34-08-01
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/08/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
القضية الثانية:- إذا فرض حصول الشك في منى - يعني في بقعة منها وأنها من منى حتى يجوز الذبح فيها أو ليس منها حتى لا يجوز - فتارة يفترض أن الشك هو بنحو الشبهة المصداقية وأخرى بنحو الشبهة المفهومية.
أما إذا كان بنحو الشبهة المصداقية - يعني كنّا نعلم أن منى هي ما بين الجبلين ولكن شككنا في منطقة معينة أنها مصداق لما بين الجبلين أو هي خارجة عما بين الجبلين فحدود منى معينة مفهوماً وأنها ما بين الجبلين إلا أن الشك في المصداق - فالمناسب هو الاشتغال فإن الذمة قد اشتغلت بالذبح في منى التي هي محدّدة حسب الفرض فلابد من إحراز ذلك - يعني أن الذبح ذبحٌ في منى - لقاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وهذا واضح.
وأما إذا كانت الشبهة مفهومية - بمعنى أننا كنا نشك هل أن منى هي خصوص ما بين الجبلين أو أنها تعمّ السفح الذي يكون من الطرف الثاني للجبل فهنا الشك ليس شكاً في المصداق بل في أصل حدود منى مفهوماً يعني سعة وضيّقاً - والمناسب في مثله جواز الذبح في المنطقة المشكوكة بنحو الشك المفهومي والوجه في ذلك هو التمسك بالأصل اللفظي إن كان وإلا فبالأصل العملي ، أما الأصل اللفظي فالمقصود هو أنه قد دلّ الدليل على وجوب الذبح وهذا شيء مسلّم إما للأدلة اللبيّة أو اللفظية بإضافة اللبيّة على كلامٍ تقدم ومقتضى إطلاق هذا الدليل هو أن الذبح يجزي في أي مكانٍ كان إذ هو مطلقٌ كقوله تعالى:- ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) فهو مطلق ولم يشخّص فيه منطقة معيّنة ومقتضى إطلاقه الجواز في كل مكانٍ غايته جاء المخصِّص وذكر أنه يلزم الذبح في منى وهذا المخصِّص دار مفهومه بين السعة والضيق فيكون المورد مشمولاً لتلك القاعدة الأصولية التي تقول إنه متى ما كان عندنا عامٌّ أو مطلقٌ وورد عليه مخصِّص يدور أمره بين الأكثر والأقل - يعني بين السعة والضيق - فالتخصيص بمقدار القدر المتيقن جزميّ فيؤخذ به وأما بالمقدار الزائد فحيث إن الخاص ليس حجّة فيه فإن الخاص لا يُثبِت أن هذا من منى بل هو يقول يجب الذبح في منى أما أن هذا المشكوك بالشك المفهومي من منى أو لا فهو لا يُثبِت ذلك فإن الحكم لا يثبت موضوع نفسه كما هو واضح فيعود المجال مفتوحاً أمام إطلاق أو عموم الدليل الدال على وجوب الذبح فيؤخذ بإطلاقه من هذه الناحية فيجوز الذبح في هذا المكان المشكوك أيضاً لعدم الجزم بالتخصيص بلحاظه . نعم غير هذا المكان المشكوك - يعني المناطق التي يجزم بأنها ليست من منى - فتلك قد خرجت جزماً بالقدر المتيقن على ما فرضنا أما هذا المشكوك فلا نعلم بخروجه فنتمسك بإطلاق المطلق ، وواضح أن هذا يتم بناءً على وجود إطلاقٍ في دليل وجوب الذبح فإن كان موجوداً فهذه الطريقة سالمة وجيدة والمسألة من هذه الناحية ترتبط بالمبنى.
