1440/04/24
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
40/04/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- الفرق بين الأصل والأمارة - مبحث الأصول العملية.
أما بالنسبة إلى المقدمة الأولى[1] فيردها:-
أولاً:- نسلّم أنَّ الإخبار عن شيء إخبار عن لوازمه ، ولكن هذا يتم في الأخبار فقط لا في مطلق الأمارات ، فلو فرض أنَّ الأمارة لم تكن خبراً وإنما كانت من باب الظهور ، فكان الكلام ظاهراً في معنىً مطابقي فبالتالي هل تثبت لوازم هذا المعنى المطابقي أو لا فإنَّ الظهور أمارة وهذه اللوازم هي لوازم الأمارة ؟ إنَّ هذا الدليل لا يأتي في الظهور وإنما يختصّ بباب الخبر ، بينما المفروض أنَّ محل الكلام هو في لوازم الأمارة ، فإنَّ المدّعى هو أنَّ لوازم الأمارة حجة سواء كانت خبراً أو ظهوراً أو غير ذلك ، وهذا الدليل أخص من المدّعى فهو يختصّ بباب الاخبار.
ثانياً:- يمكن أن نقول: إنَّ صدق الخبر هو فرع القصد ، أما من لم يقصد الإخبار فلا يصدق عنوان الخبر ، فلو فرض أنَّ شخصاً أخبر عن طلوع الشمس ، فإذا طلعت الشمس فهذا له لوازم وهي أنه قد حصل الليل في الوجه الثاني من الكرة الأرضية ، فنقول هو إذاً قد أخبر عنه ، وأنه قد انتهى وقت صلاة الصبح ، فهذه أخبار وهذه لوازم ، فحينما أخبر عن طلوع الشمس فهل يصدق أنه قد أخبر بثلاثة أخبار ؟ إنه لا يصدق هذا عرفاً ، وإذا قال شخص جاء فلان من الحج فهل يعني أنه أخبر بأنه يوجد عنده وليمة هذه الليلية وأخبر أيضاً بأنه عنده ضيوف ، فهل تقول بأنه أخبر بهذه اللوازم أو أنه أخبر بمجيئه فقط ؟ ، إذا قالوا له ذلك فسوف يقول لماذا تلزموني بأشياء لم أقلها بل أني أخبرت فقط بأنَّ فلاناً قد جاء من الحج أما هذه الأمور فلم أُخبر عنها ؟!! ، وهذا معناه أنَّ الإخبار من العناوين القصدية - أي المتقوّمة بالقصد - ، فمن قصد تلك اللوازم يصدق بأنه قد أخبر ولكن بعدد تلك اللوازم التي قصدها ، أما إذا لم يكن قاصداً لها فلا يصدق أنه أخبر.
فإذاً سوف لا يثبت مرادنا ، لأننا نريد أن نثبت أنَّ لوازم الخبر حجة قُصدت أو لم تُقصد ، وهذا الدليل لا يثبت أنَّ لوازم الخبر حجة حتى في حالة عدم القصد ، إذ في حالة عدم القصد لا يثبت عنوان الخبر.يبقى أنّ عنوان الخبر هل هو من العناوين القصدية عرفاً أو لا ؟ فهذا موضوع عرفي ، يعني أنت بنظرك كعرف هل الأمر كذلك أو لا ؟ ، فمثلاً أنا وغيري نرى أنَّ القصد معتبر ، ولكنك قد تأتي بشواهد على أنَّ صدق عنوان الخبر ليس فرع القصد ، فهذه مساحة قابلة للتفكير والأخذ والعطاء.بيد أنَّ السيد ميرزا حسن البجنوردي(قده) قال[2] نصرة للشيخ الخراساني(قده):- إنَّ ما قاله الخراساني(قده) صحيح - من أن الإخبار بشيء إخبار عن لوازمه - ، بديل أنه في باب الأقارير والوصايا إذا أقر شخص بشيء وكان له لازم فإنه سوف يلزم بذلك اللازم ، وإذا أوصى بوصية وكان لها لازم فيؤخذ بذلك اللازم ، وهذا معناه أنَّ الإخبار بشيء إخبارٌ عن لوازمه.
وفيه:- إنه لا يبعد أن يكون الأمر كما قال ، ولكن نقول إنَّ هذا أجنبي عن المقام ، فإن كلامنا في الخبر لا في الوصية والإقرار ، وعنوان الخبر عرفاً غير عنوان الوصية والإقرار ، فنحن كلامنا في أنَّ عنوان الخبر هل يصدق عرفاً بلحاظ اللوازم أو لا ، وإذا أريد الاستشهاد على أنه يصدق فلابد من التمسك بأمثلة من باب الخبر لا التمسك بأمثلة من باب الوصية والإقرار ، فلعل الإقرار فيه توسعة عرفاً ، ويصدق عرفاً في باب الإقرار لخصوصية في الإقرار أنه إذا أقرّ بالشيء أقر بلوازمه ، فهذا يمكن ، ولكن لا يلزم أنَّ من أخبر عن شيء أخبر عن لوازمه.
