36/05/09
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي
أحد أطراف العلم الإجمالي.
الوجه الثالث: لبيان المانع من منجّزية العلم الإجمالي الثاني لوجوب الاجتناب عن الملاقي هو ما ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه)، وحاصل ما ذكره هو أنّه يدّعي أنّ العلم الإجمالي الثاني منحل، فيسقط عن التأثير بالعلم الإجمالي الأوّل، باعتبار أنّ هناك طولية بينهما؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني في طول العلم الإجمالي الأوّل ومتأخّر عنه رتبة، فينحل هذا العلم الإجمالي الثاني بالعلم الإجمالي الأوّل، ولا يُلاحظ الزمان، حتّى إذا كانا متعاصرين في الزمان، الانحلال مبني على افتراض الطولية والتقدّم والتأخّر الرتبي بينهما، ما دام أحدهما متقدّماً على الآخر رتبة، أي ما دام نفس العلم متقدّماً على الآخر رتبة، والثاني في طول الأوّل، هذا يوجب انحلال العلم الإجمالي الثاني وسقوطه عن التأثير، أيضاً من دون فرقٍ بين أن نقول بالاقتضاء وبين أن نقول بالعلّية، على مسلك الاقتضاء هو يثبت هذا الأمر وعلى مسلّك العلّية الذي هو يختاره أيضاً يثبت سقوط العلم الإجمالي عن التأثير والتنجيز باعتبار انحلاله حكماً بالعلم الإجمالي الأول.[1]
ذكر في مقام الاستدلال والتوضيح على هذه النتيجة أنّه بناء على مسلك الاقتضاء، وكون العلم الإجمالي مقتضياً لوجوب الموافقة القطعية وليس علّة تامّة....بناءً على هذا المسلك يقول: لا إشكال في أنّ وجوب الاجتناب لا يثبت إلاّ للملاقى دون الملاقي لوضوح جريان أصالة الطهارة في الملاقي بلا معارضٍ، بناءً على مسلك الاقتضاء الذي يتنجّز هو وجوب الاجتناب عن الملاقى والطرف الآخر، هذا هو الذي يتنجّز فقط بالعلم الإجمالي الأوّل دون وجوب الاجتناب عن الملاقي لجريان أصالة الطهارة فيه من دون معارضٍ، وهنا يقول: لا داعي حتّى لافتراض الطولية بين العلمين، حتّى لو كان العلمان في عرضٍ واحد ولا طولية بينهما، على مسلك الاقتضاء لا يتنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي لجريان الأصل المؤمّن فيه بلا معارض؛ لأنّ المانع من جريان الأصل على هذا المسلك هو ابتلاء هذا الأصل بالمعارض، هذا هو المانع في الحقيقة، وإلاّ أساساً كعلمٍ إجمالي هو لا يمنع من جريان الأصل في أحد الطرفين، لكن الذي يمنع من جريان الأصل في أحد طرفي العلم الإجمالي هو ابتلائه بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر، فإذا لم يبتلِ بهذه المعارضة يجري فيه بلا إشكال، أصالة الطهارة في الملاقي لا تبتلي بالمعارض، فيجري فيه الأصل بلا إشكال، وجريان الأصل فيه بلا معارض إنّما هو باعتبار أنّ المفروض أنّ الشكّ في نجاسة الملاقي مسببّ عن الشك في نجاسة الملاقى، فهناك سببية بينهما، والأصل الجاري في الطرف الآخر يسقط بالمعارضة مع الأصل الجاري في الملاقى في رتبةٍ سابقة، في رتبةٍ سابقةٍ الأصل يسقط بالمعارضة مع الأصل في الملاقى، وبعد سقوط الأصل في الطرف الآخر في تلك المرتبة؛ حينئذٍ تجري أصالة الطهارة في الملاقي بلا معارض.
