03-02-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/02/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
كنا بصدد تعيّن الحلق وقد ذكرنا مجموعة من الروايات وقد اتضح أن خمساً منها يمكن أن يقال إنه لا بأس بدلالتها على تعيّن الحلق وإن كان قد يناقش فيها من حيث السند.
والآن نقول:- ربما تذكر وراية على العكس - يعني أنها تدّل التخيير وبالأحرى موافقة للآية الكريمة إن تمت دلالة الآية الكريمة - للدلالة على التخيير فلنلاحظ هل أنها تدلّ على التخيير أو لا فإن دلّت فسوف تصير النتيجة معاكسة وهذه الرواية قد تقدمت الإشارة وهي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا أحرمت فعقّصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير وإن أنت لم تفعل فمخّير لك التقصير والحلق في الحج أفضل وليس في المتعة إلا التقصير ) ، وقد أشرنا إلى هذا الحديث سابقاً إن هذه الرواية قد يستدل بها على التخيير لأنه عليه السلام قال:- ( إذا عقّصت أو لبّدت وجب عليك الحلق وليس لك التقصير ) - هذا في الشق الأوّل - إذن يتعين الحلق على الملبّد والمعقّص، ثم قال:- ( وإن أنت لم تفعل - أي لم تلبّد ولم تعقّص - فمخير لك التقصير ) أي مخيّر بين الأمرين وهذا هو موضع الشاهد فإنه كما يشمل غير الصرورة يشمل الصرورة أيضاً ، ثم قال:- ( والحلق في الحج أفضل وليس في المتعة - أي في عمرة التمتع - إلا التقصير ) إنه يدلّ بوضوح على أن الصرورة مخيّر بين الأمرين.
وربما يجاب:- بأن دلالة هذه الرواية هي بالاطلاق فإنه بإطلاق قوله عليه السلام:- ( وإن أنت لم تفعل فمخيّر ) أي لم تعقّص ولم تلبّد فهو بإطلاقه يشمل الصرورة فنقيّد هذا الاطلاق بغير الصرورة بقرينة الروايات السابقة التي دلت على أن الصرورة يتعيّن عليه الحلق . إذن بالتالي ترتفع المنافاة ولم تكن هذه الرواية منافية للروايات السابقة ، هكذا قد يخطر إلى الذهن.
وقد أجبنا فيما سبق:- بأن دلالتها على جواز التقصير للصرورة وأنه مخيّر هي بشكلٍ لا تقبل التقييد فإنه عليه السلام ذكر أن في عمرة التمتع ليس لك إلا التقصير وبيّن أن الحلق في الحج أفضل وهذا معناه أنه بصدد التفصيل والبيان الكامل وقد أشار أيضاً إلى أن الملبّد والمعقّص بأنه يتعين عليه الحلق فلو كان الصرورة يتعيّن عليه الحلق فمن المناسب أن يشير الإمام إلى ذلك ويقول ( الملبّد والمعقص والصرورة عليه الحلق ) فهنا يلزم البيان بهذا الشكل لا أن يقول ( إذا لم يكن ملبّداً ولا معقّصاً يكفيه التقصير والحلق أفضل ) إن هذا الاطلاق لا معنى له . إذن تفصيل وبيان الإمام بهذا الشكل الذي ذكرناه يجعل الاطلاق آبياً عن التقييد عرفاً فماذا نصنع بهذه الرواية ؟
والأجدر في مقام الجواب أن يقال:- إنه تقدم أحد النقلين للرواية هكذا:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ينبغي للصرورة أن يحلق وإن كان قد حجّ فإن شاء قصّر وإن شاء حلق فإذا لبّد شعره أو عقّصه فإن عليه الحلق وليس له التقصير ) ، إن هذه صحيحة لمعاوية بن عمّار أيضاً ومن القريب أنهما رواية واحدة وليست متعدّدة لتقارب الألفاظ والمضمون وحسب نقل هذه الرواية استفاد السيد الخوئي(قده) من عبارة ( ينبغي للصرورة أن يحلق ) الرجحان بقرينة الذيل ببيانٍ قد تقدّم ولم يستفد الإلزام ، ولكن نحن ذكرنا سابقاً أنه يمكن أن نفسّر هذه الرواية بشكلٍ يمكن أن يستفاد منها تعيّن الحلق على الصرورة وقلنا إن كلمة ( ينبغي ) يعني يلزم الصرورة أن يحلق وإن كان قد حجّ - يعني غير الصرورة - فهو مخيّر واستثنى من التخيير في غير الصرورة ما إذا كان قد لبّد أو عقّص . إذن الرواية بهذا النقل يمكن أن نقول هي لا تأبى عن الحمل على تعيّن الحلق في حق الصرورة - فأنا أريد أن أدّعي أجمالها الآن - وبعد أن فرضنا أن هذه الرواية مع الرواية السابقة من القريب أن تكونا رواية واحدة وحيث لم يتعيّن الصادر وأنه الذي يشتمل على كلمة ( ينبغي للصرورة ) أو ذلك النقل الآخر الذي لا يشتمل علية فمعه لا يمكن الاستناد إليها لاستفادة التخيير فلا تعارض الروايات السابقة التي دلت على تعيّن الحلق في حق الصرورة.
