36/04/11
تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, الثامن
, البقاء على الجنابة,مسألة 62, 63
مسألة 62 :)إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه أيام وشك في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر المتيقن وإن كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ[1] (.
وقد ذكرنا سابقا ان من نسي غُسل الجنابة ومضت عليه ايام فأنه يجب عليه قضاء تلك الايام , اما في المقام فأن المفروض انه شك في عددها وحكم الماتن بجواز الاقتصار على القدر المتيقن واحتاط احتياطا استحبابيا لتحصيل اليقين بالفراغ , ومدرك هذا الحكم هو اصالة الصحة التي تجري في الصوم الزائد على ما يتيقن وقوعه مع الجنابة , فهو يتيقن بأن خمسة ايام مثلا وقعت مع الجنابة فما زاد عليه لا يقين بأنها وقعت مع الجنابة, فيجري فيها اصالة الصحة , لأن الزائد صامه وفرغ منه وشك في صحته وعدمها , وهو من قبيل الشك في صحة العمل بعد الفراغ منه, فتجري فيه اصالة الصحة .
وقد يشكل على ذلك بأن هناك ما يعارض اصالة الصحة, وهو استصحاب بقاء الجنابة لكن عندما يكون الشك في نهاية المدة لا في بدايتها , كما لو فرضنا بأنه علم بكونه على جنابة في الايام الخمسة الاولى من العشرة ايام المفروضة وشك في الباقي منها فهل انه كان على جنابة ونسيها او ليس هكذا ؟ فحينئذ يتحقق القطع بالجنابة في الخمسة الاولى وشك في بقاءها في ما زاد على ذلك فيستصحب بقاء الجنابة وهو منافي ومعارض لأصالة الصحة , فهي تقول بأن ما زاد على الخمسة صحيح ولا يجب فيه القضاء واستصحاب بقاء الجنابة يقول ببطلانه ووجوب القضاء فيه .
ويجاب عن ذلك بأن اصالة الصحة مقدمة على هذا الاستصحاب ولا مورد له معها وهي حاكمة عليه بلا اشكال , على ان هذا الاستصحاب لا يجري في جميع الموارد لكي يعارض اصالة الاستصحاب فيها جميعا, وانما يجري عندما يكون الشك في نهاية المدة , واما اذا كان الشك في بدايتها ,كما اذا صام عشرة ايام وعلم ان الايام الخمسة الاخيرة من العشرة كان على جنابة فيها ونسيها فلا يجري الاستصحاب لبقاء الجنابة حينئذ , ولا يمكن اثبات بقاء الجناب في الايام الخمسة التي قبل هذه الايام (الخمسة )وانما يجري الاستصحاب عندما تكون الخمسة المعلومة _ بأنها وقعت عن جنابة ونسي الجنابة_ هي الخمسة الاولى من العشرة التي صامها فيكون قهرا شك في بقاء الجنابة في الباقي فيجري الاستصحاب , لكن اذا عكسنا الكلام فأن اليقين يكون متأخرا وما قبل الايام الخمسة الاولى كان على يقين بعدم جنابته فلا مجال لجريان استصحاب الجنابة .
وهذا الكلام فيما لو كان شاكا في عدد الايام التي كان جنبا فيها ونسي جنابته من البداية ؛ كما لو علم بأن خمسة ايام من هذه العشرة كان جنبا فيها ونسي الجنابة وشك في الباقي ؛ اما اذا فرضنا ان المسألة انه علم بعدد الايام التي كان مجنبا فيها ونسي الجنابة فيها وشك بعددها هل هي عشرة او خمسة ؟
والفرق بين هذا الفرض والذي قبله هو ان الشك في الفرض الاول كان موجودا من البداية ولم يسبقه علم بعدد الايام التي وقعت مع الجنابة ,اما في هذا الفرض فأنه كان سابقا عالما بعدد الايام وشك فيها بعد ذلك العلم فهل هي خمسة ايام او عشرة ؟
وقد يقال في هذا الفرض لا يمكن التمسك بأصالة الصحة لأن هذا العلم الذي فُرض وجوده سابقا نجز متعلقه (الواقع) , وهو وان كان الان مجهولا (هل هو خمسة ايام او عشرة) , لكن الواقع تنجز عليه سابقا ودخل العهدة واشتغلت به الذمة , فتجري حينئذ اصالة الاشتغال لا اصالة الصحة , لحصول الاشتغال اليقيني بوجوب قضاء عدد من الايام وهو يستدعي الفراغ اليقيني من المكلف وهو لا يتحقق الا اذا قضى تمام العشرة, اللهم الا ان يقال بأن تنجيز الواقع مشروط ببقاء العلم ولا يكفي حدوث العلم فيه اذا لم يكن مستمرا وزال بعد ذلك , و الظاهر ان هذا هو الصحيح وقد تعرضنا له سابقا .
