33-11-09
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/11/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 346 ) / أحكـام السعي / الـواجـب الرابــع مــن واجبــات عمــرة التمتــع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وأما الحالة الثانية - أعني ما إذا نسي شوطين أو ثلاثة:- فمثلها ليس مورداً لصحيحة سعيد بن يسار فماذا نصنع ؟
والجواب:- إن تم إجماع على عدم الفصل بين الشوط الواحد والشوطين والثلاثة - كما يظهر ذلك من السيد الخوئي(قده) فانه استند إليه - فبها ، يعني نقول بأن من نسي الشوطين أو الثلاثة أتى بهما متى ما تمكن لصحيحة سعيد بن يسار بعد ضمّ عدم القول بالفصل ، وأما إذا لم يثبت الإجماع فلابد من الرجوع إلى القاعدة وهي تقتضي الاكتفاء بالإتيان بخصوص المنسي - أعني الشوطين أو الثلاثة - بلا حاجة إلى إعادة السعي بالكامل ، والوجه في ذلك واضح إن بنينا على عدم اعتبار الموالاة في السعي وهذه مسألة مرّ الحديث عنها سابقاً والسيد الماتن احتاط وجوباّ في اعتبار الموالاة وقال إن السبعة عرفاً منصرفة إلى حالة الموالاة فعندما يقال ( ااتِ بسبعة أشواط ) يعني واحداً بعد الآخر بلا فواصل معتدّ بها ، ونحن رفضنا ذلك وقلنا يكفي الاتيان بسبعة أشواط ولو من دون موالاة بينها ، وبناءً على انكار المولاة تكون القاعدة مقتضية للاكتفاء بالمنسي إذ غاية ما يلزم هو الفصل بين الاتيان بالمنسي وبين ما سبق وقد فرضنا أن الموالاة ليست بلازمة . ولو تنزلنا وقلنا باعتبار الموالاة فأيضاً يمكن أن يقال بكفاية الإتيان بخصوص المنسي وذلك باعتبار أن صحيحة ابن يسار التي قالت يأتي بالشوط المنسي الواحد تولّد لنا احتمالاً بأن الشارع يكتفي في حالة النسيان بالإتيان بالأشواط ولو مع اختلال الموالاة وإلّا فكيف اكتفى بالإتيان في خصوص الشوط المنسي.
إن قلت:- هذا من باب الاكتفاء غير المأمور به عن المأمور به حيث دلّ الدليل على ذلك في خصوص الشوط الواحد وحيث لا دليل في غيره على اجزاء غير المأمور به عن المأمور به فلا نقول فيه بالاجزاء.
قلت:- هذا احتمال وجيه ، ولكن هناك احتمال وجيه آخر وهو أن الشارع قد رفع يده عن المولاة من الأساس في حالة النسيان أي أنه اعتبر المولاة في خصوص حالة الالتفات دون حالة النسيان فإن هذا احتمال وجيه أيضاً لا يمكن انكاره وما دام هو احتمالاً وجيهاً فنقول آنذاك إن الذي نجزم باشتغال ذمتنا به في حالة النسيان هو لزوم الاتيان بالسبعة أما أن تكون مع الموالاة فشيء نشك في اشتغالها به فيكون المورد من موارد الشك في أصل الاشتغال فنجري البراءة عن التقيد الزائد - أعني تقيد السبعة بأن تكون متوالية بين أشواطها من دون فصل -.
إذن بناءً على هذا اتضح أن القاعدة تقتضي الاتيان بخصوص المنسي سواء رفضنا الموالاة أم اعتبرناها ، فعلى كلا التقديرين يكفي الاتيان بخصوص المنسي كما أوضحنا.
نعم حيث أن هذه صناعة فمن المناسب للفقيه أن يحتاط ولو احتياطاً استحبابياً وذلك بالإتيان بطواف كاملٍ أعم من التمام والاتمام.
وأما إذا نسي أكثر من ثلاثة أشواط:- فقد ذكر(قده) [1] أن المناسب في جميع الحالات الثلاثة هو البطلان ولكن خرجنا في الحالة الأولى عن القاعدة ولم نقل بالبطلان لأجل صحيحة ابن يسار ، وخرجنا في الحالة الثانية ولم نقل بالبطلان لأجل الاجماع على عدم الفصل ، وأما في الحالة الثالثة فحيث لا إجماع على عدم الفصل بينها وبين نسيان الشوط الواحد - الذي هو مورد صحيحة بن يسار - فيعود التمسك بالقاعدة المقتضية للبطلان بلا مانع فنحكم بالبطلان . أما لماذا كانت القاعدة في جميع الحالات الثلاث مقتضية للبطلان ؟ لم يوضح ذلك(قده) ، ولعل الوجه في ذلك ما أشرنا إليه من أنه(قده) يعتبر الموالاة وحيث أنها تنعدم في حالة النسيان فالمناسب في جميع الحالات الثلاث هو البطلان.
