22-04-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/04/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 412 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع /
مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
والأجدر الحكم بجواز تقديم الجميع وذلك لوجهين :-
الوجه الأول:- إن الحكم لأصحاب العذر بجواز تقديم طواف فالحج يمكن أن يستفاد منه عدم الخصوصيّة لطواف الحج، فإن الموجب لجواز التقديم هو قضيّة العذر وأنه لا يتمكّن الحاج بعد ذلك لأجل عذره من أن يأتي بالطواف، وهذه النكتة كما هي ثابتة في طواف الحجّ هي ثابتة أيضاً في السعي وطواف النساء .
وبكلمة أخرى:- إنه كما تعدّينا من العناوين الثلاثة أو الأربعة لذوي الأعذار إلى مطلق صاحب العذر باعتبار أن هذه العناوين وإن ذُكِرت ولكن تحُمَل عرفاً على المثاليّة فكذلك الحال بالنسبة إلى طواف الحجّ فإنه ذُكِرَ من باب المثاليّة لا لخصوصيّةٍ فيه، وعليه فيتعدّى آنذاك إلى السعي وطواف النساء.
إن قلت:- إذا كان الأمر كذلك فلماذا خصّص الإمام عليه السلام جواز التقديم بعنوان طواف الحجّ ؟ إن تخصيصه بذلك يدلّ على أنّ له خصوصيّة، فعلى هذا الأساس كيف نلغي هذه الخصوصيّة ؟
قلت:- إنه لو رجعنا إلى الروايات لا نفهم منها هذا التقييد، فالرواية الأولى مثلاً - أعني صحيحة الحلبي التي هي من روايات الطائفة الثانية - ورد فيها:- ( لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة ... )، إنه عبّر بكلمة الطواف فقال:- ( لا باس بتعجيل الطواف ) وهذا التعبير لم يقيّد فيه الطواف بكونه طواف الحج وإنما قيل ( الطواف )، فعلى هذا الأساس نقول:- إنه يمكن إثبات التعميم للسعي باعتبار أنه نحوٌ من الطواف وقد اُطلِقَ في الآية الكريمة والروايات عليه ذلك - أي أنّه طواف -، فالآية الكريمة تقول:- ( إن الصفا والمروة من شعائر الله من حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عيه أن يطّوّف بهما )، فالطواف إذن صادقٌ بالنسبة إلى السعي.
وأما الروايات التي تطلق على السعي عنوان الطواف فمتعدّدة في هذا المجال وهي:-
الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إن طاف الرجل بين الصفا المروة تسعة أشواط ... )[1]، إنه استعمل عليه السلام كلمة ( طاف ) للسعي، وتوجد روايات أخرى متعدّدة في هذا المجال يمكن ملاحظتها في باب السعي.
إذن كلمة ( طواف ) لا ينبغي أن نفهم منها التخصيص بطواف الحجّ بل هي تشمل السعي طواف النساء أيضاً.
الرواية الثانية:- صحيحة اسحاق بن عمّار :- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن لمتمتع إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض يعجّل طواف الحج قبل أن يأتي منى ؟ فقال:- من كان هكذا يعجّل .. )، إنّ السائل سأل عن طواف الحجّ لا أنّ الإمام عليه السلام قيّد ذلك، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نفهم من هذه الرواية التخصيص . وهكذا الحال بالنسبة إلى الروايات الاخرى إن كانت.
إذن يمكن أن نفهم من ذكر الطواف وأنه يجوز تقديمه التعميم للسعي ولطواف النساء بعد إلغاء الخصوصيّة، والمفروض أنه من الرواية لا يستفاد التخصيص المانع من فهم التعميم.
إن قلت:- إذا كانت كلمة الطواف تطلق على السعي فلِمَ لا نتمسّك آنذاك لإثبات جواز تقديم السعي ببيانٍ آخر وهو أن نتمسّك بالاطلاق فنقول:- إن الإمام عليه السلام قال في الرواية:- ( لابأس بتعجيل الطواف ) فنتمسّك بإطلاق كلمة طواف لإثبات أن السعي أيضاً كذلك بلا حاجة إلى إلغاء الخصوصيّة بالفهم العرفي وبتنقيح المناط وغير ذلك فكلّ هذا لا نحتاج إليه ؟
قلت:- إن هذا مشكلٌ من جهة أن كلمة الطواف لها استعمالان، فمرّة تستعمل بمعنى طواف الحج وأخرى تستعمل في السعي، فهما استعمالان وأشبه بالمشترك اللفظي، وعلى هذا يكون استفادة الاطلاق أمراً مشكلاً لأنه لم يثبت أنها موضوعةٌ للقدر المشترك بنحو الجامع المعنوي بعبارة أخرى حتى يصح الاطلاق وإنما هذا استعمالٌ موجودٌ وذاك استعمالٌ موجودٌ فالتمسّك بالاطلاق في مثل هذه الموارد يصير مشكلاً.