ويترتب على هذا أنه سوف نواجه رواياتٍ خمسٍ هي من حيث السند وإن كان قد يناقش فيها إلا أنها من حيث الدلالة لا بأس بدلالتها على تعيّن الحلق ولا يوجد لها معارض لأن المعارض كما ذكرنا - وهو صحيحة معاوية - قد فرضنا الإجمال فيه ولا ندري هل أن الصادر بهذا الشكل أو بذاك الشكل فلا تصلح للمعارضة ومعه يمكن للفقيه أن يحصل على اطمئنان أو ما يقرب منه من خلال تلك الروايات الخمس وإذا لم يمكنه الاستناد إليه في مقام الفتوى فلا أقل هو صالح للاحتياط الوجوبي ، وعلى هذا الأساس ننتهي إلى هذه النتيجة وهي أن الأحوط وجوباً تعيّن الحلق في حق الصرورة ، وإنما احتطنا ولم نفتِ من باب أن الروايات التي استندنا إليها قد يناقش في سندها ولكن لتعدّدها يمكن أن تتجاوز قضيّة السند – لوجود الاستفاضة - ومن حيث الدلالة حيث إنه لا بأس بها وليست دلالة قويّة حتى يمكن الفتوى لذلك صرنا إلى الاحتياط الوجوبي وهذه قضية ترجع إلى نفسيّة الفقيه فإذا فرض أن شخصاً حصل له الاطمئنان الكامل الواضح من حيث الدلالة والسند - واحدة تدعم الأخرى - فبها وإلا فلا يصير حتى إلى الاحتياط الوجوبي بل الاستحبابي ومن كان بين بين كما نحن عليه فالمناسب هو الاحتياط الوجوبي.
وقبل أن ننهي كلامنا عن هذه المسألة نشير إلى قضية:- وهي أن الحلق بعدما كان هو اللازم في حق الصرورة ولو على مستوى الاحتياط الوجوبي نسأل هل يتعيّن في الحلق أن يكون بالموسى أو يجوز أن يكون بالماكنة المتعارفة – يعني بدرجة صفر - فهل تكفي الحلاقة بدرجة صفر أو أنه لا بد من الحلق بالموسى ؟ المدار في هذا المجال الرجوع إلى العرف فما يراه العرف حلقاً يكتفى به فإذا كان صدق الحلق متوقف على إعمال الموسى فحينئذٍ يتعيّن الموسى وإذا فرض أنه يصدق بالاثنين فحينئذٍ يجوز الحلق بالماكنة وإذا شككنا في الصدق فالمناسب هنا تعيّن الموسى باعتبار أنه مأمور بالحلق ولا يتيقّن بحصوله خارجاً إلا بالموسى فيتعيّن آنذاك الموسى ، ولكن بما أني إنسان عرفّي من الوجيه أن نقول إنه يصدق بالماكنة الناعمة أنه قد حلق رأسه فيجزئ آنذاك.
