جلسة 37
المفطرات
النقطة الثانية: يُلحق بذلك الكذب على سائر الأنبياء والأوصياء على الأحوط وجوباً.
وفي هذا المجال ينبغي أن يُفصّل كما يلي: تارةً يكون الكذب على سائر الأنبياء والأوصياء كذباً على الله سبحانه بالدلالة الالتزامية، واُخرى لا يكون كذلك.
مثال الأوّل: ما إذا أخبر شخص هكذا: حرّم عيسى ـ عليه السلام ـ شرب الماء من دون عطش، فإنّ مثل هذا يستلزم الكذب على الله سبحانه بالدلالة الالتزامية باعتبار أن عيسى لا يحرّم ولا يحلّل شيئاً إلاّ بإشارة من الله سبحانه، فنسبة التحريم إليه هي في الحقيقة نسبة إلى الله سبحانه، وحينئذٍ يمكن أن يحكم ـ بناءً على مفطّرية الكذب على الله أو رسوله أو الأئمّة عليهم السلام ـ بالمفطّرية في المثال المذكور وما شاكله؛ لأنّ ذلك كذب على الله سبحانه، نعم هذا يتمّ بناءً على كون المستفاد من النصوص مفطّرية مطلق الكذب على الله ورسوله والأئمّة ـ عليهم السلام ـ وإن كان ذلك بالدلالة الالتزامية، ولا تختص النصوص بمّا إذا كان الكذب بالدلالة المطابقية، وهذا أمر قريب، باعتبار أن ما كان كذباً بالالتزام يصدق عليه عنوان الكذب ويكون مشمولاً للنصوص.
ومثال الثاني: ما إذا أخبر الشخص هكذا: أكل عيسى ـ عليه السلام ـ الخبز مع الزبد، فإنّ هذا إخبار كاذب على عيسى ـ عليه السلام ـ من دون أن يستلزم الكذب على الله سبحانه، ومثله لا يكون مشمولاً للنصوص، إذ هو ليس كذباً على الله سبحانه، كما أنّه ليس كذباً على نبينا ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أو على أحد الأئمّة عليهم السلام، والمفطّر هو خصوص الكذب على أحد الثلاثة المذكورة.
نعم، لو فهمنا من كلمة الرسول في النصوص مطلق الأنبياء، وهكذا فهمنا من الأئمّة مطلق الأوصياء أو فهمنا منها إرادة مطلق المعصوم فيحكم بالإلحاق آنذاك، ولكن الجزم بذلك مشكل وأن كان الاحتياط الاستحبابي بتعميم المفطّرية للكذب على مطلق الأنبياء والأوصياء ـ عليهم السلام ـ أمراً وجيهاً.
يبقى أنّ عبارة السيّد الماتن ـ بل الأحوط إلحاق سائر الأنبياء والأوصياء ـ عليهم السلام ـ هل تشير إلى الحالتين المذكورتين أو خصوص الحالة الاُولى أو خصوص الحالة الثانية؟
المناسب إرادة خصوص الحالة الثانية، إذ في الحالة الاُولى ينبغي الجزم بالمفطّرية؛ لأنّ ذلك مصداق للكذب على الله سبحانه، وإنّما يكون الاحتياط دون الفتوى مناسباً بلحاظ خصوص الحالة الثانية، ولكن الأولى كما أشرنا أن يكون الاحتياط استحبابياً لا وجوبياً على ما يظهر من العبادة.
النقطة الثالثة: لا فرق في مفطّرية الكذب بين أن يكون في أمر ديني أو دنيوي؛ تمسّكاً بإطلاق النصوص بناءً على استفادة المفطّرية منها، ودعوى انصرافها إلى خصوص ما إذا كان الكذب في أمر ديني خالية عن الشاهد.
النقطة الرابعة: إذا قصد الشخص الصدق في إخباره وتصوّر واقعاً أن الإمام ـ عليه السلام ـ مثلاً ـ قد صدر منه حديث بهذه الصيغة، ثمّ تبين أن ذلك حكمة مثلاً وليس بحديث، فلا يكون مثل الإخبار المذكور مفطّراً. بالرغم من كونه كذباً بلحاظ الواقع.
