20-06-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/06/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع:- المبيت بمنى.
استدراك للبحث السابق:-
ذكرنا فيما سبق أن الناسك إذا لم يتق الصيد يجب عليه أن يبيت بمنى ليلة الثالث عشر أيضاً ولكن قلنا لا توجد وراية تامّة سنداً ودلالةً والسيد الخوئي(قده) تمسّك برواية حمّاد وأشكلنا من ناحية محمد بن يحيى واقترحنا إبدال هذه الرواية برواية الشيخ الصدوق بإسناده عن جميل فإنها تامّة من حيث الدلالة وتبقى من حيث السند وذكرنا أن الشيخ الصدوق له سندٌ في المشيخة إلى جميل ومحمد بن حمران أمّا إلى جميل بخصوصه فلم يذكر سنداً وقلنا إنه بالإمكان أن يدّعى أن عدم ذكر طريقٍ آخر خاص بجميل مع ذكر الطريق إلى جميل ومحمد بن حمران والمفروض أنه ذكر طريقاً خاصّاً إلى محمد بن حمران فهذا يدلّ على أن طريقه إلى جميل وحده هو نفس طريقة إلى جميل ومحمد بن حمران فإن حصل الاطمئنان بها وإلا فلا، وقلنا هذه قضيّة وجدانيّة وليست برهانيّة.
والاستدراك يرتبط بهذا الموضوع فنقول:- هذا ويكمن أن يقال:- بالإمكان تحصيل طريقٍ للصدوق إلى جميل وحده ليس مذكوراً في المشيخة وإنما ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست، فإن الشيخ في ترجمة جميل ذكر أن له كتاباً ثم ذكر طريقه إلى ذلك الكتاب وفي بدايات الطريق من طرف الشيخ الطوسي يوجد الشيخ الصدوق وينتهي الطريق إلى جميل بن دراج - يعني إلى كتابه - ونص العبارة هكذا:- ( أخبرنا به[1] الحسين بن عبيد الله عن محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابي عمير وصفوان عن جميل بن دراج ) . إذن هذا طريق صحيح فجميع رجال السند من الثقاة والمفروض أن الشيخ الطوسي يروي كتاب جميل عن الحسين بن عبيد الله الغضائري الأب وهذا يمكن توثيقه باعتبار أنه من مشايخ النجاشي عن محمد بن علي بن الحسين وهو شيخ الصدوق، عن محمد بن الحسن بن الوليد يعني الأشعري القمي استاذ الشيخ الصدوق وهو من أجلّة الأصحاب، والبقيّة كلّهم ثقاة عن جميل . إذن هذا طريقٌ صحيحٌ من الشيخ الصدوق إلى كتاب جميل، وهذا من الأمور الظريفة وهي أن الطريق ليس مذكوراً في مشيخة الصدوق وكلامه وإنما هو مذكورٌ في كلام الشيخ الطوسي.
إن قلت:- إن هذا الطريق وإن كان صحيحاً ولكن نحتمل تعدّد النسخة، بمعنى أنه توجد نسختان لكتاب جميل أحداهما وصلت إلى الشيخ الصدوق ورواها إلى الغضائري والغضائري رواها للشيخ الطوسي ونسخة أخرى نقل عنها الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه تغاير هذه النسخة الأولى ونحتمل وجود فارقٍ بين النسختين، وحيث إن طريق هذه النسخة الثانية التي نقل عنها الصدوق في فقيهه مجهول فلا يمكن تصحيحها بعد احتمال تعدّد النسخة ويكفينا احتمال تعدّد النسخة واحتمال أن النسختين متغايرتان واحتمال أن طريق هذه النسخة غير طريق تلك النسخة، إن هذه الاحتمالات مادامت موجودة فلا يمكن تطبيق هذه الكبرى الكليّة - وواضح أن هذا المطلب الذي ذكرناه هو كبرى كليّة ولكن طبقناه في المقام ولا يختص تطبيقها بهذا المورد بل يمكن من خلالها تصحيح بعض الطرق الأخرى غير التطبيق الذي ذكرناه هنا -، وهذا الاشكال سيّال على جميع موارد تطبيق هذه الكبرى فهذه الاحتمالات تكفينا لسقوط هذه الكبرى عن الحجيّة.