ولو فرض أن المكلف حلق رأسه وأبقى منطقة وتلك المنطقة تارةً تكون كبيرةً - بمعنى أنه حلق نصف رأسه وأبقى النصف الآخر - فهنا لا إشكال في أنه لا يجزئ ذلك لأنه لا يصدق أنه حلق رأسه وإنما يصدق أنه حلق نصف رأسه ، ولو فرضنا أنه حلق ثلاثة أرباعه فالأمر كذلك لا يجزئ لأنه بالتالي لا يصدق أنه حلق رأسه بل حلق ثلاثة أرباع رأسه ، نعم لو أبقى منطقةً صغيرةً - كسنتيمتر أو أقل منه - فحينئذٍ هل يكفي ذلك ؟ المدار كما عرفت هو على الصدق العرفي وإذا كنّا نتدخل فنتدخل بما أننا عرف لا أكثر ولا يبعد أن المنطقة إذا كانت صغيرةً يصدق أنه قد حلق رأسه.
مسألة ( 405 ):- من أراد الحلق وعلم أن الحلّاق يجرح رأسه فعليه أن يقصّر أوّلاً ثم يحلق.
مضمون المسألة واضح يعني أنه لو أراد المكلف أن يحلق ولكن يعلم حتماً أنه سوف يجرحه ففي مثل هذه الحالة فليقصّر ثم ليحلق بعد ذلك والوجه في ذلك هو أنه على مختاره(قده) تكون الوظيفة في حقّ الصرورة أيضاً هي التقصير ومادام يمكنه التقصير فلا يجوز له إخراج الدم وإذا أراد أن يحلق فقبل أن يتمّ الحلق - أي يحصل الإحلال - فهو قد أخرج الدم من رأسه فلا يجوز ذلك لأن إخراج الدم للمحرم لا يجوز فيتعيّن في مثل هذه الحالة التقصير أوّلاً حتى يحلّ به ثم يحلق وإن خرج الدم لأن خروجه آنذاك سوف يكون بعد الإحلال ، هذا ما أفاده(قده) بناءً على مبناه.
ولكن يمكن أن يقال:- إنه حتى لو بنينا على أن الصرورة يجوز له الحلق فمع ذلك نجوّز للحاج أن يحلق ولو علم أنه سوف يخرج منه الدم وذلك لوجهين:-
الوجه الأوّل:- إنه عادةً من أراد أن يحلق يخرج في كثيرٍ من الأحيان أو في بعض الأحيان غير النادرة الدم خصوصاً إذا لم يكن الشخص عارفاً بكيفية أخذ الموسى والحلاقة فهذه قضيّة عاديّة ومعه يكون الدليل الدال على جواز الحلق دالاً بالالتزام العرفي على أن خروج الدم في الأثناء لا يكون قادحاً.
الوجه الثاني:- التمسك بفكرة القصور في المقتضي بمعنى أنه لا يوجد لدينا اطلاق نستفيد منه أن إخراج الدم بشتى أشكاله هو محرّم حتى نتمسك بذلك الاطلاق وإنما - على ما تقدم سابقاً – أنا استفدنا حرمة إخراج الدم من المحرم من الروايات الناهية عن الحجامة إذا لم تكن ضرورية والناهية عن حكّ الجسد إذا فرض أنه كان مدمياً وعن السواك إذا كان مدمياً . إذن النهي قد ورد في هذه الموارد الثلاثة - أو الأربعة أو الخمسة - فلاحظ صحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يحتجم ؟ قال:- لا إلّا أن لا يجد بدّاً فليحتجم )[1] ، وصحيحة معاوية بن عمّار:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال:- بأظافيره ما لم يدمِ أو يقطع الشعر )[2] ، وصحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يستاك ؟ قال:- نعم ولا يدمي )[3] . إذن هذه هي موارد النهي عن الادماء وهي كما ترى موارد خاصّة واستفادة القضيّة الكليّة بحيث تشمل حتى حالة الحلق لأجل الاحلال شيءٌ مشكل وعلى هذا الأساس يكون الاطلاق مفقودٌ والمقتضي قاصرٌ عن شمول هذه الحالة فنرجع آنذاك إلى البراءة فلا مانع آنذاك من الحلق حتى وإن أوجب خروج الدم إما للتمسك بالبراءة أو للتمسك بذلك الدليل الأوّل بعد ضمّ الدلالة الالتزامية.