وهناك نصرة ثانية من قبل السيد الحكيم(قده)[3] لأستاذه الخراساني(قده) حيث ذكر ما حاصله:- إنَّ دلالة الخبر على المعنى المطابقي دلالة على المعنى الالتزامي من دون مدخلية لاعتقاد المخبِر وعدمه ، قال(قده):- ( إنَّ دلالة الخبر على معناه المطابقي بالمطابقة كدلالته على معناه الالتزامي بالالتزام دلالة فعلية غير متوقفة على اعتقاد المخبر اللزوم فتدخل تحت إطلاق دليل الحجة كل من الدلالتين بلا فرق ).
وفيه:- إنَّ كلامنا ليس في باب الدلالة ، وإنما هو في باب الخبر ، ومعنى الدلالة هو الظهور ، فهذا الحكم ظاهر في هذا المعنى ويدل عليه ، فليس من البعيد أن نقول إنَّ الكلام الدال على شيء بالمطابقة - بمعنى الظهور - هو ظاهر في لوازمه ، ونحن كلامنا ليس في باب الدلالة والظهور ، وإنما في عنوان الخبر ، فهل يصدق عرفاً عنوان الخبر بلحاظ اللوازم أو لا يصدق ؟ ، والاستشهاد بما ذكره على ما نحن فيه ليس في محله ، لأنهما ليسا من وادٍ واحد ، فهذا ظهور ودلالة وذاك إخبار.
هذا كله بلحاظ المقدمة الأولى في كلام صاحب الكفاية(قده) وقد اتضح أنَّ الأمر ليس كذلك ، فإن الإخبار من العناوين القصدية والنصرتان له من قبل العلمين قابلتان للتأمل.وأما المقدمة الثانية[4] :- فقد توقف فيها السيد الحكيم(قده)[5] وقال إنَّ ما دل على حجية الخبر يمكن أن لا يدل على حجيته بلحاظ المداليل الإلتزامية ، فمثلاً دليل حجية الخبر المهم هو السيرة ، والقدر المتيقن هو أنَّ الخبر عن المداليل المطابقية حجة بالسيرة ، أما أنه حجة بلحاظ المداليل الإلتزامية فهو أوّل الكلام.
فإذاً هو ناقش في المقدمة الثانية دون المقدمة الأولى ، يعني هو سلّم بأنَّ الإخبار عن شيء إخبار عن لوازمه ولكن رفض أن يكون هذا الإخبار عن اللازم حجّة لأنَّ دليل حجية الخبر القدر المتيقن منه هو الإخبار عن المدلول المطابقي.واستشهد لذلك بمسألة اليد ، فإنه قال إنَّ اليد أمارة على الملكية ولكن هل هي أمارة وحجة بلحاظ اللوازم ؟ إنَّ هذا أوّل الكلام ، بل أقصى ما ثبت أنَّ اليد أمارة على أنه مالك ، أما أنَّ هذه الملكية قد حصلت بالبيع والشراء فهي لا تثبت ذلك ، لأنَّ المدرك المهم لأمارية اليد هو السيرة أيضاً.وفيه:- نسلّم أنَّ المدرك لحجية الخبر هو السيرة ، ولكن أخذ السيرة العقلائية للخبر بلحاظ مدلوله المطابقي لابد أن يكون لنكتة ، وإلا فإنَّ السيرة العقلائية لا تكون تعبّدية وإنما لابد أن تكون لنكات ، والنكتة هي كاشفية الخبر عن المدلول المطابقي بدرجة سبعين بالمائة مثلاً ، فمن هذه الناحية أخذ العقلاء بالخبر ، ونفس هذه النكتة ثابتة بلحاظ المدلول الالتزامي ، فإنَّ كاشفية الخبر عن مدلوله التزامي تساوي درجة كاشفيته عن مدلوله المطابقي ، فإذا أخذوا به بلحاظ مدلوله المطابقي يلزم أن يأخذوا به بلحاظ مدلوله التزامي.
فإذاً التفريق من هذه الناحية ليس بصحيح ، فلا معنى لأن يقال إنَّ السيرة العقلائية دليل لبّي والقدر المتيقن منه هو الحجة ، بعد الالتفات إلى أنَّ سيرة العقلاء هي لنكتةٍ وهذه النكتة كما أنها ثابتة في المدلول المطابقي هي ثابتة في المدلول الالتزامي.ومن خلال هذا كلّه اتضح أنَّ اثبات حجية الأمارة في لوازمها بالدليل الذي ذكره صاحب الكفاية(قده) قابل لتأمل.