38/12/20
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/12/20
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.
والكلام تارة يقع من حيث الدلالة وأخرى من حيث السند:-
أما من حيث الدلالة:- فقد ذكر غير واحد من الأعلام أنَّ التوقيع الشريف ناظر إلى الصورة الثالثة وليس إلى الأولى والمقصود من الصورة الثالثة هي أن يعلم بأنَّ المال الذي أجازه الظالم هو محرم بنحو العلم التفصيلي وليس ناظراً إلى الصورة الأولى وممن ذكر ذلك السيد اليزدي(قده)[1] والحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[2] وهكذا السيد الخوئي(قده)[3] وغيرهم أيضاً ذكروا أنَّ هذه ليست مرتبطة بالصورة الأولى التي فيها الشبهة بدوية وإنما هي ناظرة إلى الصورة الثالثة وهم لم يوضحوا المطلب كما سوف نوضحه والقرينة على ذلك هو أنَّ الامام عليه السلام اشترط وجود مال حلال آخر ويحتمل أنَّ الاعطاء صار من المال الحلال هذا معناه أنَّ المال الذي تحت يد الظالم حتماً هو كله حرام وإلا إذا لم يكن حرام فما الداعي إلى اشتراط وجود مال آخر ؟!! فإنَّ الامام عليه السلام اشترط وجود مال آخر حتى لا يحصل علم بأنَّ الهدية هي من الحرام لذلك اشترط وجود مال آخر حلال فهذا معناه أنَّ المال الموجود تحت اليد هو حتماً حرام وليس المورد من الشبهة البدوية إذ لو كان ما تحت يد الظالم من الشبهة البدوية فلا داعي إلى اشتراط مال آخر لأن الشبهة تبقى بدوية حينئذٍ فهي من البداية بدوية وتبقى بدوية فظن المال الآخر لا فائدة فيه.
فإذن الرواية ناظرة إلى الصورة الثالثة يعني أن ما تحت يد الظالم هو حرام جزماً والامام اشترط وجود مال آخر حلال حتى تصير الهدية مشكوكة الحلية بنحو الشبهة البدوية فالتوقيع ناظر إلى الصورة الثالثة وليس إلى الصورة الأولى بل زاد السيد الخوئي(قده) أن هذا اشتباه من الشيخ وهو كان يكتب بعض الاضافات في المكاسب على ما يقال على جوانب الصفحات ولا يضع علامة واضحة أنَّ هذا يرجع إلى ماذا فوقع بعد ذلك الاشتباه فأقحمت هذه العبارة في الصورة الأولى والحال أن موردها المناسب هو في الصورة الثالثة ، هذا ما ذ كره الأعلام.
وفيه:- إنه يمكن توجيه التوقيع الشريف بحيث يكون مرتبطاً بالصورة الأولى ، والوجه في ذلك هو أن المال الذي تحت يد الظالم هو مال مشكوك الحلّية والحرمة بنحو الشبهة البدوية باعتبار أنه لا يتورّع والامام عليه السلام قال مادام لا يتورّع هذا الشخص عمّا تحت يده فيده تسقط عن الأمارية على كون المدفوع هو من الحلال واشترط وجود مال آخر حلال بنحو الجزم فالذي تحت يده ليس معلوماً بالتفصيل أنه حرام وإنما فيه شبهة وحيث إنه لا يتورّع وفيه شبهة فلا يجوز الأخذ إلا إذا كان له مال آخر مقطوع الحلية إنه بناءً على هذا تصير الرواية مرتبطة بالصورة الأولى لا أنها مرتبطة بالصورة الثالثة ودليلنا على ذلك هو أنَّ السائل لم يفترض في الرواية أنَّ ما تحت اليد حرام حتماً وجزماً بل قال ( لا يتورّع ) فإذا كان لا يتورع فحينئذٍ نقول تسقط يده عن الأمارية بلحاظ هذا المال فإذا كان عنده مال آخر حلال جزماً فيجوز الأخذ ، وبالتالي يصير مضمونها مضموناً لا بأس به ويرتبط بالصورة الأولى ولا يتعيّن أن نحملها على الصورة الثالثة واقرأ أنت التوقيع الشريف تجد صدق ما نقول فإنه ورد فيه هكذا:- ( يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلاً لما في يده لا يرع عن أخذ ماله ربما نزلات في قريته وهو فيها او أدخل منزله ... فيدعوني أن نال منها وأنا أعلم أن الوكيل لا يتورّع عن أخذ ما في يده فهل عليّ شيء ؟ ... ) فالرواية يمكن أن تكون مرتبطة بالصورة الأولى ، نعم سوف نشكل بإشكال في نهاية حديثنا على هذا التوقيع فانتظر ، ولحدّ الآن أصبح هذا التوقيع قابل لأن نحمله على الصورة الأولى.
