35/06/28
تحمیل
الموضوع:- تعارض الأدلة /
التعارض بين الاصلين، أحكام التعارض.
التعارض بين الاصلين:-
ذكرنا فيما سبق أن التعارض عبارة عن التنافي بين الدليلين من حيث مدلولهما أو بالأحرى من حيث الجعل، ومن خلال هذا يتضح أن مؤدّى الأصلين إذا كان مختلفاً فلا تعارض بينهما - أعني بين نفس الأصلين - فمثلاً لو كان عندي ثوبٌ أشكّ في طهارته الآن وكانت حالته السابقة هي النجاسة فالاستصحاب يقول لي هو نجسٌ الآن بينما أصل الطهارة يقول هو طاهر، فالاستصحاب يؤدّي إلى النجاسة بينما أصل الطهارة يؤدّي إلى الطهارة، وهنا هل يصحّ أن نقول إن الاستصحاب معارضٌ لأصل الطهارة فيما لو أردنا أن نتساير مع مصطلح التعارض بمعناه الأصولي - أو بالأحرى بمعناه المتقدّم أعني تنافي الدليلين من حيث المدلول والجعل - ؟ ؟ كلّا ؛ باعتبار أنه في باب التعارض نحتاج إلى وجود دليلٍ ويكون له مدلولٌ وجعلٌ يحكي عنه وفي باب الأصل لا يوجد دليل ومدلول أو بالأحرى لا يوجد دليلٌ وجعلٌ فإن نفس الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما كان وأمّا لفظة استصحاب فهي مصطلحٌ أصوليٌّ وإلا فالوارد من الشارع هو ( لا تنقض اليقين ) يعني أبقِ ما كان وهذا حكمٌ شرعيٌّ فأين الدال وأين المدلول ؟!! وبكلمة أخرى:- هو بنفسه جعلٌ وحكمٌ شرعيٌّ ولا يوجد دالٌ عليه، وشرطُ وجودِ التعارض وجود دالٍ على الجعل كي يتحقّق التنافي بين الدالين بسبب التنافي بين المدلولين أو الجعلين، وفي باب الاستصحاب لا يوجد دالّ ومدلولٌ بل هو بنفسه حكمٌ شرعيٌّ وجعلٌ فلا يوجد تعارض بين أصل الاستصحاب وأصل الطهارة.
نعم نصفهما بالتعارض مسامحةً باعتبار تنافي نتيجتهما، فلأجل أن نتيجتهما متنافية نتسامح ونقول هما متعارضان وإلا فهما ليسا متعارضين . نعم إنّ الذي يتحقّق فيه التعارض هو دليل الأصل العملي - أعني الاستصحاب - مع دليل أصل الطهارة، فالدليل على هذا الأصل مع الدليل على ذاك الأصل يتحقّق بينهما التعارض بسبب التنافي بين مدلولهما، وأقصد من مدلولهما هو الاستصحاب في هذا وأصل الطهارة في ذاك، فالتعارض هو وصفٌ ثابتٌ للدليل الدال على هذا الأصل مع الدليل الدال على ذلك الأصل فبين دليلي الأصلين يوجد تعارضٌ لا بين نفس الأصلين بقطع النظر عن دليلهما.
ونفس الكلام نقوله لو دار الأمر بين أصلٍ وأمارةٍ محرزة، كما لو دار الأمر بين قاعدة الصحّة أو الفراغ أو القرعة بناءً على أن هذه أمارات، فلو دار الأمر بينها وبين الاستصحاب الذي هو أصلٌ عمليٌّ فهنا الدوران يكون بين أصلٍ وبين أمارة محرزة فلا نقول إن بينهما تعارضاً لنفس النكتة السابقة بأن مفاد الأصل هو نفس الحكم الشرعي ولا يوجد دالٌّ ومدلولٌ.
وهكذا قاعدة الصحّة مفادها الحكم بتماميّة ما سبق ولا يوجد دالٌّ ومدلولٌ فلا تعارض بينهما لعدم وجود دالّين يحكيان عن مدلولين وجعلين متنافيين بل هما بأنفسهما جعلان، نعم التعارض يكون بين الدليل الدال على هذا الأصل والدليل الدال على تلك الأمارة - يعني على قاعدة الصحة مثلاً -.