وبعبارةٍ أخرى: في ظرف جريان أصالة الطهارة في الملاقي لا معارض لأصالة الطهارة؛ لأنّ أصالة الطهارة في الطرف الآخر قد سقطت في رتبةٍ سابقة؛ وحينئذٍ يجري الأصل في الملاقي بلا معارض، فإذن: بناءً على القول بالاقتضاء لا مشكلة في جريان الأصل في الملاقى وسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي. يقول: بناء على مسلك الاقتضاء حينئذٍ لا داعي لإتعاب النفس وإثبات الانحلال ولحاظ الطولية بين العلمين، لا داعي لإثبات انحلال العلم الإجمالي الثاني بالعلم الإجمالي الأوّل ولحاظ أنّ بينهما طولية وأنّ هذه الطولية توجب الانحلال؛ بل حتى إذا قلنا أنّ العلم الإجمالي الثاني باقٍ على وضعه ولا ينحل، مع ذلك إذا جرى الأصل في أحد طرفيه بلا معارض؛ حينئذٍ لا مشكلة، إثبات عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي لا يتوقف على إثبات انحلال العلم الإجمالي الثاني بالعلم الإجمالي الأوّل على مسلك الاقتضاء؛ لأنّه على مسلك الاقتضاء لا مانع من جريان الأصل المؤمّن في أحد الطرفين إذا لم يكن له معارض، والأصل في الملاقي ليس له معارض؛ لأنّ معارضه سقط في مرتبةٍ سابقةٍ بالمعارضة مع الأصل في الملاقى؛ فحينئذٍ يجري الأصل في الملاقي بلا معارض، سواء انحل العلم الإجمالي الثاني بالعلم الإجمالي الأوّل، أو لم ينحل، حتى إذا لم ينحل العلم الإجمالي الثاني، لكن العلم الإجمالي الثاني هو مقتضٍ لوجوب الموافقة القطعية، فإذا احتفّ بمانعٍ، والمانع الذي يمنع من تأثير هذا المقتضي في وجوب الموافقة القطعية هو جريان الأصل في أحد طرفيه بلا معارضٍ، وهذا المانع في المقام موجود؛ لأنّ أصالة الطهارة تجري في الملاقي بلا معارض، فحتى لو بقى العلم الإجمالي على حاله ولم ينحل بالعلم الإجمالي الأوّل سوف نصل إلى نفس النتيجة، وهي أنّ الأصل يجري في الملاقي بلا معارض، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي، وهذا معنى ما قلناه من أنّه على مسلك الاقتضاء ما يتنجّز هو وجوب الاجتناب عن الملاقى والطرف الآخر، وأكثر من ذلك لا يتنجّز وهو وجوب الاجتناب عن الملاقي، هذا لا يتنجّز؛ لأنّه على مسلك الاقتضاء يجري فيه الأصل بلا معارض. هذا هو الجواب. لماذا لا يتنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي ؟ لأنّ الأصل المؤمّن يجري فيه، فيؤمّن من ناحيته، ويجري فيه بلا معارض. هذا هو الجواب وليس الجواب هو أنّ العلم الإجمالي الثاني منحلٌ بالعلم الإجمالي الأوّل؛ لأنّ بينهما طولية و.....الخ، يقول هذا لا نحتاجه على مسلك الاقتضاء.
وأمّا على مسلك العلّية التامّة التي يؤمن هو بها على رأيه، على هذا المسلك نفس العلم الإجمالي يمنع من إجراء الأصل في أحد الطرفين حتّى إذا لم يكن له معارض؛ لأنّه علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية. يقول: أنّ الملاقي هو طرف للعلم الإجمالي الثاني، بمعنى أنّه طرف للعلم بنجاسة أحد الأمرين، إمّا الملاقي وإمّا الطرف الآخر، الملاقي بنفسه يقع طرفاً للعلم الإجمالي الثاني. الملاقى طرف للعلم الإجمالي الأوّل بالنجاسة المرددة بين الملاقى وبين الطرف الآخر؛ حينئذٍ يقول: إذا كانت هناك طولية بين هذين العلمين، بأن كان العلم الثاني ناشئاً من العلم الأوّل وفي طوله ومسبباً عنه، إذا كانت هناك طولية كما افترضناه في محل الكلام إلى الآن، افترضنا أنّ العلم الإجمالي الأوّل حصل، وحصلت الملاقاة مع أحد أطرافه، فحصل العلم الإجمالي الثاني، فالعلم الإجمالي الثاني ناشئ من العلم الإجمالي الأوّل ومسببّ عنه، إذن: هناك طولية بين العلمين، العلم الإجمالي الثاني والعلم الإجمالي الأوّل، إذا فرضنا وجود هذه الطولية بين العلمين؛ حينئذٍ اللّازم بناءً على هذا هو أنّه لابدّ أن يختص التأثير والتنجيز بالعلم الإجمالي الأوّل، ويسقط العلم الإجمالي الثاني عن التأثير والتنجيز إذا كانت هناك طولية بين العلمين، بمعنى أنّ العلم المتأخّر رتبة وهو العلم الإجمالي الثاني في محل كلامنا يسقط عن التأثير والتنجيز ويكون التأثير والتنجيز فقط للعلم الإجمالي الأوّل، والسر في سقوطه عن التأثير والتنجيز، أمّا بناءً على القول بالاقتضاء فقد عرفنا أنّ السر في سقوطه عن التأثير هو جريان الأصل في أحد أطرافه بلا معارض، أمّا السر في سقوطه عن التأثير والتنجيز بناءً على القول بالعلّية، فهو بسبب تنجّز التكليف بوجوب الاجتناب عن أحد طرفيه في مرتبةٍ سابقةٍ؛ لأنّ أحد طرفي العلم الإجمالي الثاني، والذي هو الطرف الآخر تنجّز التكليف فيه في مرتبةٍ سابقةٍ؛ لأنّ المفروض وجود طولية بين العلمين، في