32/05/20
تحمیل
مسألة 264 :- لا يجوز للمحرم الارتماس في الماء وكذلك في غير الماء على الاحوط . والظاهر انه لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة .
تشتمل المسألة على نقاط ثلاث :-
النقطة الأولى :- لا يجوز للمحرم الارتماس ، وقد ذكر صاحب الجواهر[1] أن ذلك بلا خلاف.
إذن المسالة ليست خلافية ، ولكن ما هو المستند ؟
علل (قده) بصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا يرتمس المحرم بالماء ) [2] وهناك روايات أخرى وكان من المناسب التعليل والتمسك بتلك الروايات الأخرى من قبيل صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله قال ( لا يرتمس المحرم بالماء ولا الصائم)[3] ووجه كون هذا هو الأنسب - والحال ان مدلول الروايتان واحد فكلتاهما دلتا على نهي المحرم عن الارتماس - هو ان رواية حريز تشتمل على إشكال سندي أشرنا إليه أكثر من مرة ، فان الشيخ الطوسي نقل الرواية بسند ينتهي إلى حريز عن أبي عبد الله عليه السلام وقال هكذا ( عن موسى بن القاسم عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام )
وفي مورد آخر نقلها ( عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام )
وهي بكلي هذين النقلين لا مشكلة فيها فان سند الشيخ إلى موسى بن القاسم البجلي صحيح على ما في المشيخة أو الفهرست ، وهكذا الطريق إلى الحسين بن سعيد ، وبقية الرواة لا مشكلة فيها ، بيد ان الكليني نقل نص الرواية ( عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام )
وحيث ان النص واحد ، ومن البعيد جداً أنها وصلت إلى حريز مرتين من الإمام عليه السلام مرة بالمباشرة وأخرى مع الواسطة المجهولة ، انه حيث كان هذا بعيدا بحيث يطمأن بعدمه فالواصل إليه إذن يكون بأحد النحوين - أي انه وصلته مرة واحدة لا مرتين - وحيث ان تلك المرة الواحدة لا نشخص حالها ويحتمل أنها مع الواسطة المجهولة فتسقط الرواية عن الاعتبار ، وهذه قضية سيالة في جميع الموارد التي تكون من هذا القبيل ، ومن هنا قلنا ان المناسب التمسك برواية أخرى غير رواية حريز ، والأمر سهل.
وهذه قضية ليست مهمة في المقام بل هي أشبه بالقضية الفنية بعد وجود روايات أخرى في المسألة .
وإنما المهم هو تحقيق هذه القضية وهي ان حرمة الارتماس على المحرم هل هي لأجل الارتماس بما هو ارتماس ، أو بما انه مصداق لستر الرأس وتغطيته ؟ كما قد يتراءى ذلك من منهجة السيد الماتن (قده) وغيره من الفقهاء ، فإنهم يذكرون حرمة الارتماس لا بعنوان محضورٍ مستقلٍ بل يذكرون ذلك تحت المحظور السابق - اعني حرمة ستر المحرم رأسه - ومنهجتهم هذه توحي بأن الارتماس يحرم لان فيه ستراً وتغطيةً للرأس .
وعلى أي حال يظهر من صاحب الجواهر (قده)[4] الجزم بأن حرمة الارتماس لأجل انه مصداق للتغطية ولم يبد احتمالاً آخر ، ولم يستدل على ذلك.
ورده السيد الخوئي(قده)[5] بان الارتماس لا يصدق عليه عنوان التغطية حتى تكون حرمته لأجل كونه مصداقاً لستر الرأس وتغطيته بل ان حرمته لأنه ارتماس ، يعني بعنوانه الأولي وليس بعنوان ستر الرأس والتغطية .
وقبل ان نبين ما هو الصحيح من هذين الاحتمالين لابد وان نذكر الثمرة على هذا الخلاف :-
انه تترتب بعض الثمرات :-
من قبيل :- انه لو قلنا ان الارتماس محرَّم لأجل انه مصداق للتغطية فيلزم اختصاص حرمته بالرجال دون النساء ، لان حرمة تغطية الرأس خاصة بالرجال ، وهذا بخلافه لو قلنا ان الارتماس محرم بعنوانه ، فانه هنا يمكن ان نعمم الحرمة إلى المرأة أيضاً لان الدليل قال ( لا يرتمس المحرم في الماء ) وحيثية المحرم كما تنطبق على الرجل كذلك تنطبق على المرأة ، ولك أيضا ان تقول مناسبات الحكم والموضوع تقتضي عدم الاختصاص .
ومن جملة الثمرات :- انه بناءاً على كونه محرَّماً لأجل كونه مصداقاً للتغطية فالحرمة لا تختص بالارتماس بالماء بل تعم الارتماس في سائر المائعات رغم ان النص قيَّد الارتماس بما إذا كان بالماء ولكن حيث انه مصداق للتغطية فلا فرق بين ان تكون تلك التغطية قد تحققت بالارتماس بالماء أو بمائع آخر ، فانه بالتالي إذا كان المدار على التغطية فإنها صادقة على كلا المائعين ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا انه محرَّم بعنوانه فنقتصر على مورد النص والنص نهى عن الارتماس بالماء ولا موجب للتعدي إلى غير الماء بعد ما كان عنوان التغطية ليست له مدخلية وإنما المدخلية كل المدخلية لعنوان الارتماس ، وحيث ان النهي توجه للارتماس بالماء فتختص الحرمة بذلك .