قلت:- مادامت هذه الطرق تنتهي إلى شخصٍ واحد أعني به في موردنا جميل بن دراج فبالتالي الشيخ الصدوق ينهي هذا الطريق إلى جميل بن دراج والنسخة الثانية لو كانت موجودة عند الشيخ الصدوق فلابد وأن تنتهي إلى جميل بن دراج أيضاً، فمادام كلتا النسختين تنتهي إلى جميل بن دراج إذ لو لم تنتهبي إلى جميل فلا ينفعنا ذلك شيئاً فإن المهم هو انتهائها إلى جميل فإذا انتهت إلى شخصٍ واحد - أعني به صاحب الكتاب - فيثبت بذلك أن ذلك الكتاب واحدٌ ولا يوجد اختلاف فيه وإلا يلزم أن يكون جميل كاذباً، والوجه في ذلك هو أن الكتاب الذي كتبه هو واحدٌ حينما كتبه لا يوجد فيه تعدّد فإن كلّ إنسانٍ حينما يكتب كتابً فإنه يكتبه واحداً لا متعدّداً وحينئذٍ يلزم أن يكون ما يحدّث به عن ذلك الكتاب واحداً ولا يحتمل أن يكون متعدّداً إذ لو نقل وحدّث بشكلٍ آخر - أعني صاحب الأصل أي جميل - فلازم ذلك أن يكون كاذباً لأن الذي كتبه في الكتاب ليس إلا واحداً ومادام واحداً فالنقل الثاني سوف يكون على خلاف الواقع فيلزم من ذلك كذب جميل، وحيث أنّا قد فرضنا أنه رجل ثقة ولا يكذب فلابد وأن كلّ ما حدّث به من خلال هذا الطريق قد حدّث به من خلال ذلك الطريق الآخر وبذلك يثبت أنّ ما ورد بذلك الطريق يطابق ما هو الوارد من خلال هذا الطريق، فكلّ ما وصل إلى الشيخ الصدوق وحدّث به الغضائري وسجّله الشيخ الطوسي في كتابه يلزم أن يكون مطابقاً لما وصل إلى الشيخ الصدوق وسجّله في كتاب من لا يحضره الفقيه ولا يحتمل أنه مختلف إذ لو كان مختلفاً للزم من ذلك كذب جميل، وبهذا ننفي احتمال تعدّد النسخة، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
إن قلت:- نحن نجد في كتاب الفهرست في ترجمة العلاء بن رزين أن الشيخ الطوسي يقول ( له كتاب له أربع نسخ ) يعني أن العلاء بن رزين له كتاب له أربع نسخ وكلّ نسخةٍ وصلت إليه بطريقٍ خاص ينتهي إلى العلاء بن رزين وهذا معناه أن الكتاب الواحد صارت له نسخ مختلفة وكلّ هذه النسخ تنتهي بطريقٍ صحيحٍ إلى العلاء بن رزين . إذن هذا يعني أنه يمكن أن يكون هناك نسخٌ مختلفة للكتاب الواحد وتوجد طرق متعدّدة تنتهي لكلّ نسخةٍ طريق، وكلّ الطرق تنتهي إلى شخصٍ واحدٍ وهو العلاء بن رزين في مثالنا، فإذا أمكن هذا فليمكن في كتاب جميل فما المانع من وجود نسختين مختلفتين كلّ واحدةٍ منهما تختلف عن الأخرى وتنتهي إلى جميل ؟ فإذا أمكن هذا في كتاب العلاء بن رزين فليمكن نفسه في كتاب جميل بن درّاج.
قلت:- كيف تفسّر عبارة أن كتاب العلاء بن رزين له أربع نسخ ؟ فهل المقصود أنها أربع نسخ مختلفة ؟ فإن كان هذا هو المقصود فالإشكال واردٌ، ولكن من أين لك هذا ؟ إن الشيخ الطوسي(قده) ينقل هذا المقدار وهو أن هذا الكتاب له نسخٌ أربعة أمّا أنها مختلفة فهو لم يقل ذلك فلعلّها متّفقة وكلّ نسخةٍ هي تنتهي بطريقٍ صحيحٍ إلى العلاء بن رزين، إن هذا احتمال موجودٌ وهو احتمالٌ وجيهٌ، فالشيخ يريد أن يخرج عن العهدة ويقول أنا لا أشهد بأن كلّ نسخةٍ هي مطابقة لكتاب العلاء بن رزين الأصلي فهو يقول أنا لا أدري لكنّها واردة وتنتهي إلى العلاء بن رزين بهذا الطريق، إنه يشهد بهذا المقدار لا أنه يشهد بالاختلاف حتى يتسجّل هذا كنقضٍ على ما ذكرناه في المقام.
