جلسة 50
المفطرات
الوجه الثاني: ما نقله صاحب (الجواهر) [1] ـ قدس سره ـ عن اُستاذه كاشف الغطاء ـ رضوان الله عليه ـ من أنّ من اعتاد التدخين تلذذ به وكان ذلك في حقه قائماً مقام القوت، وآنذاك يكون حال الدخان أشد من الغبار؛ لأنّ حيثية القوت لا تنطبق على الغبار بخلاف ذلك في الدخان. وقد نفى الشيخ الآملي[2] ـ قدّس سرّه ـ البأس عن ذلك.
وفيه: أنّه لو تم فهو مختص بمعتاد التدخين ولا يعم غيره، بل يمكن المناقشة فيه من الأساس باعتبار أنّ المفطّر هو عنوان الأكل والشرب، ومجرد أن الدخان يتلذذ به لا يكفي لصدق ذلك عليه بعد فرض عدم ترتب الخصوصية الثانية وهي الشبع، فأنّ المدخن وإن تلذذ بالتدخين ولكن ذلك لا يشبعه حتى يصدق عنوان الأكل والشرب عليه، بل حتى لو أشبعه فهو لا يكفي لصدق عنوان الأكل والشرب عليه، بل ولا عنوان الطعام والشراب.
الوجه الثالث: ما تبناه صاحب (الجواهر)[3] ـ قدس سره ـ من أنّه بناءً على مفطّرية كل ما يصل إلى الجوف ولو مثل الغبار يلزم الحكم بمفطّرية الدخان، فإنّه أشد من الغبار في بعض الأحوال، فالقول بكونه مفطّراً خصوصاً لبعض الأشخاص الذين يستعملون التنباك لا يخلو من قوة... وخبر الدخنة يمكن حمله على اتفاق الدخول لا المقصود منه أو على الحلق دون الجوف أو نحو ذلك. وارتضى الشيخ الآملي[4] الوجه المذكور.
وفيه: أنه إن كان المقصود من ذلك أنّ مطلق الدخول للجوف يكفي وإن لم يصدق عنوان الأكل والشرب، فيردّه أنّ هذا لا دليل عليه، فأنّ المستفاد من الآية الكريمة لزوم الإمساك عن عنوان الأكل والشرب، وأما الغبار فمفطّريته على تقديرها قد ثبتت بدليل خاص ولا يمكن أن يستفاد من ذلك مفطّرية كل ما يدخل الجوف.
وأما إن كان المقصود من ذلك أنّ المفطّر هو خصوص عنوان الأكل والشرب، ولكن ندعي أنّ ذلك صادق على الدخان باعتبار أنّه يمر بالبلعوم، وكلما حصل التجاوز من البلعوم صدق عنوان الأكل والشرب، فيردّه أنّ الدخان أشبه بالغاز والهواء، وهما وإن مرا بالبلعوم لكنه لا يصدق عرفاً عنوان الأكل والشرب، فإن صدق ذلك عرفاً موقوف على أن يكون الجسم ذا جرم كثيف لا مثل الغاز والهواء، ولا أقل من الشك في صدق ذلك عرفاً في الحالة المذكورة فيتمسك بالبراءة.
الوجه الرابع: ما تمسك به الشيخ النراقي[5] ـ قدس سرّه ـ من أنّ السيرة قد جرت على التجنب عن التدخين.
وفيه: أنّ السيرة لا تدل على الحرمة، فلعل المتشرعة يتركون ذلك تنزهاً لا إلزاماً، اللهم إلاّ أن يقصد أنهم يتركون ذلك بنحو الإلزام، وهذا في الحقيقة تمسك بالارتكاز وليس بنفس السيرة، فكان عليه أن يتمسك بارتكاز المتشرعة، ولكن جوابه أننا نحتمل حدوث هذا الارتكاز بسبب فتوى الفقهاء، وإلاّ فالتدخين لم يكن ثابتاً، ولكن انعقاد الارتكاز على حرمته ومفطّريته أول الكلام، إذاً ما كان موجوداً في عصر المعصوم عليه السلام ـ وهو الدخان المطلق ـ لا يُجزم بانعقاد الارتكاز على مفطّريته، والذي انعقد الارتكاز على مفطّريته وهو التدخين الخاص لم يكن ثابتاً في عهد المعصوم.
