32/11/19
تحمیل
وفيه:- إنا نرفض المقدمة الأولى ونقول ان القياس فيها قياس مع الفارق ، يعني قياس العلم الإجمالي بناءاً على تعلقه بالواقع على ذينك الموردين - أي العلم التفصيلي والعلم الإجمالي مع تعلقه بالجامع - هو قياس مع الفارق.
والوجه في ذلك:- هو أنا نسلم بأن العلم التفصيلي لا يمكن الترخيص في مخالفته وذلك باعتبار أن موضوع الحكم الظاهري - وهو الشك - منتفٍ فيه فكيف يرخصني المولى في المخالفة بالترخيص الظاهري الذي هو فرع الشك والحال أنه حينما يحصل علم تفصيلي فلا شك.
إذن نحن نسلم أنه لا يمكن الترخيص في المخالفة في العلم التفصيلي ولكن ذلك باعتبار أن موضوع الحكم الظاهري - وهو الشك - منتفٍ فيه.
وأما العلم الإجمالي بناءاً على تعلقه بالجامع فيمكن أن يقال ان المخالفة الاحتمالية فيه غير متصورة وإنما المتصور هو الموافقة القطعية أو المخالفة القطعية ، إذ لو أتيت بأحد الطرفين فقط من دون ضم الطرف الأخر إليه لكان ذلك موافقة قطعية للجامع لا أنها موافقة احتمالية ، بل هي موافقة قطعية للعلم الإجمالي ما دمنا قد فرضناه متعلقاً بالجامع ، نعم إذا تركت كلا الطرفين كان ذلك مخالفة قطعية ، وإذا أتيت بكلا الطرفين كان ذلك موافقة قطعية أيضاً كالإتيان بأحد الطرفين ، فالإتيان بأحد الطرفين مع الإتيان بكليهما هما سِيّان في كونهما موافقةً قطعية ، فلا تتصور المخالفة الاحتمالية بناءاً على تعلق الإجمالي بالجامع ، فالترخيص في المخالفة لا يكون إلا بلحاظ المخالفة القطعية ، أما بلحاظ المخالفة الاحتمالية التي هي محل الكلام فلا تتصور في العلم الإجمالي بناءاً على تعلقه بالجامع .
وهذا بخلاف محل كلامنا الذي هو تعلق العلم الإجمالي بالواقع فان المخالفة الاحتمالية ممكنة والشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري موجود .
إذن قياس مقامنا - أعني العلم الإجمالي بناءاً على تعلقه بالواقع - على تينك قياس مع الفارق لما أوضحنا فالتفت إلى ذلك . هذا كله بالنسبة إلى الوجه الاول الذي تمسك به الشيخ العراقي(قده).
الوجه الثاني:- ان الترخيص في المخالفة الاحتمالية للعلم الإجمالي كالترخيص في المخالفة القطعية ، فكما أن الثاني مستحيل وقبيح عقلاً فكذلك الاول إذ هو ترخيص في مخالفة العلم فيكون قبيحاً وبالتالي يكون مستحيلاً.
وفيه:- ان القبح في المقام وان كان يحكم به العقل ولكنه حكم تعليقي وليس تنخيزياً ، يعني أن حكم العقل بقبح المخالفة الاحتمالية أو القطعية هو من باب التحفظ على حق صاحب الحق وملاكاته ونعني به المشرع ، فإذا فرض أن المشرع بنفسه قد تنازل عن حقه لنكتة من النكات فلا معنى لأن يبقى العقل مصراً على الحكم بالقبح بعد فرض تنازل صاحب الحق عن حقه.
إذن الحكم بقبح المخالفة القطعية أو الاحتمالية هو قبحاً معلقاً وليس منجزاً لما أشرنا إليه.
وحينئذ نقول انه في المخالفة القطعية قد يقال لا يمكن أن يتنازل الشرع عن حقه باعتبار أنه يُقطع بالمخالفة آنذاك فلا معنى لأن يقول لك أن تتركهما معاً فانه ترخيص في ترك الواجب الواقعي فيكون قبيحاً ولا يمكن أن يصدر منه.
