1440/03/24
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/03/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.
هذا ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ رواية ابن ظبيان فيها بعض الخصوصيات التي نحن بحاجة إليها وهي مفقودة في موثقة عمّار ، من قبيل أنها عبّرت بكلمة ( رفع القلم ) وهذه العبارة ليست موجودة في موثقة عمّار ، هذه الكلمة نستفيد منها بعض الأمور كما سيأتي فإنها تدل على التخفيف ، وحينئذٍ يمكن أن يقال لا يمكن أن يستدل بالحديث لأنَّ بطلان عقد الصبي وسلب عبارته ليس تخفيفاً وإنما هذا معناه سلب الشخصية عنه وهو ليس تخفيفاً.
فإذاً حديث رفع القلم في رواية ابن ظبيان فيه بعض الخصوصيات لا يمكن أن تحصل من خلال موثقة عمّار ، ومن تلك الخصوصيات وجود كلمة ( رفع ) فيها والتي لا توجد في موثقة عمّار والتي قد يكون لها تأثير ، وإنما الموجود في موثقة عمّار هو تعبير ( جرى عليه القلم ) أو ( لم يجرِ ).ومن قبيل إنَّ رواية ظبيان فيها تعبير ( ثلاثة ) ، حيث قالت ( رفع القلم عن ثلاثة ) وهم الصبي والمجنون والنائم ، بينما الوارد في موثّقة عمّار فقط الصبي ، فإذاً اثبات اعتبار رواية ابن ظبيان له آثاره.
ومن جملة الفوارق بين الروايتين هو أنَّ موثقة عمّار تشتمل على أنَّ البلوغ في الذكر والأنثى يتحقق بثلاثة عشر سنة وهذا لا يقول به الأصحاب ، فيصير مضعّفاً للرواية لاشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب ، وهذا بخلافة في رواية ابن ظبيان فإنها لا تشتمل على مثل هذا وإنما الوارد فيها يمكن قبوله بأجمعه.فإذاً هذه امتيازات موجودة في رواية ابن ظبيان وهي قد لا نحتاج إليها في معاملات الصبي ولكن بشكلٍ عام رواية ابن ظبيان أولى للفقيه من نواحٍ متعدّدة ، فلو أمكن تصحيح سندها فسوف يستفيد منها الفقيه.وقد يقول قائل:- إننا لا نحتاج إلى رواية بل الحكم ثابت من دونها ، إذ هل يحتمل أنَّ الصبي أو المجنون أو النائم لم يرفع عنهم القلم ؟!! إنَّ هذا غير محتمل ، فعلى هذا الأساس الحكم ثابت من دون الحاجة إلى أن نُتعِب أنفسنا ، يعني أنَّ هذه قضية عقلائية واضحة مسلّمة لا تحتاج إلى رواية.
والجواب:- إنَّ الثابت بنحوٍ مسلّم هو أنَّه لا توجد عقوبة على النائم مادام نائماً وعن المجنون مادام مجنوناً وعن الصبي مادام صبياً ، أما مثلاً أنَّ عقده الذي يجريه هو باطل بحيث رفع عنه القلم الوضعي لا المؤاخذة فقط فهذا ليس من المسّلمات ، بينما لو كانت رواية ابن ظبيان ثابتة وعبّر فيها برفع القلم فالفقيه قد يتمسّك بإطلاق كلمة ( القلم ) بحيث تشمل القلم الوضعي فنثبت بذلك بطلان عقد الصبي وما شاكل ذلك من آثار.