وإذا عُدِمَ وجود هذا الإطلاق اللفظي - يعني بالتالي لا يوجد إطلاق لفظي يمكن التمسك به لإثبات جواز الذبح في المنطقة المشكوكة - فنتمسك بالأصل العملي آنذاك وذلك بأن نقول هكذا:- إن ذمتنا قد اشتغلت جزماً بالحج مع الذبح المقيّد بكونه في هذا المكان الذي هو المقيّد بأن لا يكون تلك المناطق التي هي ليست من منى جزماً وأما أنه قُيِّد بأن لا يكون في المنطقة المشكوكة أيضاً فهذا أمر مشكوك يشك في أصل اشتغال الذمة به ، إن هذا شك في أصل ضيق اشتغال الذمة فينفى آنذاك بالبراءة وبالتالي يجزي الإتيان بالذبح في المنطقة المشكوكة . ولا ينبغي أن يشكل بأنه لماذا لا نطبق قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ؟ فإنا نجيب كما أشرنا أكثر من مرّة بأن المناسب أن نذهب إلى دائرة شغل الذمة قبل أن نلاحظ دائر تفريغ الذمة - أعني دائرة الامتثال -- وحيث أننا نشك أن ذمتنا هل اشتغلت بالحج مع الذبح المقيّد بأن لا يكون في هذه المنطقة المشكوكة فنجري البراءة عن أصل الاشتغال ولا معنى آنذاك لتطبيق قاعدة الاشتغال اليقيني التي هي ناظرة إلى دائرة الامتثال فإن هذه القاعدة فرع إحراز دائرة شغل الذمة أما إذا كانت دائرة شغل الذمة مشكوكة فينفى الشغل الزائد بالبراءة.
واستدرك وأقول:- إن هذا البيان كما أشرنا سابقاً يتم بناءً على أن عنوان منى قد أخذ بنحو المرآتية إلى المكان والأرض وحينئذ يقال:- وأما إذا كان مأخوذاً بنحو الموضوعيّة دون المرآتية فالأمر ينعكس ، يعني تجري أصالة الاشتغال لأن الذمة مشغولة بالذبح المقيّد بعنوان منى بنحو الموضوعية فلابد من إحراز ذلك - أي إحراز أن الذبح ذبح في منى - وأما إذا استظهرنا من الدليل أن عنوان منى حينما ذكر فهو يراد به الإشارة إلى الأرض والمنطقة فحينئذ نقول نحن نشك هل أن منى هي خصوص هذه المنطقة الضيّقة أو هي أوسع منها بقليل ؟ فحينئذ نجري البراءة عن اشتغال ذمتنا بالذبح المقيّد بهذه المنطقة الضيّقة فيجزي حينئذ الذبح في المنطقة المشكوكة . نعم لا يجزي الذبح في المنطقة التي يجزم بأنها ليست من منى وهذه واضح أما المشكوك فيشك في تقيّد الذبح بأن لا يكون فيه فتجرى البراءة من هذه الناحية.
وقد تسأل وتقول:- كيف نتمكن أن نشخّص أن هذا العنوان قد أخذ بنحو الموضوعيّة أو أنه أخذ بنحو المرآتية ؟
قد يقال:- إن الأصل في كلِّ عنوانٍ أنه مأخوذ بنحو الموضوعيّة إلى أن يقوم الدليل على أنه مأخوذ بنحو المرآتية . وهذا المطلب نسلّمه في الجملة أما بنحو الإطلاق وبالشكل الكلّي فلا فإنه في مثل هذه العناوين - مثل عنوان منى - التي من المناسب أن يكون إشارة إلى تلك المنطقة الشريفة وإلا فالعنوان بما هو عنوان لا دور له ولا أقل هو مشكوكٌ فهنا الأصل الذكور لا مجال له أي أنه في مثل هذه العناوين التي من المناسب أن تكون عرفاً مرآةً - فيبقى الأمر من هذه الناحية مرتبطاً باستظهار الفقيه فإن استظهر أنه مرآة باعتبار أن العناوين في باب الأمكنة تؤخذ عادةً كمرآةٍ فبها وإلّا فيحصل الشك في أنه مأخوذ بنحو المرآتية أو بنحو الموضوعيّة ويكفينا الشك في كون الأصل هو البراءة ما دمنا قد رفضنا كون العنوان ظاهراً في الموضوعيّة في باب الامكنة وقلنا أن هذا الأمر من هذه الناحية يبقى مردداً وإذا بقي مردداً فحينئذ يبقى المجال وفتوحاً للبراءة إذ بالتالي نحن نشك أن ذمتنا هل اشتغلت بالذبح المقيّد بعنوان منى ؟ إنه شك في أصل التكليف وبالتالي نتمكن أن نقول إن القدر المتيقن هو أن ذمتنا قد اشتغلت بالذبح في المنطقة المعلوم أنها ليست من منى وأما الشكوك أنها من منى فلا نشك أن ذمتنا قد اشتغلت بأن لا يكون الذبح فيها فيعود المجال مفتوحاً لأصل البراءة من هذه الناحية.