هذا ولكن قد اتضح من خلال بياننا أنه حتى لو اعتبرنا الموالاة فيمكن أن نقول إن الحكم بالصحة هو الوجيه والمناسب ، أما في الحالة الأولى فلصحيحة ابن يسار كما أشرنا ، وأما في الحالتين الأخيرتين فإنه بعد حكم الشارع في حالة كون المنسي شوطاً واحداً بالاكتفاء بالإتيان بالشوط المنسي رغم فوات الموالاة يولد لنا احتمالاً ويكفينا الاحتمال في أن الشرع قد رفع يده عن اعتبار الموالاة في حالة النسيان وأنها معتبرة في خصوص حالة الالتفات وما دمنا نحتمل ذلك فنذهب إلى مرحلة ما قبل مرحلة تفريغ الذمة - وهي شغل الذمة - ونقول في مرحلة شغل الذمة نحن نجزم في حالة النسيان باشتغال الذمة بأصل السبعة أما أن تكون متوالية فنشك في أصل الاشتغال بذلك فنجري البراءة عنه ، ولكن كما قلنا يبقى الاحتياط الاستحبابي بالإتيان بسعي أعم من التمام والاتمام شيء جيد.
وبهذا اتضح أن المناسب اختصار عبارة المتن فان فيها تطويلاً يوجب صعوبة هضمها وضبطها للمُراجع وذلك بأن يقال ( إن من أنقص بعض أشواط السعي فإن أنقصها عمداً أو جهلاً فالحكم هو البطلان إلا أن يسع الزمان للتدارك ، وأما إذا كان عن نسيان فيكفي الاتيان بالمنسي متى ما تذكر . نعم الأحوط استحباباً في حالة كون المنسي أكثر من شوط واحد الاتيان بسعي كامل أعم من التمام والاتمام بنفسه إن أمكن وإلّا فبالنيابة.
بقي شيء:- وحاصله:- إن المكلف إذا كان قد نسي شوطاً واحداً مثلاً فقد ذكرنا أنه يأتي به متى ما تذكر بلا حاجة الى إعادة السعي بالكامل وهذا المطلب مورد اتفاق ، والسؤال هو:- إن المكلف تارةً يتذكر ذلك وشهر ذي الحجة بعدُ لم ينتهي وأخرى يلتفت إلى ذلك بعد انقضائه ، فإن التفت قبل انقضائه أتى بالمنسي ولا كلام ، وأما إذا التفت بعد انقضائه فقد ذكر السيد الخوئي(قده) أنه لابد من اعادة السعي بالكامل ولا يكفي الإتيان بشوط واحد والوجه في ذلك هو أن السعي جزء من أجزاء الحج والحج بجميع أجزاءه لا يقع إلّا في أشهر الحج التي تنتهي بانتهاء ذي الحجة فإذا انتهى ذو الحجة يقع ذلك السعي الذي أتى به - وهو ستة أشواط مثلاً - باطلاً فانه لم يكمله قبل انتهاء ذي الحجة واكماله بعد ذي الحجة غير ممكن لأن السعي بكامل أجزاءه يلزم أن يقع في ذي الحجة وعليه فما سبق يقع باطلاً ، نعم من باب القضاء خارج الوقت لدلالة الدليل عليه يقال بأنه يلزمه إعادة السعي آنذاك لأن السعي لا يسقط كما أنه لا يبطل الحج بالكامل فيأتي حينئذ بسعيٍ كاملٍ من باب القضاء بعد انتهاء شهر ذي الحجة . هذا كلامه(قده) وهو يحتاج إلى مقدمة مضمرة لابد منها لم يشر إليها وهي أنه لا يمكن أن يكون بعض أشواط السعي أداءً وبعضها الآخر قضاءً بل لابد إما أن يكون الجميع أداءً وذلك قبل انتهاء شهر ذي الحجة أو يكون الجميع قضاءً وذلك بعد انتهاء ذي الحجة أما أن يكون البعض أداءً والبعض الآخر قضاءً - أي كفاية التلفيق فذلك يحتاج إلى دليل وحيث لا دليل فلا يصار إليه.
وما أفاده وجيه بمقتضى القاعدة ولكن بعد أن جاءت صحيحة سعيد بن يسار وقالت ( فلْيَعُد ويتمّ شوطاً ) وأطلقت من ناحية وقت التذكر فمقتضى الاطلاق هو التعميم إلى حالة ما إذا تذكر بعد انقضاء ذي الحجة ، اللهم إلّا أن تدّعي الانصراف - أي أنه بعدما رجع إلى بيته التفت من دون فاصل كبير فالملحوظ في هذه الصحيحة هو ذلك - ولكن لا نرى وجهاً لهذا الانصراف ، فالمناسب إذن بمقتضى اطلاق هذه الصحيحة هو العميم من هذه الناحية والمناسب للإمام عليه السلام لو كان هناك تفصيلٌ أن ينبه عليه فإن ذلك مسألة يُغفَل عنها فيقول ( هذا إذا التفت قبل انقضاء ذي الحجة وإلّا فعليه اعادة السعي بالكامل ) . إذن إن لم يكن اطلاقٌ فيمكن أن نتمسك بهذه النكتة ، وعليه فالتوقف من هذه الناحية لا داعي إليه ، ولكن يكفينا أن يأتي المكلف بسعيٍ كاملٍ أعم من المام والاتمام كما أشرنا إليه في الحالة الثانية والثالثة ، وأما الحالة الأولى فهو وإن أراد أن يثبت ذلك فيها أيضاً لو حصل التذكر بعد ذي الحجة ولكن اتضح أنه أمر لا داعي إليه.
[1] المعتمد.