قال الماتن
مسألة 63 :( يجوز قصد الوجوب في الغسل وإن أتى به في أول الليل لكن الأولى مع الاتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب بل يأتي به بقصد القربة .)[2]
وهذه المسألة سيالة تبحث في علم الاصول عادة وحاصلها ان هناك اشكال في كيفية قصد المكلف وجوب المقدمة (الغسل) قبل الوقت , وهل يثبت وجوب للمقدمة (الغسل ) قبل وقت الواجب(الصوم) ؟
وعلى اساس هذا الكلام اُستشكل في المقام على كيفية قصد الوجوب قبل وقت الواجب مع ان الوجوب لا وجود له , وهذا الاشكال ينشأ من امرين :
الاول: ان الوقت شرط للوجوب .
الثاني : مسألة تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الاطلاق والاشتراط .
وبمقتضى التبعية يكون كل شرط لوجوب ذي المقدمة شرطا لوجوب المقدمة , فأن كان وجوبه مطلقا بلحاظ شيء ما فأن وجوبها يكون مطلقا ايضا , وان كان وجوبه مشروطا بشيء ما يكون وجوبه مشروطا به ايضا .
وفي المقام حيث ان الوقت شرط لوجوب ذي لمقدمة بحسب الفرض فأنه يكون شرطا لوجوب المقدمة ايضا , وعليه فلا وجود لهذا الوجوب قبل الوقت , واذا كانت المقدمة غير واجبة قبل الوقت فكيف يمكن ان يقصد وجوبها عندما يأتي بها قبل الوقت .
وقد اجابوا عن ذلك بأجوبة منها:
الجواب الاول : وهو الالتزام بالواجب المعلق ومرجعه الى انكار الامر الاول من الامرين المتقدمين الذين يبتني عليهما الاشكال , فيقال بأن الوقت ليس شرطا للوجوب وانما هو شرط للواجب (الصوم) , وحينئذ يكون وجوب الصوم فعليا قبل الوقت لأن الوقت ليس شرطا فيه, واذا كان كذلك فأن الاشكال يرتفع لأن وجوب ذي المقدمة اذا كان فعليا يترشح منه وجوب المقدمة, ولا يضر حينئذ الامر الثاني (تبعية المقدمة لذيها في الاطلاق والاشتراط) لأن المفروض ان وجوب الصوم مطلق من حيث الوقت ومنه يكون وجوب المقدمة مطلقا من حيث الوقت ايضا.
الجواب الثاني: الالتزام بالشرط المتأخر بالنسبة الى وجوب الواجب (ذي المقدمة ) فنلتزم بأن الوقت شرط في الوجوب لا في الواجب كما في الجواب الاول , لكن على نحو الشرط المتأخر , أي ان وجوب الصوم يكون مشروطا بالوقت لكن على نحو الشرط المتأخر على فرض الالتزام بإمكان الشرط المتأخر , وحينئذ يكون وجوب الصوم فعليا قبل الوقت وان كان مشروطا بالوقت , ومنه يترشح الوجوب الى المقدمة فيكون فعليا قبل الوقت ايضا وينحل الاشكال .
