33/01/28
تحمیل
الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
التنبيه الثالث
خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء:- إذا كان بعض أطراف العلم الإجمالي خارجاً عن محل الابتلاء فلا يكون العلم الإجمالي منجزاً ، فشرط منجزيته هو أن تكون جميع الأطراف داخلة في محل الابتلاء . ولا ندري من هو أول من التفت إلى هذا الشرط ، وإنما المقدار الذي نعرفه هو أن الشيخ الأنصاري في الرسائل قد أشار إليه بعنوان كونه شرطاً في التنجيز أما أنه هو أول من التفت إليه أو هناك أشخاص أسبق منه فتلك قضية مجهولة . وعلى أي حال من التفت إلى هذا الشرط هو مورد للتقدير والتبجيل فان تلك التفاتة ظريفة ، أما أننا نقبل منه هذا الشرط أو لا فتلك قضية ثانية ، والذي نريد أن نقوله هو أن نفس الالتفات إلى هذا الشرط شيء ظريف ، ومعلوم أنه لا يلزم أن يكون في الشيء الظريف مقبولاً.
وهناك صحيحة لعلي بن جعفر تُذكَر في باب الطهارة والنجاسة حيث يسأل أخاه عليه السلام ويقول ( رجل امتخط فصار الدم قطعاً صغاراً وأصاب إناءه هل يصلح له أن يتوضأ منه ؟ فأجاب عليه السلام ان لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس ) وعلى أساس هذه الرواية أفتى الشيخ الطوسي(قده) بأن الدم الذي لا يدرك بالطرف لا يُنَجِّس ومستنده هو هذه الصحيحة ، ولم يقبل الأصحاب هذه الفتوى من الشيخ الطوسي(قده) فان الدم مُنَجِّس سواء كان يدرك بالعين المجردة أم لا فهو ينجس الماء حتى لو لم يُدرَك بالعين المجردة لو قطعنا أنه قد وقع في الماء ، إذن ماذا يُعمل تجاه هذه الرواية ؟ حملها الأصحاب على حالة ما إذا لم يُعلم أن الدم قد أصاب داخل الإناء - أي الماء - أو أصاب خارجه وظهره فهو حتماً قد أصاب الإناء كما قالت الصحيحة ولكن لا يجزم بأنه أصاب الماء بل لعله أصاب بعض إطراف الإناء الخارجية والإمام عليه السلام قال ( يجوز الوضوء من الماء ) .
والشيخ الأعظم(قده) في الرسائل جعل حمل الأصحاب الصحيحة على المطلب المذكور مؤيداً لما ذهب هو إليه من أن بعض إطراف العلم الإجمالي إذا كان خارجاً عن محل الابتلاء فلا يكون العلم الإجمالي منجزاً فان الطرفين في مقامنا هما داخل الإناء - أي الماء - وظهر الإناء ، والظهر خارج عن محل الابتلاء إذ الإنسان عادةً لا يلطع ظهر الإناء بلسانه ، وهذا يدل على أن الأصحاب قد ارتكز في أذهانهم أن شرط منجزية العلم الإجمالي هو كون جميع الأطراف داخلة في محل الابتلاء وأما إذا كان بعضها خارجاً فلا يكون العلم الإجمالي منجزاً.وهذا مطلب ليس بمهم.
وإنما المهم هو أن نعرف ما هو المقصود من دخول الشيء في محل الابتلاء وعدم دخوله ونعرف المستند في ذلك ، أي لعدم حجية العلم الإجمالي لو كان بعض الأطراف خارجاً عن محل الابتلاء.
أما بالنسبة إلى محل الابتلاء وعدمه:- فقد يُفسَّر - كما جاء في كلمات السيد الشهيد(قده) في التقرير - بأن المكلف تارةً يكون عاجزاً عن ارتكاب الشيء عجزاً عقلياً ودقّيِّاً وحقيقةً وأخرى يكون عاجزاً عرفاً وعادةً ، والثاني - أعني العجز العرفي والعادي - هو عبارة أخرى عن عدم الابتلاء .
ولك أن تفسره بما يقرب من ذلك وتقول:- ان عدم الابتلاء يعني انصراف المكلف عن الشيء فهو عازف عنه ومنصرف عنه . نعم منشأ العزوف قد يختلف فقد يكون سببه احتياج الشيء إلى مقدمات صعبة ولأجل صعوبتها يعزف الشخص عنه كما لو فرض أنا علمنا بنجاسة إما هذا الإناء الذي أمامنا أو نجاسة الآخر الموجود في القمر فان الذهاب إلى القمر والابتلاء بذلك الإناء شيء مقدور عقلاً وليس ممتنعاً ولكنه يحتاج إلى مقدمات ليست سهلة فلمثله يقال هو خارج عن محل الابتلاء . هذا منشأ للعزوف عن الشيء .
وقد يكون المنشأ هو انصراف المكلف عن الشيء نفسياً ، فالنفس ترغب عنه ولا ترغب إليه حتى مع فرض القدرة عليه كما لو فرض أنا علمنا بنجاسة إما هذا الإناء من الماء أو نجاسة ذلك البصاق أو القيء الذي خرج من ذلك الإنسان فان النفس تعزف عن القيء والبصاق حتى مع القدرة على ارتكابه .