الوجه الخامس: ما ذكره الشيخ النراقي[6] أيضاً من التمسك بإطلاق عنوان الشرب عليه فتشمله إطلاقات مفطّرية الأكل والشرب بلا حاجة إلى دليل خاص.
وفيه: أنّ إطلاق الشرب عليه مسامحي ومجازي، والصواب هو التعبير هكذا: يدخن التتن ـ الذي يرادفه بالفارسية كشيدن ـ لا التعبير بأنّه يشرب التتن.
الوجه السادس: ما ذكره السيد الحكيم[7] قدس سرّه، ومال إليه الشيخ الآملي[8] من أنّ التدخين ماحٍ لصورة الصوم بحسب ارتكاز المتشرعة، والسيد الحكيم نقل ذلك ولم يظهر منه تبنيه.
وفيه: أنّ المقدار المذكور لا يصلح للدليلية، فلنفرض أنّه ماحٍ لصورة الصوم المرسومة في أذهان المتشرعة، ولكن هذا المقدار لا يكفي للدليلية، إذ الصوم لا يعتبر فيه صورة معينة، وليس هو ارتكازاً صاعداً إلى عصر المعصوم عليه السلام، بحيث كان في عصر المعصوم يُرى أن التدخين ماحٍ لصورة الصوم، إذ لا وجود للتدخين سابقاً ليحرز الارتكاز على محوه لها.
ومن خلال هذا كله نخرج بهذه النتيجة، وهي أنّ التدخين لا دليل على مفطّريته فيتمسك بالبراءة بل الدليل على العدم ثابت، وهو موثقة عمر بن سعيد[9] الواردة في التدخن بعود، وهكذا صحيحة محمد بن مسلم[10]، فإن الدخان ليس واحداً من الأمور الثلاثة المذكورة في الصحيحة.
ولكن يبقى شيء، وهو أنّ لشهر رمضان قدسية وحرمة خاصة في نفوس المؤمنين، وهذه القدسية تتنافى مع التدخين فلأجل المحافظة على هذه القدسية يلزم تركه من جهة العنوان الثانوي، فهو بالعنوان الأولي لا حرمة فيه ولكن بالعنوان الثانوي يلزم تركه، ولعل ما ذكره السيد الحكيم في الوجه الأخير ناظر إلى ذلك وإن كانت عبارته لا تساعد عليه.
يبقى الكلام في البخار، وقد ذكر صاحب (العروة)[11] أنه يلحق بالغبار واختار ذلك جماعة، والوجه في الإلحاق هو أحد الوجوه المتقدمة في الدخان التي أهمها هو الوجه الأول ـ الإلحاق بالغبار ـ كما يظهر من السيد اليزدي ـ قدس سرّه ـ حيث إنّه ألحقه بالغبار، والمناسب عدم المفطّرية؛ لأنّ عنوان الغبار لو كان مفطّراً فهو لا ينطبق على البخار بل هما شيئان متباينان عرفاً، ومعه فلا دليل على مفطّريته فيتمسك بالبراءة، بل يمكن دعوى قيام الدليل على مفطّريته، وهو انعقاد السيرة على دخول الحمام في نهار الصوم ولا يتحرز المتشرعة عن ذلك، وهكذا يمكن التمسك بصحيحة محمد بن مسلم فأن البخار ليس أحد الثلاثة المذكورة فيها.
__________________
[1] الجواهر 16: 236.
[2] مصباح الهدى 8: 35.
[3] الجواهر 16: 236.
[4] مصباح الهدى 8: 35.
[6و5] مستند الشيعة في أحكام الشريعة 10: 230.
[7] مستمسك العروة الوثقى 8: 261.
[8] مصباح الهدى 8: 35.
[9] الوسائل 10: 940، أبواب ما يمسك عنه الصائم...، ب 32، ح 11.
[10] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم...، ب 1، ح 1.
[11] العروة الوثقى 2: 19.