1439/11/01
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/11/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 54 ) – المكاسب المحرّمة.
وأما العنوان الثالث:- فهو العتق.
والمعروف فيه أنه لا يتحقق إلا بالصيغة الخاصة ، ويدل على ذلك صحيح زرارة المتقدم حيث ورد فيه:- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام:- رجل كتب بطلاق امراته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه ، قال:- ليس ذلك بطلاق ولا عتاق حتى يتكلم به ) ودلالتها واضحة ، والقضية لا تستدعي تطويلاً أكثر من ذلك.
وأما العنوان الرابع:- وهو التحليل.
والمقصود منه أن يحلل مالك الجارية جاريته لغيره مدّةً من الزمن فهذا جائز عندنا ، وقد دلت عليه روايات متعددة نذكر واحدة منها ، وهي صحيحة الفضيل بن يسار قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنَّ بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت إذا أحلّ الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال ، فقال:- نعم )[1] .
فإذن التحليل جائز بلا إشكال ، ولكن هل تعتبر فيه الصيغة الخاصة بأن يقول مالك الجارية ( جاريتي حلال لك لفترة يوم مثلاً ) أو تكفي المبرزات الأخرى من الكتابة أو الاشارة أو غيرهما ؟
لعلّ المعروف اعتبار ذلك ، بيد أنه لا يوجد دليل على اعتبار التلفظ والصيغة ، والمهم أنَّ الروايات دلت على أنه يجوز إذا أحلّها وعنوان ( أحلّ ) يصدق ولو لم يكن بالصيغة بل كان بالكتابة ، فمادام يصدق فإذن لا مشكلة ، فالمناسب إذن هو عدم اشتراط الصيغة الخاصة.
إن قلت:- إنه قبل أن يصدر من المالك للجارية المؤشر للحل من كتابة أو لفظ أو غير ذلك لم تحل للطرف الثاني ونحن نشك هل تحلّ له إذا كتب من دون نطقٍ وتلفّظ أو لا فمقتضى الاستصحاب بقاء الحرمة وعدم الحلّية ، ولكن كما قلنا هذا يتم على غير رأي السيد الخوئي(قده) ، وأما على رأيه فاستصحاب الحرمة السابقة هو استصحاب حكمي وهو معارض دائماً بأصالة عدم الجعل الزائد ، وهنا الأمر كذلك فنحن نشك فلا يجري استصحاب الحرمة للمعارضة فلا مشكلة ، ولكن إذا لم نبنِ على رأيه كما هو الصحيح وقلنا إن الاستصحاب الحكمي يجري من دون معارضة فاستصحاب الحرمة يكون جارياً إلى أن نتيقن بالحلّية ، واليقين إنما يحصل بلفظ ( هي حلال لك ) ، أي بالصيغة الخاصة.
قلت:- إنَّ هذا وجيه إذا لم نفترض وجود دليل اجتهادي وهو الاطلاق ، أما بعد وجوده مثل صحيحة الفضيل بن يسار المتقدمة التي تقول:- ( إذا أحلّ الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال ) فهذا يشمل بإطلاقه حالة الكتابة فإنه يصدق ( أحلّ ) هنا ، أما إذا قلت ليس من المعلوم الصدق فسوف لا يكون عندنا اطلاق فاستصحاب الحرمة يكون جارياً ، ولكن إذا قلنا بصدق ( أحلّ ) هنا كما هو ليس ببعيد فيكون مشولاً للإطلاق.
فإذن شبهة أنه لا يمكن الحكم بالحّلية إذا لم تتحقق الصيغة لأجل جريان الاستصحاب مدفوعة بما أشرنا إليه من أنَّ الاستصحاب لا يجري بعد وجود الدليل الاجتهادي المذكور.
أجل استدرك وأقول:- إنَّ صاحب الجواهر(قده) قال ما نصّه:- ( أما الصيغة فلا خلاف في اعتبارها فيه بل الاجماع بقسميه عليه )[2] ، فهنا هل نرفع اليد عن اطلاق صحيحة الفضيل بن يسار بعد دعوى الاجماع هذه أو لا ؟ ، وهذه قضية سيّالة فإنَّ الأدلة تقتضي شيئاً ويوجد في المقابل دعوى الاجماع فماذا نصنع تجاهها ؟ إنه في مثل هذه الحالة إذا فرض أنك لست من المتوقفين في دعاوى الاجماع وتأخذها بعين الرضا فإنَّ صاحب الجواهر يقول ( لا خلاف في اعتبارها فيه بل الاجماع بقسميه ) وأنت أخذت بكلام صاحب الجواهر(قده) أي بأصل النقل ولا تشكك في الحجية فحينئذٍ تفتي باعتبار الصيغة ، أما إذا كان هذا الاجماع غير ثابت عندك وغير معتبر فحينئذٍ سوف تفتي بعدم شرطية الصيغة الخاصة ، وإذا كنت تعطي شيئاً للاجماع فتتنزل إلى الاحتياط الوجوبي ، ونحن عادةً في مثل هكذا اجماعات نتنزّل إلى الاحتياط الوجوبي.
وأما العنوان الخامس:- وهو النذر.