كنا بصدد تعيّن الحلق وقد ذكرنا مجموعة من الروايات وقد اتضح أن خمساً منها يمكن أن يقال إنه لا بأس بدلالتها على تعيّن الحلق وإن كان قد يناقش فيها من حيث السند.
والآن نقول:- ربما تذكر وراية على العكس - يعني أنها تدّل التخيير وبالأحرى موافقة للآية الكريمة إن تمت دلالة الآية الكريمة - للدلالة على التخيير فلنلاحظ هل أنها تدلّ على التخيير أو لا فإن دلّت فسوف تصير النتيجة معاكسة وهذه الرواية قد تقدمت الإشارة وهي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا أحرمت فعقّصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير وإن أنت لم تفعل فمخّير لك التقصير والحلق في الحج أفضل وليس في المتعة إلا التقصير ) ، وقد أشرنا إلى هذا الحديث سابقاً إن هذه الرواية قد يستدل بها على التخيير لأنه عليه السلام قال:- ( إذا عقّصت أو لبّدت وجب عليك الحلق وليس لك التقصير ) - هذا في الشق الأوّل - إذن يتعين الحلق على الملبّد والمعقّص، ثم قال:- ( وإن أنت لم تفعل - أي لم تلبّد ولم تعقّص - فمخير لك التقصير ) أي مخيّر بين الأمرين وهذا هو موضع الشاهد فإنه كما يشمل غير الصرورة يشمل الصرورة أيضاً ، ثم قال:- ( والحلق في الحج أفضل وليس في المتعة - أي في عمرة التمتع - إلا التقصير ) إنه يدلّ بوضوح على أن الصرورة مخيّر بين الأمرين.
وربما يجاب:- بأن دلالة هذه الرواية هي بالاطلاق فإنه بإطلاق قوله عليه السلام:- ( وإن أنت لم تفعل فمخيّر ) أي لم تعقّص ولم تلبّد فهو بإطلاقه يشمل الصرورة فنقيّد هذا الاطلاق بغير الصرورة بقرينة الروايات السابقة التي دلت على أن الصرورة يتعيّن عليه الحلق . إذن بالتالي ترتفع المنافاة ولم تكن هذه الرواية منافية للروايات السابقة ، هكذا قد يخطر إلى الذهن.
وقد أجبنا فيما سبق:- بأن دلالتها على جواز التقصير للصرورة وأنه مخيّر هي بشكلٍ لا تقبل التقييد فإنه عليه السلام ذكر أن في عمرة التمتع ليس لك إلا التقصير وبيّن أن الحلق في الحج أفضل وهذا معناه أنه بصدد التفصيل والبيان الكامل وقد أشار أيضاً إلى أن الملبّد والمعقّص بأنه يتعين عليه الحلق فلو كان الصرورة يتعيّن عليه الحلق فمن المناسب أن يشير الإمام إلى ذلك ويقول ( الملبّد والمعقص والصرورة عليه الحلق ) فهنا يلزم البيان بهذا الشكل لا أن يقول ( إذا لم يكن ملبّداً ولا معقّصاً يكفيه التقصير والحلق أفضل ) إن هذا الاطلاق لا معنى له . إذن تفصيل وبيان الإمام بهذا الشكل الذي ذكرناه يجعل الاطلاق آبياً عن التقييد عرفاً فماذا نصنع بهذه الرواية ؟
والأجدر في مقام الجواب أن يقال:- إنه تقدم أحد النقلين للرواية هكذا:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ينبغي للصرورة أن يحلق وإن كان قد حجّ فإن شاء قصّر وإن شاء حلق فإذا لبّد شعره أو عقّصه فإن عليه الحلق وليس له التقصير ) ، إن هذه صحيحة لمعاوية بن عمّار أيضاً ومن القريب أنهما رواية واحدة وليست متعدّدة لتقارب الألفاظ والمضمون وحسب نقل هذه الرواية استفاد السيد الخوئي(قده) من عبارة ( ينبغي للصرورة أن يحلق ) الرجحان بقرينة الذيل ببيانٍ قد تقدّم ولم يستفد الإلزام ، ولكن نحن ذكرنا سابقاً أنه يمكن أن نفسّر هذه الرواية بشكلٍ يمكن أن يستفاد منها تعيّن الحلق على الصرورة وقلنا إن كلمة ( ينبغي ) يعني يلزم الصرورة أن يحلق وإن كان قد حجّ - يعني غير الصرورة - فهو مخيّر واستثنى من التخيير في غير الصرورة ما إذا كان قد لبّد أو عقّص . إذن الرواية بهذا النقل يمكن أن نقول هي لا تأبى عن الحمل على تعيّن الحلق في حق الصرورة - فأنا أريد أن أدّعي أجمالها الآن - وبعد أن فرضنا أن هذه الرواية مع الرواية السابقة من القريب أن تكونا رواية واحدة وحيث لم يتعيّن الصادر وأنه الذي يشتمل على كلمة ( ينبغي للصرورة ) أو ذلك النقل الآخر الذي لا يشتمل علية فمعه لا يمكن الاستناد إليها لاستفادة التخيير فلا تعارض الروايات السابقة التي دلت على تعيّن الحلق في حق الصرورة.