نعم إلا اللهم إذا قلنا ان ذلك ذكر من باب انه الفرد الغالب أو ..... فتلك قضية أخرى ، ولكن من لا يؤمن بهذه القضايا الأخرى ويشكك فيها له المجال في ان يقتصر على مورد النص .
ومن الثمرات أيضا :- انه بناءاً على كون الحرمة لأجل عنوان التغطية فلا فرق بين ان يكون الارتماس موجباً لتغطية جميع الرأس أو لتغطية نصفه مثلا ، إذ التغطية على ما انتهينا إليه سابقاً كما تحرم بلحاظ جميع الرأس تحرم بلحاظ بعضه أيضا ، وهذا بخلاف ما إذا كانت الحرمة بعنوانه الخاص فانه يمكن ان يدَّعي مدعٍ ان رمس جميع الرأس هو المحرم ، إذ لا يصدق ان فلاناً ارتمس في الماء إلا إذا رمس بدنه بالكامل ، اللهم إلا إذا خرجت بعض شعرات الرأس فذلك لا يؤثر .
ولعله توجد ثمرات أخرى .
إذن المهم تحقيق هذه القضية ، ونرجع من جديد ونقول ان صاحب الجواهر يظهر منه الجزم بأن الحرمة لأجل كون الارتماس مصداقاً للتغطية من دون ان يستدل بشيء ، والسيد الخوئي (قده) رده بأنه حرام لعنوانه ، واستدل على ذلك بان الارتماس لا يصدق عليه عنوان التغطية .
ويمكن الإشكال على ما أفاده السيد الخوئي بالإشكالين التاليين رغم أنا نقبل النتيجة وهما :-
الإشكال الأول :- ان لازم كلامه (قده) ان الارتماس لو كان يصدق عليه عنوان التغطية فسوف يسلم آنذاك بمقالة صاحب الجواهر وان الحرمة - أي حرمة الارتماس - هي لأجل كونه تغطية ، والحال ان الأمر ليس كذلك ، يعني حتى لو سلمنا ان الارتماس هو تغطية وستر فمن المحتمل ان تكون حرمته لا لأجل كونه تغطية فقط بل لأجل كونه ارتماساً أيضاً ، أي بعنوان كونه ارتماس ، بان تكون فيه حيثيتان موجبتان للحرمة ، حيثية كونه تغطية وحيثية كونه ارتماس بقطع النظر عن التغطية ، ان هذا شيء محتمل ، كما هو الحال في أجزاء ما لا يؤكل لحمه إذا كان نجساً كأجزاء الكلب والخنزير ، فانه لا تجوز الصلاة في ذلك من ناحيتين ، من ناحية كونه مصداقاً للنجس ، ومن ناحية كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه بقطع النظر عن كونه نجساً ، انه لا محذور في اجتماع مانعيتين في شيء واحد ، ولعل الارتماس من هذا القبيل ، فلا يلزم من التسليم بكونه مصداقاً للتغطية ان تكون الحرمة هي من هذا الحيث فقط ، بل لعلها ثابتة من الحيث الآخر أيضاً ، ومعه تنعدم الثمرة بعد فرض اجتماع الحيثيتين .
والإشكال الثـاني :- ان عنوان التغطية لم يثبت تحريمه سابقاً بالعنوان المذكور أي بعنوان التغطية حتى يبحث انه صادق على الارتماس أو لا فان كان صادقاً فالحرمة تكون لأجل عنوان التغطية ، كلا ، انه لو رجعنا إلى المسألة السابقة - أي حرمة ستر الرأس - لرأينا ان الروايات قد اختلفت في تعابيرها فان بعضها تقول ( لا يخمِّر رأسه ) وبعضها الآخر تعبر بـ ( ان إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه ) ولا يوجد في الروايات عنوان التغطية بحيث يفهم ان العنوان المذكور هو المحرَّم ، حتى يدور الحكم مدار - كلما يوجد خلاف في مسالة الارتماس - صدق العنوان المذكور وعدمه .
وعليه تكون إناطة هذا الخلاف بصدق عنوان التغطية وعدمه شيئاً ليس بصحيحٍ بعدما كان العنوان المذكور لم يكن هو المركز في التحريم ، وإنما الفقهاء انتزعوا من مجموع الروايات ان عنوان التغطية محرم ، ولكن هذا شيء جيد في مقام التعبير ، وأما في مقام البحث العلمي والاستدلال لا معنى للدوران مدار عنوان التغطية.
إذن التعليل بما أشار إليه السيد الخوئي (قده) مرفوض .
والأنسب ان يعلل :- بأن ظاهر كل عنوان يؤخذ في لسان الدليل هو الموضوعية والحمل على الطريقية شيء يحتاج إلى قرينة ، فإذا لم تكن فالمناسب هو الحمل على الموضوعية ، وهنا كذلك فان النهي هو عن عنوان الارتماس ، وحمل ذلك على انه لأجل كون الارتماس تغطية يحتاج إلى قرينة - أو إلى فهم العرف لذلك ونحن لا نجزم بفهم العرف لذلك وان كان ذلك شيئاً محتملاً إلا ان مجرد كونه محتملاً لا يوجب تعيينه ، بل المدار على ظاهر لسان الدليل ، فيكون المناسب هو الحمل على الموضوعية . هذا كله في النقطة الأولى .
[1] الجواهر 16 - 386
[2] الوسائل 12 - 508 58 تروك الإحرام ح2
[3] المصدر السابق ح4
[4] الجواهر 18 - 386
[5] المعتمد 4 - 221