والخلاصة من كل هذا:- إن الكبرى الكليّة المذكورة يمكن الاستفادة منها مادامت الطرق كلّها تنتهي إلى شخصٍ واحد وهو صاحب الكتاب الأصلي - وعادةً إن الأمر كذلك -، فعلى هذا الأساس لا مشكلة في البين من هذه الناحية.
الكلام بلحاظ النساء:-
كلّ ما تقدّم كان ناظراً إلى من لم يتّق الصيد وأنه يلزمه المبيت ليلة الثالث عشر في منى، وهكذا بالنسبة إلى من لم يتّق النساء فإن المقطوع به في كلام الأصحاب على ما نقل صاحب الحدائق[2] والمدارك[3] حيث ذكر أن:- ( المقطوع به في كلام الأصحاب أن من لم يتّق النساء حكمه كمن لم يتّق الصيد ) يعني يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر.
ولكن ما هي الرواية الدالة على ذلك ؟
والجواب:- إنه لا توجد إلا رواية محمد بن المستنير التي رواها الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن محمد بن المستنير عن أبي عبد الله عليه السلام قال :- ( من أتى النساء في احرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل )[4]، ودلالتها واضحة، إلا أن المشكلة في محمد بن المستنير فإنه مجهولٌ، بل لعله لم تذكر له إلّا هذه الرواية، نعم يوجد سلام بن المستنير الذي سوف تأتي الإشارة إليه في بعض الروايات الآتية إلّا أنّ سلام بن المستنير هو غير محمد بن المستنير والوارد في هذه الرواية هو محمد بن المستنير وهو مجهولٌ ولعلّه لم يرد إلّا في هذه الرواية، فالرواية ضعيفة السند.
نعم قد يقال:- حيث إن الأصحاب قد استندوا إليها وقطعوا بالحكم على ما نقل صاحب الحدائق وصاحب المدارك فتصير هذه الرواية معتبرة حيث يتولّد اطمئنانٌ لدى الفقيه بصحّتها إذ من البعيد إن الأصحاب بأجمعهم قد اشتبهوا وأخطأوا، فإذن استناد الجميع يدل على صحة الرواية ويحصل الاطمئنان بذلك.
قلت:- هذه الكبرى جيّدة - يعني إن ثبت استناد الأصحاب أجمعهم إلى وراية واحدة من دون احتمال التعدّد فهذا يورث الاطمئنان بحقّانيتها - ولكن نحتمل وجود روايات أخرى هي المستند للأصحاب من قبيل الرواية التي سوف تأتي فيما بعد والتي تدلّ على أن كلّ من ارتكب محرّماً من محرّمات الاحرام من دون خصوصيّةٍ للنساء فهو حينئذٍ يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر وهي رواية سلام بن المستنير.
إذن مادام توجد هذه الرواية فمن المحتمل أن الأصحاب لم يستندوا بأجمعهم إلى الرواية الأولى بل استندت شريحة منهم إلى الأولى وشريحة أخرى إلى الثانية وشريحة ثالثة إلى الروايتين معاً فتعدّد المركز لا أن الجميع قد استندوا إلى روايةٍ واحدة، ومعه لا يتولّد الاطمئنان فإن الاطمئنان بالحقّانية يتولّد إذا استند الجميع إلى روايةٍ واحدةٍ إمّا إذا احتملنا وجود تعدّدٍ في المركز فحينئذٍ لا يحصل الاطمئنان المذكور، فعلى هذا الأساس تكون الفتوى على طبق هذه الرواية أمرٌ مشكلٌ، نعم المصير إلى الاحتياط الوجوبي شيء وجيهة، ولعلّه لأجل هذا احتاط السيد الماتن وجوباً بالنسبة إلى من لم يتّق النساء.
