34-06-26
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/06/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسالة ( 380 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وقبل أن ننتقل إلى الطائفة الثانية توجد ملاحظتان:-
الملاحظة الأولى:- إن هذه الصحيحة كما يمكن التمسك بها لهذه الصورة - أي صورة ما إذا حصل الالتفات بعد أيام التشريق - يمكن أن نتمسك بها للصورة الأولى - أعني إذا التفت إلى أنه لم يرمِ جمرة العقبة قبل انتهاء أيام التشريق - فإن إطلاقها جيد فكما تشمل الصورة الثانية تشمل الصورة الأولى بلا فرق بينهما ، وعليه ففي الصورة الأولى يمكن أن نتمسك بثلاث روايات وليس بروايتين.
الملاحظة الثانية:- ذكرنا أن الوارد في هذه الصحيحة كلمة ( الجمار ) حيث قالت:- ( رجل نسي رمي الجمار ) وقلنا إن التعبير بذلك قد يقال باختصاصه بنسيان رمي اليوم الحادي عشر فإن فيه رمياً للجمار بخلاف اليوم العاشر الذي يختص الرمي فيه بجمرة العقبة فرمي الجمار ليس في اليوم العاشر وإنما هو موجود بلحاظ بقية أيام التشريق ، وعليه فقد يوحي هذا التعبير باختصاص الصحيحة بمن نسي الرمي في غير اليوم العاشر . ونحن أجبنا عن ذلك بأن كلمة ( الجمار ) لا نفهم منها الجمع بل نفهم منها الجنس وعلى هذا الأساس لا إشكال.
بيد أن السيد الخوئي(قده) حاول أن يتمسك ببيان آخر:- وهو الأولوية حيث قال:- إن من نسي رمي اليوم الحادي عشر مثلاً إذا كان يلزمه أن يقضيه متى ما التفت فكذلك لو فرض أن النسيان كان نسياناً لرمي جمرة العقبة في اليوم العاشر فإنه يلزمه أن يقضيه بالأولوية . ووجه الأولوية هو أن رمي جمرة العقبة يمكن أن يقال بأنه جزء من الحج ومن جملة أعماله وهذا بخلاف رمي بقيّة الجمار في بقيّة الأيام فإنه وإن كان واجباً إلا أنه ليس بنحو الجزئية وإنما هو واجب مستقل في الواجب أو بعد الواجب ، أما لماذا أن ذاك جزءاً وهذا واجب مستقل ؟ ذلك ما سيأتي اثباته انشاء الله تعالى . وهنا يقال إنه بناءً هذا لو تمّ هذا الأصل الموضوعي فحينئذ إذا ثبت وجوب قضاء رمي الجمار متى ما نسي رميها فبالأولى يثبت ذلك لرمي جمرة العقبة لأن رميها جزء من الحج بخلاف رمي بقيّة الأيام .
وفيه:- إن المشكلة ليست فقط في أنه هل يجب القضاء أو لا يجب فلو كان الأمر يدور بين هذين الاحتمالين فقط من دون وجود احتمال آخر فالأمر كما ذكر ولكن هناك احتمالات أخرى لا يمكن نفيها من قبيل أنه من نسي رمي جمرة العقبة لا يكفيه القضاء في اليوم الثاني أو الثالث بل يلزمه أن يأتي بذلك في العام المقبل في اليوم العاشر بنفسه أو بنائبه إن مثل هذا الاحتمال كيف يمكن نفيه ، وهكذا يحتمل أنه من نسي رمي جمرة العقبة يلزمه إعادة الأعمال بالشكل الذي يحصل معه الترتيب فلا يُجتزى بما حصل فلو نسي رمي جمرة العقبة فذبح وحلق فيقال إنه يلزمه أن يعيد الأعمال من جديد - يعني أنه يرمي جمرة العقبة في اليوم الثاني أو الثالث من جديد قضاءً ثم يأتي بالذبح والحلق وهكذا - إن هذا احتمال موجود أيضاً فيحصل تضييق وتشديد في حق من نسي جمرة العقبة ، وعليه فالتمسك بالأولويّة إنما ينفع فيما لو كان الأمر يدور بين هذين الاحتمالين فقط - يعني احتمال القضاء واحتمال عدم القضاء من دون حاجة إلى قضاء - فهنا يقال إن وجوب القضاء ثابت بالأولويّة أما بعد وجود احتمالات أخرى كما أشرنا إليها فالأولوية لا معنى لها بل المناسب هو التمسك بالبيان الذي أشرنا إليه من أن كلمة ( الجمار ) جنسيَّة لا يقصد منها الجمع.
الطائفة الثانية:- رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من أغفل
[1]
رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل فإن لم يحج رمى عنه وليُّه فإن لم يكن له وليٌّ استعان برجلٍ من المسلمين يرمي عنه فإنه لا يكون رمي الجمار إلا في أيام التشريق )
[2]
، وهي تدل بوضوح على أن القضاء ليس ممكناً متى ما حصل الالتفات بعد أيام التشريق بل عليه أن يقضي الرمي بنفسه أو بنائبه في العام المقبل والقدر المتيقن منها هو نسيان رمي جمرة العقبة وبالإطلاق تشمل نسيان رمي بقيّة الجمرات . إذن دلالتها واضحة ولا تأمل فيها فتعارض الرواية السابقة - معارضة غير مستقرة - والمناسب بعد المعارضة تقييد تلك الرواية بهذه لأن تلك مطلقة حيث قالت ( من نسي فليقضيه متى ما التفت ) فهي مطلقة من حيث أن أيام التشريق بَعدُ باقية أو انتهت فتاتي هذه الرواية وتقيّد تلك وتصير النتيجة هي أن صحيحة معاوية مختصَّة بمن التفت قبل أيام التشريق ، إن المناسب فنيّاً وصناعياّ هو ذلك.