مرتبة العلم الإجمالي الأوّل الطرف الآخر تنجّز في تلك المرتبة، فوجب الاجتناب عنه؛ حينئذٍ يسقط العلم الإجمالي الثاني عن التأثير والتنجيز؛ لأنّه يعتبر في منجّزية العلم الإجمالي أن لا يكون مسبوقاً بمنجّزٍ آخر في أحد طرفيه، وإلاّ يخرج عن كونه صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير؛ وحينئذٍ يرجع الشك في الملاقي إلى الشك البدوي في ثبوت التكليف فيه، فيجري فيه الأصل المؤمّن، فالعلم الإجمالي الثاني يسقط عن التنجيز والتأثير؛ لأنّه يعتبر في كل علمٍ إجماليٍ أن يكون صالحاً للتنجيز على كل تقدير، يعني سواء كان في هذا الطرف، أو كان في الطرف الآخر، والعلم الإجمالي الثاني ليس هكذا؛ لأنّه على أحد التقديرين لا يصلح للتنجيز في هذا الطرف؛ لأنّه تنجّز بمنجّز سابقٍ، والقاعدة تقول أنّ المنجّز لا يتنجز مرّة أخرى، الطرف الآخر الذي هو طرف العلم الإجمالي الثاني تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ وليس في زمانٍ سابقٍ؛ وحينئذٍ يستحيل أن يتنجّز مرّة أخرى؛ لأنّ المتنجّز لا يتنجّز مرّة أخرى، فإذن: هذا العلم الإجمالي الثاني لا ينجّز معلومه على كل تقدير، على أحد التقديرين ينجّز التكليف فيه، لكن على التقدير الآخر لا ينجز التكليف فيه؛ لأنّ التكليف على التقدير الآخر تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ، والمتنجّز لا يتنجّز مرّة أخرى، وبهذا يسقط العلم الإجمالي عن التأثير والتنجيز لا لقصورٍ في نفس العلم، وإنّما القصور في متعلّق العلم، متعلّق العلم غير قابل للتنجّز على أحد التقديرين؛ لأنّه قد تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ، وبهذا يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز، فيجري الأصل(أصالة الطهارة) في الملاقي بلا معارض، فجريان الأصل في الطرف الآخر بلا معارض هو من نتائج انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن التأثير، فإذا سقط عن التأثير؛ فحينئذٍ لا مانع من الرجوع إلى الأصل في هذا الطرف، فهو من نتائج انحلال العلم الإجمالي الثاني وسقوطه عن التأثير والتنجيز، بخلاف القول بالاقتضاء، على القول بالاقتضاء هو بإجراء الأصل في هذا الطرف بلا معارض يريد أن يحل العلم الإجمالي ويسقطه عن التأثير والتنجيز؛ لأنّ الأصل جرى في أحد طرفيه بلا معارض، حينما نسأل القائل بالاقتضاء لماذا سقط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز؟ يقول: لأنّ الأصل جرى في أحد طرفيه بلا معارض. أمّا القائل بالعلّية فبماذا يعللّ سقوط العلم الإجمالي ؟ لا يعللّه بجريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض، وإنّما يعللّه بأنّ هذا العلم الإجمالي ليس صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير؛ لأنّه على احد التقديرين تنجّز معلومه في مرحلةٍ سابقةٍ، والمنجّز لا يتنجّز، فيسقط العلم الإجمالي عن التنجيز ويترتب على ذلك جريان الأصل المؤمّن في هذا الطرف. هذا ما يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه).
مسألة الانحلال الحكمي وإجراء الأصل في احد الطرفين حيث أنّه يكون مقبولاً على مسلك الاقتضاء، لكن على مسلك العلّية التامّة لأوّل وهلة يبدو مشكلاً؛ لذا التجئ المحقق العراقي(قدّس سرّه) إلى طرح هذه الفكرة حتى يصل إلى نفس النتيجة التي يصل إليها القائل بالاقتضاء؛ لأنّه على القول بالعلّية العلم الإجمالي يمنع من إجراء الأصل في أحد الطرفين ولو لم يكن له معارض؛ لأنّه علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية؛ حينئذٍ كيف يسقط هذا العلم الإجمالي حكماً ؟ كيف يجري الأصل في أحد طرفيه ؟ والمفروض أنّه علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، فالتجئ المحقق العراقي(قدّس سرّه) إلى إثبات الانحلال بإبراز أنّ هناك قصوراً في أن يكون العلم الإجمالي الثاني منجّزاً، وينشأ هذا القصور باعتبار أنّ العلم الإجمالي إنّما تثبت له المنجّزية إذا كان صالحاً للتنجيز على كل تقدير، يعني سواء كان في هذا الطرف، أو في هذا الطرف، وهذا العلم الإجمالي الثاني ليس كذلك، فيسقط عن التنجيز، وكونه ليس كذلك لما قاله من أنّه على أحد التقديرين لا يكون صالحاً للتنجيز؛ لأنّ التكليف على ذلك التقدير قد تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ، والمنجّز لا يتنجّز. هذا خلاصة ما يُفهم من كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه). وبالتالي يسقط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي وتجري فيه أصالة الطهارة.