إذن اتضح أنَّ الرواية يمكن ان تكون مرتبط بالصورة الأولى.
وأما من حيث السند:- فقد ذكر السيد الخوئي(قده)[4] أنَّ الرواية ضعيفة بالارسال ، فهو قال ضعيفة السند ولكن في الهامش كُتِبَ أنها مرسلة.
وفي هذا المجال نقول:- كأنه(قده) نظر إلى كون صاحب الوسائل رواها عن الاحتجاج وروايات الاحتجاج عادة هي مراسيل ولو كان صاحب الوسائل ينقلها فقط عن الاحتجاج لكان الأمر كما ذكر (قده) ولكن صاحب الوسائل قال بعد ذلك ( ورواه الشيخ في كتاب الغيبة بالإسناد الآتي ) ، فإذن هي ليس موجودة في الاحتجاج فقط بل موجودة في الغيبة وبالإسناد الآتي فلابد أن نراجع الاسناد الآتي فلعله يمكن أن نحصل على سند صحيح ، ومقصوده من الاسناد الآتي هو أنه(قده) ذكر في آخر الوسائل قد ذكر أسانيده إلى الكتب التي نقل عنها ونقل أيضاً أسانيد الأصحاب يعني أسانيد الشيخ الصدوق إلى الروايات التي رواياها وأسانيد الشيخ الطوسي فانظر إلى ذلك ، وإذا ذهبنا إلى الوسائل[5] نجد أنه ذكر سنداً إلى كل ما رواه الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام ، فقد قال:- ( وأعلم أنه قد روى الشيخ في كتاب الغيبة ......... جميع مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام عن جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود قال وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي واملاء أبي القاسم الحسين بن روح ) وأخذ بذكر المسائل ، ومن الواضح أنَّ هذا التوقيع المبارك هو توقيع كبير فيه مسائل كثيرة يسألها الحميري من المولى عجّل الله تعالى فرجه وأحد تلك الأسئلة هو هذا السؤال الذي ذكرناه.
فإذن هذا التوقيع لا ينحصر أمره بهذا السؤال بل مجموعة من الأسئلة والسند إلى هذا التوقيع ضمن هذه الأسئلة الكثيرة هو ( جماعة ) يعني الراوي عن الجماعة هو الشيخ الطوسي وعليه فسوف يصير سند الشيخ الطوسي هكذا ( جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود قال وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي واملاء الحسين بن روح ) فتعال إلى هذا السند فهو بهذا المقدار هل يمكن أن نقبله أو لا ؟
ههنا جملة من المشكلات:-
الأولى:- إنَّ الشيخ الطوسي(قده) يروي هذا التوقيع عن جماعة ونحن لا نعرفهم.
والجواب:- وهو جواب مبنائي أو نفساني يرتبط بنفسية كل شخص وليس جواباً علمياً ، وهو أن يقال:- إنَّ الجماعة عادةً هي ثلاثة فما فوق واحتمال اجتماع ثلاثة على الكذب وهم ليس ثلاثة من العوام بل الذين ينقلون الأحاديث وخصوصاً أنهم من مشايخ الشيخ الطوسي فثلاثة لا يبعد أن يحصل الاطمئنان من نقلهم ، فإن قبلت بهذا فبها ، وإن رفضت فلك الحق فإنَّ هذه قضايا نفسية وليست قضايا علمية حتى يستدل عليها وإنما هي ليست قابلة للاستدلال ، ومن الواضح أنَّ هذا جواب ينفعنا في الكثير من الموارد فإنَّ تعبير ( عدّة من صحابنا ) قد ورد كثيراً في الكافي وغيره ، هذا إذا تغلّبنا على هذه المشكلة.