وألفت النظر إلى أن هذا الوجه الذي ذكرته - أي أنّا نتعدّى من باب عدم فهم الخصوصيّة أو تنقيح المناط عرفاً أو غير ذلك - قضية قابلة للأخذ والعطاء، فبإمكانك إذا لم تحصل لك القناعة الكافية أن ترفض هذا فأنه في جميع موارد تنقيح المناط يكون الأمر قابل للأخذ والعطاء، إلا اللهم في الموارد التي تكون واضحة جداً بحيث لا تقبل ذلك مثل ( سألته عن الثوب ) أو ( قال عليه السلام:- إن أصاب الثوب البول فيجب غسله مرّتين ) فهنا نجزم بأن العرف بنحوٍ قطعي جداً يفهم عدم الخصوصيّة، أما في الموارد لتي ليس فيها مثل هذا الوضوح الجليّ فالقضيّة حينئذٍ تكون قابلة للأخذ والعطاء ولا بأس بذلك، والمهمّ هو الوجه الثاني.
الوجه الثاني:- صحيحة عليّ بن يقطين - التي هي من ورايات الطائفة الثانية- حيث جاء فيها:- ( سمعت أبا الحسن الاول يقول:- لا بأس بتعجيل طواف الحجّ وطواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلى منى، وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكّة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً )، إنه في هذه الصحيحة حكم عليه السلام بقوله:- ( لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء )، والمقصود هنا هو طواف الحجّ والسعي حتماً، فعدما ذكر عليه السلام ( وطواف النساء ) يعني والسعي، والقرينة على ذلك هو أنه قال ( وكذلك من يخاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو منى إذا كان خائفاً) يعني أنه لا يرجع إلى مكة ولازم ذلك أنه يأتي بالسعي . إذن هذه الرواية تدلّ بوضوح على أن الثلاثة يجوز تقديمها على الوقوف بعرفات لا خصوص طواف الحجّ.
نعم توجد هنا مشكلة واحدة قد أشار إليها السيد الخوئي(قده) ولأجلها لم يتمسّك بهذه الرواية:- وهي أنه ورد فيها عبارة ( إذا كان خائفا ً ) فهي مختصة إذن بالخائف فلا يمكن استفادة التعميم منها لمثل الشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض فإن مثل هؤلاء لا ينطبق عليهم عنوان الخائف . إذن هذه الرواية وإن دلت على جواز تقديم الجميع إلا أن ذاك خاصٌّ، وسيأتي في المسألة التالية من السيد الخوئي(قده) الحكم بأن الخائف له خصوصيّة فيجوز له أن يقدّم الثلاثة لا خصوص طواف الحجّ، فهو(قده) يفرّق بين ذوي الأعذار فالخائف يجوز له تقديم الثلاثة وغير الخائف يجوز له تقديم طواف الحجّ فقط.
والجواب:- إن كلمة ( الخائف ) هنا يراد منها ما يشمل الشيخ الكبير فإنه خائفٌ والمرأة التي تخاف الحيض هي خائفة أيضاً فهؤلاء كلّهم يصدق عليهم عنوان الخائف وليس المقصود من الخائف ذلك المعنى وهو الذي يخاف أن يُقتَل أو يخاف العدو أو غير ذلك وإنما المقصود من الخائف هذا المعنى الوسيع، والقرينة على ذلك هي أنه عليه السلام قال:- ( وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت )، فإنه عبَّر بقوله ( وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ويودّع البيت )، إنه يراد من الخائف هنا المعنى الوسيع غير الضيّق، وفي قوله عليه السلام في النهاية:- ( أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً )، فكلمة ( خائفاً ) هنا يراد منها ذلك الذي عبّر عنه في البداية بقوله ( وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف ) فإنه يراد منه هذا المعنى الوسيع وتأكيد هذا المعنى الوسيع . إذن لا وجه لأن نفسّر الخائف بالمعنى الضيّق كما فهم (قده) ذلك.
