1440/07/19
تحمیل
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول
40/07/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : باب التعارض و التعادل و التراجیح
التمهید الثاني: إختلاف المتقدمین عن المتأخري الأعصار في ضابطة التعارض
کنّا في النقطة التمهیدیة الثانیة و هناک إختلاف وسیع بین متأخري هذا العصر أو الأعصار مع المتقدمین في عد أنواعٍ عدیدةٍ من التعارض و هي عند متأخري الأعصار یعدونها من التعارض البدوي یعني الإبتدائي و لیس من التعارض المستقر. یعني المتأخري الأعصار یقسمون التعارض إلی التعارض البدوي و التعارض المستقر والمستقر هو الذي یتوقف و یحتاج إلی العلاج، بینما التعارض البدوي لایحتاج إلی العلاج بل إنما فیه علاج عرفي، فلیس هناک تنافٍ جديٌ واقعيٌ موجودٌ.
بینما المتقدمون یجعلون و یعتبرون مطلق التنافي من التعارض، یعني لایقسمون التعارض إلی البدوي و المستقر، فالعلاج الذي یذکر في التعارض عند المتقدمین، یجعلونها لمطلق التعارض سواء التعارض البدوي أو المستقر فهذا الإختلاف موجود بین المتقدمین و المتأخري العصر. فیه إختلافات أخری سنأتي الی استعراضها.
في ضمن هذا الإختلاف الذي نحن فیها، مثلا الحکومة و الورود و إنقلاب النسبة و التزاحم و هلم جرا، هذه کلها عند المتأخري الأعصار لیست من التعارض المستقر بل هي من التعارض البدوي، یعني في النظرة الأولی الإبتدائیة یحسبه الناظر تعارضا و متنافیا إلی غیر ذلک من المعالجات. مثل ما مر بنا من التقابل بین الأصل العملي والأمارة، فلایجعلونها المتأخري هذا العصر من التعارض المستقر بل هي تعارض غیر مستقر و الأمارة یقدم علی الأصل العملي، لکن عند المتقدمین التعارض له شمول و سعة بما یعالج بل عند متأخري الأعصار، الأمارات اللفظیة لیس کلُ تعارض فيما بینها تعارضا مستقرا، مثلا یقدمون النص علی الصریح و یقدمون القوي الظهور علی الظهور و یقدمون الظهور الجلي علی الظهور الخفي و من هذا القبیل حتی الأمارة اللفظیة عند المتأخري العصر فیما بینها، فلیس کلها من باب التعارض، بل مراتب في الأدلة و یراعون المراتب التي بین الأدلة فیما بینها و یجعلون التعارض غیر المستقر و من التنافي البدوي.
بینما المتقدمون، عندهم واضح أن التنافي فیما بین الأمارات اللفظیة من التعارض، لکن الغریب في المتقدمین أنهم یخیرون الفقیه في الإستنباط في هذه الموارد بین أن یجعلها من التعارض و یعالجها أو یجعلها من التوفیق العرفي مع أن التوفیق العرفي بنیانها مباین عن التعارض، -یعني الوفاق العرفي-
أیضا من الأنماط التي یختلف المتقدمون عن المتأخري العصر هي المراتب الأصولیة فیما بینها، الأصل المحرز مقدم علی الأصل التنزیلي و الأصل الوظیفي الشرعي مقدم علی الأصل الوظیفي العقلي، أربع مراتب في ما بینها. فمراتب الأصول العملیة عندما تتعارض یقدم المتأخرو الأعصار الأصول العملیة في مراتبها عن بعضها البعض.
بین القوسین،
النقطة التمهیدیة الثالثة: التعارض بالذات و بالعرض و إشتباه الحجة بللاحجة.
بین قوسین مهمّین، الحدیث عن التعارض أساسا هو حدیث عن التعارض بالذات، لاالتعارض بالعرض. التعارض بالذات الذي یتوارد فيه المتعارضان علی موضوع و مورد واحد، هذا الکلام کله بدئاً و انتهائًا، کلها في التعارض بالذات یعني الدلیلین المتعارضین و المتواردین علی مورد و موضوع واحد.
التنافي بالمطابقة لا بمعنی المفاد المطابقي بل یعني أن الدلیلین یتطابقان في موضوع واحد، الدلالتان و المدلولتان بینهم في القالب موضوع واحد متطابق. المقصود هذا و لیس المقصود هي الدلالة المطابقي و الا تعارض المفهوم مع المنطوق إذا تواردا علی موضوع واحد تعارض بالذات.
