جلسة 52
المفطرات
والجواب: أنّ الوجه في ذلك هو نفس ما دلّ على أنّ مخالف الكتاب زخرف وباطل، فإنّ ذلك الدليل كما يصلح التمسك به لإثبات أنّ مخالف الكتاب باطل وليس حجة في نفسه، كذلك يمكن التمسك به في مخالف السُنّة القطعية، بتقريب: أنّ المخالف للكتاب العزيز إنما كان ساقطاً عن الاعتبار والحجية ليس إلاّ لأنه مخالف لحكم الله القطعي، وإلاّ فعنوان المخالف للكتاب لا خصوصية له وإنما الخصوصية لمخالفة الحكم القطعي الذي يمثله الكتاب، وحيث إنّ السُنّة القطعية تمثّل الحكم القطعي لله ـ عزّ وجلّ ـ أيضاً فمخالفها يكون ساقطاً عن الحجية أيضاً.
الثالثة: أنّه توجد روايات تدلّ على أنّ نوم الجنب حتى طلوع الفجر لا يوجب شيئاً ، ولعلها ثلاث روايات تأتي الإشارة إليها عند البحث عن نوم الجنب [1]، وبذلك تحصل معارضة بين هذه الروايات الثلاث وبين تلك الروايات الست في الطائفة الثالثة، فإن قلنا بسقوطها عن الاعتبار لأجل المعارضة فلا تبقى لدينا إلاّ أربع روايات في الطائفتين الاُولى والثانية، وهي لا تشكّل عنوان السُنّة القطعية، وهذا يعني أنّ مَنْ يدّعي التواتر السُنّة القطعية لابد وأن يفترض عدم سقوط الطائفة الثالثة عن الحجية من أجل المعارضة.
إذاً، اتضح مما تقدم أنّه يمكن الاستدلال للرأي المشهور بثلاث طوائف من الروايات، ومن خلالها قد يُدعى أنها تشكّل عنوان السُنّة القطعية، هذا كله في دليل رأي المشهور.
وأمّا الرأي الثاني فيمكن الاستدلال له بالوجوه الثلاثة التالية:
الوجه الأوّل: التمسك بقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل)[2]، فإنّه يدلّ على أنّ الرفث ـ الجُماع ـ مباح إلى طلوع الفجر ولازم إباحته إلى الغاية المذكورة أنّ البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر ليس محرّماً، وإلاّ كانت إباحة الرفث إلى ما قبل طلوع الفجر أي بمقدار فعل الغُسل وليس إليه، فالآية الكريمة دليل على عدم مفطّريّة البقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر.
إلاّ أنّه قد يجاب على ذلك بما ذكره صاحب (المدارك) [3] وصاحب (الحدائق) [4] وصاحب (الجواهر)[5] وصاحب (مصباح الفقيه)[6] من أنّ الأخبار المتقدمة الدالّة على مفطّريّة البقاء على الجنابة تكون مقيّدة للآية الكريمة، مضافاً إلى إمكان دعوى أنّ لا إطلاق لها في نفسها فإنّها في صدد بيان أنّ الرفث مُحرّم في النهار، أي ما بعد طلوع الفجر، أمّا أنّه حلال في كل جزء من فترة ما قبل الفجر بما في ذلك اللحظات الأخيرة قبل طلوع الفجر فليست بصدد البيان بلحاظه حتى ينعقد إطلاق، وبالتالي كي نحتاج إلى تقييد.
إذاً، إمّا أن نقول: لا إطلاق رأساً، أو نقول: إنّ لها إطلاقاً ولكنه مقيّد بالروايات السابقة. هكذا قالوا.
وكلا الجوابين كما ترى خصوصاً الأوّل، باعتبار أنّ المورد ليس من موارد التقييد إذ الآية قالت: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) فلو فرض أنّ الحكم مستمر إلى ما قبل الفجر بربع ساعة مثلاً، فمعنى ذلك أنّ الإباحة ليست مستمرة إلى تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وهذا ليس تقييداً للحكم وإنما هو تبديل وتغيّر له، فالآية تقول: الإباحة مستمرة إلى طلوع الفجر، والروايات تقول: ليست مستمرة إلى ذلك، بل إلى ما قبله بربع ساعة، وأي تقيد هذا؟ إنه ليس تقييداً بل رفض وتغيّر للحكم بلا تقييد.
ولعل الأولى أن يجاب أنّ الروايات السابقة لو تمت دلالتها على مفطّريّة البقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر، فتكون قرينة على أنّ الغاية في الآية الكريمة وهي قوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) ترجع إلى خصوص الحكم الأخير وهو (وَكُلُوا وَاشرَبُوا) ولا ترجع إلى كلا الحكمين، فلو كان للغاية ظهور في العود إلى كلا الحكمين فنرفع اليد عن هذا الظهور بقرينة الروايات المتقدمة ونجعلها راجعة إلى خصوص الحكم الأخير.
الوجه الثاني: التمسك بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة [7] التي حصرت المفطّرات في أربع خصال: الأكل، والشرب، والنساء، والارتماس، ولازم ذلك عدم مفطّريّة البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر، وإلاّ كانت المفطّرات خمسة لا أربع.
وفيه: إنّ المناسب أن يقال: إنّ الصحيحة المذكورة ناظرة إلى حالة الصوم وفترته وهي النهار، وكأنها تقول: لا يضرُّه ما صنع في النهار ما دام قد اجتنب عن الخصال الأربع، وما قبل النهار ليس منظوراً لها حتى يصح التمسك بها.
الوجه الثالث: التمسك بالروايات الخاصة الدالّة على عدم مفطّريّة البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر وهي ثلاث:
_______________________
[1] منهاج الصالحين 1: 266.
[2] البقرة: 187.
[3] مدارك الأحكام 6: 55.
[4] الحدائق الناضرة 13: 119.
[5] الجواهر 16: 237.
[6] مصباح الفقيه 14: 407.
[7] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 1، ح 1.