ما ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) بقطع النظر عمّا يرد عليه ممّا أورد على الوجه الثاني، حيث هناك نقاط مشتركة بين الوجه الثاني وبين هذا الوجه الثالث......بقطع النظر عن تلك الأمور التي أوردت على الوجه الثاني يرِد عليه أنّ نكتة ما ذكره هي دعوى أنّ المتنجّز لا يتنجّز، الشيء الذي أوجب سقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز والتأثير هو أنّ هذا العلم الإجمالي ليس صالحاً للتنجيز على كل تقدير لأنّه على أحد التقديرين تنجّز التكليف فيه والمتنجّز لا يتنجّز، هذه نكتة المسألة، هذه الدعوى في الحقيقة يمكن أن يُلاحظ عليها أنّ التنجيز ليس بابه باب الآثار التكوينية والظواهر الطبيعية حتّى نطبّق عليه هذه المسألة، أنّ هذا تنجّز وحصل ووقع، فهو لا يعود مرّة أخرى على غرار ــــــــــ مثلاً ـــــــــ أنّ الموجود لا يوجد إلاّ بعد أن ينعدم، وأمثال ذلك، على غرار أنّ الموجود لا يوجد يقال: أنّ المتنجّز لا يتنجّز، قياساً لباب التشريعات، باب ما يدركه العقل العملي بالأمور التكوينية والظواهر الطبيعية، في الظواهر الطبيعية يقال أنّ الموجود لا يوجد، نقيس ما نحن فيه وهو باب التنجيز على ذاك، وهذه الطريقة ليست طريقة صحيحة للتعامل مع المسائل الفقهية والأصولية التي هي اعتبارات شرعية، أو تدخل في باب مدركات العقل العملي، فنتعامل مع هذه الأمور الاعتبارية ومدركات العقل العملي كما نتعامل مع الظواهر الطبيعية والأمور التكوينية، فكما نقول أنّ الموجود لا يوجد، كذلك نقول أنّ المتنجّز لا يتنجّز، وهذه الطريقة غير صحيحة في مقام الاستدلال في هذه المسائل، أصولية كانت، أو كانت فقهية، علينا في هكذا مسألة أن نعرف أنّ التنجيز هل هو حكم شرعي، أو حكم عقلي ؟ ومن الواضح أنّ الجواب هو أنّ التنجيز حكم عقلي، التنجيز معناه استحقاق العقاب على المخالفة، وهو ممّا يحكم به العقل العملي ويستقلّ به، فلابدّ أن نرجع إلى العقل العملي ونسأله أنّ التأمين الذي تحكم به. أو بعبارةٍ أخرى: أنّ العقل العملي عندما يحكم بقبح العقاب ويحكم بالتأمين، هل حكمه بالتأمين وبقبح العقاب مخصوص فقط في موارد احتمال التكليف الساذج البدوي ؟ العقل يحكم بالتأمين وقبح العقاب في موارد احتمال التكليف، لكن يمنع من إجراء الأصول ومن إجراء قبح العقاب بلا بيان إذا اقترن احتمال التكليف بالعلم الإجمالي؛ لأنّه يرى أنّ احتمال التكليف لمّا كان مقروناً بالعلم الإجمالي، فأنّه يكون منجّزاً ويكون موجباً للموافقة القطعية، هذا العقل الذي حكم بقبح العقاب في موارد احتمال التكليف الساذج البسيط غير المقرون بالعلم الإجمالي ومنع منه في موارد احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي، علينا أن نسأله بأنّ احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي إذا كان أحد طرفيه قد تنجّز بمنجّزٍ سابق، هذا هل يوجب رفع التنجيز الذي يحكم به العقل في موارد العلم الإجمالي ؟ هل يوجب زيادة التأمين الذي يحكم به العقل في موارد احتمال التكليف الساذج غير المقرون بالعلم الإجمالي، أو لا ؟ في موارد احتمال التكليف البدوي العقل يحكم بقبح العقاب، بناءً على أنّ العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان، في موارد احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي لا يحكم العقل بقبح العقاب، وإنّما يحكم بالاشتغال، علينا أن نسأل أنّه في محل كلامنا لدينا احتمال تكليف مقرون بالعلم الإجمالي، بحسب الفرض لدينا علم إجمالي وهو العلم الإجمالي الثاني، هذا العلم الإجمالي الثاني هل حاله حال أي علم إجمالي آخر يحكم العقل فيه بالتنجيز ولا يرضى بإجراء قبح العقاب فيه، أو لا ؟ الخصوصية الموجودة في محل كلامنا والتي تميّزه عن سائر العلوم الإجمالية هي أنّه علم إجمالي، احتمال تكليفٍ مقرون بالعلم الإجمالي، وأحد أطرافه تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ، هذه هي الخصوصية، هل هذه الخصوصية تستدعي إثبات التأمين ؟ هل تستدعي أن يكون التأمين ثابتاً فيه كما يثبت فيه احتمال التكليف المجرّد عن العلم الإجمالي، أو أنّها تستدعي رفع التأمين وإثبات التنجيز ؟ كما هو الحال في العلوم الإجمالية الأخرى؛ بل اشد بنظر العقل؛ لأنّ أحد أطرافه تنجّز بمنجّزٍ سابقٍ، فكأنّه يتلقّى التنجيز ليس فقط من العلم الإجمالي، وإنّما من العلم الإجمالي الثاني وتنجيز آخر كان موجوداً في مرتبةٍ سابقةٍ، بنظر العقل الذي هو الحاكم في مسائل التنجيز والتعذير واستحقاق العقاب وعدمه، العقل بنظره هل يرى أنّ كون أحد أطراف العلم الإجمالي تنجّز بمنجّزٍ في مرتبةٍ سابقةٍ، هذا أدعى لرفع اليد عن التنجيز وإثبات التأمين، أو أنّ هذا يقتضي التشدد في التنجيز ؟ وبحسب ما ندركه بعقولنا أنّ جوابه هو الثاني، وهو أنّ هذا لا يستدعي ازدياد التأمين، هذه ليست خصوصية موجبة للتأمين، وإنّما على تقديرها تكون خصوصية موجبة لإثبات التنجيز واشتداده، هذا هو المرجع، وإلاّ لا معنى لقياس التنجيز في محل كلامنا بالأمور التكوينية والظواهر الطبيعية حتّى يقال أنّ المتنجّز لا يتنجّز، العقل يقول لا مانع، هذا متنجّز يتنجّز بالعلم الإجمالي ويشتد التنجيز فيه.