علی هذا، معنی التعارض بالذات هو أن یتوارد الدلیلان سواء بالدلالة المطابقیة أو الإلتزامیة أو الضمنیة، علی موضوع واحد، هذا یعبر عنه بالتعارض بالذات في قبال التعارض بالعرض الذي بسبب العلم الإجمالي الذي یکون مفاد الدلیلين في موضوعین مختلفین و لو کان إختلافهما بالفردین. ملخص الکلام هو أن الکلام کله في التعارض و علاجها و غیرها کله في التعارض بالذات و تعارض بالعرض لها إستثناء خاص و طریق آخر. هذه نقطة مستقلة تمهیدیة في الإختلاف الموضوعي بین التعارض بالذات و بالعرض.
القسم الثالث هو اشتباه الحجة مع اللاحجة و هذا القسم الثالث غیر ذینک القسمین. عندنا ثلاثة أقسام، التعارض بالذات و التعارض بالعرض و کلٌ مفادها یغایر مفاد الآخر موضوعا و موردا، في التعارض بالعرض لدینا علم إجمالي بإستلزامهما المخالفة العملیة القطعیة أو المخالفة الإلتزامیة حسب المباني فيها، لذالک وصفوه بالعرض یعني لیس بالذات. لیست العرض و الذات بلحاظ الإلتزامي و المطابقي بل بلحاظ إجتماهما في موضوع واحد أو موضوعین سواء کلاهما مطابقیان أو إلتزامیان أو أحدهما مطابقي و الآخر إلتزامي بلافرق، المهم أن یتوارد الدلیلان علی موضوع واحد هذا یعبر عنه التعارض بالذات بینما التعارض بالعرض المقصود منه أنه یستلزم من الدلیلین علی موضوعین متغایرین مخالفة عملیة قطعیة و لو بین المطابقیین منهما، هذا یسمی التعارضَ بالعرض و لیس بلحاظ النمط للدلالة بل بلحاظ أنهما مفادهما متغایران موضوعاً و إنما یستلزم من العمل بهما مخالفة عملیة القطعیة أو المخالفة الإلتزامیة القطعیة حسب المباني.
فعندنا تعارض بالذات و عندنا تعارض بالعرض و عندنا اشتباه الحجة باللاحجة، ثلاثة أقسام. کل مبحث التعارض بالدقة حول القسم الأول لا الثاني و لاالثالث. إنما تطرق الیه الأعلام القسم الثانی والثالث هامشیا و بالتبع و بشکل ذیلي و عمدة الکلام في التعارض هو في القسم الأول.
إشتباه الحجة باللاحجة لیس یستلزم من العمل بالحجتین مخالفة عملیة قطعیة و لاتناقضا في مفادهما و لیس في البین تنافٍ و تناقض في المضمون ( القسم الأول) و لا یستلزم المخالفة العملیة القطعیة و الإستلزامیة القطعیة (القسم الثاني) بل إشتبه الحجة باللاحجة بمعنی أنا نعلم أن أحد الحجتین مفادهما متغایر و لو نسبیا و نعلم أن في أحد الحجتین خلل في شرايط الحجیة، إنما التبست هذه الروایة بروایة أخری حجة، مثل موارد اختلاف النسخ. لیس المتن کلا النسختین و لا لها ربط بالعلم الإجمالي بالمخالفة العملیة القطعیة بل علم إجمالی بانتفاء شرائط الحجیة. مثل مبنی صاحب الکفایة و الفیض الکاشاني و البلاغي أستاذ السید الخوئي و السید الخوئي و کثیرین ممن یرون أن القراءات إجتهادات من القراء. عشرة أو ثلاثین أو سبعین قراءة عندنا و نظام العباسي حصر القراءات في عشرة أو سبعة و إلا المتداول حتی في کتب العلوم القرآني قریب بعشرین قراءة، لکن هي هامش في القرآن و لاتشکل نسبة ماهویة معتد بها في متن القرآن الکریم.
هذه القراءات یعتبرها هؤلاء الأعلام قراءة واحدة نزل من الواحد علی النبي الواحد و بحرف واحد و هذه هي إجتهادات من القراء و اشتبه النسخة الصحیحة مع النسخ الغیر الصحیحة. القراءات عند هولاء الأعلام و کثیر من المتأخري العصر عندهم قراءات غیر متواترة وغیر مسندة و هي إجتهادات یعتبرها من باب إشتباه الحجة و اللاحجة و لیس من باب التعارض بالعرض و لاالتعارض بالذات.