استدراك للبحث السابق:-
ذكرنا فيما سبق أن الناسك إذا لم يتق الصيد يجب عليه أن يبيت بمنى ليلة الثالث عشر أيضاً ولكن قلنا لا توجد وراية تامّة سنداً ودلالةً والسيد الخوئي(قده) تمسّك برواية حمّاد وأشكلنا من ناحية محمد بن يحيى واقترحنا إبدال هذه الرواية برواية الشيخ الصدوق بإسناده عن جميل فإنها تامّة من حيث الدلالة وتبقى من حيث السند وذكرنا أن الشيخ الصدوق له سندٌ في المشيخة إلى جميل ومحمد بن حمران أمّا إلى جميل بخصوصه فلم يذكر سنداً وقلنا إنه بالإمكان أن يدّعى أن عدم ذكر طريقٍ آخر خاص بجميل مع ذكر الطريق إلى جميل ومحمد بن حمران والمفروض أنه ذكر طريقاً خاصّاً إلى محمد بن حمران فهذا يدلّ على أن طريقه إلى جميل وحده هو نفس طريقة إلى جميل ومحمد بن حمران فإن حصل الاطمئنان بها وإلا فلا، وقلنا هذه قضيّة وجدانيّة وليست برهانيّة.
والاستدراك يرتبط بهذا الموضوع فنقول:- هذا ويكمن أن يقال:- بالإمكان تحصيل طريقٍ للصدوق إلى جميل وحده ليس مذكوراً في المشيخة وإنما ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست، فإن الشيخ في ترجمة جميل ذكر أن له كتاباً ثم ذكر طريقه إلى ذلك الكتاب وفي بدايات الطريق من طرف الشيخ الطوسي يوجد الشيخ الصدوق وينتهي الطريق إلى جميل بن دراج - يعني إلى كتابه - ونص العبارة هكذا:- ( أخبرنا به[1] الحسين بن عبيد الله عن محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابي عمير وصفوان عن جميل بن دراج ) . إذن هذا طريق صحيح فجميع رجال السند من الثقاة والمفروض أن الشيخ الطوسي يروي كتاب جميل عن الحسين بن عبيد الله الغضائري الأب وهذا يمكن توثيقه باعتبار أنه من مشايخ النجاشي عن محمد بن علي بن الحسين وهو شيخ الصدوق، عن محمد بن الحسن بن الوليد يعني الأشعري القمي استاذ الشيخ الصدوق وهو من أجلّة الأصحاب، والبقيّة كلّهم ثقاة عن جميل . إذن هذا طريقٌ صحيحٌ من الشيخ الصدوق إلى كتاب جميل، وهذا من الأمور الظريفة وهي أن الطريق ليس مذكوراً في مشيخة الصدوق وكلامه وإنما هو مذكورٌ في كلام الشيخ الطوسي.
إن قلت:- إن هذا الطريق وإن كان صحيحاً ولكن نحتمل تعدّد النسخة، بمعنى أنه توجد نسختان لكتاب جميل أحداهما وصلت إلى الشيخ الصدوق ورواها إلى الغضائري والغضائري رواها للشيخ الطوسي ونسخة أخرى نقل عنها الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه تغاير هذه النسخة الأولى ونحتمل وجود فارقٍ بين النسختين، وحيث إن طريق هذه النسخة الثانية التي نقل عنها الصدوق في فقيهه مجهول فلا يمكن تصحيحها بعد احتمال تعدّد النسخة ويكفينا احتمال تعدّد النسخة واحتمال أن النسختين متغايرتان واحتمال أن طريق هذه النسخة غير طريق تلك النسخة، إن هذه الاحتمالات مادامت موجودة فلا يمكن تطبيق هذه الكبرى الكليّة - وواضح أن هذا المطلب الذي ذكرناه هو كبرى كليّة ولكن طبقناه في المقام ولا يختص تطبيقها بهذا المورد بل يمكن من خلالها تصحيح بعض الطرق الأخرى غير التطبيق الذي ذكرناه هنا -، وهذا الاشكال سيّال على جميع موارد تطبيق هذه الكبرى فهذه الاحتمالات تكفينا لسقوط هذه الكبرى عن الحجيّة.