بل قد تصعّد اللهجة ويقال:- إنه حتى لو فرض أن كلمة الخائف يقصد منها المعنى الضيّق ولكن مع ذلك يمكن استفادة العموم بإلغاء الخصوصيّة فنقول:- إن عنوان الخائف ذُكِر من باب كونه الفرد البارز وإلا فيمكن حينئذٍ أن نستفيد كلّ من يتعذّر عليه دخول مكّة . فإن قبلت بهذا فبها وإلا فلك أن ترفضه، ولكن يبقى أن نفسّر الخائف بالمعنى الأعم للقرينة التي أشرنا إليها.
وعلى هذا الأساس يكون المناسب لأجل هذ الصحيحة الحكم بجواز تقديم السعي وطواف النساء أيضاً.
يبقى شيء في عبارة السيد الماتن:- حيث ذكر أن الأحوط أو الأولى الاعادة يعني أن يقدّم السعي أيضاً ثم يعيده بعد ذلك، فما هو وجه هذه الأولويّة - يعني يأتي بالسعي بعد طواف الحجّ ثم يعيده بعد أعمال منى - فما هي النكتة في هذه الأولويّة وفي هذا الاحتياط الاستحبابي ؟
إن وجه الأولويّة أمران:-
الأول:- التحفّظ من مخالفة المشهور، لأنه نسب إلى المشهور بأنهم قالوا بتقديم الاثنين - أي الطواف والسعي - فللتحفظ من مخالفتهم نقول بتقديم السعي أيضاً، ولكن حيث أنه مخالفٌ للصناعة فلابد من إعادته، فالإعادة لازمة، نعم تقديمه أولى، فلابد وأن يعيده بعد ذلك فبتقديمه بنحو الأولويّة تحفّظنا من مخالفة المشهور، وبلزوم الاعادة بعد ذلك نكون قد وافقنا الصناعة.
الثاني:- أن السعي مرتبط بالطواف، فلأجل هذا الارتباط يكون الأولى الحكم بتقديمه أيضاً تحفظاً على نكتة الارتباط، ولكن تلزم إعادته من باب اقتضاء الصناعة لذلك.
وقبل أن ننهي حديثنا عن هذه المسألة نذكر أموراً ترتبط بها وهي كما يلي:-
الأمر الأوّل:- ذكرنا في بعض المسائل السابقة أنّ من قدّم الطواف على الحلق فعليه كفّارة شاة استناداً إلى صحيحة محمد بن مسلم، وقد تقول:- إنه بناءً على هذا يلزم كفارة شاة على من قدّم الطواف من ذوي الأعذار حيث يصدق عليه أنّه قدّمه على الحلق، فهل يُلتَزَمُ بذلك ؟
والجواب:- كلّا لا يلزمه ذلك، والوجه من ذلك:- هو أن الصحيحة المتقدّمة ناظرة إلى من لا يجوز له التقديم، كما إذا فرض أنه لم يكن من أصحاب الأعذار ولم يقدّم الطواف فيلزم أن يأتي به بعد الحلق فإذا قدّمه على الحلق وهو عالمٌ بأنه لا يجوز له ثبت في حقّه شاة، فلاحظ صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام حيث قالت:- ( رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال:- إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالمٌ أن ذلك لا ينبغي له فإن عليه دم شاة )[2]، إنها قالت ( وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له ) . إذن هي خاصّة بغير ذوي الأعذار - أي بالأشخاص العاديّين - إذا قدّم طواف الحجّ على الحلق فإن هذا لا يجوز ويلزمه آنذاك كفارة شاة، وهذا مطلبٌ واضح.