ويترتب على هذا أنه سوف نواجه رواياتٍ خمسٍ هي من حيث السند وإن كان قد يناقش فيها إلا أنها من حيث الدلالة لا بأس بدلالتها على تعيّن الحلق ولا يوجد لها معارض لأن المعارض كما ذكرنا - وهو صحيحة معاوية - قد فرضنا الإجمال فيه ولا ندري هل أن الصادر بهذا الشكل أو بذاك الشكل فلا تصلح للمعارضة ومعه يمكن للفقيه أن يحصل على اطمئنان أو ما يقرب منه من خلال تلك الروايات الخمس وإذا لم يمكنه الاستناد إليه في مقام الفتوى فلا أقل هو صالح للاحتياط الوجوبي ، وعلى هذا الأساس ننتهي إلى هذه النتيجة وهي أن الأحوط وجوباً تعيّن الحلق في حق الصرورة ، وإنما احتطنا ولم نفتِ من باب أن الروايات التي استندنا إليها قد يناقش في سندها ولكن لتعدّدها يمكن أن تتجاوز قضيّة السند – لوجود الاستفاضة - ومن حيث الدلالة حيث إنه لا بأس بها وليست دلالة قويّة حتى يمكن الفتوى لذلك صرنا إلى الاحتياط الوجوبي وهذه قضية ترجع إلى نفسيّة الفقيه فإذا فرض أن شخصاً حصل له الاطمئنان الكامل الواضح من حيث الدلالة والسند - واحدة تدعم الأخرى - فبها وإلا فلا يصير حتى إلى الاحتياط الوجوبي بل الاستحبابي ومن كان بين بين كما نحن عليه فالمناسب هو الاحتياط الوجوبي.
وقبل أن ننهي كلامنا عن هذه المسألة نشير إلى قضية:- وهي أن الحلق بعدما كان هو اللازم في حق الصرورة ولو على مستوى الاحتياط الوجوبي نسأل هل يتعيّن في الحلق أن يكون بالموسى أو يجوز أن يكون بالماكنة المتعارفة – يعني بدرجة صفر - فهل تكفي الحلاقة بدرجة صفر أو أنه لا بد من الحلق بالموسى ؟ المدار في هذا المجال الرجوع إلى العرف فما يراه العرف حلقاً يكتفى به فإذا كان صدق الحلق متوقف على إعمال الموسى فحينئذٍ يتعيّن الموسى وإذا فرض أنه يصدق بالاثنين فحينئذٍ يجوز الحلق بالماكنة وإذا شككنا في الصدق فالمناسب هنا تعيّن الموسى باعتبار أنه مأمور بالحلق ولا يتيقّن بحصوله خارجاً إلا بالموسى فيتعيّن آنذاك الموسى ، ولكن بما أني إنسان عرفّي من الوجيه أن نقول إنه يصدق بالماكنة الناعمة أنه قد حلق رأسه فيجزئ آنذاك.
