحديث شاملٌ لكِ ، نعم لو جاء نصّ خاصّ كصحيحة أبي حمزة الثمالي حيث ذكرت أن الرجل إذا كان أرفق من المرأة جاز لها أن تكشف عن بدنها إن هذا ّنصٌّ خاصّ دلَّ على جواز أن تكشف فيثبت بالملازمة على جواز نظر الطبيب ولكن المفروض في مقامنا أنّا نتكلم مع عموم ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) أما إذا كنا نحن وحديث رفع الاضطرار فلابد وأن تثبي أن الحديث يشملكِ حتماً فبعد شموله لك يثبت أني يجوز لي النظر أما مادام شموله لك متوقّف على أنه أنا يجوز لي النظر فأصل الشمول لك يكون مشكوكاً ولا مثبت له فعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك بعموم العام فعموم العام يمكن التمسك به وإثبات الطرف الثاني بالملازمة لو كان شمول العام لمورده لا يتوقف على ثبوت الملازمة وعلى ثبوت حكم الملازمة الثانية والطرف الثاني بالملازمة أما إذا كان أصل شمول العام للفرد موقوف على ثبوت الملازمة وثبوت الطرف الثاني بالملازمة فلا يصح التمسك بعموم العام . إذن ما أفاده صاحب الكفاية(قده) من أنه نتمسك بعموم ودليل الاستصحاب لإثبات الأبّوة ثم بعد ذلك نثبت البنوّة يصح فيما إذا كانت البنوّة لها أثرٌ في حدّ نفسها فهنا يشمله دليل الاستصحاب وبعد أن ثبتت الأبوّة بالاستصحاب نطبّق الملازمة فتثبت البنوّة ، أما إذا لم يكن هناك أثرٌ للأبوّة إلا من حيث ثبوت البنوّة فلا يمكن تطبيق دليل الاستصحاب على الأبوّة إذ لا أثر لها إلا بعد ثبوت البنوّة بالملازمة فمن قال إن حديث الاستصحاب يشمل مثل هذا المورد ؟! هذه نكتة علميّة سيّالة ينبغي الالتفات إليها . بهذا أنهينا حديثنا عن الأمر التاسع من الأمور التي ترتبط بالأصل المثبت ، وما ذكرته ليس هو إشكال على الشيخ الخراساني وإنما هو بيان واقع.
الأمر العاشر:- الأثر الشرعي بواسطة الأثر الشرعي.
ذكرنا فيما سبق أنه بالاستصحاب يثبت شيءٌ بنحو القدر المتيقن ولا يثبت شيءٌ بنحو القدر المتيقن أيضاً والذي يثبت بنحو القدر المتيقن هو الأثر الشرعي المباشري للمستصحب فإذا كان المستصحب له أثرٌ شرعيٌّ مباشريٌّ فيثبت بنحو الجزم واليقين ولا كلام في ذلك ، أما حالة أنه لا يثبت الأثر يقيناً ما إذا فرض أن الأثر الشرعي كان مترتباً على واسطة غير شرعية كما مثلنا باستصحاب حياة الولد لإثبات نبات لحيته ومن ثم وجوب التصدّق فوجوب التصدق أثرٌ شرعيٌّ ولكنه مترتّب على نمو اللحية الذي هو واسطة غير شرعية للحياة فهنا باستصحاب الحياة لا يثبت نمو اللحية وبالتالي لا يثبت وجوب التصدّق هذا شيء جزمي يقيناً ، وهناك حالة ثالثة أريد أن أشير اليها الآن وهي ما إذا كان لدينا أثرٌ شرعيٌّ مترتّب على أثرٍ شرعي آخر - فكلاهما شرعيٌّ - فهل يثبت الأثر الثاني مضافاً إلى الأثر الأوّل بعد فرض أنهما شرعيان معاً أو يثبت خصوص الأثر الأوّل دون الثاني ؟
إنه لا إشكال بين الأعلام في ثبوت الأثر الثاني أيضاً مضافاً إلى الأوّل ولكن كيف التخريج الفنّي ومثال ذلك ما لو كان لدينا ماءٌ كان سابقاً طاهراً والآن شُكّ في تنجّسه وكان لدينا ثوبٌ متنجّس وقد غسلناه بذلك الماء الذي كان طاهراً سابقاً والآن نشك في طهارته فهنا يجري استصحاب طهارة الماء فيثبت بذلك الأثر الشرعي المباشري وهو طهارة الثوب المغسول به لأنه شرعاً رُتِّب طهارة الثوب على طهارة الماء وإذا ثبت طهارة الثوب يثبت بذلك جواز الصلاة به فإن جواز الصلاة به أثرٌ لطهارة الثوب ، والسؤال هو كيف يثبت جواز الصلاة في هذا الثوب والحال أنه يمكن أن يقال نحن إما أن نسلّم بوجود إطلاقٍ في دليل الاستصحاب يشمل جميع الآثار الشرعيّة ولو غير المباشريّة أو لا نسلّم بذلك فإن قلنا بالأوّل فيلزم بذلك حجيّة الأصل المثبت إذ وجوب الصدقة أثرٌ شرعيٌّ للحياة مترتّب على واسطةٍ وهي نمو اللحية فإذا فرضنا أن دليل الاستصحاب يعمّ كلّ أثرٍ شرعيٍ حتى غير المباشري فيلزم أن يثبت وجوب التصدّق المترتب على نبات اللحية أي يلزم من ذلك حجيّة الأصل المثبت - هذا إذا فرضنا أنه يوجد اطلاق لدليل حجيّة الاستصحاب يشمل جميع الآثار الشرعية ولو المترتبة بالواسطة - ، وعلى الثاني - أي إذا قلنا إنه لا يوجد إطلاق - فيلزم من ذلك أن لا يثبت الأثر الشرعي الثاني ويختصّ الثبوت بالأثر الشرعي الأوّل ، هذا هو الإشكال في المقام.
وإن شئت قلت بصيغة ثانية أو بروحٍ ثانية:- إن شرط ثوت الأثر الشرعي هو اليقين بموضوعه ولو يقيناً تعبدياً تنزيليّاً من قبل الشارع فإذا كان الأثر الشرعي مباشريّاً فالشارع عبدنا بموضوعه بأنه باقٍ فيحصل اليقين بموضوعه فيثبت الأثر الشرعي وأما إذا لم يكن مباشريّاً فالأثر الأوّل لا يقين لنا به - الذي هو موضوع للأثر الثاني - فكيف يثبت الأثر الثاني ؟! هذا إشكال على الآثار الشرعية الثابتة بواسطة الآثار الشرعية وقلت هي بلا إشكال تثبت أصولياً أو فقهياً ولكن الكلام في أنه كيف التخريج الفنّي مع هذا الإشكال الذي أشرنا إليه.