فإذاً الثمرة واضحة ، فإنَّ الثابت بقطع النظر عن رواية ابن ظبيان - يعني عقلائياً وبشكلٍ مسلّم - هو رفع العقوبة أما أموراً أخرى والتي قد يستفيدها الفقهية من رفع القلم فتلك ليست ثابتة بنحو مسلّم ، فنحتاج إذاً إلى رواية ابن ظبيان وإلى الاطلاق الموجود فيها ، فذللك اثبات صحة سند هذه الرواية شيء جيد ونافع للفقيه.إنه يمكن أن يقال في اثبات صحتها:- إنه بضمّ بعض الأمور إلى بعضٍ ربما يحصل وثوق بصدور هذا المضمون بها التعبير ، وأقوى تلك الأمور ما ذكره الشيخ المفيد(قده) في إرشاده ، فإنه ذكر أنَّ العامة والخاصة قد رووا حديث رفع القلم ، وإذا ثبت أن المفيد قال هذا فهذا أمر جيد ، يعني إنّ حديث رفع القلم من الواضحات بين العامة والخاصّة فلا نحتاج إلى سندٍ دقيق ، قال صاحب الوسائل(قده) نقلاً عن الشيخ المفيد في الارشاد:- ( محمد بن محمد المفيد في الارشاد قال: روت العامة والخاصة أنَّ مجنونة فجر بها رجل وقامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها الحدَّ فمرّ بها علي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما بال مجنونة آل فلان تقتل ؟ فقيل له إنَّ رجلاً فجر بها فهرب وقامت البيّنة عليها وأمر عمر بجلدها ، فقال لهم: ردّوها إليه وقولوا له أما علمت أنَّ هذه مجنونة آل فلان وأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال رفع القلم عن المجنون حتى يفيق وأنها مغلوبة على عقلياها ونفسها فردّوها إليها فدرأ عنها الحدَّ )[1] ، والوارد وإن كان واحداً[2] ولم يأتِ بكلمة ( ثلاث ) ، ولكن إذا رجعنا إلى الارشاد[3] الموجود بأيدينا فإننا نجده يقول:- ( فصلٌ: في ذكر ما جاء من قضاياه عليه السلام في أمارة عمر بن الخطاب ، فمن ذلك ما جاءت به العامة والخاصة في قصة قدامة بن مظعون وقد شرب الخمر ......... ورووا " أنَّ من مجنونة على عهد عمر فجر بها رجل ......... أما علمت أنَّ هذه مجنونة آل فلان وأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:- رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق إنها مغلوبة على عقلها ونفيها فردَّت .... " ) ، وهنا يوجد فيها تعبير ( رفع القلم عن ثلاثة ) ، فإذا الشيخ المفيد ينسب رواية ذلك إلى العامة والخاصة.
إضافةً إلى ذلك يمكن من خلال تتبع الروايات نحصل على روايات داعمة لحديث رفع القلم:-من قبيل:- رواية عبد الله بن جعفر في قرب الأسناد عن علي السندي عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام:- ( أنه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ:- عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم )[4] .
ومن قبيل:- الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار[5] عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أنه سئل عن المولود لم يجرِ عليه القلم هل يصلّى عليه ؟ قال: لا إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم )[6] .
والخلاصة من كلّ هذا:- إنه إذ كنّا نبني على مسلك الوثوق في حجية الرواية فحينئذٍ يمكن أن يدّعى حصول الوثوق والاطمئنان بأنَّ المضمون بهذا التعبير صادر ، وليس من البعيد أن نقول بأنَّ المدار في حجية الخبر على أحد أمرين إما وثاقة الرواة أو الوثوق ، وهنا لا توجد وثاقة في سند وراية ابن ظبيان لكن الوثوق يمكن تحصيله من هنا وهناك ، والمهم هو تعبير الشيخ المفيد(قده) حيث قال ( روت العامّة والخاصَّة ) ، فقد يحصل حينئذٍ الوثوق - وهذا ليس ببعيد - فيحكم على الرواية بالحجية ، وبالتالي يمكن تتميم سند حديث رفع القلم بالشكل الذي ذكرناه.
وأما من حيث الدلالة:- فهل هذا الحديث يدل على أنَّ عبارة الصبي مسلوبة ولا عبرة بها في تحقق العقد ؟
ولعل أوّل من التفت إلى التمسّك بهذا الحديث الشيخ الطوسي(قده) في المبسوط في مسألة إقرار الصبي على نفسه وأنَّ الصبي لو أقرَّ على نفسه بأنه صنع كذا كأن قال أنا كسرت الشيء الفلاني[7] فإقراره ليس بمعتبر لحديث رفع القلم[8] ، قال(قده):- ( فأما غير المكلفين فمثل الصبي والمجنون والنائم فهؤلاء إقرارهم لا يصح قوله عليه السلام " رفع القلم عن ثلاثة ..... ورفع القلم عنهم يقتضي أن لا يكون لكلامهم حكم .... " )[9] ، وهذا معناه أنه مستند إلى حديث رفع القلم.
وذكر الشيخ الأعظم(قد) في المكاسب عن ثلاثة من الأعلام أنهم تمسّكوا بحيث رفع القلم لإثبات بطلان معاملات الصبي ، وهم الشيخ الطوسي وصاحب الغنية وابن إدريس الحلّي في سرائره في مسألة عدم جواز وصيّة البالغ عشراً ، ثم قال:- ( تبعهم في الاستدلال بها جماعة كالعلامة وغيره )[10] .
إذاً استدلَّ بالحديث على أنه لا عبرة بإقرار الصبي ، وعلل الشيخ(قده) بأنَّ الحديث يدل على أنه لا يكون لكلامهم حكم وهذا معناه أنه يريد أن يقول إنه في باب البيع أيضاً لا عبرة بعقد الصبي لأنَّ حديث رفع القلم يقتضي أن لا يكون لكلامهم حكم ، يعني ليس له أثر.