فهل تعتبر فيه الصيغة الخاصة أيضاً أو لا ؟يمكن أن يقال:- إنه لا خلاف في ذلك ، والوجه هو الروايات ، فإنها صرّحت بأنه لا يكون المورد من النذر إلا إذا قلت ( لله عليَّ كذا ) ، ونذكر روايةً واحدةً ، وهي رواية الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إذا قال الرجل عليَّ المشي إلى بيت الله الحرام وهو محرم بحجة أو عليَّ هدي كذا وكذا فليس بشيء حتى يقول لله عليَّ المشي إلى بيته أو يقول لله علي أن أحرج بحجة أو يقول لله عليَّ هدي كذا وكذا )[3] ، وعلى منواله أحاديث أخرى.
إذن الرواية قالت لا يكون المورد من النذر حتى يقول ( لله عليَّ ).
ويوجد شيء:- وهو أنَّ صيغة النذر هي ( لله عليَّ ) ، فإذا فرض أنَّ شخصاً قال ( لله عليَّ نذرٌ كذا وكذا ) فهل تكفي هذه الصيغة أو لا ؟ كأن بعض الأعلام قال هذا لا يكفي لأن الصيغة هي ( لله عليَّ ) وأنت قد أضفت إليها كلمة ( نذرٌ ) وهو خلاف المنصوص وهو مشكوك أنه ينعقد به النذر أو لا ينعقد فيكون شموله للنص مشكوكاً ، ومادام مشكوكاً فإذن لا دليل على الإلزام ، وأما إذا قال شخص إنَّ الامام عليه السلام يريد أن يبيّن أنَّ صيغة ( لله عليَّ ) يلزم أن يأتي بها الناذر أما الاضافات الأخرى مثل ( قربة إلى الله تعالى ) أو ( نذرٌ ) فهذا لا يؤثر شئياً وإنما المهم أنى تأتي بصيغة ( لله عليَّ ) ، فإذا استظهرت هذا فسوف يكون هذا النذر لازماً ، وإذا شككنا فالمناسب على القواعد هو عدم الإلزام ، لأنَّ النص لا يمكن التمسّك به هنا ، فـ ﴿ وليوفوا نذورهم ﴾ لا يمكن التمسّك به لأنه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية ، لأنه ليس من المعلوم أنَّ هذا نذر ، فمن المناسب عدم الانعقاد ، ولكن الفقيه قد يحتاط وجوباً بالعمل على طبق النذر.
وقد يقول قائل:- لماذا لا نستدل على اعتبار الصيغة بوجه آخر ، وذلك بأن يقال:- إنه من دون الصيغة لا يصدق عرفاً عنوان النذر ، فإنه يقال نذرت إذا فرض أني أبرزته ، أما إذا لم أبرزه وكان موجوداً في القلب فمجرّد تبييت النية فهذا لا يصدق أو على الأقل نشك في أنه يصدق ويكفينا الشك في عدم لزوم الوفاء ، والعموم لا يمكن التسّمك به لأنه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية،.
والجواب:- إنَّ هذا الكلام ينفع فيما إذا فرض أننا أردنا أن نقول يكفي مجرّد النيّة القلبية بلا مبرز فهنا يأتي هذا الرد فيقال إنه بمجرّد النيّة لا يصدق عنوان النذر جزماً أو احتمالاً وكلاهما ينفعنا ، أما إذا فرضنا أننا نريد أن نقول لا تكفي المبرزات الأخرى غير صيغة ( لله عليَّ ) والمبرز الآخر مثل الكتابة أو يقول ( نذر عليَّ ) أي يوجد لفظ ولكن ليس بصيغة ( لله عليَّ ) ففي مثل هذه الحالة لا يمكن التمسّك بهذه القضية وهي أنه لا يصدق عنوان النذر جزماً أو احتمالاً ، إذ المفروض أنه يوجد مبرز ، إنما لا يصدق عرفاً فيما إذا لم يوجد مبرز أبداً ، ونحن الآن في صدد تبيان أنه يشترط المبرز المعيّن وهو صيغة ( لله عليَّ ) ، فإذن لا ينفعنا في اثبات هذه الصيغة الخاصة إلا الرواية ولا تنفعنا هذه القضية العرفية التي أشرنا إليها.
فائدة جانبية:- يقال إنه يشترط في باب النذر أن يكون متعلق النذر راجحاً ، فإذا قلت ( لله عليَّ أن أنام الساعة كذا ) فهذا ليس بشيءٍ راجح بل هو متساوي الطرفين فلا ينعقد ، وكذلك المرجوح لا ينعقد كما لو قال ( لله عليَّ أن لا أزورك ) ، وما الدليل على اعتبار الرجحان في متعلّق النذر وأنه لا يكفي تساوي الطرفين فضلاً عن المرجوحية ؟ إنَّ تحصيل ذلك من خلال رواية أمر مشكل ، ولكن هناك شيء آخر يمكن التمسّك به وهو أنه من نفس صيغة ( لله ) نستفيد الرجحان ، فإنه لا معنى لأن تقول ( لله علي ) إذا لم يكن مطلوباً ومحبّباً لله تعالى فإن هذا لا يصح ، مثل ما أقول لك ( لك عليَّ أن آخذ منك كذا مقدار من المال ) فإن هذا ليس مقبولاً ، أو ( لك عليَّ أن لا آخذ منك أو تأخذ مني ) فإنَّ هذا لا معنى له ، فإنَّ حالات التساوي وحالات المرجوحية لا معنى لانعقاد النذر فيها ، وهذه نكتة ظريفة جداً.
إذن نفس الصيغة التي اعتبرها الدليل الشرعي - وهي صيغة ( لله علي ) - هي تستبطن اعتبار الرجحان.