قلت:- مادامت هذه الطرق تنتهي إلى شخصٍ واحد أعني به في موردنا جميل بن دراج فبالتالي الشيخ الصدوق ينهي هذا الطريق إلى جميل بن دراج والنسخة الثانية لو كانت موجودة عند الشيخ الصدوق فلابد وأن تنتهي إلى جميل بن دراج أيضاً، فمادام كلتا النسختين تنتهي إلى جميل بن دراج إذ لو لم تنتهبي إلى جميل فلا ينفعنا ذلك شيئاً فإن المهم هو انتهائها إلى جميل فإذا انتهت إلى شخصٍ واحد - أعني به صاحب الكتاب - فيثبت بذلك أن ذلك الكتاب واحدٌ ولا يوجد اختلاف فيه وإلا يلزم أن يكون جميل كاذباً، والوجه في ذلك هو أن الكتاب الذي كتبه هو واحدٌ حينما كتبه لا يوجد فيه تعدّد فإن كلّ إنسانٍ حينما يكتب كتابً فإنه يكتبه واحداً لا متعدّداً وحينئذٍ يلزم أن يكون ما يحدّث به عن ذلك الكتاب واحداً ولا يحتمل أن يكون متعدّداً إذ لو نقل وحدّث بشكلٍ آخر - أعني صاحب الأصل أي جميل - فلازم ذلك أن يكون كاذباً لأن الذي كتبه في الكتاب ليس إلا واحداً ومادام واحداً فالنقل الثاني سوف يكون على خلاف الواقع فيلزم من ذلك كذب جميل، وحيث أنّا قد فرضنا أنه رجل ثقة ولا يكذب فلابد وأن كلّ ما حدّث به من خلال هذا الطريق قد حدّث به من خلال ذلك الطريق الآخر وبذلك يثبت أنّ ما ورد بذلك الطريق يطابق ما هو الوارد من خلال هذا الطريق، فكلّ ما وصل إلى الشيخ الصدوق وحدّث به الغضائري وسجّله الشيخ الطوسي في كتابه يلزم أن يكون مطابقاً لما وصل إلى الشيخ الصدوق وسجّله في كتاب من لا يحضره الفقيه ولا يحتمل أنه مختلف إذ لو كان مختلفاً للزم من ذلك كذب جميل، وبهذا ننفي احتمال تعدّد النسخة، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
إن قلت:- نحن نجد في كتاب الفهرست في ترجمة العلاء بن رزين أن الشيخ الطوسي يقول ( له كتاب له أربع نسخ ) يعني أن العلاء بن رزين له كتاب له أربع نسخ وكلّ نسخةٍ وصلت إليه بطريقٍ خاص ينتهي إلى العلاء بن رزين وهذا معناه أن الكتاب الواحد صارت له نسخ مختلفة وكلّ هذه النسخ تنتهي بطريقٍ صحيحٍ إلى العلاء بن رزين . إذن هذا يعني أنه يمكن أن يكون هناك نسخٌ مختلفة للكتاب الواحد وتوجد طرق متعدّدة تنتهي لكلّ نسخةٍ طريق، وكلّ الطرق تنتهي إلى شخصٍ واحدٍ وهو العلاء بن رزين في مثالنا، فإذا أمكن هذا فليمكن في كتاب جميل فما المانع من وجود نسختين مختلفتين كلّ واحدةٍ منهما تختلف عن الأخرى وتنتهي إلى جميل ؟ فإذا أمكن هذا في كتاب العلاء بن رزين فليمكن نفسه في كتاب جميل بن درّاج.
قلت:- كيف تفسّر عبارة أن كتاب العلاء بن رزين له أربع نسخ ؟ فهل المقصود أنها أربع نسخ مختلفة ؟ فإن كان هذا هو المقصود فالإشكال واردٌ، ولكن من أين لك هذا ؟ إن الشيخ الطوسي(قده) ينقل هذا المقدار وهو أن هذا الكتاب له نسخٌ أربعة أمّا أنها مختلفة فهو لم يقل ذلك فلعلّها متّفقة وكلّ نسخةٍ هي تنتهي بطريقٍ صحيحٍ إلى العلاء بن رزين، إن هذا احتمال موجودٌ وهو احتمالٌ وجيهٌ، فالشيخ يريد أن يخرج عن العهدة ويقول أنا لا أشهد بأن كلّ نسخةٍ هي مطابقة لكتاب العلاء بن رزين الأصلي فهو يقول أنا لا أدري لكنّها واردة وتنتهي إلى العلاء بن رزين بهذا الطريق، إنه يشهد بهذا المقدار لا أنه يشهد بالاختلاف حتى يتسجّل هذا كنقضٍ على ما ذكرناه في المقام.