الأمر الثاني:- لو فرض أن شخصاً قدّم الطواف - إما وحده أو مع السعي وطواف النساء - على عرفات ولم يكن من أصحاب الأعذار - بناءً على أن الحكم خاصٌ بأصحاب الاعذار كما هو المعروف فهو قد قدّمه من دون عذرٍ - ولكنّه كان جاهلاً كما لو رأى جماعة قد خرجوا إلى مكة فذهب معهم وقدّم الطواف فهل يصحّ منه لو اتضح له الحال بعد ذلك ؟
والأجدر الحكم بجواز تقديم الجميع وذلك لوجهين :-
الوجه الأول:- إن الحكم لأصحاب العذر بجواز تقديم طواف فالحج يمكن أن يستفاد منه عدم الخصوصيّة لطواف الحج، فإن الموجب لجواز التقديم هو قضيّة العذر وأنه لا يتمكّن الحاج بعد ذلك لأجل عذره من أن يأتي بالطواف، وهذه النكتة كما هي ثابتة في طواف الحجّ هي ثابتة أيضاً في السعي وطواف النساء .
وبكلمة أخرى:- إنه كما تعدّينا من العناوين الثلاثة أو الأربعة لذوي الأعذار إلى مطلق صاحب العذر باعتبار أن هذه العناوين وإن ذُكِرت ولكن تحُمَل عرفاً على المثاليّة فكذلك الحال بالنسبة إلى طواف الحجّ فإنه ذُكِرَ من باب المثاليّة لا لخصوصيّةٍ فيه، وعليه فيتعدّى آنذاك إلى السعي وطواف النساء.
إن قلت:- إذا كان الأمر كذلك فلماذا خصّص الإمام عليه السلام جواز التقديم بعنوان طواف الحجّ ؟ إن تخصيصه بذلك يدلّ على أنّ له خصوصيّة، فعلى هذا الأساس كيف نلغي هذه الخصوصيّة ؟
قلت:- إنه لو رجعنا إلى الروايات لا نفهم منها هذا التقييد، فالرواية الأولى مثلاً - أعني صحيحة الحلبي التي هي من روايات الطائفة الثانية - ورد فيها:- ( لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة ... )، إنه عبّر بكلمة الطواف فقال:- ( لا باس بتعجيل الطواف ) وهذا التعبير لم يقيّد فيه الطواف بكونه طواف الحج وإنما قيل ( الطواف )، فعلى هذا الأساس نقول:- إنه يمكن إثبات التعميم للسعي باعتبار أنه نحوٌ من الطواف وقد اُطلِقَ في الآية الكريمة والروايات عليه ذلك - أي أنّه طواف -، فالآية الكريمة تقول:- ( إن الصفا والمروة من شعائر الله من حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عيه أن يطّوّف بهما )، فالطواف إذن صادقٌ بالنسبة إلى السعي.
وأما الروايات التي تطلق على السعي عنوان الطواف فمتعدّدة في هذا المجال وهي:-
الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إن طاف الرجل بين الصفا المروة تسعة أشواط ... )[1]، إنه استعمل عليه السلام كلمة ( طاف ) للسعي، وتوجد روايات أخرى متعدّدة في هذا المجال يمكن ملاحظتها في باب السعي.
إذن كلمة ( طواف ) لا ينبغي أن نفهم منها التخصيص بطواف الحجّ بل هي تشمل السعي طواف النساء أيضاً.
الرواية الثانية:- صحيحة اسحاق بن عمّار :- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن لمتمتع إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض يعجّل طواف الحج قبل أن يأتي منى ؟ فقال:- من كان هكذا يعجّل .. )، إنّ السائل سأل عن طواف الحجّ لا أنّ الإمام عليه السلام قيّد ذلك، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نفهم من هذه الرواية التخصيص . وهكذا الحال بالنسبة إلى الروايات الاخرى إن كانت.
إذن يمكن أن نفهم من ذكر الطواف وأنه يجوز تقديمه التعميم للسعي ولطواف النساء بعد إلغاء الخصوصيّة، والمفروض أنه من الرواية لا يستفاد التخصيص المانع من فهم التعميم.
إن قلت:- إذا كانت كلمة الطواف تطلق على السعي فلِمَ لا نتمسّك آنذاك لإثبات جواز تقديم السعي ببيانٍ آخر وهو أن نتمسّك بالاطلاق فنقول:- إن الإمام عليه السلام قال في الرواية:- ( لابأس بتعجيل الطواف ) فنتمسّك بإطلاق كلمة طواف لإثبات أن السعي أيضاً كذلك بلا حاجة إلى إلغاء الخصوصيّة بالفهم العرفي وبتنقيح المناط وغير ذلك فكلّ هذا لا نحتاج إليه ؟
قلت:- إن هذا مشكلٌ من جهة أن كلمة الطواف لها استعمالان، فمرّة تستعمل بمعنى طواف الحج وأخرى تستعمل في السعي، فهما استعمالان وأشبه بالمشترك اللفظي، وعلى هذا يكون استفادة الاطلاق أمراً مشكلاً لأنه لم يثبت أنها موضوعةٌ للقدر المشترك بنحو الجامع المعنوي بعبارة أخرى حتى يصح الاطلاق وإنما هذا استعمالٌ موجودٌ وذاك استعمالٌ موجودٌ فالتمسّك بالاطلاق في مثل هذه الموارد يصير مشكلاً.