والخلاصة:- إنَّ التعارض وصفٌ للدليلين بلحاظ التنافي بين مدلوليهما، ويترتب على ذلك أن لا تنافي بين الأصلين لو كانت نتيجتهما مختلفة، وهكذا بين الأصل والأمارة فإنه لا يتحقّق التعارض لنفس النكتة.
وهذا المطلب الذي أشرنا إليه ما هو الهدف منه ؟ فهل الهدف منه هو مجرّد بيان قضيّة فنيّة وتعبيريّة وأن هذا هو المناسب أو يوجد شيء أكثر من ذلك ؟
نعم يترتب على ذلك قضيّة مهمّة وهي أن أحكام باب التعارض - التي سوف تأتي - يمكن لا أن نطبّقها آنذاك بين نفس الأصلين وإنما يلزم أن نطبقها على دليلي الأصلين لأنهما هما المتعارضان دون نفس الأصلين، وهذه قضيّة عليمّة تترتّب على هذه القضيّة التي أشرنا إليها.
أحكام باب التعارض:-
عرفنا فيما سبق أن حكم المتزاحمين هو تقديم الأهم ملاكاً، والآن نريد أن نعرف حكم المتعارضين ؟
والجواب:- تارةً يفترض أن المتعارضين بنحوٍ لو أُلقيا على العرف لجمع بينهما بشكلٍ من الأشكال ولم ير بينهما تنافياً لا يمكن السيطرة عليه، وأخرى يرى وجود تنافٍ ثابتٍ ومستقرٍّ، ولنصطلح على الأوّل بالتعارض غير المستقر، وعلى الثاني بالتعارض المستقر.
أما التعارض غير المستقر فيوجد فيه سؤالان:-
السؤال الأول:- ما هو ميزان كون التعارض تعارضاً غير مستقرٍّ ؟
السؤال الثاني:- لماذا في مورد التعارض غير المستقر يتعيّن الجمع بما يراه العرف ؟ فهل هناك آية أو رواية أو قضيّة عقليّة تدلّ على ذلك ؟
أما بالنسبة إلى السؤال الأوّل:- فالميزان هو أنه كلّما اجتمع الكلامان وجُعِل أحدهما إلى جنب صاحبه فالعرف إذا لم يرَ بينهما تنافياً بل إمّا أن يجعل أحدهما مفسّراً وموضّحاً للآخر أو يراه مقدَّماً عليه أو غير ذلك - والمهم أنه عند اتصالهما لا يرى بينهما تنافياً - فيلزم آنذاك في حالة انفصالهما أن لا يكون التنافي ثابتاً أيضاً، وبالتالي يكون ذلك هو ميزان مورد الجمع العرفي، فمثلاً ( أكرم كلّ فقير ) و ( لا تكرم الفقير الفاسق ) لو جمعنا أحدهما إلى جنب الآخر وكانا متّصلين فقال المتكلم كلاماً متصلاً ( أكرم الفقير ولا تكرم الفقير الفاسق ) فهل يرى العرف تنافيا بينهما ؟ كلّا إنه في حالة اجتماعهما لا يرى التنافي بينهما بل يرى أن المقصود من ( أكرم كلّ فقير ) يعني غير الفاسق بقرينة ( ولا تكرم الفقير الفاسق )، ففي حالة انفصالهما يكون الأمر كذلك ويكون ذلك مورداً للجمع العرفي وميزاناً للتعارض غير المستقر، ونؤكد أن المقصود هو أنه متى ما أمكن للعرف أن يوفّق بينهما من دون تنافٍ فعند الانفصال يكون الأمر كذلك وليس المقصود من الجمع مطلق الجمع كيف اتفق كما قد توحي به القاعدة المتداولة على بعض الألسن والتي تقول:- ( الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ) فإنه إذا كان المقصود من الجمع هنا مطلق الجمع ولو لم يساعد عليه العرف فهذه القاعدة مرفوضة ولا أساس لها، أمّا إذا كان المقصود من لفظ ( الجمع مهما أمكن ) يعني الجمع الذي يساعد عليه العرف فهو أولى، والاولويّة لابد وأن نفسّرها بمعنى اللزوم نظير قوله تعالى:- ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) ، فإذا كان هذا هو المقصود فهذا يكون شيئاً جيداً ومقبولاً وهو عين ما أشرنا إليه، أما إذا كان المقصود منه أنّ الجمع مهما أمكن ولو كان غير عرفياً هو أولى من الطرح فهذا شيء لا أساس له بل دلّ الدليل على بطلانه فإن نفس أدلّة المرجّحات التي منها ( خذ بما وافق الكتاب ) أو غير ذلك يلزم أن تبقى بلا موردٍ إذ ما من موردٍ إلّا ويمكن الجمع فيه بين الدليلين بشكلٍ وآخر فلا يوجد حينئذٍ دليلان لا يمكن الجمع بينهما حتى تصل النوبة إلى الترجيح بموافقة الكتاب أو غير ذلك.
