39/05/04
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/05/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 45 ) بعض مستحبات التجارة - المكاسب المحرّمة.
ومما قد يشير إلى ذلك:- ما رواه الصدوق بإسناده عن عمر بن يزيد قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك إنَّ الناس يزعمون أن الربح على المضطر حرام وهو من الربا ، قال: وهل رأيت أحداً يشتري غنياً أو فقيراً[1] إلا من ضرورة ؟! ، يا عمر قد أحل الله البيع وحرّم الربا فاربح ولا تربِه [ ولا تربِ ] ، قلت: وما الربا؟ قال: دراهم بدراهم مثلين بمثل )[2] .
فإذن هذه الرواية دلت على أنَّ الربح على المؤمن لا محذور فيه إلا إذا كان بنحو الفائدة الربوية ، فإذن نحمل الطائفة الأولى بقرينة هذه الرواية على أنَّ المقصود منها هو الفائدة الربوية.
إذن إما أن نحمل الطائفة الأولى على زمان ظهور المولى بقرينة الطائفة الثانية ، أو نحملها على الفائدة الربوية ، أو نحملها على شدّة الكراهة ، فالمقصود من أنَّ الربح على المؤمن ربا ليس هو الربا حقيقةً وإنما المقصود هو الكراهة الشديدة ولذلك عبّر بالربا.
هذه ثلاثة احتمالات وأوجهها الأوّل ، فإنه مادام توجد رواية - وهي الطائفة الثانية - تفسّر وتقول إنَّ المقصود من الروايات الصادرة بلسان ( الربح على المؤمن ربا ) هو أنَّ ذلك في زمان حضور المولى عجل الله تعالى فرجه فإذن المناسب هو الحمل الأوّل ، وبذلك نحذف الطائفة الأولى والثانية من هذه الطوائف الأربع ، لأنَّ الطائفة الأولى المقصود منها هو زمان الحضور هي بقرينة الطائفة الثانية ، فعلى هذه الأساس هاتان الطائفتان تخرجان عن محل الكلام لأننا نتكلم في زماننا هذا ، فإذن نبقى نحن والطائفة الثالثة والرابعة فنأتي الآن لنعالج التعارض بينهما.
وفي هذا المجال نقول:- إنَّ الطائفة الرابعة رجّحت عدم الربح مهما أمكن حيث قالت:- ( إن وليت أخاك فحسن ) فالمرحلة الأولى هي أنك لا تربح على أخيك المؤمن ( وإلا ) يعني وإلا إذا أردت أن تربح أو إذا كنت محتاجاً والقدر المتيقن منهما هو الحاجة فإنَّ الحاجة تدخل تحت عنوان ( أردت ) فأنا مرة أريد الربح لحاجةٍ ومرة أريده لغير حاجة وإنما ترفاً وزيادةً في الأموال ، ولكن القدر المتيقن عند الاجمال - إذا فرض أنَّ الاجمال موجود وهو موجود تقريباً - هو قدر الحاجة ، فاربح ربح الناقد البصير ، حيث عبرت هكذا:- ( وإلا فبعه بيع البصير المداق ) ، يعني أربح عليه ربحاً قليلاً ، لأنَّ الاضافة كما قلنا من المناسب أنها تكون للمفعول ، فالمشتري إذا كان بصيراً مداقاً فسوف يعطي ربحاً يسيراً ولا يعطي ربحاً كثيراً.
يبقى ما هو مقدار الربح اليسير فإنَّ هذه الطائفة ساكتة عنه ؟ والجواب:- إننا نأتي إلى الطائفة الثالثة - يعني رواية أبي شبل - حيث قالت:- ( إذا كان قد اشترى بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك وليلتك ) ، فإذن نحمل مقدار الحاجة على قوت اليوم والليلة ، إلا إذا كان للتجارة فاربح عليه أيضاً ولكن لا يحدد بمقدار قوت اليوم والليلة وإنما مع الرفق بأخيك المؤمن ، فبالتالي تحصل عملية جمع بهذا الشكل ، وما انتهى إليه السيد الماتن يكون وجيهاً.
إذن بهذا يمكن الجمع بين هذه الأخبار.
الأدب السادس:- يكره الربح على الموعود بالاحسان.
يعني إذا وعدت أخاك المؤمن بأنه لو اشترى منك سوف تحسن إليه في المعاملة فهنا دلت الرواية على أنه لا تربح عليه مادمت قد وعدته بالاحسان ، وهي ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي نجزان عن علي بن عبد الرحيم عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول:- ( إذا قال الرجل للرجل هلمّ أحسن بيعك يحرم عليه الربح )[3] .
ومن الواضح أنَّ الدلالة تتم بعد حمل لفظ ( يحرم ) على الكراهة الشديدة ، إذ لم يحتمل أحد من الأصحاب بل ولا يخطر في ذهن متفقّه فضلاً عن فقيه أنَّ ذلك محرّم ، فإذن أقصى ما يقال هو أنه مكروه ،ولكن عبّر بالحرمة مبالغةً في الكراهة.
وقد يزاد على ذلك ويقال:- إنه كما ذكر في مفتاح الكرامة[4] بأنه لو أراد أن يربح كان ذلك خلف الوعد وهو على الأقل مكروه.
فإذن لا نحتاج إلى رواية في هذا المجال بل الحكم على طبق القاعدة بالبيان المذكور ، ونصّ عبارته:- ( ثم إنَّ أقل الاحسان ترك الربح وبيع التولية وخلف الوعد غير مستحسن ).