القضية الثالثة:- لو فرض أن الحاج وكلّ شخصاً في أن يذبح عنه وبعد ذلك اتضح أن الحاج قد رمى قبله وهنا حالات ثلاث:-
الأولى:- أن يكون ذلك بسبب جهل الحاج باشتراط الترتيب فهو لا يعرف أنه يلزم أن يرمي أوّلاً ثم يذبح الهدي ولجهله وكلّ في الذبح ثم ذهب هو ليرمي بعد أن ذبح الوكيل ، والمناسب في مثل هذه الحالة الصحة لما دلَّ على أن من قدّم أو أخّر مادام ذلك عن جهل أو عن نسيان فلا حرج ولا يضرّه ذلك وهذا من هذا القبيل.
الثانية:- أن نفترض أنه وكّله في أن يذبح في الساعة التاسعة باعتقاد الحاج أنه يرمي في الساعة الثامنة فهو يرمي في الثامنة ووكيله يذبح في التاسعة وبالفعل ذبح الوكيل الهدي في الساعة التاسعة ولكن الحاج لم يتمكن من أن يرمي في الساعة الثامنة لسببٍ وآخر - كالزحام أو أنه أصابه عارضٌ آخر - فالمناسب في هذه الحالة ما هو ؟ فهل يلزم أن يعيد - يعني يرمي ثم يعيد الذبح بعد الرمي - أو لا ؟ نعم المناسب هو ذلك بمقتضى القاعدة الأوّلية لأجل أن الروايات التي دلّت على الاستثناء هي وادرة في الجاهل أو الناسي وهذا ليس مصداقاً لذلك فحينئذ يبقى تحت القاعدة ، اللهم إلا أن نستظهر ونفهم العموميّة من تلك الروايات التي أعذرت الناسي والجاهل لكلِّ عذرٍ ولو كان من هذا القبيل فإذا استفدنا واستظهرنا ذلك فحينئذ نحكم بالصحة من باب أن موردنا سوف يكون مشمولاً لهذه الروايات ، أو نفترض أنه نرجع إلى دليل اعتبار تقدّم الرمي على الذبح ونقول إنه لا إطلاق له لمثل هذه الحالة وذلك فيما إذا كان الدليل على اعتبار الترتيب دليلاً لبيّاً فإنه لا يكون فيه إطلاق من هذه الناحية.
إن قلت:- هل يمكن التمسك بحديث الرفع - أي ( رفع عن امتي ما اضطروا إليه ) - فإن المناسب هو هذا فإنه قد اضطر إلى ترك الرمي فتركه قد صدر عن اضطرار فيكون مشمولاً للحديث.
قلت:- إن الحديث يرفع الاضطرار أما أن ما أتِيّ به هو من مصاديق ما اشتغلت به الذمة فهو أوّل الكلام فما اشتغلت به الذمة لو كان شاملاً لهذا يثبت الإجزاء ولكن حديث الرفع لا يثبت أن هذا مما اشتغلت به الذمة وأن هذا مأموراً به فكيف نثبت صحته ؟!
الثالثة:- أن نفترض أن الحاج يطلب من الوكيل أن يذبح في الساعة التاسعة والمفروض أن الحاج يرمي في الساعة الثامنة وقد وفق الحاج إلى الرمي في الساعة الثامنة ولكن الوكيل قد سرَّع الذبح فذبح في الساعة السابعة . والمناسب في هذه الحالة هو عدم الإجزاء كالحالة السابقة كما أن المناسب هو ضمان الوكيل فيتمكن الموكّل أن يقول للوكيل أنا لم أطلب منك هذا وأنت فعلته من دون إذني وطلبي فتكون أنت الضامن لهذه الذبيحة ، فهذا أيضاً يوجد فيه مجال.