ولكن سند هذه الرواية ضعيف فإنه ورد هكذا:- ( موسى بن القاسم عن محمد بن عمر بن يزيد عن محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد ) والراوي لهذه الرواية هو الشيخ الطوسي(قده) وموسى بن القاسم ومحمد بن عذافر وعمر بن يزيد كلهم ثقاة ولكن المشكلة في محمد بن عمر بن يزيد فإنه لم يوثق ، وعليه فالمناسب فنيّاً وصناعياً الحكم بمقتضى إطلاق الرواية السابقة - لأن إطلاقها ليس له مقيّد إذ المقيد هو هذه الرواية وقد تبين أنها ضعيفة السند - فيقال إن كل من نسى رمي جمرة العقبة وهكذا باقي الجمار فإنه متى ما التفت ولو بعد أيام التشريق رمى بعد ذلك ما لم يخرج من مكة .
بيد أنه نسب إلى الأصحاب الفتوى على طبق هذه الرواية الأخرى وأن القضاء يختصّ بأيام التشريق ، قال الشيخ النراقي(قده):- ( مقتضى إطلاق صحيحة معاوية وإن كان شاملاً لصورتي بقاء أيام التشريق وعدمه لكن قيّده غير واحدٍ من الأصحاب - منهم الشيخ والفاضل بل الأكثر كما قيل - بالأوَّل بل عليه الإجماع عن الغنية )
[3]
، وهذا يعني أن شبهة وجود شهرة أو إجماع على أن الحكم يختصُّ بحالة عدم انقضاء أيام التشريق ، ومن هنا يكون المناسب هو الاحتياط بأن نقول هكذا:- ( من نسي رمي جمرة العقبة أو بقيّة الجمار قضاه متى ما تذكّر ما دام بَعدُ في مكّة المكرمة والأحوط القضاء في السنة الثانية بنفسه أو بنائبه ) لا كما فعل السيد المان(قده) في عبارة المتن فإنه قدّم كلمة الاحتياط فقال:- ( الأحوط أن يرجع إلى منى ويرمي ويعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه ) فإن هذه العبارة توحي بأن مجموع هذا مبني على الاحتياط والحال أن المناسب فنيّاً هو أن الشق الأول ليس مبنيّاً على الاحتياط بل على الفتوى والثاني يكون مبنياً على الاحتياط ، وأين تظهر الثمرة العملية ؟ إنه بناءً على ما أشرت إليه لا يمكن العدول إلى فقيهٍ آخر بلحاظ الشقّ الأوّل إذ هو فتوى وإنما يمكن العدول إلى الفقيه الآخر بلحاظ الشقّ الثاني ، بينما على ما أفاده(قده) يجوز العدول إلى فقيهٍ آخر بلحاظ كلا الشقّين.
والخلاصة من كل ما ذكرناه:- اتضح أنه توجد صور ثلاث في المقام الأولى أن يلتفت المكلف قبل أن تنتهي أيام التشريق وهنا اتفقت الكلمة على كفاية القضاء مادامت أيام التشريق بَعدُ باقية ، والثانية هي أن يلتفت المكلف بعد أيام التشريق وقلنا إن المناسب هو الفتوى بوجوب القضاء في نفس السنة والاحتياط بلحاظ القضاء في السنة الثانية.
وهناك ملاحظة ترتبط بالصورة الأولى:- وهي أنا ذكرنا أن من التفت قبل انقضاء أيام التشريق قضى من دون إشكالٍ وذكرنا أن المستند هو روايتان بل ثلاث وهذا كله واضح ، ولكن قد يخطر إلى الذهن الإشكال في الرواية الثانية -أعني صحيحة جميل - التي تمسكنا بها لإثبات كفاية القضاء بالنسبة إلى الصورة الأولى والإشكال هو أن هذه الصحيحة خاصة بما لو حصل تقديم ما يلزم تأخيره وتأخير ما يجب تقديمه بأن حصل الاثنان معاً يعني أنه لم يقدِّم رمي جمرة العقبة بل قدم الذبح والحلق ثم أتى بعد ذلك برمي جمرة العقبة جهلاً أو نسيانا - فهنا لو قال المكلف إني فعلت الثلاثة ولكن بهذا الشكل فنقول له لا حرج طبقاً لما قاله الرسول صلى الله عليه وآله ، ولكن المفروض في مقامنا ليس ذلك بل المفروض هو أن المكلف نسي رمي جمرة العقبة فذبح وحلق ثم التفت بعد ذلك إلى أنه لم يرمِ فجاء وقال إني فعلت هكذا ولكنه التفت قبل الرمي فهنا لا يمكن التمسك بصحيحة جميل . هذه شبهة علميّة لا بأس بها فكيف الجواب عنها ؟
[1] أغفل هنا بمعنى غفل.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص262، ب3 من أبواب العود إلى منى، ح4.
[3] مستند الشيعة، النراقي، ج13، ص61.