الوجه الثالث: لبيان المانع من منجّزية العلم الإجمالي الثاني لوجوب الاجتناب عن الملاقي هو ما ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه)، وحاصل ما ذكره هو أنّه يدّعي أنّ العلم الإجمالي الثاني منحل، فيسقط عن التأثير بالعلم الإجمالي الأوّل، باعتبار أنّ هناك طولية بينهما؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني في طول العلم الإجمالي الأوّل ومتأخّر عنه رتبة، فينحل هذا العلم الإجمالي الثاني بالعلم الإجمالي الأوّل، ولا يُلاحظ الزمان، حتّى إذا كانا متعاصرين في الزمان، الانحلال مبني على افتراض الطولية والتقدّم والتأخّر الرتبي بينهما، ما دام أحدهما متقدّماً على الآخر رتبة، أي ما دام نفس العلم متقدّماً على الآخر رتبة، والثاني في طول الأوّل، هذا يوجب انحلال العلم الإجمالي الثاني وسقوطه عن التأثير، أيضاً من دون فرقٍ بين أن نقول بالاقتضاء وبين أن نقول بالعلّية، على مسلك الاقتضاء هو يثبت هذا الأمر وعلى مسلّك العلّية الذي هو يختاره أيضاً يثبت سقوط العلم الإجمالي عن التأثير والتنجيز باعتبار انحلاله حكماً بالعلم الإجمالي الأول.[1]
ذكر في مقام الاستدلال والتوضيح على هذه النتيجة أنّه بناء على مسلك الاقتضاء، وكون العلم الإجمالي مقتضياً لوجوب الموافقة القطعية وليس علّة تامّة....بناءً على هذا المسلك يقول: لا إشكال في أنّ وجوب الاجتناب لا يثبت إلاّ للملاقى دون الملاقي لوضوح جريان أصالة الطهارة في الملاقي بلا معارضٍ، بناءً على مسلك الاقتضاء الذي يتنجّز هو وجوب الاجتناب عن الملاقى والطرف الآخر، هذا هو الذي يتنجّز فقط بالعلم الإجمالي الأوّل دون وجوب الاجتناب عن الملاقي لجريان أصالة الطهارة فيه من دون معارضٍ، وهنا يقول: لا داعي حتّى لافتراض الطولية بين العلمين، حتّى لو كان العلمان في عرضٍ واحد ولا طولية بينهما، على مسلك الاقتضاء لا يتنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي لجريان الأصل المؤمّن فيه بلا معارض؛ لأنّ المانع من جريان الأصل على هذا المسلك هو ابتلاء هذا الأصل بالمعارض، هذا هو المانع في الحقيقة، وإلاّ أساساً كعلمٍ إجمالي هو لا يمنع من جريان الأصل في أحد الطرفين، لكن الذي يمنع من جريان الأصل في أحد طرفي العلم الإجمالي هو ابتلائه بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر، فإذا لم يبتلِ بهذه المعارضة يجري فيه بلا إشكال، أصالة الطهارة في الملاقي لا تبتلي بالمعارض، فيجري فيه الأصل بلا إشكال، وجريان الأصل فيه بلا معارض إنّما هو باعتبار أنّ المفروض أنّ الشكّ في نجاسة الملاقي مسببّ عن الشك في نجاسة الملاقى، فهناك سببية بينهما، والأصل الجاري في الطرف الآخر يسقط بالمعارضة مع الأصل الجاري في الملاقى في رتبةٍ سابقة، في رتبةٍ سابقةٍ الأصل يسقط بالمعارضة مع الأصل في الملاقى، وبعد سقوط الأصل في الطرف الآخر في تلك المرتبة؛ حينئذٍ تجري أصالة الطهارة في الملاقي بلا معارض.
وبعبارةٍ أخرى: في ظرف جريان أصالة الطهارة في الملاقي لا معارض لأصالة الطهارة؛ لأنّ أصالة الطهارة في الطرف الآخر قد سقطت في رتبةٍ سابقة؛ وحينئذٍ يجري الأصل في الملاقي بلا معارض، فإذن: بناءً على القول بالاقتضاء لا مشكلة في جريان الأصل في الملاقى وسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي. يقول: بناء على مسلك الاقتضاء حينئذٍ لا داعي لإتعاب النفس وإثبات الانحلال ولحاظ الطولية بين العلمين، لا داعي لإثبات انحلال العلم الإجمالي الثاني بالعلم الإجمالي الأوّل ولحاظ أنّ بينهما طولية وأنّ هذه الطولية توجب الانحلال؛ بل حتى إذا قلنا أنّ العلم الإجمالي الثاني باقٍ على وضعه ولا ينحل، مع ذلك إذا جرى الأصل في أحد طرفيه بلا معارض؛ حينئذٍ لا مشكلة، إثبات عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي لا يتوقف على إثبات انحلال العلم الإجمالي الثاني بالعلم الإجمالي الأوّل على مسلك الاقتضاء؛ لأنّه على مسلك الاقتضاء لا مانع من جريان الأصل المؤمّن في أحد