وربما يكون المنشأ شيئاً ثالثاً كأن يفرض أنه لا داعي إلى ارتكاب الشيء ، يعني لا يتحقق في نفس الإنسان داعٍ إلى ارتكابه من قبيل ما إذا فرضت أن النجس إما هذه التفاحة أو رأس الشجرة فان رأس الشجرة العالية لا يعضَّه الإنسان وإنما يعضّ التفاحة ، فالإنسان منصرف عن رأس الشجرة ولا داعي له إلى عضِّه فيكون خارجاً عن محل الابتلاء . هكذا قد يفسر عدم الابتلاء
إذن عدم الابتلاء يعني عدم القدرة عادةً على ارتكاب الشيء ، أو قُل:- انصراف الإنسان عن ارتكابه . وينشأ عدم القدرة عادةً أو انصراف الإنسان إما من الاحتياج إلى مقدمات صعبة ، أو أن النفس بذاتها منصرفة عن ارتكاب هذا الشيء ، أو أنه لا يوجد داعٍ لدى الإنسان لارتكاب مثل هذا الشيء ، أو يكون المنشأ شيئاً آخر.هكذا قد يقال في تحديد عدم الابتلاء.
والأنسب تحديده بشكل آخر وذلك بأن يقال:- متى ما استهجن توجيه الخطاب إلى الشيء عرفاً فمثله يكون خارجاً عن محل الابتلاء ، فالإناء الموجود في القمر لو تنجس فمن المستهجن عرفاً أن يقول المولى ( اجتنب عنه ) فمثل هذا يكون خارجاً عن محل الابتلاء ، وهكذا لو فرض أن القيء قد تنجس فالعرف يستهجن الخطاب بالاجتناب عنه ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الموارد الأخرى ، فجعل الميزان في تحديد الابتلاء وعدمه هو استهجان توجيه التكليف عرفاً هو الأنسب ، أما لماذا كان هذا هو الأنسب دون ذاك ؟ ان الوجه في ذلك هو أن عدم الابتلاء ليس مفهوماً قد أُخذ في موضوع الحكم حتى يقع الكلام بيننا في كيفية تحديده وإنما تمام النكتة لاعتبار الابتلاء - على ما يذكرونه هم وتعلمناه منهم - هي أن الشيء إذا كان خارجاً عن محل الابتلاء فلا يتوجه إليه الخطاب - أي خطاب الاجتناب عنه - لاستهجان ذلك عرفاً ومعه فلا ينعقد علم إجمالي بتوجّه التكليف إلى المكلف ، فلابد من أن نتساير مع هذه النكتة فمتى ما استهجن عرفاً توجيه الخطاب إلى الشيء فهذا معناه أنه خارج عن الابتلاء . ان المناسب فنيّاً هو هذا.
مضافاً إلى أنه على التحديد الاول - الذي ذكره الأعلام - قد لا يكون هناك انضباط في كثير من الموارد ، فمثلاً لو فرض أني علمت بوجود نجاسة إما في بيتي أو في سوق القصابين وأنا عادةً لا أذهب إلى سوق القصابين فمثل هذا خارج عن محل الابتلاء أو لا ؟ انه على الضابط الذي ذكروه نقع في حيرة من أن هذا داخل في محل الابتلاء أو لا ؟!! وأما على الضابط الذي ذكرناه لا نقع في حيرة إذ المدار على استهجان توجيه الخطاب عرفاً فإذا استهجن عرفاً كان خارجاً عن محل الابتلاء وإذا لم يستهجن كان داخلاً في محل الابتلاء.
وعلى أي حال عرفنا أن هناك كلاماً في تحديد المقصود من محل الابتلاء ويأتي إنشاء الله تعالى في ثنايا البحث التعرض إلى الحالة التي قد يُشَك في الطرف في أنه داخل في محل الابتلاء أو لا وان المناسب ما هو ، هل هو تنجيز العلم الإجمالي أو لا ؟
ثم ان من تأخر عن الشيخ الأعظم(قده) قَبِلَ بما ذكره الشيخ من شرطية الابتلاء في منجزية العلم الإجمالي ، نعم إذا كان هناك اختلاف فهو اختلاف في أمور جزئية وجانبية وأما ما ذكره بشكل عام فقد وقع مورداً للقبول.
وينبغي أن نتكلم مرةً في حالة ما لو فرض أن بعض الأطراف ليس مقدوراً عقلاً ودِقَّةّ ، واخرى نتكلم فيما إذا كان بعض الأطراف مقدوراً عقلاً ولكنه ليس بمقدورٍ عرفاً وهو الذي يعبر عنه بـ(الخارج عن محل الابتلاء ).
خروج أحد الطرفين عن القدرة عقلاً:- أما إذا كان أحد الطرفين خارجاً عن القدرة عقلاً فقد اتفقت الكلمة على عدم منجزية العلم الإجمالي ، وذلك باعتبار أنه لا يتوجه تكليف إلى المكلف بلحاظ الطرف غير المقدور عقلاً وبالتالي سوف لا يُجزَم بتوجه التكليف إليه لاحتمال أن المغصوب أو النجس هو ذلك الطرف غير المقدور عقلاً فيكون المورد بالنسبة إلى الطرف المقدور مصداقاً للشك في أصل التكليف وبالتالي يكون مجرى للبراءة.