ولو فرض أن المكلف حلق رأسه وأبقى منطقة وتلك المنطقة تارةً تكون كبيرةً - بمعنى أنه حلق نصف رأسه وأبقى النصف الآخر - فهنا لا إشكال في أنه لا يجزئ ذلك لأنه لا يصدق أنه حلق رأسه وإنما يصدق أنه حلق نصف رأسه ، ولو فرضنا أنه حلق ثلاثة أرباعه فالأمر كذلك لا يجزئ لأنه بالتالي لا يصدق أنه حلق رأسه بل حلق ثلاثة أرباع رأسه ، نعم لو أبقى منطقةً صغيرةً - كسنتيمتر أو أقل منه - فحينئذٍ هل يكفي ذلك ؟ المدار كما عرفت هو على الصدق العرفي وإذا كنّا نتدخل فنتدخل بما أننا عرف لا أكثر ولا يبعد أن المنطقة إذا كانت صغيرةً يصدق أنه قد حلق رأسه.
مسألة ( 405 ):- من أراد الحلق وعلم أن الحلّاق يجرح رأسه فعليه أن يقصّر أوّلاً ثم يحلق.
مضمون المسألة واضح يعني أنه لو أراد المكلف أن يحلق ولكن يعلم حتماً أنه سوف يجرحه ففي مثل هذه الحالة فليقصّر ثم ليحلق بعد ذلك والوجه في ذلك هو أنه على مختاره(قده) تكون الوظيفة في حقّ الصرورة أيضاً هي التقصير ومادام يمكنه التقصير فلا يجوز له إخراج الدم وإذا أراد أن يحلق فقبل أن يتمّ الحلق - أي يحصل الإحلال - فهو قد أخرج الدم من رأسه فلا يجوز ذلك لأن إخراج الدم للمحرم لا يجوز فيتعيّن في مثل هذه الحالة التقصير أوّلاً حتى يحلّ به ثم يحلق وإن خرج الدم لأن خروجه آنذاك سوف يكون بعد الإحلال ، هذا ما أفاده(قده) بناءً على مبناه.
ولكن يمكن أن يقال:- إنه حتى لو بنينا على أن الصرورة يجوز له الحلق فمع ذلك نجوّز للحاج أن يحلق ولو علم أنه سوف يخرج منه الدم وذلك لوجهين:-
الوجه الأوّل:- إنه عادةً من أراد أن يحلق يخرج في كثيرٍ من الأحيان أو في بعض الأحيان غير النادرة الدم خصوصاً إذا لم يكن الشخص عارفاً بكيفية أخذ الموسى والحلاقة فهذه قضيّة عاديّة ومعه يكون الدليل الدال على جواز الحلق دالاً بالالتزام العرفي على أن خروج الدم في الأثناء لا يكون قادحاً.
الوجه الثاني:- التمسك بفكرة القصور في المقتضي بمعنى أنه لا يوجد لدينا اطلاق نستفيد منه أن إخراج الدم بشتى أشكاله هو محرّم حتى نتمسك بذلك الاطلاق وإنما - على ما تقدم سابقاً – أنا استفدنا حرمة إخراج الدم من المحرم من الروايات الناهية عن الحجامة إذا لم تكن ضرورية والناهية عن حكّ الجسد إذا فرض أنه كان مدمياً وعن السواك إذا كان مدمياً . إذن النهي قد ورد في هذه الموارد الثلاثة - أو الأربعة أو الخمسة - فلاحظ صحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يحتجم ؟ قال:- لا إلّا أن لا يجد بدّاً فليحتجم )[1] ، وصحيحة معاوية بن عمّار:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال:- بأظافيره ما لم يدمِ أو يقطع الشعر )[2] ، وصحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يستاك ؟ قال:- نعم ولا يدمي )[3] . إذن هذه هي موارد النهي عن الادماء وهي كما ترى موارد خاصّة واستفادة القضيّة الكليّة بحيث تشمل حتى حالة الحلق لأجل الاحلال شيءٌ مشكل وعلى هذا الأساس يكون الاطلاق مفقودٌ والمقتضي قاصرٌ عن شمول هذه الحالة فنرجع آنذاك إلى البراءة فلا مانع آنذاك من الحلق حتى وإن أوجب خروج الدم إما للتمسك بالبراءة أو للتمسك بذلك الدليل الأوّل بعد ضمّ الدلالة الالتزامية.