هذه القراءات لیس تحریفا إصطلاحیا لأن التحریف الاصطلاحی في القرآن لها معنی یشترط فیها کثیر من المحدثین و کثیر من الفقهاء و کثیر من المتکلمین و کثیر من المفسرین فضلا عن غیر الفضلاء من الفریقین. التحریف الإصطلاحي شيء یغایر باب القراءات و إن کان بعض الرجالیین یشبه علیه و یفکر کل کتاب قراءات کتاب تحریف. هذا خطأ صناعي بحسب علوم القران، جل الروایات الموجودة لدینا کما یذکر الشیخ المفید و السید المرتضی والشیخ جعفر کاشف الغطاء، هذه الروایات قراءات و القراءات غیر التحریف المصطلح حتی في کثیر من الروایات الموجودة عندهم و روایات القراءات لیس التحریف المصطلح. التحریف بالمعنی العام هذا بحث آخر أما التحریف المصطلح قسم منها بضرورة الدین باطل و قسم منها تسالم علی بطلانه وغیر بحث القراءات و لاندخل فیه.
کثیر من الحواریات من الطرفین یخلط بین البحث التحریف المصطلح المجمع علی بطلانه و بحث القراءات حتی کثیر من المستشرقین یشتبهون. کذلک الحال في هذا البحث، القراءات عند جماعة من الأعلام من باب إشتباه الحجة بللاحجة و المقصود أن اشتباه الحجة باللاحجة یختلف عن بحث التعارض بالعرض و بالذات.
هذا کمقسم للدخول في بحث التعارض ضروري و مهم علی المستنبط الفطن. و یجب أن لایقع الإشتباه فيهم و عقد باب التعارض في القسم الاول و القسم الثانی بشکل هامشی یتحدثون عنه و لم یتوسعوا فيه کثیرا، ربما توسعوا فیه في منجزیة العلم الإجمالي أکثر من هنا و کذلک إشتباه الحجة باللاحجة تکلموا فيه قلیلا.
الرجوع إلی التمهید الثانينرجع إلی النقطة التي کنا فیها و هي أن الإختلاف بین المتقدمین و المتأخري الأعصار في درج أنواع کثیرة في التعارض بینما المتأخري الأعصار لایدرجونها في التعارض أو قل هذا التعارض الذي هو القسم الأول، التعارض بالذات یقسمه المتأخري الأعصار إلی قسمین قسم تعارض بدوي و قسم تعارض مستقر. تعارض بالذات ینقسم الی التعارض البدوی و التعارض المستقر بینما المتقدمین، لا.
فیقول المتأخري الأعصار إن الکلام في علاج التعارض في التعارض بالذات المستقر لاغیر المستقر، الحدیث عن علاج التعارض هو في التعارض بالذات المستقر بینما المتقدمون کلامهم في علاج التعارض أعم من کونه بدویا أو مستقرا.
یمکن أن ننسب إلی المتقدمین بأنهم في التعارض بالذات غیر المستقر، یخیرون فیه المستنبط بین العلاج بالتعارض أو التوفیق العرفي، یعني أن المتقدمون یذهبون إلی ان التعارض بالذات البدوي یمکن علاجه بالتوفیق العرفي و یمکن علاجه بعلاج باب التعارض. هذا خلاف آخر بین المتقدمین و المتأخرین.
خلاف آخر بین المتقدمین و المتأخرین في قاعدة «أن الجمع مهما أمکن أولی من الطرح»
یکون خلاف آخر بین المتقدمین و المتأخري الأعصار فی قاعدة «الجمع مهما أمکن أولی من الطرح» و یؤمن بها المتقدمون حتی إلی زمن صاحب الجواهر و حتی إلی زمن الشیخ الأنصاري یعني الشیخ الأنصاري یؤمن بها في الجملة و مدرسة الوحید البهبهانی تؤمن بها في الجملة و المتقدمون یؤمنون بها بالجملة لافی الجمله و نحن أیضاً نؤمن بها و نلتزم بها في الجملة، بینما المتأخري الأعصار لایرتضوها «قاعدة الجمع مهما أمکن أولی من الطرح»
عنوان للبحث القادم
عنوان آخر: الفرق بین توفیق العلاج الموضوعي و العلاج المحمولي في التعارض عنوان البحث القادم ان شاءالله و هذه نقاط تمهیدیة خطیرة جدا.