وأما بالنسبة إلى جواب السؤال الثاني فنقول:- وأما النكتة فهي أنّه يوجد التزامٌ فطريٌّ - إن صحّ التعبير - في قلب كلّ إنسان عرفيّ بأنّه لا يتكلّم إلّا وفق الأساليب العرفيّة ولا يقصد إلّا ما يتناسب مع الأساليب العرفيّة وإلّا لا يفهمه العرف، إنّ هذا التزامٌ فطريٌّ موجودٌ في قلب كلّ إنسان وهو غير قابلٍ للإنكار، وعلى هذا الأساس حينما يطرح المتكلّم الدليلين مثل دليل ( أكرم كلّ فقير ) ودليل ( لا تكرم الفقير الفاسق ) فهو قد طرحهما وذكرهما وفق الأساليب العرفيّة ويريد ما تقتضيه الأساليب العرفيّة، وقد فرضنا أن العرف لا يرى تنافياً بين هذين الدليلين بل يجمع بينهما بوجهٍ ما فيتعيّن أن يكون ذلك الجمع مقصوداً للمتكلّم لأنّا قد فرضنا أنه ملتزمٌ بأنّه يقصد ما يفهمه العرف وما يسير عليه العرف، والمفروض أنّ العرف يسير على هذا فهو يوفّق بين هذين بهذا الشكل وهو التخصيص، فهنا يلزم أن يكون الأمر كذلك، وهذا هو الوجه في لزوم الجمع العرفي متى ما أمكن.
التعارض بين الاصلين:-
ذكرنا فيما سبق أن التعارض عبارة عن التنافي بين الدليلين من حيث مدلولهما أو بالأحرى من حيث الجعل، ومن خلال هذا يتضح أن مؤدّى الأصلين إذا كان مختلفاً فلا تعارض بينهما - أعني بين نفس الأصلين - فمثلاً لو كان عندي ثوبٌ أشكّ في طهارته الآن وكانت حالته السابقة هي النجاسة فالاستصحاب يقول لي هو نجسٌ الآن بينما أصل الطهارة يقول هو طاهر، فالاستصحاب يؤدّي إلى النجاسة بينما أصل الطهارة يؤدّي إلى الطهارة، وهنا هل يصحّ أن نقول إن الاستصحاب معارضٌ لأصل الطهارة فيما لو أردنا أن نتساير مع مصطلح التعارض بمعناه الأصولي - أو بالأحرى بمعناه المتقدّم أعني تنافي الدليلين من حيث المدلول والجعل - ؟ ؟ كلّا ؛ باعتبار أنه في باب التعارض نحتاج إلى وجود دليلٍ ويكون له مدلولٌ وجعلٌ يحكي عنه وفي باب الأصل لا يوجد دليل ومدلول أو بالأحرى لا يوجد دليلٌ وجعلٌ فإن نفس الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما كان وأمّا لفظة استصحاب فهي مصطلحٌ أصوليٌّ وإلا فالوارد من الشارع هو ( لا تنقض اليقين ) يعني أبقِ ما كان وهذا حكمٌ شرعيٌّ فأين الدال وأين المدلول ؟!! وبكلمة أخرى:- هو بنفسه جعلٌ وحكمٌ شرعيٌّ ولا يوجد دالٌ عليه، وشرطُ وجودِ التعارض وجود دالٍ على الجعل كي يتحقّق التنافي بين الدالين بسبب التنافي بين المدلولين أو الجعلين، وفي باب الاستصحاب لا يوجد دالّ ومدلولٌ بل هو بنفسه حكمٌ شرعيٌّ وجعلٌ فلا يوجد تعارض بين أصل الاستصحاب وأصل الطهارة.
