32/12/04
تحمیل
مسألة(288):- إذا لم يتمكن المكلف من الوضوء يتيمم واتى بالطواف. وإذا لم يتمكن من التيمم أيضاً جرى عليه حكم من لم يتمكن من أصل الطواف فإذا حصل له اليأس من التمكن لزمته الاستتابة للطواف. والأحوط الأولى أن يأتي هو أيضاً بالطواف من غير طهارة
تشتمل المسألة على نقطتين:-
النقطة الأولى:- إذا لم يتمكن المكلف من الضوء لأجل الطواف فعليه أن يتيمم.
النقطة الثانية:- إذا لم يتمكن من التيمم أيضاً فعليه أن يستنيب للطواف فيطوف عنه غيره . نعم الأحوط استحباباً أن يأتي هو أيضاً بالطواف من غير وضوء فيجمع بين الاستتابة والمباشرة من دون طهارة.
أما بالنسبة إلى النقطة الأولى:- فينبغي أن يكون الأمر من ناحيتها واضحاً.
ونلفت النظر إلى أن المقصود هو ما إذا لم يتمكن طيلة الفترة حتى يضيق الوقت - وذلك بحلول الزوال من يوم عرفة - أما إذا فرض وجود فترة يتمكن فيها فعليه أن ينتظر فإذا انتظر ولم يتمكن من الوضوء فآنذاك ينتقل إلى التيمم.
وإذا تم هذا - أي كان الوقت ضيقاً - فما هو التخريج الصناعي للانتقال إلى التيمم ، فنحن متفقون على الانتقال إلى التيمم ، ولكن كيف نوجه ذلك فنيا ؟
والجواب:- إننا نحتاج إلى مقدمات ثلاث:-
المقدمة الأولى:- ان دليل شرطية الوضوء في الطواف مطلق ، أي هو يُثبت الشرطية لا في خصوص حالة التمكن منه وإنما يثبتها مطلقاً حتى في حالة العجز ، إذ لو كان يثبت الشرطية في حالة التمكن فقط للزم الإتيان بالطواف في حالة العجز من دون طهارة . وهذه مقدمة لابد من أخذها بعين الاعتبار.
المقدمة الثانية:- ان لازم الشرطية المطلقة هو أن المكلف إذا عجز عن الشرط فالمناسب سقوط الطواف رأساً عن الاعتبار بل سقوط الحج بكامله فان بعض أجزاءه قد تعذر وإذا تعذر أحد الأجزاء فالمناسب بمقتضى القاعدة سقوط الواجب رأساً.
ولكن نعلم من الخارج أن النوبة لا تصل إلى سقوط الطواف أو سقوط الحج رأساً إذ أن هذا من المرتكزات المتشرعية المسلَّمة - يعني ان الطواف أو الحج لا يسقط رأساً - وإلا فلولا هذا الارتكاز المسلم لكان المناسب هو سقوط الحج رأساً.
المقدمة الثالثة:- بعد أن فرض أن شرطية الطهارة أو الوضوء شرطية مطلقة والواجب لا يسقط فالمناسب الانتقال آنذاك إلى التيمم لما دل على أن التيمم بديل عن الوضوء وهو أحد الطهورين.
إذن نحن نحتاج إلى هذه المقدمات الثلاث للوصول إلى هذه النتيجة ولا بد من إثبات كل واحدة منها.
أما بالنسبة إلى الأولى:- فقـد يتمسـك لها ببعـض الروايات من قبيل صحيحـة معاويـة بـن عمـار ( قال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت )
[1]
وذكرنا سابقاً ان كلمة ( يقضي ) هي بمعنى ( يأتي ) أي لا بأس بأن يقضي المناسك كلها ومقتضى إطلاقها هو أنه لا يمكن الإتيان الطواف من دون وضوء ولم يقيد عليه السلام بحالة التمكن فيثبت أن شرطية الوضوء شرطية مطلقة.
ومن قبيل صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام ( سئل أينسك المناسك وهو على غير وضوء ؟ فقال :- نعم إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاة )
[2]
فمن هاتين الروايتين قد يستفاد الإطلاق وان الشرطية ثابتة حتى في حالة العجز.
نعم ربما يدعى الانصراف وان المقصود من قوله عليه السلام ( لا بأس أن تقضى المناسك كلها عن غير وضوء إلا الطواف ) هو في حالة التمكن أما إذا لم يتمكن من الوضوء فالحديث منصرف عنه.
ولكن في المقابل قد يُردّ بأن هذا الانصراف لا وجه له ، وحينئذ قد يستعان بما أشرنا إليه في باب الإطلاق من تلك المقدمة الجديدة التي ينبغي إضافتها لأجل التمسك بالإطلاق ، ونحن قد أضفنا مقدمتين واحدة هي أن لا يلزم من التمسك بالإطلاق مؤونة من ناحية أخرى وهذه المقدمة لا أريد الإشارة إليها الآن ، والمقدمة الثانية - وهي المقصودة لنا هي أنما يجوز التمسك الإطلاق فيما لو فرض أن العرف يستهجن الإطلاق فيما إذا كان مراد المتكلم واقعاً هو المقيَّد ، فإذا استهجن منه الإطلاق فآنذاك يصح التمسك بالإطلاق وأما إذا لم يستهجن فلا يصح التمسك به.