الطرفين إذا لم يكن له معارض، والأصل في الملاقي ليس له معارض؛ لأنّ معارضه سقط في مرتبةٍ سابقةٍ بالمعارضة مع الأصل في الملاقى؛ فحينئذٍ يجري الأصل في الملاقي بلا معارض، سواء انحل العلم الإجمالي الثاني بالعلم الإجمالي الأوّل، أو لم ينحل، حتى إذا لم ينحل العلم الإجمالي الثاني، لكن العلم الإجمالي الثاني هو مقتضٍ لوجوب الموافقة القطعية، فإذا احتفّ بمانعٍ، والمانع الذي يمنع من تأثير هذا المقتضي في وجوب الموافقة القطعية هو جريان الأصل في أحد طرفيه بلا معارضٍ، وهذا المانع في المقام موجود؛ لأنّ أصالة الطهارة تجري في الملاقي بلا معارض، فحتى لو بقى العلم الإجمالي على حاله ولم ينحل بالعلم الإجمالي الأوّل سوف نصل إلى نفس النتيجة، وهي أنّ الأصل يجري في الملاقي بلا معارض، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي، وهذا معنى ما قلناه من أنّه على مسلك الاقتضاء ما يتنجّز هو وجوب الاجتناب عن الملاقى والطرف الآخر، وأكثر من ذلك لا يتنجّز وهو وجوب الاجتناب عن الملاقي، هذا لا يتنجّز؛ لأنّه على مسلك الاقتضاء يجري فيه الأصل بلا معارض. هذا هو الجواب. لماذا لا يتنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي ؟ لأنّ الأصل المؤمّن يجري فيه، فيؤمّن من ناحيته، ويجري فيه بلا معارض. هذا هو الجواب وليس الجواب هو أنّ العلم الإجمالي الثاني منحلٌ بالعلم الإجمالي الأوّل؛ لأنّ بينهما طولية و.....الخ، يقول هذا لا نحتاجه على مسلك الاقتضاء.
وأمّا على مسلك العلّية التامّة التي يؤمن هو بها على رأيه، على هذا المسلك نفس العلم الإجمالي يمنع من إجراء الأصل في أحد الطرفين حتّى إذا لم يكن له معارض؛ لأنّه علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية. يقول: أنّ الملاقي هو طرف للعلم الإجمالي الثاني، بمعنى أنّه طرف للعلم بنجاسة أحد الأمرين، إمّا الملاقي وإمّا الطرف الآخر، الملاقي بنفسه يقع طرفاً للعلم الإجمالي الثاني. الملاقى طرف للعلم الإجمالي الأوّل بالنجاسة المرددة بين الملاقى وبين الطرف الآخر؛ حينئذٍ يقول: إذا كانت هناك طولية بين هذين العلمين، بأن كان العلم الثاني ناشئاً من العلم الأوّل وفي طوله ومسبباً عنه، إذا كانت هناك طولية كما افترضناه في محل الكلام إلى الآن، افترضنا أنّ العلم الإجمالي الأوّل حصل، وحصلت الملاقاة مع أحد أطرافه، فحصل العلم الإجمالي الثاني، فالعلم الإجمالي الثاني ناشئ من العلم الإجمالي الأوّل ومسببّ عنه، إذن: هناك طولية بين العلمين، العلم الإجمالي الثاني والعلم الإجمالي الأوّل، إذا فرضنا وجود هذه الطولية بين العلمين؛ حينئذٍ اللّازم بناءً على هذا هو أنّه لابدّ أن يختص التأثير والتنجيز بالعلم الإجمالي الأوّل، ويسقط العلم الإجمالي الثاني عن التأثير والتنجيز إذا كانت هناك طولية بين العلمين، بمعنى أنّ العلم المتأخّر رتبة وهو العلم الإجمالي الثاني في محل كلامنا يسقط عن التأثير والتنجيز ويكون التأثير والتنجيز فقط للعلم الإجمالي الأوّل، والسر في سقوطه عن التأثير والتنجيز، أمّا بناءً على القول بالاقتضاء فقد عرفنا أنّ السر في سقوطه عن التأثير هو جريان الأصل في أحد أطرافه بلا معارض، أمّا السر في سقوطه عن التأثير والتنجيز بناءً على القول بالعلّية، فهو بسبب تنجّز التكليف بوجوب الاجتناب عن أحد طرفيه في مرتبةٍ سابقةٍ؛ لأنّ أحد طرفي العلم الإجمالي الثاني، والذي هو الطرف الآخر تنجّز التكليف فيه في مرتبةٍ سابقةٍ؛ لأنّ المفروض وجود طولية بين العلمين، في مرتبة العلم الإجمالي الأوّل الطرف الآخر تنجّز في تلك المرتبة، فوجب الاجتناب عنه؛ حينئذٍ يسقط العلم الإجمالي الثاني عن التأثير والتنجيز؛ لأنّه يعتبر في منجّزية العلم الإجمالي أن لا يكون مسبوقاً بمنجّزٍ آخر في أحد طرفيه، وإلاّ يخرج عن كونه صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير؛ وحينئذٍ يرجع الشك في الملاقي إلى الشك البدوي في ثبوت التكليف فيه، فيجري فيه الأصل المؤمّن، فالعلم الإجمالي الثاني يسقط عن