الثانية:- هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن دواد ، وقد ترجمه النجاشي(قده) وقال:- ( شيخ هذه الطائفة وعالمها وشيخ القميين في وقته وفقيههم حكى أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله أنه لم ير أحدً أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحديث ) فهل تدلّ هذه العبارة على التوثيق أو لا ؟
قد يقال:- كلا لا تدل على التوثيق فإنه شيخٌ للطائفة او للقميين ولكن لا يلزم أن يكون ثقة ، ومن هنا أراد السيد الخوئي(قده) أن يتخلّص من هذه المشكلة فذهب إلى أنَّ الخبر الحجة ليس هو فقط الصحيح والموثق بل الحسن أيضاً ، والمقصود من الحسن أن يكون الراوي ممدوح ، وقد تمسّك لذلك بسيرة العقلاء فقال إنَّ السيرة جارية على الأخذ بخبر الشخص الممدوح ، وهو قد بنى على هذا المبنى في معجم رجال الحديث حيث يبيّن عندما يقسّم الأحاديث فيقول الحسن حجّة ويستدل عليه بالسيرة ، فبناءً على هذا تخلّص من هذه المشكلة لأنه قال إنَّ هذا مدح وهو مدح راقٍ فإذا كان مدحاً فيستفاد منه الوثاقة ، وأتذكر أني سألته مرّة بعد الدرس إنَّ المدح إما أن تكون فيه دلالة على التوثيق أو ليست فيه دلالة على التوثيق فإن كانت فيه دلالة على التوثيق فسوف يكون هذا توثيقاً وإن كانت لا توجد فيه دلالة على التوثيق فكيف تأخذ به ؟ ولكن على أيَّ حال أنا لم أفهم ما أراده.
فالمقصود أنَّ هذا اشكال نسجله وهو أنَّ المدح الذي يذكر هو بالتالي إما أن تكون فيه دلالة على التوثيق أو لا توجد فيه دلالة عليه فإذا لم تكن فيه دلالة على التوثيق فلا تقل إنَّ السيرة أخذت به ، وإذا كانت فيه دلالة على التوثيق فنأخذ به ، وأنا أرى تعبير ( شيخ القميين ) يعني مثل ما نقول ( استاذ علماء وفقهاء النجف ) فهذا الشخص لابد أن يكون بالدلالة الالتزامية في أعلى درجات الوثاقة ، فهنا تعبيره بـ ( شيخ القميين ) أنا أرى أنَّ فيه دلالة على التوثيق بدرجة عالية ، وهذه قضية نفسية أيضاً وليست علمية ، فإنَّ بنيت على هذا فلا مشكلة حينئذٍ.
الثالثة:- أما قوله:- ( وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي واملاء أبي القاسم ) فهنا مشكلة ثالثة وهي أنه ما هو المثبت لكون هذا هو بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي ؟ فنحن عرفنا أنَّ ابن داود ثقة أما أنك تشهد بأنَّ هذا هو بحط أحمد بن إبراهيم النوبختي فهذه شهادة ليست حسّية وإنما هي شهادة حدسيّة فلا تكون مقبولة ؟
وهناك اشكالاً ثانياً:- وهو أنَّه من هو أحمد بن إبراهيم النوبختي فإنه لا يوجد له ذكر في كتب رجال المتقدمين الذين يعتمد عليهم ؟ نعم ربما يقال إنه الكاتب للحسين بن روح ، ونحن نقول:- من أين علمت أنه هو الكاتب ؟ لعلّك تجيب وتقول:- إنَّ هذه الرواية تدل على ذلك ، فنقول :- إنَّ هذا يلزم الدور إذ لعلّه كذِبَ ، فإذا ثبت أنه كاتب للحسين بن روح فبالإمكان أن يقال إنَّه من البعيد أن يتخذ الحسين بن روح شخصاً لا يثق به للكتابة فتثبت بذلك وثاقته ، فعلى هذا الأساس لابد من اثبات وثاقة هذا الشخص ولا طريق إلى اثبات وثاقته.
هذه بعض المشاكل في هذا التوقيع المبارك وسوف نتعرض إلى حلّها.