وهذه مقدمة ينبغي أن تكون بديهية ولا نحتمل أن أحداً يشك فيها إذ مع فرض عدم استهجان الإطلاق رغم إرادة المقيد كيف تتمسك بالإطلاق ؟!! ولذلك أني أحتمل أنها ليست مقدمة جديدة وإنما هي مقصودة للجميع غايته أنه لم تسلط الأضواء عليها بشكل واضح حتى يستفاد منها.
وإذا قبلنا بهذه المقدمة فربما يقال ان المقام من هذا القبيل ، أي لو قال المتكلم - وهو الإمام عليه السلام - ان مقصودي حينما قلت ( لا بأس أن تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت ) هو الشخص الذي يتمكن من الوضوء أما الذي لا يمكن من الوضوء فانا لست بصدد بيان حاله ، فإذا فرض انه لم يستهجن منه ذلك فلا يجوز في التمسك آنذاك بالإطلاق . وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها وكان هدفي هو الفات النظر فقط.
نعم توجد إضافة في صحيحة جميل ربما نستفيد من ناحيتها السـعة والشـمولية فـان الـوارد فيهـا ( سئل أينسك الماسك وهو على غير وضوء ؟ فقال:- نعم إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاة ) فان التعليل بقوله ( ان فيه صلاة ) قد يستفاد منه بأن كل طواف يلزم أن يكون فيه وضوء لأنه ملازم للصلاة ، وآنذاك لا فرق بين القادر على الوضوء وغيره . وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها
فلو سلمنا تمامية الإطلاق في شرطية الوضوء فننتقل إلى المقدمة الثانية فنقول.
وأما مدرك المقدمة الثانية:- من عدم سقوط الطواف أو الحج رأساً فذلك للارتكاز المتشرعي كما أشرنا ، والظاهر تماميته ولا مجال للإشكال فيه.
وأما بالنسبة إلى المقدمة الثالثة:- فيمكن التمسك لها ببعض الروايات من قبيل صحيحة عبد الله بن أبي يعفور وعنبسة عن أبي عبد الله عليه السلام ( رب الماء رب الصعيد )
[3]
، ونظيرها صحيحة الحلبي ( رب الماء هو رب الارض )
[4]
، وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام ( ........... ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين )
[5]
والظاهر أن هذه المقدمة تامة والإشكال أن كان فهو بلحاظ المقدمة الأولى.
أما من لم ير الانصراف ثابتاً واعتقد بأن الإطلاق مستهجن إذا لم يقيد عليه السلام في موردنا فالمقدمة الأولى تكون تامة.
وأما النقطة الثانية:- أعني أنه إذا لم يتمكن من التيمم فينتقل إلى النيابة فهذا يحتاج إلى مقدمات ثلاث أيضاً:-
الأولى:- هي نفس الأولى سابقاً يعني أن يقال:- ان شرطية الوضوء هي شرطية مطلقة وهي ثابتة حتى في حال العجز.
والثانية:- هي نفس المقدمة الثانية السابقة أي بتعذر الوضوء لا يسقط الطواف أو الحج رأساً.
والثالثة:- هي ما دل على أن من لم يتمكن من الطواف فعليه أن يطاف به فان لم يمكن فيطاف عنه ، وفي مقامنا حيث لا يمكن أن يطاف به لأنه غير متطهر فلا بد وأن يطاف عنه بعد فرض تمامية المقدمة الأولى والثانية فانه سوف لا يكون قادراً على الطواف وإذا لم قادراً فعليه الاستتابة للروايات الدالة على ذلك من قبيل صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه ؟ فقال:- نعم إذا كان لا يستطيع )
[6]
إذن بمقتضى هذه الرواية ما دام المكلف في مقامنا لا يستطيع أن يطوف لفرض عدم إمكان الوضوء في حقه ولا التيمم فيثبت في حقه الطواف عنه.
أجل قد يشكك في الإطلاق هنا ويقال انه عليه السلام إنما قال ( يطاف عنه إذا كان لا يستطيع ) يعني لا سيطيع من الناحية البدنية أما إذا فرض أنه يستطيع بدنياً ولا مشقة عليه وإنما عدم الاستطاعة هو من ناحية عدم تمكنه من الوضوء والتيمم فالرواية منصرفة عن مثله ، وعلى الأقل تأتي تلك المقدمة التي أشرنا إليها وهي أنه لا يستهجن الإطلاق في هذا المورد فالإمام عليه السلام أطلق ولم يقيد بكون عدم الاستطاعة هي من ناحية المشقة البدنية لوضوح ذلك فإذا فرض هذا فالمقدمة الثالثة سوف لا تتم ، والمناسب آنذاك بعد فرض عدم احتمال سقوط الطواف رأساً تعين الإتيان بالطواف ولو من دون طهارة.
وعليه فيكون الأحوط آنذاك هو الجمع بين الاستتابة وبين الإتيان بالطواف بنفسه من دون طهارة ، ومنشأ هذا الاحتياط هو احتمال عدم تمامية هذه المقدمة الثالثة.
[1] الوسائل 13 374 38 أبواب الطواف ح1.
[2] المصدر السابق ح6.
[3] الوسائل 3 343 ح2.
[4] المصدر السابق ح1.
[5] الوسائل 3 370 14 أبواب التيمم ح15.
[6] الوسائل 13 389 47 أبواب الطواف ح3.