التنجيز والتأثير؛ لأنّه يعتبر في كل علمٍ إجماليٍ أن يكون صالحاً للتنجيز على كل تقدير، يعني سواء كان في هذا الطرف، أو كان في الطرف الآخر، والعلم الإجمالي الثاني ليس هكذا؛ لأنّه على أحد التقديرين لا يصلح للتنجيز في هذا الطرف؛ لأنّه تنجّز بمنجّز سابقٍ، والقاعدة تقول أنّ المنجّز لا يتنجز مرّة أخرى، الطرف الآخر الذي هو طرف العلم الإجمالي الثاني تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ وليس في زمانٍ سابقٍ؛ وحينئذٍ يستحيل أن يتنجّز مرّة أخرى؛ لأنّ المتنجّز لا يتنجّز مرّة أخرى، فإذن: هذا العلم الإجمالي الثاني لا ينجّز معلومه على كل تقدير، على أحد التقديرين ينجّز التكليف فيه، لكن على التقدير الآخر لا ينجز التكليف فيه؛ لأنّ التكليف على التقدير الآخر تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ، والمتنجّز لا يتنجّز مرّة أخرى، وبهذا يسقط العلم الإجمالي عن التأثير والتنجيز لا لقصورٍ في نفس العلم، وإنّما القصور في متعلّق العلم، متعلّق العلم غير قابل للتنجّز على أحد التقديرين؛ لأنّه قد تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ، وبهذا يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز، فيجري الأصل(أصالة الطهارة) في الملاقي بلا معارض، فجريان الأصل في الطرف الآخر بلا معارض هو من نتائج انحلال العلم الإجمالي وسقوطه عن التأثير، فإذا سقط عن التأثير؛ فحينئذٍ لا مانع من الرجوع إلى الأصل في هذا الطرف، فهو من نتائج انحلال العلم الإجمالي الثاني وسقوطه عن التأثير والتنجيز، بخلاف القول بالاقتضاء، على القول بالاقتضاء هو بإجراء الأصل في هذا الطرف بلا معارض يريد أن يحل العلم الإجمالي ويسقطه عن التأثير والتنجيز؛ لأنّ الأصل جرى في أحد طرفيه بلا معارض، حينما نسأل القائل بالاقتضاء لماذا سقط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز؟ يقول: لأنّ الأصل جرى في أحد طرفيه بلا معارض. أمّا القائل بالعلّية فبماذا يعللّ سقوط العلم الإجمالي ؟ لا يعللّه بجريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض، وإنّما يعللّه بأنّ هذا العلم الإجمالي ليس صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير؛ لأنّه على احد التقديرين تنجّز معلومه في مرحلةٍ سابقةٍ، والمنجّز لا يتنجّز، فيسقط العلم الإجمالي عن التنجيز ويترتب على ذلك جريان الأصل المؤمّن في هذا الطرف. هذا ما يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه).
مسألة الانحلال الحكمي وإجراء الأصل في احد الطرفين حيث أنّه يكون مقبولاً على مسلك الاقتضاء، لكن على مسلك العلّية التامّة لأوّل وهلة يبدو مشكلاً؛ لذا التجئ المحقق العراقي(قدّس سرّه) إلى طرح هذه الفكرة حتى يصل إلى نفس النتيجة التي يصل إليها القائل بالاقتضاء؛ لأنّه على القول بالعلّية العلم الإجمالي يمنع من إجراء الأصل في أحد الطرفين ولو لم يكن له معارض؛ لأنّه علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية؛ حينئذٍ كيف يسقط هذا العلم الإجمالي حكماً ؟ كيف يجري الأصل في أحد طرفيه ؟ والمفروض أنّه علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، فالتجئ المحقق العراقي(قدّس سرّه) إلى إثبات الانحلال بإبراز أنّ هناك قصوراً في أن يكون العلم الإجمالي الثاني منجّزاً، وينشأ هذا القصور باعتبار أنّ العلم الإجمالي إنّما تثبت له المنجّزية إذا كان صالحاً للتنجيز على كل تقدير، يعني سواء كان في هذا الطرف، أو في هذا الطرف، وهذا العلم الإجمالي الثاني ليس كذلك، فيسقط عن التنجيز، وكونه ليس كذلك لما قاله من أنّه على أحد التقديرين لا يكون صالحاً للتنجيز؛ لأنّ التكليف على ذلك التقدير قد تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ، والمنجّز لا يتنجّز. هذا خلاصة ما يُفهم من كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه). وبالتالي يسقط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي وتجري فيه أصالة الطهارة.