والمناقشة فيه واضحة:- حيث يمكن أن يقال: إني وعدته بالاحسان ولم أعده بعدم الربح رأساً ، والاحسان يتحقق بالربح القليل.
إذن إذا أردنا أن نتساير مع القاعدة فهي لا تقتضي كراهة أخذ الربح وإنما أقصى ما تقتضيه هو لابدية التقليل من الربح.
فإذن ينبغي أن ينحصر المدرك برواية علي بن عبد الرحيم عن رجلٍ بعد تفسير الحرمة بالكراهة.
الأدب السابع:- يكره السوم ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
وذلك لمرفوعة علي بن اسباط وهي: عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن علي بن اسباط رفعه قال:- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس )[5] .
ومع قطع النظر عن سندها نحتاج إلى قضية حتى يتم الاستدلال بها:- وهي أن نحمل الحكم على الكراهة ، والمفروض أنَّ التعبير هو ( نهى رسول الله ... ) ، فإذن كيف نحمل هذا الحكم على الكراهة فنحتاج إما أن نقول إنه لا إشكال بين الفقهاء ولم يحتمل أحد الحرمة ، فلابد من حمله بقرية الاجماع والارتكاز الخارجي على الكراهة وليس على الحرمة ، أو نضم ما كنّا نشير إليه غير مرّة من التفرقة بين ( نهى ) الإخبارية وبين ( نهى ) الانشائية ، فتارة يقول ( أنهاكم عن كذا ) فهذا إنشاء وهو ظاهر في الحرمة ، ومرة يُنقل لنا أنه صدر منه نهي - أي ( نهى رسول الله ) - وهذا إخبار وهو يلتئم مع كون الصادر نهياً كراهتياً ، فلا يمكن أن نستفيد الحرمة من النهي الإخباري وإنما أقصى ما نستفيده الكراهة.
ونفس هذا الكلام يأتي في الأمر ، فمرة يقول ( آمركم ) بنحو الإنشاء ، ومرة يقول ( أمر رسول الله ) فهذا إخبار والإخبار لا يمكن أن نستفيد منه الوجوب لاحتمال أنَّ ما صدر منه هو الأمر الاستحبابي وبالتالي يصدق عليه أنه ( أَمَرَ ) ، فإذن على هذا المبنى يكون الحمل على الكراهة وجيهاً.
ولكن هنا نريد أن نقول شيئاً:- وهو أنه لا يبعد أن يكون المراد من السوم ليس السوم في دائرته الضيقة - أي هذا التعامل قبل عقد البيع - وإنما نفس إجراء المعاملة بالكامل ، فليس من البعيد أن يكون المقصود من السوم ما يعمّ نفس العقد - أي البيع والشراء أيضاً - وليس المقصود خصوص السوم في دائرته الضيقة ، ولكن هذه قضية جانبية ، وإلا الاستدلال يتوقف على قضية واحدة وهي حمل النهي على الكراهة.
وربما يقال:- إنه يمكن أن نستفيد هذا الحكم أيضاً من روايات التعقيب وأن التعقيب بعد الصلاة مستحب ، فإذا استفدنا ذلك منها فنقول حينئذٍ إنَّ السوم يتنافى مع التعقيب .
وقد عقد صاحب الوسائل(قده) فصلاً لاستحباب التعقيب[6] وذكر فيه خمس عشرة رواية أحدها معتبرة الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( التعقيب ابلغ ف طلب الرزق من الضرب في البلاد . يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة )[7] ومن الواضح أن عبارة ( يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة ) لا يحتمل أنها صادرة من الامام عليه السلام وإنما هي من الراوي أو من صاحب الوسائل وهذا شيء ليس بالمهم.
يبقى أنَّ هذه الرواية لم تقيد بصلاة الصبح فمن اين جاء التقييد به ؟
والجواب:- إنها مجملة من هذه الناحية والقدر المتيقن من ذلك هو ما بعد صلاة الصبح ولو بقرينة قوله عليه السلام: ( أبلغ في طلب الرزق ) فإنه يتناسب مع أوّل الصبح ، فالتعقيب يكون أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد ، فليس من البعيد أن يكون القصود هو التعقيب بعد صلاة الصبح بهذه القرينة.
يبقى شيء:- وهو أنَّ التعقيب لا يتحدد بفترةٍ فيمكن أن يكون ربع ساعة أو يكون نصف ساعة أو أكثر لا أنه يصير في جميع الوقت ما بين الطلوعين فإن ذلك زمان كثير.
فإذن لا يمكن من الرواية أن نستفيد ونحدد ما بين الطلوعين والمفرض أنَّ الحكم الذي ذكرناه يختص بما بين الطلوعين ، فمن هذه الناحية نواجه هذه المشكلة.
وهناك رواية أخرى:- وهي رواية جابر:- ( قال الله عزّ وجلّ: يا ابن آدم اذكرني بعد الفجر ساعة واذكرني بعد العصر ساعة أكفك ما أهمك )[8] .
وهذه الرواية وإن وردت بعنوان ( اذكرني بعد الفجر ساعة ) ولكن الساعة هي إما كناية عن الوقت يعني فترة منه ، فإذن هي لا تثبت ما بين الطلوعين ، أو هي الساعة بالمعنى الذي عندنا وهي أيضاً لا تثبت ما بين الطلوعين.
فإذن على كلا التقديرين لا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية ولا من الرواية السابقة التحديد بما بين الطلوعين ، فينحصر المدرك برواية علي بن اسباط.