نعم نصفهما بالتعارض مسامحةً باعتبار تنافي نتيجتهما، فلأجل أن نتيجتهما متنافية نتسامح ونقول هما متعارضان وإلا فهما ليسا متعارضين . نعم إنّ الذي يتحقّق فيه التعارض هو دليل الأصل العملي - أعني الاستصحاب - مع دليل أصل الطهارة، فالدليل على هذا الأصل مع الدليل على ذاك الأصل يتحقّق بينهما التعارض بسبب التنافي بين مدلولهما، وأقصد من مدلولهما هو الاستصحاب في هذا وأصل الطهارة في ذاك، فالتعارض هو وصفٌ ثابتٌ للدليل الدال على هذا الأصل مع الدليل الدال على ذلك الأصل فبين دليلي الأصلين يوجد تعارضٌ لا بين نفس الأصلين بقطع النظر عن دليلهما.
ونفس الكلام نقوله لو دار الأمر بين أصلٍ وأمارةٍ محرزة، كما لو دار الأمر بين قاعدة الصحّة أو الفراغ أو القرعة بناءً على أن هذه أمارات، فلو دار الأمر بينها وبين الاستصحاب الذي هو أصلٌ عمليٌّ فهنا الدوران يكون بين أصلٍ وبين أمارة محرزة فلا نقول إن بينهما تعارضاً لنفس النكتة السابقة بأن مفاد الأصل هو نفس الحكم الشرعي ولا يوجد دالٌّ ومدلولٌ.
وهكذا قاعدة الصحّة مفادها الحكم بتماميّة ما سبق ولا يوجد دالٌّ ومدلولٌ فلا تعارض بينهما لعدم وجود دالّين يحكيان عن مدلولين وجعلين متنافيين بل هما بأنفسهما جعلان، نعم التعارض يكون بين الدليل الدال على هذا الأصل والدليل الدال على تلك الأمارة - يعني على قاعدة الصحة مثلاً -.
والخلاصة:- إنَّ التعارض وصفٌ للدليلين بلحاظ التنافي بين مدلوليهما، ويترتب على ذلك أن لا تنافي بين الأصلين لو كانت نتيجتهما مختلفة، وهكذا بين الأصل والأمارة فإنه لا يتحقّق التعارض لنفس النكتة.
وهذا المطلب الذي أشرنا إليه ما هو الهدف منه ؟ فهل الهدف منه هو مجرّد بيان قضيّة فنيّة وتعبيريّة وأن هذا هو المناسب أو يوجد شيء أكثر من ذلك ؟
نعم يترتب على ذلك قضيّة مهمّة وهي أن أحكام باب التعارض - التي سوف تأتي - يمكن لا أن نطبّقها آنذاك بين نفس الأصلين وإنما يلزم أن نطبقها على دليلي الأصلين لأنهما هما المتعارضان دون نفس الأصلين، وهذه قضيّة عليمّة تترتّب على هذه القضيّة التي أشرنا إليها.
أحكام باب التعارض:-
عرفنا فيما سبق أن حكم المتزاحمين هو تقديم الأهم ملاكاً، والآن نريد أن نعرف حكم المتعارضين ؟
والجواب:- تارةً يفترض أن المتعارضين بنحوٍ لو أُلقيا على العرف لجمع بينهما بشكلٍ من الأشكال ولم ير بينهما تنافياً لا يمكن السيطرة عليه، وأخرى يرى وجود تنافٍ ثابتٍ ومستقرٍّ، ولنصطلح على الأوّل بالتعارض غير المستقر، وعلى الثاني بالتعارض المستقر.