الجواب الثالث : الوجوب التهيؤي _ الذي يقول به المحقق النائيني _ وليس هو وجوبا نفسيا ولا غيريا , وتكون المقدمة واجبة لأجل التحفظ على الواجب في وقته, فليس هو واجبا نفسيا مطلقا بدليل عدم ترتب العقاب على مخالفته , فالعقاب يترتب على مخالفة الواجب النفسي ولا يترتب على مخالفة المقدمات , ولذا لو ترك المكلف المقدمة مع ذيها فأنه يعاقب عقابا واحدا .
وليس هو وجوبا غيريا لأنه يثبت قبل وقت وجوب ذي المقدمة , وليس تابعا له ولو كان وجوبا غيريا لكان تابعا له , وحينئذ يكون هذا الوجوب موجودا قبل الوقت ويمكن للمكلف ان يقصده قبل وقت الواجب .
وهذا البحث مبني على افتراض ان وجوب المقدمة وجوب شرعي وهو يستكشف من وجوب ذي المقدمة بأعتبار الملازمة بين وجوب الواجب ووجوب مقدمته , فوقع الكلام في ان هذا الوجوب الشرعي للمقدمة غير ثابت قبل وقت الواجب فكيف يمكن قصده عند الاتيان بالمقدمة قبل الوقت ؟
فأُجيب عن ذلك بهذه الاجوبة المتقدمة .
اما على فرض انكار اصل الوجوب الشرعي للمقدمة , بل من غير المعقول ثبوت الوجوب الشرعي للمقدمة وانما الشيء الموجود هو الوجوب العقلي المعبر عنه باللابدية العقلية , فهذه المقدمة لابد من الاتيان بها لأن الواجب يتوقف عليها, وبناء على ذلك فلا يأتي جميع الكلام المتقدم المبني على كون وجوب المقدمة وجوب شرعيا .
وحينئذ ينبغي استئناف بحث جديد وهو هل يمكن للمكلف ان يقصد هذا الوجوب العقلي قبل وقت الواجب ؟ والصحيح هو امكان ذلك ويتحقق فيه قصد القربة , فإذا جاء بالغسل لأنه لابد منه لأمتثال الواجب في وقته فأن هذا القصد يكون قصدا قربيا , فأن هذا الفعل له اضافة الى المولى سبحانه وتعالى _ كما يقولون _ وكل فعل يأتي به الانسان مع اضافته الى المولى يحقق القربة المطلوبة في باب العبادات .
ومسألة التبعية _ مسألة تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الاطلاق والاشتراط _ لا موقع لها في المقام عند انكار الوجوب الشرعي وقلنا بأن الثابت هو الوجوب العقلي فقط , لأن مسألة التبعية متفرعة على الوجوب الشرعي للمقدمة فهي تفترض وجوبا شرعيا للمقدمة وتقول بأن هذا الوجوب الشرعي للمقدمة هل هو تابع لوجوب ذي المقدمة في الاطلاق والاشتراط او لا ؟ فيأتي الحديث بأنه تابع لأنه مترشح منه .
ومنه يظهر انه على تقدير الالتزام بالوجوب الشرعي للمقدمة _ مع ذلك _ يمكن انكار التبعية , فلا ضير في افتراض ان الشارع يأمر بالصوم مشروطا بالوقت لكنه يأمر بمقدمته قبل الوقت لأنه يعلم بأن هذه المقدمة يتوقف عليها الاتيان بالواجب_ والبحث مفصل في محله ولا داعي للدخول في تلك التفاصيل _ واما على افتراض انكار الوجوب الشرعي فالمسألة تكون اوضح , ومن هنا يظهر انه لا فرق بين اول الليل واخره , وقد ذكر السيد الماتن (لكن الأولى مع الاتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب بل يأتي به بقصد القربة) وخصوصية اخر الوقت التي حكم فيها بالأولوية لعله يشير فيها _ وكأن مبناه في هذه المسألة هو الوجوب التهيؤي_ الى مسألة الوجوب التهيؤي, وفيه قد يقال بأن تحققه قبل نهاية الوقت ليس واضحا , لأن التهيؤ يكون في اخر الوقت لا في اوله .