والوجه في ذلك أن جميع المفطّرات لا يكون ارتكابها مفطّراً، إلاّ إذا صدرت بنحو التعّمد والقصد لبيان يأتي عند تعرّض السيّد الماتن لذلك، وحيث لا قصد في المقام إلى ارتكاب المفطّر فلا يحكم بالمفطّرية، هذا مضافاً إلى أن موثقة سماعة الثانية قد قيدت الحكم بالمفطّرية بذلك، حيث قال ـ عليه السلام ـ: «قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم، يقضي صومه ووضوئه إذا تعمّد» [1] .
النقطة الخامسة: إذا قصد الصائم الكذب ثمّ اتضح أن ما أخبر به صادق واقعاً فيحكم بالمفطّرية باعتبار أنّه قد قصد المفطّر والقاطع، وقد تقدّم أنّ نظر السيّد الماتن ثبوت البطلان ووجوب القضاء متى ما قُصد القاطع فيما إذا عُلم بكونه قاطعاً ومفطّراً.
وقد تقدّم منا أيضاً التفصيل بين ما إذا قصد المكلّف القطع استقلالاً وبين ما إذا كان قد قصده تبعاً، فإن قُصد تبعاً فلا يوجب المفطّرية وإنّما يوجبها لو قصد استقلالاً، ومن الواضح أن من قصد الكذب قد لا يكون قاصداً بنحو تفصيلي ومستقل لقطع الصوم بالرغم من التفاته إلى حرمته ومفطّريته، ولذا لو قيل له: إنّك قد قصدت قطع الصوم، فيجيب: كلا لم أقصد ذلك وإنّما قصدت ارتكاب المفطّر لا أكثر، وهذا يدلّل على أن قصد القطع وإن كان ثابتاً تبعاً وبشكل قهري إلاّ أنّه ليس ملتفتاً إلى ذلك، والمهم هو تحقّق القصد إلى الصوم من الفجر إلى الغروب وهو متحقّق من الشخص المذكور.
مسألة 982: إذا تكلّم بالكذب غير موجه خطابه إلى أحد، أو موجهاً له إلى من لا يفهم ففي بطلان صومه إشكال، والاحتياط لا يترك[2].
مضمون المسألة المذكورة واضح، وحاصله أنّه لو فُرض وجود إنسان في الغرفة وحده ويتكلّم مع الجدران، ويقول: قال الله سبحانه وتعالى: كذا ـ والحال أنّه لم يقل ـ أو يفترض وجود من لم يفهم الكلام، كما إذا كان في الغرفة طفل رضيع، فهل في مثل الحالة المذكورة يُحكم بالمفطّرية؟
أجاب ـ قدّس سرّه ـ في التقرير[3] بالإيجاب، باعتبار أنّ الكذب عبارة عن الإخبار غير المطابق للواقع ولا يتوقف على وجود سامع يفهم معنى الكلام، وبذلك تكون الحالة المذكورة مشمولة للنصوص.
والمناسب أن يحكم ـ بناءً على الحكم بمفطّرية الكذب ـ بعدم المفطّرية في الحالة المذكورة، باعتبار أنّ النصوص اشتملت على عنوان الكذب على الله، وعُرفاً يشكّ في صدق العنوان المذكور إذا لم يوجد سامع يفهم الكلام، وبذلك يكون الجزم بالإلحاق مشكلاً؛ لأنّه بعد الشكّ في صدق ذلك عرفاً يتمسّك بأصل البراءة، نعم المصير إلى الاحتياط كما فعل ـ قدّس سرّه ـ في المتن أمر وجيه.
________________________
[1] الوسائل 10: 34، أبواب ما يمسّك عنه الصائم...، ب 2، ح3.
[2] منهاج الصالحين 1: 264.
[3] مستند العروة الوثقى 1: مسألة 20 تعليقة 1.