وألفت النظر إلى أن هذا الوجه الذي ذكرته - أي أنّا نتعدّى من باب عدم فهم الخصوصيّة أو تنقيح المناط عرفاً أو غير ذلك - قضية قابلة للأخذ والعطاء، فبإمكانك إذا لم تحصل لك القناعة الكافية أن ترفض هذا فأنه في جميع موارد تنقيح المناط يكون الأمر قابل للأخذ والعطاء، إلا اللهم في الموارد التي تكون واضحة جداً بحيث لا تقبل ذلك مثل ( سألته عن الثوب ) أو ( قال عليه السلام:- إن أصاب الثوب البول فيجب غسله مرّتين ) فهنا نجزم بأن العرف بنحوٍ قطعي جداً يفهم عدم الخصوصيّة، أما في الموارد لتي ليس فيها مثل هذا الوضوح الجليّ فالقضيّة حينئذٍ تكون قابلة للأخذ والعطاء ولا بأس بذلك، والمهمّ هو الوجه الثاني.
الوجه الثاني:- صحيحة عليّ بن يقطين - التي هي من ورايات الطائفة الثانية- حيث جاء فيها:- ( سمعت أبا الحسن الاول يقول:- لا بأس بتعجيل طواف الحجّ وطواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلى منى، وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكّة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً )، إنه في هذه الصحيحة حكم عليه السلام بقوله:- ( لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء )، والمقصود هنا هو طواف الحجّ والسعي حتماً، فعدما ذكر عليه السلام ( وطواف النساء ) يعني والسعي، والقرينة على ذلك هو أنه قال ( وكذلك من يخاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو منى إذا كان خائفاً) يعني أنه لا يرجع إلى مكة ولازم ذلك أنه يأتي بالسعي . إذن هذه الرواية تدلّ بوضوح على أن الثلاثة يجوز تقديمها على الوقوف بعرفات لا خصوص طواف الحجّ.
نعم توجد هنا مشكلة واحدة قد أشار إليها السيد الخوئي(قده) ولأجلها لم يتمسّك بهذه الرواية:- وهي أنه ورد فيها عبارة ( إذا كان خائفا ً ) فهي مختصة إذن بالخائف فلا يمكن استفادة التعميم منها لمثل الشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض فإن مثل هؤلاء لا ينطبق عليهم عنوان الخائف . إذن هذه الرواية وإن دلت على جواز تقديم الجميع إلا أن ذاك خاصٌّ، وسيأتي في المسألة التالية من السيد الخوئي(قده) الحكم بأن الخائف له خصوصيّة فيجوز له أن يقدّم الثلاثة لا خصوص طواف الحجّ، فهو(قده) يفرّق بين ذوي الأعذار فالخائف يجوز له تقديم الثلاثة وغير الخائف يجوز له تقديم طواف الحجّ فقط.
والجواب:- إن كلمة ( الخائف ) هنا يراد منها ما يشمل الشيخ الكبير فإنه خائفٌ والمرأة التي تخاف الحيض هي خائفة أيضاً فهؤلاء كلّهم يصدق عليهم عنوان الخائف وليس المقصود من الخائف ذلك المعنى وهو الذي يخاف أن يُقتَل أو يخاف العدو أو غير ذلك وإنما المقصود من الخائف هذا المعنى الوسيع، والقرينة على ذلك هي أنه عليه السلام قال:- ( وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت )، فإنه عبَّر بقوله ( وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ويودّع البيت )، إنه يراد من الخائف هنا المعنى الوسيع غير الضيّق، وفي قوله عليه السلام في النهاية:- ( أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً )، فكلمة ( خائفاً ) هنا يراد منها ذلك الذي عبّر عنه في البداية بقوله ( وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف ) فإنه يراد منه هذا المعنى الوسيع وتأكيد هذا المعنى الوسيع . إذن لا وجه لأن نفسّر الخائف بالمعنى الضيّق كما فهم (قده) ذلك.