والخلاصة من كل هذا:- إن الكبرى الكليّة المذكورة يمكن الاستفادة منها مادامت الطرق كلّها تنتهي إلى شخصٍ واحد وهو صاحب الكتاب الأصلي - وعادةً إن الأمر كذلك -، فعلى هذا الأساس لا مشكلة في البين من هذه الناحية.
الكلام بلحاظ النساء:-
كلّ ما تقدّم كان ناظراً إلى من لم يتّق الصيد وأنه يلزمه المبيت ليلة الثالث عشر في منى، وهكذا بالنسبة إلى من لم يتّق النساء فإن المقطوع به في كلام الأصحاب على ما نقل صاحب الحدائق[2] والمدارك[3] حيث ذكر أن:- ( المقطوع به في كلام الأصحاب أن من لم يتّق النساء حكمه كمن لم يتّق الصيد ) يعني يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر.
ولكن ما هي الرواية الدالة على ذلك ؟
والجواب:- إنه لا توجد إلا رواية محمد بن المستنير التي رواها الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن محمد بن المستنير عن أبي عبد الله عليه السلام قال :- ( من أتى النساء في احرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل )[4]، ودلالتها واضحة، إلا أن المشكلة في محمد بن المستنير فإنه مجهولٌ، بل لعله لم تذكر له إلّا هذه الرواية، نعم يوجد سلام بن المستنير الذي سوف تأتي الإشارة إليه في بعض الروايات الآتية إلّا أنّ سلام بن المستنير هو غير محمد بن المستنير والوارد في هذه الرواية هو محمد بن المستنير وهو مجهولٌ ولعلّه لم يرد إلّا في هذه الرواية، فالرواية ضعيفة السند.
نعم قد يقال:- حيث إن الأصحاب قد استندوا إليها وقطعوا بالحكم على ما نقل صاحب الحدائق وصاحب المدارك فتصير هذه الرواية معتبرة حيث يتولّد اطمئنانٌ لدى الفقيه بصحّتها إذ من البعيد إن الأصحاب بأجمعهم قد اشتبهوا وأخطأوا، فإذن استناد الجميع يدل على صحة الرواية ويحصل الاطمئنان بذلك.
قلت:- هذه الكبرى جيّدة - يعني إن ثبت استناد الأصحاب أجمعهم إلى وراية واحدة من دون احتمال التعدّد فهذا يورث الاطمئنان بحقّانيتها - ولكن نحتمل وجود روايات أخرى هي المستند للأصحاب من قبيل الرواية التي سوف تأتي فيما بعد والتي تدلّ على أن كلّ من ارتكب محرّماً من محرّمات الاحرام من دون خصوصيّةٍ للنساء فهو حينئذٍ يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر وهي رواية سلام بن المستنير.
إذن مادام توجد هذه الرواية فمن المحتمل أن الأصحاب لم يستندوا بأجمعهم إلى الرواية الأولى بل استندت شريحة منهم إلى الأولى وشريحة أخرى إلى الثانية وشريحة ثالثة إلى الروايتين معاً فتعدّد المركز لا أن الجميع قد استندوا إلى روايةٍ واحدة، ومعه لا يتولّد الاطمئنان فإن الاطمئنان بالحقّانية يتولّد إذا استند الجميع إلى روايةٍ واحدةٍ إمّا إذا احتملنا وجود تعدّدٍ في المركز فحينئذٍ لا يحصل الاطمئنان المذكور، فعلى هذا الأساس تكون الفتوى على طبق هذه الرواية أمرٌ مشكلٌ، نعم المصير إلى الاحتياط الوجوبي شيء وجيهة، ولعلّه لأجل هذا احتاط السيد الماتن وجوباً بالنسبة إلى من لم يتّق النساء.