مسألة 62 :)إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه أيام وشك في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر المتيقن وإن كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ[1] (.
وقد ذكرنا سابقا ان من نسي غُسل الجنابة ومضت عليه ايام فأنه يجب عليه قضاء تلك الايام , اما في المقام فأن المفروض انه شك في عددها وحكم الماتن بجواز الاقتصار على القدر المتيقن واحتاط احتياطا استحبابيا لتحصيل اليقين بالفراغ , ومدرك هذا الحكم هو اصالة الصحة التي تجري في الصوم الزائد على ما يتيقن وقوعه مع الجنابة , فهو يتيقن بأن خمسة ايام مثلا وقعت مع الجنابة فما زاد عليه لا يقين بأنها وقعت مع الجنابة, فيجري فيها اصالة الصحة , لأن الزائد صامه وفرغ منه وشك في صحته وعدمها , وهو من قبيل الشك في صحة العمل بعد الفراغ منه, فتجري فيه اصالة الصحة .
وقد يشكل على ذلك بأن هناك ما يعارض اصالة الصحة, وهو استصحاب بقاء الجنابة لكن عندما يكون الشك في نهاية المدة لا في بدايتها , كما لو فرضنا بأنه علم بكونه على جنابة في الايام الخمسة الاولى من العشرة ايام المفروضة وشك في الباقي منها فهل انه كان على جنابة ونسيها او ليس هكذا ؟ فحينئذ يتحقق القطع بالجنابة في الخمسة الاولى وشك في بقاءها في ما زاد على ذلك فيستصحب بقاء الجنابة وهو منافي ومعارض لأصالة الصحة , فهي تقول بأن ما زاد على الخمسة صحيح ولا يجب فيه القضاء واستصحاب بقاء الجنابة يقول ببطلانه ووجوب القضاء فيه .
ويجاب عن ذلك بأن اصالة الصحة مقدمة على هذا الاستصحاب ولا مورد له معها وهي حاكمة عليه بلا اشكال , على ان هذا الاستصحاب لا يجري في جميع الموارد لكي يعارض اصالة الاستصحاب فيها جميعا, وانما يجري عندما يكون الشك في نهاية المدة , واما اذا كان الشك في بدايتها ,كما اذا صام عشرة ايام وعلم ان الايام الخمسة الاخيرة من العشرة كان على جنابة فيها ونسيها فلا يجري الاستصحاب لبقاء الجنابة حينئذ , ولا يمكن اثبات بقاء الجناب في الايام الخمسة التي قبل هذه الايام (الخمسة )وانما يجري الاستصحاب عندما تكون الخمسة المعلومة _ بأنها وقعت عن جنابة ونسي الجنابة_ هي الخمسة الاولى من العشرة التي صامها فيكون قهرا شك في بقاء الجنابة في الباقي فيجري الاستصحاب , لكن اذا عكسنا الكلام فأن اليقين يكون متأخرا وما قبل الايام الخمسة الاولى كان على يقين بعدم جنابته فلا مجال لجريان استصحاب الجنابة .
وهذا الكلام فيما لو كان شاكا في عدد الايام التي كان جنبا فيها ونسي جنابته من البداية ؛ كما لو علم بأن خمسة ايام من هذه العشرة كان جنبا فيها ونسي الجنابة وشك في الباقي ؛ اما اذا فرضنا ان المسألة انه علم بعدد الايام التي كان مجنبا فيها ونسي الجنابة فيها وشك بعددها هل هي عشرة او خمسة ؟
والفرق بين هذا الفرض والذي قبله هو ان الشك في الفرض الاول كان موجودا من البداية ولم يسبقه علم بعدد الايام التي وقعت مع الجنابة ,اما في هذا الفرض فأنه كان سابقا عالما بعدد الايام وشك فيها بعد ذلك العلم فهل هي خمسة ايام او عشرة ؟
وقد يقال في هذا الفرض لا يمكن التمسك بأصالة الصحة لأن هذا العلم الذي فُرض وجوده سابقا نجز متعلقه (الواقع) , وهو وان كان الان مجهولا (هل هو خمسة ايام او عشرة) , لكن الواقع تنجز عليه سابقا ودخل العهدة واشتغلت به الذمة , فتجري حينئذ اصالة الاشتغال لا اصالة الصحة , لحصول الاشتغال اليقيني بوجوب قضاء عدد من الايام وهو يستدعي الفراغ اليقيني من المكلف وهو لا يتحقق الا اذا قضى تمام العشرة, اللهم الا ان يقال بأن تنجيز الواقع مشروط ببقاء العلم ولا يكفي حدوث العلم فيه اذا لم يكن مستمرا وزال بعد ذلك , و الظاهر ان هذا هو الصحيح وقد تعرضنا له سابقا .