وهذا بخلافه في المخالفة الاحتمالية فان موضوع الحكم الظاهري موجود وهو الشك فيكتفي المشرع بأحد الطرفين فيرتفع القبح وبالتالي لا يكون الترخيص ترخيصاً في القبيح إذ لا قبح ولا قبيح بعد تنازل صاحب الحق عن حقه.
إذن قياس الترخيص في المخالفة الاحتمالية على الترخيص في المخالفة القطعية قياس مع الفارق أيضاً.
ثم ان للشيخ العراقي(قده) نقض بنقضين على مسلك الاقتضاء الذي صار إليه الشيخ النائيني(قده) وكل واحد من هذين النقضين يصلح أن يكون دليلاً مستقلاً لمسلك العلية ، فهو وان ذكرهما كنقضين ولكن نحن يمكن لنا أن نجعلهما كدليلين على مسلك العلية فتصير الأدلة على مسلك العلية أربع ، وسوف نذكرهما بعد أن ننقل دليل الشيخ النائيني(قده) على مسلك الاقتضاء.
دليل الشيخ النائيني:- ذكر(قده)[1] أن العلم الإجمالي يستلزم بذاته وجوب الموافقة القطعية وليس بسبب تعارض الأصول ، فهو وحده يقتضي تنجيز وجوب الموافقة القطعية بلا حاجة إلى تعارض الأصول.
والوجه في ذلك:- هو أن ذمتنا قد اشتغلت بسبب العلم الإجمالي بالتكليف ويلزم لأجل قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني أن نحتاط بالإتيان بكلا الفردين حتى نفرغ ذمتنا مما اشتغلت به يقيناً ، فنحن لا نحتاج إلى تعارض الأصول . هذا بالنسبة إلى إثبات الجزء الاول من كلامه
وأما الجزء الثاني وهو أنه ينجز بذاته ولكنه ينجز بنحو الاقتضاء دون العلية فقد ذكر(قده)[2] في وجه ذلك أن الترخيص في المخالفة القطعية مستحيل ولا يجوز لأنه ترخيص في المعصية ، وأما المخالفة الاحتمالية فالترخيص فيها ممكن لأنه ليس ترخيصاً في المعصية فيجوز ذلك عقلا. يعني أنه يجوز أن يرخصنا المولى في المخالفة الاحتمالية رغم عدم جواز الترخيص في المخالفة القطعية.
وعليه فالمناسب هو أن العلم الإجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية لا أنه علة لذلك بحيث لا يمكن الترخيص في ترك المخالفة القطعية والمصير إلى المخالفة الاحتمالية.
وفيه:- ان ما أفاده في الجزء الثاني من كلامه شيء وجيه ، فنقبل منه أن الترخيص في المخالفة الاحتمالية شيء ممكن لأنه ليس ترخصاً في المعصية ، ولكن ما أفاده في إثبات الجزء الاول هو محل تأمل إذ قال ان العلم الإجمالي هو بذاته يستلزم وجوب الموافقة القطعية بعد ضم قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، ونحن نقول ان محل كلامنا قد فرض فيه أن العلم الإجمالي قد تعلق بالجامع والذي اشتغلت به ذمتنا يقيناً هو الجامع وهو يتحقق بفرد واحد ولا يحتاج للإتيان بكلا الفردين وتطبيق قاعدة الاشتغال اليقيني غاية ما يثبت بها هو أن ما اشتغلت به الذمة - وهو الجامع - يلزم التفريغ منه يقيناً وذلك يحصل بالفرد الواحد وليس بكلا الفردين.
إذن كيف تدعي أن العلم الإجمالي هو بنفسه يقتضي الإتيان بكلا الفردين ؟!! انه شيء غريب.
[1] فوائد الأصول 4 - 24
[2] فوائد الأصول 4 25 ، 35.