ما ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) بقطع النظر عمّا يرد عليه ممّا أورد على الوجه الثاني، حيث هناك نقاط مشتركة بين الوجه الثاني وبين هذا الوجه الثالث......بقطع النظر عن تلك الأمور التي أوردت على الوجه الثاني يرِد عليه أنّ نكتة ما ذكره هي دعوى أنّ المتنجّز لا يتنجّز، الشيء الذي أوجب سقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز والتأثير هو أنّ هذا العلم الإجمالي ليس صالحاً للتنجيز على كل تقدير لأنّه على أحد التقديرين تنجّز التكليف فيه والمتنجّز لا يتنجّز، هذه نكتة المسألة، هذه الدعوى في الحقيقة يمكن أن يُلاحظ عليها أنّ التنجيز ليس بابه باب الآثار التكوينية والظواهر الطبيعية حتّى نطبّق عليه هذه المسألة، أنّ هذا تنجّز وحصل ووقع، فهو لا يعود مرّة أخرى على غرار ــــــــــ مثلاً ـــــــــ أنّ الموجود لا يوجد إلاّ بعد أن ينعدم، وأمثال ذلك، على غرار أنّ الموجود لا يوجد يقال: أنّ المتنجّز لا يتنجّز، قياساً لباب التشريعات، باب ما يدركه العقل العملي بالأمور التكوينية والظواهر الطبيعية، في الظواهر الطبيعية يقال أنّ الموجود لا يوجد، نقيس ما نحن فيه وهو باب التنجيز على ذاك، وهذه الطريقة ليست طريقة صحيحة للتعامل مع المسائل الفقهية والأصولية التي هي اعتبارات شرعية، أو تدخل في باب مدركات العقل العملي، فنتعامل مع هذه الأمور الاعتبارية ومدركات العقل العملي كما نتعامل مع الظواهر الطبيعية والأمور التكوينية، فكما نقول أنّ الموجود لا يوجد، كذلك نقول أنّ المتنجّز لا يتنجّز، وهذه الطريقة غير صحيحة في مقام الاستدلال في هذه المسائل، أصولية كانت، أو كانت فقهية، علينا في هكذا مسألة أن نعرف أنّ التنجيز هل هو حكم شرعي، أو حكم عقلي ؟ ومن الواضح أنّ الجواب هو أنّ التنجيز حكم عقلي، التنجيز معناه استحقاق العقاب على المخالفة، وهو ممّا يحكم به العقل العملي ويستقلّ به، فلابدّ أن نرجع إلى العقل العملي ونسأله أنّ التأمين الذي تحكم به. أو بعبارةٍ أخرى: أنّ العقل العملي عندما يحكم بقبح العقاب ويحكم بالتأمين، هل حكمه بالتأمين وبقبح العقاب مخصوص فقط في موارد احتمال التكليف الساذج البدوي ؟ العقل يحكم بالتأمين وقبح العقاب في موارد احتمال التكليف، لكن يمنع من إجراء الأصول ومن إجراء قبح العقاب بلا بيان إذا اقترن احتمال التكليف بالعلم الإجمالي؛ لأنّه يرى أنّ احتمال التكليف لمّا كان مقروناً بالعلم الإجمالي، فأنّه يكون منجّزاً ويكون موجباً للموافقة القطعية، هذا العقل الذي حكم بقبح العقاب في موارد احتمال التكليف الساذج البسيط غير المقرون بالعلم الإجمالي ومنع منه في موارد احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي، علينا أن نسأله بأنّ احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي إذا كان أحد طرفيه قد تنجّز بمنجّزٍ سابق، هذا هل يوجب رفع التنجيز الذي يحكم به العقل في موارد العلم الإجمالي ؟ هل يوجب زيادة التأمين الذي يحكم به العقل في موارد احتمال التكليف الساذج غير المقرون بالعلم الإجمالي، أو لا ؟ في موارد احتمال التكليف البدوي العقل يحكم بقبح العقاب، بناءً على أنّ العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان، في موارد احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي لا يحكم العقل بقبح العقاب، وإنّما يحكم بالاشتغال، علينا أن نسأل أنّه في محل كلامنا لدينا احتمال تكليف مقرون بالعلم الإجمالي، بحسب الفرض لدينا علم إجمالي وهو العلم الإجمالي الثاني، هذا العلم الإجمالي الثاني هل حاله حال أي علم إجمالي آخر يحكم العقل فيه بالتنجيز ولا يرضى بإجراء قبح العقاب فيه، أو لا ؟ الخصوصية الموجودة في محل كلامنا والتي تميّزه عن سائر العلوم الإجمالية هي أنّه علم إجمالي، احتمال تكليفٍ مقرون بالعلم الإجمالي، وأحد أطرافه تنجّز في مرتبةٍ سابقةٍ، هذه هي الخصوصية، هل هذه الخصوصية تستدعي إثبات التأمين ؟ هل تستدعي أن يكون التأمين ثابتاً فيه كما يثبت فيه احتمال التكليف المجرّد عن العلم الإجمالي، أو أنّها تستدعي رفع التأمين وإثبات التنجيز ؟ كما هو الحال في العلوم الإجمالية الأخرى؛ بل اشد بنظر العقل؛ لأنّ أحد أطرافه تنجّز بمنجّزٍ سابقٍ، فكأنّه يتلقّى التنجيز ليس فقط من العلم الإجمالي، وإنّما من العلم الإجمالي الثاني وتنجيز آخر كان موجوداً في مرتبةٍ سابقةٍ، بنظر العقل الذي هو الحاكم في مسائل التنجيز والتعذير واستحقاق العقاب وعدمه، العقل بنظره هل يرى أنّ كون أحد أطراف العلم الإجمالي تنجّز بمنجّزٍ في مرتبةٍ سابقةٍ، هذا أدعى لرفع اليد عن التنجيز وإثبات التأمين، أو أنّ هذا يقتضي التشدد في التنجيز ؟ وبحسب ما ندركه بعقولنا أنّ جوابه هو الثاني، وهو أنّ هذا لا يستدعي ازدياد التأمين، هذه ليست خصوصية موجبة للتأمين، وإنّما على تقديرها تكون خصوصية موجبة لإثبات التنجيز واشتداده، هذا هو المرجع، وإلاّ لا معنى لقياس التنجيز في محل كلامنا بالأمور التكوينية والظواهر الطبيعية حتّى يقال أنّ المتنجّز لا يتنجّز، العقل يقول لا مانع، هذا متنجّز يتنجّز بالعلم الإجمالي ويشتد التنجيز فيه.