قال الماتن
مسألة 63 :( يجوز قصد الوجوب في الغسل وإن أتى به في أول الليل لكن الأولى مع الاتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب بل يأتي به بقصد القربة .)[2]
وهذه المسألة سيالة تبحث في علم الاصول عادة وحاصلها ان هناك اشكال في كيفية قصد المكلف وجوب المقدمة (الغسل) قبل الوقت , وهل يثبت وجوب للمقدمة (الغسل ) قبل وقت الواجب(الصوم) ؟
وعلى اساس هذا الكلام اُستشكل في المقام على كيفية قصد الوجوب قبل وقت الواجب مع ان الوجوب لا وجود له , وهذا الاشكال ينشأ من امرين :
الاول: ان الوقت شرط للوجوب .
الثاني : مسألة تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الاطلاق والاشتراط .
وبمقتضى التبعية يكون كل شرط لوجوب ذي المقدمة شرطا لوجوب المقدمة , فأن كان وجوبه مطلقا بلحاظ شيء ما فأن وجوبها يكون مطلقا ايضا , وان كان وجوبه مشروطا بشيء ما يكون وجوبه مشروطا به ايضا .
وفي المقام حيث ان الوقت شرط لوجوب ذي لمقدمة بحسب الفرض فأنه يكون شرطا لوجوب المقدمة ايضا , وعليه فلا وجود لهذا الوجوب قبل الوقت , واذا كانت المقدمة غير واجبة قبل الوقت فكيف يمكن ان يقصد وجوبها عندما يأتي بها قبل الوقت .
وقد اجابوا عن ذلك بأجوبة منها:
الجواب الاول : وهو الالتزام بالواجب المعلق ومرجعه الى انكار الامر الاول من الامرين المتقدمين الذين يبتني عليهما الاشكال , فيقال بأن الوقت ليس شرطا للوجوب وانما هو شرط للواجب (الصوم) , وحينئذ يكون وجوب الصوم فعليا قبل الوقت لأن الوقت ليس شرطا فيه, واذا كان كذلك فأن الاشكال يرتفع لأن وجوب ذي المقدمة اذا كان فعليا يترشح منه وجوب المقدمة, ولا يضر حينئذ الامر الثاني (تبعية المقدمة لذيها في الاطلاق والاشتراط) لأن المفروض ان وجوب الصوم مطلق من حيث الوقت ومنه يكون وجوب المقدمة مطلقا من حيث الوقت ايضا.
الجواب الثاني: الالتزام بالشرط المتأخر بالنسبة الى وجوب الواجب (ذي المقدمة ) فنلتزم بأن الوقت شرط في الوجوب لا في الواجب كما في الجواب الاول , لكن على نحو الشرط المتأخر , أي ان وجوب الصوم يكون مشروطا بالوقت لكن على نحو الشرط المتأخر على فرض الالتزام بإمكان الشرط المتأخر , وحينئذ يكون وجوب الصوم فعليا قبل الوقت وان كان مشروطا بالوقت , ومنه يترشح الوجوب الى المقدمة فيكون فعليا قبل الوقت ايضا وينحل الاشكال .
