جلسة 59
المفطّرات
البيان الثاني: ما يظهر من الشيخ العراقي ـ قدّس سرّه ـ في حاشيته على (العروة الوثقى)[1] من أنّ ظاهر النصوص الواردة في المقام أنّ الجنابة مانعة من صحّة الصوم، ومن الواضح أنّ دليل مشروعية التيمّم لا يدلّ على رفع الجنابة وترتيب آثار عدمها حتّى تكون الوظيفة في المقام هي التيمّم ، بل إنّه يدلّ على ترتيب آثار الطهارة لقوله ـ عليه السلام ـ: «إنّ التيمّم أحد الطهورين»[2]، فهو إذاً طهور وتترتب عليه آثار الطهارة لا أنّه يرفع الجنابة، وبكلمة اُخرى أنّه في الصوم يوجد احتمالان:
الاحتمال الأوّل: كون الطهارة شرطاً في صحته.
الاحتمال الثاني: كون الجنابة مانعة.
فبناءً على الأوّل ـ شرطيّة الطهارة ـ يكون التيمّم قائماً مقام الغُسل لأنّه طهور وهو أحد الطهورين، وأمّا بناءً على مانعية الجنابة فلا ينفع التيمّم إذ هو لا يرفع الجنابة، قال ـ قدّس سرّه ـ ما نصه: (في قيام التيمّم مقام الغُسل في أمثال المقام نظر لأنّ دليل التيمّم ناظر إلى ترتيب آثار الطهارة لا رفع أثار الجنابة)، وظاهر كلامه أنّ التيمّم لا يكفي ويلزم القضاء.
وفيه: أنّ استفادة كون الجنابة مانعة دون الطهارة من النصوص تدقيق لا تتحمله، نعم قد ذكر الراوي أو الإمام ـ عليه السلام ـ في بعض النصوص كلمة الجنابة، ولكن هذا لا يعني أنّ الجنابة مانعة وليست الطهارة شرطاً.
على أنّ ما ذكره منافٍ للسيرة التي أشرنا إليها سابقاً، فلا يحتمل أن الإنسان المريض المعذور من الغُسل يحكم عليه بعدم جواز الاقتراب من زوّجته طيلة الشهر، وكذلك لا يحتمل أن يحكم على الشاب الذي يحتلم في كلّ ليالي الشهر أو أكثرها وعدم صحة الصوم منه إذا لم يمكنه الغُسل، مضافاً إلى ذلك أنّ المستفاد من الروايات ـ «ربّ الماء ربّ الصعيد»[3] ـ أنّ كلّ مورد يعتبر فيه الماء فالصعيد يقوم مقامه إذا تعذر الماء بعد البناء على أنّ الطهارة شرط في صحة الصوم كالصلاة.
ثمّ إن للسيّد الخوئي ـ قدّس سرّه [4] كلاماً، حاصله: أنّ وجوب التيمّم وعدمه على الشخص المذكور لا بدّ أن يُبنى على مسألة اُخرى، وهي أنّ المانع من صحة الصوم هل هو نفس الجنابة أو حدثها؟
والفارق بينهما أنّ الجنابة أمر يتحقّق بنزول المني أو بالجُماع، وهي إمّا أمر اعتباري يتحقّق بالسببين المذكورين، أو أمر واقعي تكويني كشف لنا الشارع عنه، والجنابة بهذا المعنى لا تلازم الحدث بل قد تجتمع مع الطهارة، فالشخص قد يكون مجنباً بهذا المعنى وفي نفس الوقت هو متطّهر، كما إذا تيمّم المُجنب، فإنّه مُجنب بالمعنى المذكور وطاهر لأنّه متيمّم، كما قال سبحانه وتعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)[5]، فبالتيمّم يكون الشخص متطّهراً بنظر الشارع بمقتضى الآية الكريمة ولكنّه مُجنب بالمعنى السابق، وعلى هذا الأساس إذا حكم الشارع بكون حدث الجنابة مانعاً فذلك يعني لزوم الطهارة وأنّها شرط، والطهارة كما قلنا تتحقّق بالتيمّم، فإنّ التيمّم وإن كان لا يرفع ذات الجنابة ولكنه يرفع حدثها ويجعل الشخص متطّهراً بنص الآية الكريمة.
إذاً تارةً يُبنى على أنّ ذات الجنابة مانعة، واُخرى يُبنى على أنّ حدثها هو المانع، كما أنّه تارةً يُبنى على أنّ التيمّم رافع للجنابة غايته رفعاً مؤقتاً ليس دائيّاً، أي ما دام لا يمكن الاغتسال، واُخرى يُبنى على أنّه مبيح لا أكثر، ومسألتنا ترتبط بهذه الشقوق الأربعة، فإن بُني على أن نفس الجنابة مانعة وبُني على أنّ التيمّم مبيح وليس رافعاً لذات الجنابة فالمناسب عدم الاكتفاء بالتيمّم، إذ الجنابة بذاتها مانعة وهو لا يرفعها بحسب الفرض، فالإتيان به لا يكون نافعاً ويلزم آنذاك القضاء، وأمّا إذا بُني على أنّ التيمّم رافع غايته رفعاً مؤقتاً فالمناسب الاكتفاء بالتيمّم سواءً كان المانع ذات الجنابة أو حدثها، فإن ذلك ليس بمهم بعد إن كان التيمّم رافعاً كالغُسل، غايته الغُسل رافع بنحو الدوام والتيمّم رافع بشكل مؤقت، وأمّا إذا بُني على أنّ حدث الجنابة هو المانع لا نفسها وبُني على أنّ التيمّم مبيح فالمناسب الاكتفاء بالتيمّم؛ لأنّ معنى كون حدث الجنابة مانعاً أن الطهارة شرط، وحيث إنّ معنى كون التيمّم مبيحاً هو أنه يبيح كلّ ما هو مشروط بالطهارة، فيثبت أنّ التيمّم يبيح الصوم.
ثمّ ذكر بعد ذلك ـ قدّس سرّه ـ أنّه لو رجعنا إلى النصوص لاستفدنا منها أن نفس الجنابة لا حدثها هو المانع، وذلك لأنّها عبّرت بالجنابة ولم تعبّر بحدث الجنابة، فلا توجد رواية تعبّر بحدث الجنابة بل كلّها تُعبّر بالجنابة، وهذا يعني أنّ ذات الجنابة مانعة، وعلى هذا الأساس يلزم أن يحكم بعدم الاكتفاء بالتيمّم لأنّنا لا نبني على كونه رافعاً حسبما بيّنا في مبحث التيمّم، ثمّ قال بعد ذلك: ولكن لابدّ من رفع اليد عن هذا والحكم بكفاية التيمّم للارتكاز الثابت في أذهان المتشرعة على أن كلّ مورد يُعبّر فيه بالغُسل فالتيمّم يقوم مقامه، ولروايات التيمّم أحد الطهورين، فإنّها تدلّ على قيام التيمّم مقام الماء، وعليه فيكفي التيمّم بحسب النتيجة.
________________________
[1] العروة الوثقى 3: 564.
[2] الوسائل 3: 386، أبواب التيمّم، ب 23، ح 5.
[3] الوسائل 3: 370، أبواب التيمّم، ب 14، ح 13.
[4] مستند العروة الوثقى 1: 201.
[5] المائدة: 6.