جلسة 53
المفطرات
الرواية الاُولى: صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخّر الغُسل حتى طلع الفجر؟ قال: «يتم صومه ولا قضاء عليه»[1] ، ودلالتها واضحة حيث فرض أنّه أخّر الغُسل حتى طلوع الفجر، وأجابه ـ عليه السلام ـ بعدم وجوب القضاء.
الرواية الثانية: رواية أو صحيحة سليمان بن أبي زينبة [2] التي رواها الشيخ بسنده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن النوفلي، عن صفوان بن يحيى، عن سليمان بن أبي زينبة، ومتنها قريب من متن الرواية الاُولى إلاّ أنّ المشكلة في سندها من حيث جهالة حال سليمان بن أبي زينبة، مضافاً إلى النوفلي الذي لم يرد في حقه توثيق، إلا أنّه يمكن التغلّب على مشكلة النوفلي، إما بالاستعانة بالأسانيد الاُخرى للرواية التي أشار إليها صاحب (الوسائل) بعد ذكره للرواية حيث إنها لا تشتمل على النوفلي، أو يُفترض توثيق النوفلي من جهة أنّ الأصحاب قد عملوا بروايات السكوني حسب ما نقل الشيخ في العدّة، والملاحظ أنّ أغلب الروايات التي رواها السكوني قد وردت عن طريق النوفلي، وبناءً على هذا يلزم عمل الأصحاب بروايات النوفلي أيضاً، أي أنّ الاتفاق على العمل بروايات السكوني يلزم منه الاتفاق على العمل بروايات النوفلي.
إن قلت: هذا يتم في خصوص الروايات التي روى فيها النوفلي عن السكوني، ولا يعم ما إذا روى النوفلي عن غير السكوني.
قلت: هذا وجيه لو فرض أنّ الأصحاب قد نظروا إلى كل رواية رواية من روايات السكوني وعملوا بها بعد نظرهم إليها، فيقال: لاحظوا قرينة على صحة هذه الرواية فاتفقوا على العمل بها، وقرينة على صحة تلك واتفقوا على العمل بها، وهكذا، إنّه بناءً على هذا يتم ما سبق، ولكن هذا بعيد جداً والصحيح أنّ اتفاقهم على العمل بروايات السكوني ليس إلاّ توثيقاً لشخصه وليس توثيقاً لكل رواية من رواياته لبُعد اطلاعهم على كل رواية باستقلالها وحصول الاطمئنان لهم بحقانيتها، وإذا تم هذا في السكوني وفُرض أنّ الأخذ برواياته هو من باب توثيقه، فتثبت وثاقة النوفلي أيضاً لنفس النكتة.
وعلى أي حال وجود أسانيد اُخرى للرواية المذكورة ترفع مشكلة وقوع النوفلي في السند.
وعليه تنحصر المشكلة من ناحية السند في سليمان بن أبي زينبة، فإنّه كما قلنا مجهول الحال، ولكن يمكن أن يقال: بناءً على وثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة ـ صفوان، ومحمد بن أبي عمير، والبزنطي ـ تثبت وثاقة الرجل المذكور، فإنّه قد روى عنه صفوان في السند المذكور، وبالتالي يمكن التغلّب على مشكلة السند بما ذكرناه.
الرواية الثالثة: صحيحة حبيب الخثعمي عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال: «كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخّر الغُسل متعمّداً حتى يطلع الفجر» [3]، ودلالتها واضحة إلاّ أنّه لابد من حذفها من الحساب؛ لأنّ مضمونها لا يمكن قبوله في حقّ رفيع المنزلة فضلاً عن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذ كيف يبقى متعمّداً على الحدث إلى ما بعد طلوع الفجر والحال أنّ الطهارة هي الحالة المرغوبة والمحبّبة شرعاً، خصوصاً أن الرواية تشير إلى تكرّر ذلك منه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ حيث عبّرت بلفظ [كان] الظاهر في التكرار، وعليه فنبقى نحن والروايتين السابقتين وقد أجاب عنهما المشهور بأنهما مطلقتان، فإنّ التعبير الوارد فيهما «فأخّر الغُسل حتى طلع الفجر» قابل للتقييد فيُقيّد بما إذا كان التأخير لا عن عمّدٍ بقرينة الروايات السابقة الدالّة على أن التأخير العمّدي موجب للقضاء.
وفيه: أنّ ما ذُكر وجيه لو فرض أنّ التعبير المذكور قد ورد في كلام الإمام عليه السلام، كما إذا قال ـ عليه السلام ـ هكذا: إذا أخّر المجنب غُسله حتى طلع الفجر أتم صومه ولا قضاء عليه، فيحمل على التأخير غير العمّدي بقرينة الروايات الأخرى الصادرة منهم عليهم السلام، ولكن المفروض أنّ التعبير المذكور ورد في كلام السائل حيث قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخّر الغُسل......، والإنسان العرفي حينما يُعبّر بهذا التعبير فمراده إن لم يكن مختصاً بإرادة التأخير العمّدي فلا أقل هو القدر المتيقن من التعبير المذكور، ومعه فكيف نقيّد الرواية المذكورة ونُخرج منها حالة التأخير العمّدي التي هي المرادة فقط أو لا أقل هي القدر المتيقن؟
وعليه يكون المناسب هو التصرّف في الروايات السابقة بحملها على الاستحباب بقرينة هذه الرواية الدالّة على نفي القضاء في حقّ المتعمّد، وهذا جمع عرفي تطبيقاً لقاعدة كلما ورد ظاهر وأظهر متنافيان، أو ظاهر وصريح متنافيان أوّلَ الظاهر بقرينة الأخر، فالمورد من موارد الجمع العرفي، أي التعارض غير المستقر، ومعه لا تصل النوبة إلى إعمال المرجّحات كموافقة العامة لو فرض تحقّقها، ولو تم هذا المطلب فسوف يؤثّر على مسائل اُخرى لا خصوص مسألتنا هذه.
ففي مسألتنا تكون النتيجة هي أنّ البقاء على الجنابة متعمّداً حتى طلوع الفجر ليس مفطّراً، وإن كنّا تحفظاً من مخالفة المشهور والإجماع المدّعى نصير إلى الاحتياط، وهكذا نقول في غير مسألتنا كناسي الجنابة مثلاً، فيقال: إنّ الرواية التي سوف تأتي الإشارة إليها الدالّة على وجوب إعادة الصوم في ناسي الجنابة يلزم حملها على الاستحباب بقرينة صحيحة العيص بن القاسم، فإنّ المتعمّد إذا لم يجب عليه شيء فبالأولى يكون الناسي كذلك، وهكذا الحال بالنسبة إلى مَنْ نام بعد العلم بالجنابة، فإنّ الروايات الدالّة على وجوب القضاء يمكن حملها على الاستحباب بقرينة صحيحة العيص بن القاسم الدالّة على أنّ المتعمّد لا يجب عليه شيء، فإنّ النائم بعد العلم بالجنابة مصداق للمتعمّد بشكل مخفّف، فيكون أولى بعدم لزوم القضاء.
وبالجملة ما صار إليه المشهور من إعمال قاعدة الإطلاق والتقييد مُشكل بعد الالتفات إلى النكتة التي أشرنا إليها في صحيحة العيص بن القاسم.
هذا كلّه في النقطة الاُولى من نقاط هذه المسألة.
________________________
[1] الوسائل 10: 58، أبواب ما يمسك، ب 13، ح 4..
[2] الوسائل 10: 58، أبواب ما يمسك، ب 13، ح 5.
[3] الوسائل 10: 64، أبواب ما يمسك عنه، ب 16، ح 5.