أما التعارض غير المستقر فيوجد فيه سؤالان:-
السؤال الأول:- ما هو ميزان كون التعارض تعارضاً غير مستقرٍّ ؟
السؤال الثاني:- لماذا في مورد التعارض غير المستقر يتعيّن الجمع بما يراه العرف ؟ فهل هناك آية أو رواية أو قضيّة عقليّة تدلّ على ذلك ؟
أما بالنسبة إلى السؤال الأوّل:- فالميزان هو أنه كلّما اجتمع الكلامان وجُعِل أحدهما إلى جنب صاحبه فالعرف إذا لم يرَ بينهما تنافياً بل إمّا أن يجعل أحدهما مفسّراً وموضّحاً للآخر أو يراه مقدَّماً عليه أو غير ذلك - والمهم أنه عند اتصالهما لا يرى بينهما تنافياً - فيلزم آنذاك في حالة انفصالهما أن لا يكون التنافي ثابتاً أيضاً، وبالتالي يكون ذلك هو ميزان مورد الجمع العرفي، فمثلاً ( أكرم كلّ فقير ) و ( لا تكرم الفقير الفاسق ) لو جمعنا أحدهما إلى جنب الآخر وكانا متّصلين فقال المتكلم كلاماً متصلاً ( أكرم الفقير ولا تكرم الفقير الفاسق ) فهل يرى العرف تنافيا بينهما ؟ كلّا إنه في حالة اجتماعهما لا يرى التنافي بينهما بل يرى أن المقصود من ( أكرم كلّ فقير ) يعني غير الفاسق بقرينة ( ولا تكرم الفقير الفاسق )، ففي حالة انفصالهما يكون الأمر كذلك ويكون ذلك مورداً للجمع العرفي وميزاناً للتعارض غير المستقر، ونؤكد أن المقصود هو أنه متى ما أمكن للعرف أن يوفّق بينهما من دون تنافٍ فعند الانفصال يكون الأمر كذلك وليس المقصود من الجمع مطلق الجمع كيف اتفق كما قد توحي به القاعدة المتداولة على بعض الألسن والتي تقول:- ( الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ) فإنه إذا كان المقصود من الجمع هنا مطلق الجمع ولو لم يساعد عليه العرف فهذه القاعدة مرفوضة ولا أساس لها، أمّا إذا كان المقصود من لفظ ( الجمع مهما أمكن ) يعني الجمع الذي يساعد عليه العرف فهو أولى، والاولويّة لابد وأن نفسّرها بمعنى اللزوم نظير قوله تعالى:- ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) ، فإذا كان هذا هو المقصود فهذا يكون شيئاً جيداً ومقبولاً وهو عين ما أشرنا إليه، أما إذا كان المقصود منه أنّ الجمع مهما أمكن ولو كان غير عرفياً هو أولى من الطرح فهذا شيء لا أساس له بل دلّ الدليل على بطلانه فإن نفس أدلّة المرجّحات التي منها ( خذ بما وافق الكتاب ) أو غير ذلك يلزم أن تبقى بلا موردٍ إذ ما من موردٍ إلّا ويمكن الجمع فيه بين الدليلين بشكلٍ وآخر فلا يوجد حينئذٍ دليلان لا يمكن الجمع بينهما حتى تصل النوبة إلى الترجيح بموافقة الكتاب أو غير ذلك.
وأما بالنسبة إلى جواب السؤال الثاني فنقول:- وأما النكتة فهي أنّه يوجد التزامٌ فطريٌّ - إن صحّ التعبير - في قلب كلّ إنسان عرفيّ بأنّه لا يتكلّم إلّا وفق الأساليب العرفيّة ولا يقصد إلّا ما يتناسب مع الأساليب العرفيّة وإلّا لا يفهمه العرف، إنّ هذا التزامٌ فطريٌّ موجودٌ في قلب كلّ إنسان وهو غير قابلٍ للإنكار، وعلى هذا الأساس حينما يطرح المتكلّم الدليلين مثل دليل ( أكرم كلّ فقير ) ودليل ( لا تكرم الفقير الفاسق ) فهو قد طرحهما وذكرهما وفق الأساليب العرفيّة ويريد ما تقتضيه الأساليب العرفيّة، وقد فرضنا أن العرف لا يرى تنافياً بين هذين الدليلين بل يجمع بينهما بوجهٍ ما فيتعيّن أن يكون ذلك الجمع مقصوداً للمتكلّم لأنّا قد فرضنا أنه ملتزمٌ بأنّه يقصد ما يفهمه العرف وما يسير عليه العرف، والمفروض أنّ العرف يسير على هذا فهو يوفّق بين هذين بهذا الشكل وهو التخصيص، فهنا يلزم أن يكون الأمر كذلك، وهذا هو الوجه في لزوم الجمع العرفي متى ما أمكن.