بل قد تصعّد اللهجة ويقال:- إنه حتى لو فرض أن كلمة الخائف يقصد منها المعنى الضيّق ولكن مع ذلك يمكن استفادة العموم بإلغاء الخصوصيّة فنقول:- إن عنوان الخائف ذُكِر من باب كونه الفرد البارز وإلا فيمكن حينئذٍ أن نستفيد كلّ من يتعذّر عليه دخول مكّة . فإن قبلت بهذا فبها وإلا فلك أن ترفضه، ولكن يبقى أن نفسّر الخائف بالمعنى الأعم للقرينة التي أشرنا إليها.
وعلى هذا الأساس يكون المناسب لأجل هذ الصحيحة الحكم بجواز تقديم السعي وطواف النساء أيضاً.
يبقى شيء في عبارة السيد الماتن:- حيث ذكر أن الأحوط أو الأولى الاعادة يعني أن يقدّم السعي أيضاً ثم يعيده بعد ذلك، فما هو وجه هذه الأولويّة - يعني يأتي بالسعي بعد طواف الحجّ ثم يعيده بعد أعمال منى - فما هي النكتة في هذه الأولويّة وفي هذا الاحتياط الاستحبابي ؟
إن وجه الأولويّة أمران:-
الأول:- التحفّظ من مخالفة المشهور، لأنه نسب إلى المشهور بأنهم قالوا بتقديم الاثنين - أي الطواف والسعي - فللتحفظ من مخالفتهم نقول بتقديم السعي أيضاً، ولكن حيث أنه مخالفٌ للصناعة فلابد من إعادته، فالإعادة لازمة، نعم تقديمه أولى، فلابد وأن يعيده بعد ذلك فبتقديمه بنحو الأولويّة تحفّظنا من مخالفة المشهور، وبلزوم الاعادة بعد ذلك نكون قد وافقنا الصناعة.
الثاني:- أن السعي مرتبط بالطواف، فلأجل هذا الارتباط يكون الأولى الحكم بتقديمه أيضاً تحفظاً على نكتة الارتباط، ولكن تلزم إعادته من باب اقتضاء الصناعة لذلك.
وقبل أن ننهي حديثنا عن هذه المسألة نذكر أموراً ترتبط بها وهي كما يلي:-
الأمر الأوّل:- ذكرنا في بعض المسائل السابقة أنّ من قدّم الطواف على الحلق فعليه كفّارة شاة استناداً إلى صحيحة محمد بن مسلم، وقد تقول:- إنه بناءً على هذا يلزم كفارة شاة على من قدّم الطواف من ذوي الأعذار حيث يصدق عليه أنّه قدّمه على الحلق، فهل يُلتَزَمُ بذلك ؟
والجواب:- كلّا لا يلزمه ذلك، والوجه من ذلك:- هو أن الصحيحة المتقدّمة ناظرة إلى من لا يجوز له التقديم، كما إذا فرض أنه لم يكن من أصحاب الأعذار ولم يقدّم الطواف فيلزم أن يأتي به بعد الحلق فإذا قدّمه على الحلق وهو عالمٌ بأنه لا يجوز له ثبت في حقّه شاة، فلاحظ صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام حيث قالت:- ( رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال:- إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالمٌ أن ذلك لا ينبغي له فإن عليه دم شاة )[2]، إنها قالت ( وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له ) . إذن هي خاصّة بغير ذوي الأعذار - أي بالأشخاص العاديّين - إذا قدّم طواف الحجّ على الحلق فإن هذا لا يجوز ويلزمه آنذاك كفارة شاة، وهذا مطلبٌ واضح.
الأمر الثاني:- لو فرض أن شخصاً قدّم الطواف - إما وحده أو مع السعي وطواف النساء - على عرفات ولم يكن من أصحاب الأعذار - بناءً على أن الحكم خاصٌ بأصحاب الاعذار كما هو المعروف فهو قد قدّمه من دون عذرٍ - ولكنّه كان جاهلاً كما لو رأى جماعة قد خرجوا إلى مكة فذهب معهم وقدّم الطواف فهل يصحّ منه لو اتضح له الحال بعد ذلك ؟