32/11/18
تحمیل
قال (قده):-
الثاني:- الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر فلو طاف المحدث عمداً أو جهلاً أو نسياناً لم يصح طوافه.
الشرط الثاني من شرائط الطواف هو الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر ، وهو شرط واقعي وليس شرطاً ذكري أو ما يعبر عنه بالعلمي فان بعض الشرائط هي شرائط في حالة الالتفات كالطهارة من الخبث في الصلاة بل وفي الطواف أيضاً فإنها شرط في حق الملتفت وأما الطهارة من الحدث فهي شرط واقعي ، ومن هنا من كان يوجد خلل في وضوءه أو غسله نحكم بلزوم إعادة جميع صلواته فإنها باطلة لاختلال الشرط ، وهكذا بالسبة إلى الطواف.
أما لماذا هذه التفرقة ، يعني أن بعض الشرائط تصير واقعية وبعضها ذكرياً ؟ إنها ناشئة من خلال الأدلة فالنصوص تارة يظهر منها هذا وأخرى ذاك . نعم القاعدة تقتضي أنه إذا ثبتت شرطية شيء وكان للدليل إطلاق فنتمسك بإطلاقه بلا حاجة إلى نص خاص لإثبات كون شرطيته شرطية واقعية بل إطلاق الدليل يكفي لإثبات ذلك.
وعلى أي حال نعود إلى مسألتنا فانه من حيث الفتوى لا يوجد خلاف في المسالة فالكل متفق على اعتبار الطهارة في الطواف ولكن خصوص الطواف الواجب دون المستحب فان المستحب قد استثنته بعض النصوص . نعم حينما يريد أن يصلي ركعتي الطواف المستحب فلابد أن يتطهر.
وزاد أبو الصلاح الحلبي(قده) وصعَّد لهجته ونسب إليه أنه اعتبر الطهارة من الحدثين حتى في الطواف المستحب ، قال في المدارك ( أجمع علماؤنا كافة على اشتراط الطهارة في الطواف الواجب حكاه في المنتهى ........ ونقل عن أبي الصلاح أنه اعتبر الطهارة في الطواف المندوب كالواجب تمسكاً بإطلاق بعض الروايات المتضمنة لاعتبار الطهارة في الطواف وهو ضعيف لأن المفصل يحكم على المجمل )[1] .
وعلى أي حال الفتوى لم ينقل فيها خلاف على اعتبار الطهارة من الحدثين في الطواف الواجب.
وإذا رجعنا إلى الروايات وجدناها واضحة الدلالة على ذلك:-
من قبيل صحيحة معاوية بن عمار ( قال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت والوضوء أفضل )[2] ، والمقصود من كلمة ( يقضي ) الإتيان يعني لا بأس أن يأتي بالمناسك كلها عن غير وضوء إلا الطواف بالبيت ثم قال ( والوضوء أفضل ) أي في بقية المناسك غير الطواف وإلا ففي الطواف فهو لازم.
ومن قبيل صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا بأس أن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء[3] ثم يتوضأ ويصلي فان طاف متعمداً على غير وضوء فليتوضأ وليصل ، ومن طاف تطوعاً وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف )[4] .
وهي كما ترى تدل على أن الطواف المستحب لا يلزم فيه الوضوء ، ولعله بالمفهوم أي من التقييد بنفي البائس في خصوص طواف النافلة نستفيد أنه في الواجب يلزم الطهارة.
ومن قبيل صحيحة محمد بن مسلم ( سألت أحدهما عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور ، قال:- يتوضأ ويعيد طوافه وان كان تطوعاً توضأ وصلى ركعتين )[5] ودلالتها على التفصيل بين الطواف الواجب والمستحب واضحة وان الطهارة معتبرة في الاول دون الثاني.
ومن قبيل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام ( سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف ، قال:- يقطع الطواف ولا يعتد بشيء مما طاف ، وسألته عن رجل طاف ثم ذكر أنه على غير وضوء ، قال:- يقطع طوافه ولا يعتد به )[6] ودلالتها واضحة على اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر في الطواف ولذلك أمر عليه السلام بالإعادة ......... إلى غير ذلك من الروايات.
إذن هذه الروايات واضحة الدلالة على اعتبار الطهارة في الطواف الواجب.
نعم هناك رواية واحدة وهي رواية الشيخ الطوسي(قده) بإسناده إلى زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام ( رجل طاف بالبيت على غير وضوء قال لا بأس )[7] وهي قد تجعل معارضة لما سبق فإنها دلت على عدم لزوم الوضوء من دون استفصاله فتدل بإطلاقها على عدم اعتبار الوضوء في الطواف سواء كان الواجب أو المستحب ، هكذا قد يقال.
ولكن هي لو تمت من حيث السند وقد يشكل فيه باعتبار انه لو رجعنا إلى المشيخة أو الفهرست لرأينا أن في طريق الشيخ الطوسي إلى زيد الشحام أبا جميلة وهو قد ضعف يمكن الجمع بينها وبين ما سبق فإنها مطلقة فتحمل على الطواف المستحب بقرينة تلك الروايات المفصلة والتي دلت على اعتبار الطهارة في الطواف الواجب دون المستحب فالمورد مورد الإطلاق والتقييد أي التعارض غير المستقرة.
هذا مضافاً إلى وجاهة القول بأنها ساقطة عن الحجية في حد نفسها باعتبار هجران الأصحاب لمضمونها فقد ادعي الإجماع على اعتبار الطهارة في الطواف الواجب، فمضمونها مهجور بين الأصحاب فتسقط لنكتة الهجران لا لإعراض المشهور حتى يقال ان ذلك محل خلاف.
