1440/08/21
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
40/08/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- استصحاب البراءة - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
والجواب:-أولاً:- إنَّ هذا الاشكال لو تم يلزم الاشكال على أصل تشريع البراءة الشرعية بقطع النظر عن الاستصحاب ، فافترض أنَّ الاستصحاب لا يجري لإثبات البراءة ولكن يلزم الاشكال أن أصل تشريع البراءة الشرعية يلزم منه اللغوية والعبثية بقطع النظر عن الاستصحاب ، والوجه في ذلك هو أنه توجد البراءة العقلية وبعد وجوده البراءة العقلية ما الفائدة من وجود البراءة الشرعية ؟!! ، فإنَّ البراءة العقلية تؤدّي المهمة فتشريع البراءة الشرعية يلزم منه العبثية ، فإذا كان يلزم العبثية هناك يلزم العبثية هنا ، وإذا لا يلزم الاشكال هنا - في تشريع البراءة الشرعية - لنكتةٍ من النكات لا يلزم الاشكال هناك - في تشريع البراءة الشرعية - مع وجود الاستصحاب ، وهذا جواب نقضي.
ثانياً:- يمكن أن يقال إنَّ الاستصحاب لا يلتفت إليه جميع الناس وأنه يمكن من خلاله اثبات البراءة ، وإنما نحن التفتنا إليه بعد أن أرشد بعضنا بعضاً إلى ذلك ، ولولا ذلك لكنّا نعيش الغفلة عنه ، وبالتالي يكون تشريع البراءة الشرعية وجيهاً بعد غفلة الناس عن إمكانية التمسّك بالاستصحاب لإثبات البراءة.
ثالثاً:- أيّ مانعٍ من تشريع طريقين في الوصول إلى هدفٍ واحد ، فالمولى يشرّع طريقين في الوصول إلى ذلك الهدف الواحد فإنَّ هذا لا محذور فيه ، وإلا ففي مورد وجود آية كريمة تبيّن الحكم الشرعي يلزم أن لا تأتي رواية تدل عليه على ما دلت الآية الكريمة فإنَّ هذا يكون عبثاً ، وهذا لا يمكن الالتزام به ، بل المولى يريد أن يبيّن أحكامه ولا بأس أن تبيّن الأحكام وبوسائل مختلفة متعددة ، فإنه لا مانع من وجود حكم واحدٍ لكن الذي يوصِل إليه أمران ، فمثلاً صلاة الجمعة واجبة ولكن مرّة نستفيد وجوبها من قوله تعالى:- ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ﴾ ، ومرة تأتي رواية أو روايات تدل على وجوبها ، وهل تتوقف وتقول مادامت الآية الكريمة دلت على الوجوب فذكر الروايات يكون عبثاً ؟!! ، إنَّ هذا لا يقول به أحد وهو غير مقبول ، فإذاً لا بأس للمولى في سبيل الحصول إلى هدفه أن يشرّع طريقين.
وفي مقامنا الهدف هو البراءة والوصول إلى ذلك له طريقان ولا مانع من ذلك ، وهنا البراءة الشرعية بلسان ( رفع عن متي ما لا يعلمون ) ، والطريق الثاني هو ( لا تنقض اليقين بالشك ) فإنه يمكن الاستعانة به للوصول إلى البراءة ، ولا مانع من ذلك.
بيد أنَّ السيد الخوئي(قده)[1] أشكل بإشكالين:-
الاشكال الأول:- إنَّ أحاديث البراءة التي دلت على البراءة لعلها جعلت البراءة بنكتة الاستصحاب ، فهي لم تجعل البراءة من حيثيةٍ مغايرةٍ غير حيثية الاستصحاب ، بل هي أثبتت البراءة وقالت ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) من باب الاستصحاب وأنَّ الحالة السابقة بمقتضى الاستصحاب هي عدم المنع الثابت قبل الاسلام أو قبل البلوغ ، ومعه عادت البراءة إلى الاستصحاب ولا يوجد إلا شيء واحد وهو الاستصحاب ، ولا يوجد شيء في مقابله بلسان البراءة ، بل البراءة راجعة إلى الاستصحاب فإنَّ الشارع جعل البراءة بنكتة الاستصحاب ، فإذاً لا يوجد دليلان براءة واستصحاب وإنما البراءة راجعة إلى الاستصحاب ، فإذا لم يوجد دليلان فلا يلزم من ذلك محذور لغوية تشريع البراءة في مقابل الاستصحاب وإضافةً إليه.
الاشكال الثاني:- إنَّه في بعض الموارد قد لا يجري الاستصحاب لنكتةٍ ما ، أما ما هي أمثلة تلك المواد فستأتي فيما بعد ، ولكن بشكلٍ مجمل نقول لعله توجد بعض الموارد لا يمكن أن يجري فيها الاستصحاب ، فإذا كانت مثل هكذا موارد موجودة فتشريع البراءة سوف يصير في محلّه ، لأنه إذا لم تصدر البراءة كيف نثبت البراءة فإنَّ الاستصحاب قد فرضنا أنه لا يجري في المورد ، فيلزم صدور البراءة.
والجواب:-أما ما ذكره أولاً فنقول:- إننا إذا رجعنا إلى أدلة البراءة وجدناها تتمسك بشيءٍ آخر غير الاستصحاب ، فإنَّ الاستصحاب يحتاج إلى يقين سابق وشك ، فأدلة البراءة الشرعية إذا جعلت البراءة الشرعية بنكتة الاستصحاب يلزم أن تعبّر باليقين والشك وتقول ( إذا شككت فاحكم بالبراءة لأنك على يقين سابق ) ، بينما أدلة البراءة لم تتمسّك ولم تشر إلى حالة اليقين السابق بالبراءة ، وإنما تشبثت بأنه ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) يعني مادمت لا تعلم بثبوت التكليف وكنت شاكاً فأنا لا يهمني وجود يقينٍ سابقٍ أو لم يوجد بل ما دمت شاكاً الآن فأنت برئ ، فكل الحيثية في البراءة الشرعية للشك ولعدم العلم من دون ملاحظة حالة سابقة متيقنة ، وهذا إنَّ دل على شيء فإنما يدل على أنَّ البراءة حينما جعلها الشارع فقد جعلها شيئاً مقابلاً للاستصحاب ، إذ لو كان قد نظر إلى الاستصحاب لعبّر وقال ( احكم بالبراءة إذا كنت شاكاً بعد فرض يقينك السابق بالعدم ) ، مع أن دليل البراءة لم يأخذ ذلك ولم يقل ( إنه بعد يقينك السابق بالبراءة احكم بها ) ، بل قال ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ، فجعل المدار على الشك وعدم العلم من دون ملاحظة الحالة السابقة.