1440/03/12
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/03/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- الفصل الثاني: شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.
وفي تفصيل الحال أكثر نقول:- إنَّ الآية الكريمة اشتملت على جملة شرطية حيث قالت: ﴿ فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ﴾ ، وقد تقدم على هذا الشرط جملتان الأولى ( وابتلوا اليتامى ) ، والثانية ( حتى إذا بلغوا النكاح ) ، والسؤال هو أنَّ هذا الشرط[1] هل يرجع إلى الجملة الأولى فقط أو يرجع إليها وإلى الثانية معاً ؟ ، ولا يوجد احتمال ثالث وهو أن يرجع إلى الثانية فقط ليس بموجود لأنَّ الثانية قالت ﴿ فإن آنستم منهم رشداً ﴾ فلابد أن نفترض أنه يوجد امتحان فالامتحان موجود في الجملة الأولى ، فهذا إما أن يرجع إلى الجملة الأولى فقط التي فيها امتحان ( وابتلوا ) ، لأنَّ المناسب للابتلاء ( فإن آنستم ) أو أنها ترجع إلى الجملة الأولى والثانية معاً وإن كان يكفي وجود الجملة الأولى ، أما رجوعه إلى الجملة الثانية من دون رجوعه إلى الجملة الأولى معها فهذا ضعيف ، فإذاً يوجد احتمالان ، وماذا يترتب على الاحتمالين ؟
فإذا أخذنا بالاحتمال الأول:- يعني ابتلوا اليتامى أي امتحنوهم فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم[2] فيكفي حينئذٍ الرشد في صحة المعاملة من دون لزوم أن يكون بالغاً ، وهذا الاحتمال قد نسبه الفخر الرازي في تفسيره[3] إلى أبي حنيفة ، وبناءً عليه لا يكون البلوغ شرطاً ، فالآية الكريمة لا يمكن أن نستدل بها ، لأنها سوف تكون قاصرة الدلالة ، ونسب إليه أنه قال إنه توجد قرينة على أنَّ الشرط يرجع إلى الجملة الأولى فقط وبالتالي لا يشترط البلوغ ، وهي أنَّ الابتلاء كيف يتحقق ؟ فإنَّ المفروض أننا نريد أن نختبر هذا الشخص قبل البلوغ ، فالاختبار يصير قبل البلوغ ، وكيف يصير الاختبار ؟ ذلك بأن ندفع إليه أموالاً مثلاً ونقول له اذهب واشترِ بها شيئاً ونلاحظ هل يذهب ويشتري الحاجة الجيدة أو لا ، فإذا رأيناه يتصرف بصورة جيدة فمن هنا يتبيّن حاله ، وإلا كيف يتبيّن حاله ؟! ولازم هذا أنَّ معاملته تكون صحيحة حينئذٍ ، فإذاً الآية الكريمة تشتمل بنفسها على هذه قرينة التي تدل على صحة معاملات الصبي.
وجوابه واضح:- وربما ينسب هذا الجواب إلى الشافعي ، وقد ذكره الرازي أيضاً ، وحاصله أن يقال: إنَّ الابتلاء لمعرفة رشده لا يتوقف على صحة معاملته ، فهو لا يجري المعاملة بالكامل ، وإنما يختبر من خلال مقدّمات المعاملة ، فهو في المقدّمات يتبيّن حاله وبعد ذلك الولي يجري الصيغة إن رآه رشيداً حقاً والمعاملة مطابقة للرشد وإلا فلا ، فإذاً لا يلزم اجزاؤه كامل المعاملة.
إذاً الاحتمال الأوّل - وهو رجوع الشرط إلى الجملة الأولى فقط - بالبيان الذي ذكره أبو حنيفة اتضح أنه قابل للمناقشة.مضافاً إلى ذلك يمكن أن تذكر بعض التقريبات في ردّ الاحتمال الأوّل:-التقريب الأوّل:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده).
وقبل أن يذكر الشيخ النائيني المطلب هناك قضية واضحة ولعلها موجودة في أذهانكم كردٍّ على الاحتمال الأوّل وهو أن يقال:- إذا كان الشرط يرجع إلى الجملة الأولى فقط فذكر الجملة الثانية ما هو محلّه ؟ فإنها سوف تصير زائدة ولا ما معنى ذكرها ، فلماذا تُذكَر ؟ فالمناسب للآية أن تقول: ( وابتلوا اليتامى فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ) ، لأنَّ ( حتى إذا بلغو النكاح ) لا مدخلة لها ، فإنَّ الشرط لا يرجع إلى هذا وسوف تصير الجملة لا داعي إليها ، وهل القرآن يذكر ذلك عبثاً ؟!
وبعد أن عرفنا هذا يريد الشيخ النائيني(قده) أن يبين هذا المطلب ولكن ليس لوحده وإنما يريد أن يعطيه صياغةً نائينية برّاقة حيث قال:- إنَّ الشرط إذا كان يرجع إلى الجملة الأولى ، يعني ( وابتلوا اليتامى ..... فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم ) ، يعني أنَّ الرشد وحده يكفي لجواز دفع المال إليه واجراء المعاملة ، ثم نسأل ونقول: هل البلوغ الذي هو الجملة الثانية أيضاً وحده يكفي كالرشد ؟ ، يعني يكون الشرط هو أحد أمرين على سبيل البديلة إما الرشد وإما البلوغ ، فهل البلوغ أيضاً وحده يكفي كما يكفي الرشد وحده أو أنَّ البلوغ وحده لا يكفي[4] ؟ فإذا بطلت هذه الاحتمالات تصير النتيجة هي أنه يشترط اجتماعهما ، وهو مطلوبنا.
وحينئذٍ نقول:- أما الاحتمال الأوّل:- فهو باطل لنكتتين:-الأولى:- إنه من المعلوم بين الفقهاء أنَّ البلوغ لا يكفي ، فهذا الاحتمال باطل ولا يقول به أحد ولا يحتمله أحد.الثانية:- إنَّ الآية الكريمة التي تسبق هذه الآية تقول:- ﴿ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً ﴾ ، إنّ الآية الكريمة تنهى ، فهي تقول ( ولا تؤتوا السفهاء ) والسفاء يعني غير الرشيد ، يعني لا تؤتوا غير الراشدين أموالكم[5] ، فالآية واضحة في أنها تنهى عن اعطاء أموال غير الراشد إليه مادام غير راشد ، فبقرينة هذه الآية الكريمة يبطل هذا الاحتمال.
وأما الاحتمال الثاني:- وهو أن نقول أنه لا يكفي البلوغ ، فإذا كان لا يكفي فما معنى ذكره في الآية الكريمة فإنه سوف يكون حشواً زائداً في الكلام ولا دور له ؟ ، فإذا كان البلوغ وحده لا يكفي كما كان الرشد يكفي وحده فذكر هذه الفقرة يكون زائداً ولا معنى له ، وبذلك يتعيّن الاحتمال الصحيح وهو أنه يعتبر الاجتماع ، لا أنَّ الرشد وحده يكفي ولا أنَّ البلوغ وحده يكفي بل لابد من المجموع .فإذاً هو ابطل قول ابو حنيفة بهذا البيان.