هذا بالنسبة إلى أصل المسألة .
وأما بالنسبة إلى إطلاق الشرطية وأن الطهارة من الحدثين معتبرة في الطواف الواجب بنحو الإطلاق يعني من دون فرق بين العمد والجهل والنسيان فيمكن التمسك لإثباته بإطلاق بعض الروايات من قبيل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة التي قالت ( سألت أحدهما عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور ، قال:- يتوضأ ويعيد طوافه وان كان تطوعاً توضأ وصلى ركعتيه ) فانه عليه السلام لم يستفصل بين كون عدم تحقق الطهارة منه ناشئاً عن عمد أو جهل أو نسيان وسكوته عن الاستفصال يفهم منه عموم الجواب لجميع هذه الحالات الثلاث ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية أيضاً.
مسألة 285:- إذا احدث المحرم أثناء طوافه فللمسألة صور:-
الأولى:- ان يكون ذلك قبل بلوغه النصف ففي هذه الصورة يبطل طوافه وتلزمه إعادته بعد الطهارة .........الخ
عرفنا فيما سبق أن الطهارة شرط في صحة الطواف الواجب وعليه فنقول لو فرض أن المكلف كان متوضئاً ودخل في الطواف وفي الأثناء تحقق منه الحدث فلا إشكال في عدم جواز الإتيان بالباقي وهو محدث لأن ذلك خلف شرطية الطهارة ، وإنما الكلام في أن طوافه يبطل رأساً بمعنى أنه لو توضأ في الأثناء فليس بإمكانه إتمام الباقي بل عليه أن يعيد من جديد كما هو الحال في الصلاة فان من أحدث فيها بطلت رأساً فهل الأمر هكذا أو أنه يجوز له أن يتوضأ ويتم من حيث قطع ؟
إذن محل الكلام هو هذا.
وقد يخطر إلى الذهن:- أن هناك طريقة احتياطية وهي أن يقطع ما سبق ويتوضأ ويأتي بطواف جديد فانه احتياط كامل.
وجوابه:- ان صحة هذا الاحتياط موقوفة على أمرين:-
الاول:- أن نبني على جواز قطع الطواف ولو لغير ضرورة تستدعي ذلك ، أما إذا بنينا على عدم الجواز إلا لضرورة كالمرض فلا يجوز القطع.
وقد ادعي الإجماع على عدم جواز القطع في باب الصلاة وإلا فمن الروايات ربما يصعب استفادة ذلك ومقتضى أصل البراءة هو جواز القطع.
وعلى أي حال انه قد يقال بحرمة القطع في الطواف ، فإذا بني على ذلك فيصير هذا القطع حينئذ مخالفاً للاحتياط إذ المكلف يصير آثما بقطعه له وقد فعل محرماً . ويأتي إنشاء الله تعالى في موقعه المناسب التعرض لهذه المسألة حينما يتعرض لها السيد الماتن(قده).
الثاني:- أن نبني على تحقق الانقطاع بنية القطع وهذا أول الكلام ، يعني أنا لو فرضنا البناء على جواز القطع ولو لغير ضرورة ولكن بمجرد نية القطع هل ينقطع الطواف أو يبقى على حاله ؟ قد يقال يبقى على حاله وبذلك سوف يصير الإتيان بالطواف الجديد زيادة وهي زيادة مبطلة. وهذه قضية وقع فيها الخلاف.
ونفس هذا الخلاف موجود في باب الصلاة ، فلو فرض أن شخصاً في أثناء الصلاة نوى أن يقطع الصلاة من دون حصول منافٍ كإدارة الوجه إلى الوراء بل نوى القطع فقط فهل يتحقق منه انقطاع الصلاة أو تبقى كما هي ؟ هناك احتمال أنها باقية إذ لم يدل دليل على أنه بمجرد نية القطع يتحقق القطع وإنما الانقطاع يتحقق بالإتيان بالمنافي.
إذن هذه الطريقة إنما تكون احتياطاً لو بنينا على مجموع هذين أمرين.
والاحتياط الصحيح المقبول هو أن يتم طوافه بعد أن يتوضأ ويصلي الركعتين وهذا مهم حتى لا يصير هناك قران بين الطوافين ثم يأتي بطواف جديد ، أو يتوضأ ثم يأتي بطواف كامل بقصد الأعم من التمام والإتمام ، يعني ان كان ذلك صحيحاً فهذا يكون متمماً له وإذا فرض عدم صحته فيكون هذا طوافاً جديداً كاملاً بنفسه ، قد يقال هذه مرتبة يتحقق بها الاحتياط أيضاً. وهذه قضية يجدر الالتفات إليها.
وقضية ثانية:- وهي أن مسألتنا هذه ليس فيها نصوص متعددة - يعني في مسألة من أحدث أثناء الطواف - بل توجد رواية واحدة وهي مرسلة. نعم توجد بعض الروايات في مسائل أخرى كمن طرأ عليها الحيض فقد يستفاد منها في مسألتنا أيضاً ، أما في خصوص مسألتنا فلا توجد إلا رواية واحدة وهي مرسلة بن أبي عمير.
[1] المدارك 8 114.
[2] الوسائل 13 3738 أبواب الطواف ح1.
[3] يعني انه طاف في المستحب .
[4] المصدر السابق ح2.
[5] المصدر السابق ح3.
[6] المصدر السابق ح4.
[7] المصدر السابق ح 10.