الجواب الثالث : الوجوب التهيؤي _ الذي يقول به المحقق النائيني _ وليس هو وجوبا نفسيا ولا غيريا , وتكون المقدمة واجبة لأجل التحفظ على الواجب في وقته, فليس هو واجبا نفسيا مطلقا بدليل عدم ترتب العقاب على مخالفته , فالعقاب يترتب على مخالفة الواجب النفسي ولا يترتب على مخالفة المقدمات , ولذا لو ترك المكلف المقدمة مع ذيها فأنه يعاقب عقابا واحدا .
وليس هو وجوبا غيريا لأنه يثبت قبل وقت وجوب ذي المقدمة , وليس تابعا له ولو كان وجوبا غيريا لكان تابعا له , وحينئذ يكون هذا الوجوب موجودا قبل الوقت ويمكن للمكلف ان يقصده قبل وقت الواجب .
وهذا البحث مبني على افتراض ان وجوب المقدمة وجوب شرعي وهو يستكشف من وجوب ذي المقدمة بأعتبار الملازمة بين وجوب الواجب ووجوب مقدمته , فوقع الكلام في ان هذا الوجوب الشرعي للمقدمة غير ثابت قبل وقت الواجب فكيف يمكن قصده عند الاتيان بالمقدمة قبل الوقت ؟
فأُجيب عن ذلك بهذه الاجوبة المتقدمة .
اما على فرض انكار اصل الوجوب الشرعي للمقدمة , بل من غير المعقول ثبوت الوجوب الشرعي للمقدمة وانما الشيء الموجود هو الوجوب العقلي المعبر عنه باللابدية العقلية , فهذه المقدمة لابد من الاتيان بها لأن الواجب يتوقف عليها, وبناء على ذلك فلا يأتي جميع الكلام المتقدم المبني على كون وجوب المقدمة وجوب شرعيا .
وحينئذ ينبغي استئناف بحث جديد وهو هل يمكن للمكلف ان يقصد هذا الوجوب العقلي قبل وقت الواجب ؟ والصحيح هو امكان ذلك ويتحقق فيه قصد القربة , فإذا جاء بالغسل لأنه لابد منه لأمتثال الواجب في وقته فأن هذا القصد يكون قصدا قربيا , فأن هذا الفعل له اضافة الى المولى سبحانه وتعالى _ كما يقولون _ وكل فعل يأتي به الانسان مع اضافته الى المولى يحقق القربة المطلوبة في باب العبادات .
ومسألة التبعية _ مسألة تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الاطلاق والاشتراط _ لا موقع لها في المقام عند انكار الوجوب الشرعي وقلنا بأن الثابت هو الوجوب العقلي فقط , لأن مسألة التبعية متفرعة على الوجوب الشرعي للمقدمة فهي تفترض وجوبا شرعيا للمقدمة وتقول بأن هذا الوجوب الشرعي للمقدمة هل هو تابع لوجوب ذي المقدمة في الاطلاق والاشتراط او لا ؟ فيأتي الحديث بأنه تابع لأنه مترشح منه .
ومنه يظهر انه على تقدير الالتزام بالوجوب الشرعي للمقدمة _ مع ذلك _ يمكن انكار التبعية , فلا ضير في افتراض ان الشارع يأمر بالصوم مشروطا بالوقت لكنه يأمر بمقدمته قبل الوقت لأنه يعلم بأن هذه المقدمة يتوقف عليها الاتيان بالواجب_ والبحث مفصل في محله ولا داعي للدخول في تلك التفاصيل _ واما على افتراض انكار الوجوب الشرعي فالمسألة تكون اوضح , ومن هنا يظهر انه لا فرق بين اول الليل واخره , وقد ذكر السيد الماتن (لكن الأولى مع الاتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب بل يأتي به بقصد القربة) وخصوصية اخر الوقت التي حكم فيها بالأولوية لعله يشير فيها _ وكأن مبناه في هذه المسألة هو الوجوب التهيؤي_ الى مسألة الوجوب التهيؤي, وفيه قد يقال بأن تحققه قبل نهاية الوقت ليس واضحا , لأن التهيؤ يكون في اخر الوقت لا في اوله .