34-03-21
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/03/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 370 ) / الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
النقطة الرابعة:- إن الكفارة هي بدنة لتصريح الصحيحتين السابقتين بذلك - أي صحيحة مسمع بن عبد الملك وصحيحة ضريس -.
هذا ولكن المنسوب الى ابني بابويه أنهما قالا إن الكفارة شاة وقد ذكر صاحب المدارك أنه لا يعرف مستنداً لذلك حيث قال:- ( وقال ابنا بابويه:- الكفارة شاة ولم نقف لهما على مستند )
[1]
.
هذا ولكن يمكن أن يقال:- انهما استندا إلى ما جاء في الفقه الرضوي حيث ورد فيه:- ( وإياك أن تفيض قبل الغروب فيلزمك دم ) وأقل الدم على ما تقدم هو دم الشاة إذ لا يحتمل أن دم الطير أو العصفور يكفي ، هذا ما يمكن به توجيه ما ذهبا إليه.
ولكن يرد عليه:- إنه لو تم السند وقبلنا الفقه الرضوي - وقد تقدم أكثر من مرَّة أن الكتاب المذكور لم تثبت نسبته للإمام الرضا عليه السلام - فغاية الأمر يكون المورد من المطلق والمقيد لأن كلمة ( دم ) مطلقة وأقل مصاديقها هو الشاة لا أنه متعيّن بذلك فإذا كان مطلقاً فيقيد آنذاك بالصحيحتين ، إذن الواجب هو بدنة . ولكن متى يجب نحرها ؟ والجواب:- في يوم العيد - أي يوم النحر - وذلك لتصريح صحيحة ضريس بذلك حيث جاء فيها ( عليه بدنة ينحرها يوم النحر ) . وفي أي مكان يلزم أن يكون النحر ؟ فهل يلزم أن يكون في منى أو يجوز في مكة بعرضها العريض ؟ والجواب:- ذكر السـيد الخوئـي(قده) فـي هـذا المجـال أن صحيحـة ضريـس قـــالـت ( ينحرها يوم النحر ) وحيث أن يوم النحر يكون في منى فيلزم أن يكون نحر البدنة في منى.
والتأمل فيه واضح:- فإن غاية ما تدل عليه فقرة ( عليه بدنة بنحرها يوم النحر ) هو تعيين الزمان وأما المكان فلا يستفاد تعيينه منها ومجرد أن يوم النحر ينحر فيه الحجيج في منى لا يدل على أن البدنة في مقامنا يكون حكمها كذلك ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
ثم لو فرض أن المكلف لم يتمكن على البدنة فما هي وظيفته ؟ والجواب:- ينتقل الأمر إلى الصوم - أعني صوم ثمانية عشر يوماً - لتصريح الصحيحة بذلك حيث قالت:- ( فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطريق أو في أهله ) ، وعليه يكفي الإتيان بالصوم في الوطن عندما يرجع الحاج.
ولكن السؤال هو:- هل تلزم الموالاة في الصوم المذكور بحيث يؤتى به بنحو التوالي ولا يجوز التفريق ؟ والجواب:- مال السيد الخوئي(قده) إلى ذلك ولا أقل على مستوى الاحتياط الوجوبي ببيان:- أن الأعداد متى ما ذكرت فالمفهوم منها عرفاً هو التوالي فلو قيل مثلاً ( امش في كل يوم ساعة ) فالمفهوم عرفاً هو الساعة المتصلة لا أن يأتي بربع ساعة ثم بربع ساعة .... وهكذا ، وهكذا لو أمر شخص عبده وقال ( اجلس في هذا المكان وانتظرني خمس ساعات مثلاً ) فإنه يفهم من ذلك لزوم كونها متصلة.
ونحن يمكننا أن نساعده بأمثلة أخرى وإن لم يشر إليها:- من قبيل عشرة الإقامة فإن لروايات دلت على أن المسافر إذا أقام في مكان عشرة أيام فحكمه التمام ولا اشكال في أن المفهوم هو العشرة المتوالية ، وهكذا بالنسبة إلى حيض المرأة فإنه كما جاء في الرواية ( أكثره عشرة وأقله ثلاثة ) والمفهوم هو العشرة المتصلة والثلاثة المتصلة ، وهكذا بالنسبة إلى الاعتكاف أقله ثلاثة أيام ولا يجوز أقل من ذلك فإن المفهوم هو الثلاثة المتصلة كما ذهب إليه الفقهاء . إذن هذه شواهد عرفية على أن المفهوم في باب العدد هو التوالي والاتصال.
ثم بعد ذلك قال:- وحيث أن الانصراف المذكور ليس جزمياً عندنا وإنما هو مجرد احتمال وجيه فالمناسب بالمصير إلى الاحتياط.
وفيه:- إنه في الأمثلة المذكورة قد نقبل في أكثرها الانصراف المذكور ولكن هذا لقرينة خاصّة فمناسبات الحكم والموضوع أو غير ذلك تقتضي فهم ذلك ولابد وأن نذكر أمثلة ليست فيها القرينة تلتئم مع التوالي وإنما هي حيادية فهناك هل يحصل انصراف ؟ إنه أول الكلام ، كما دلت الرواية على أن ( من صام ثلاثة أيام من شعبان أو من رجب فله كذا أجر ) فهل نفهم الثلاثة المتصلة ؟ إنه أول الكلام ، وهكذا ورد ( من حجّ ثلاث حجج أمن من ضغطة القبر ) فهل نفهم الثلاثة المتصلة ؟ وهكذا لو قال الطبيب للشخص ( كل ثلاث برتقالات في اليوم فإنه يحفظك من الزكام ) فهل يفهم من ذلك الثلاث متوالية ؟ وعلى أي حال إن الأمثلة تختلف وفي مقامنا حينما قالت الرواية ( ثمانية عشر يوماً ) يصعب فهم التوالي خصوصاً وأن بعض الروايات قال إن التوالي لا يعتبر في باب الصوم إلا في ثلاثة أو في كفارة اليمين كصحيحة عبد الله بن سنان ( كل صوم يُفَرَّق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين )
[2]
وتوجد روايات أخرى في الباب المذكور تدل على أن التوالي يعتبر في ثلاثة موارد لا في مورد واحد ولكن ليس مقامنا من تلك الموارد الثلاثة ، وبعد وجود الرواية الصحيحة الدالة على أن التوالي لا يعتبر إلّا في مورد أو ثلاثة موارد فما الحاجة إلى المصير إلى الاحتياط الوجوبي ؟!
النقطة الخامسة:- إذا أفاض شخص قبل الغروب ولكنه كان جاهلاً أو ناسياً فهناك أحكام ثلاثة:-
الأول:- يجب عليه العود.
والثاني:- إذا لم يعد فعليه الكفارة على الأحوط.
والثالث:- لا تلزمه الكفارة ما دامت الإفاضة قد حصلت عن جهل . نعم لو لم يعد بعد الالتفات فالأحوط كما ذكرنا الكفارة أما إذا لم يلتفت فلا كفارة جاهلاً كان أو ناسياً.
أما بالنسبة إلى الحكم الأول:- فباعتبار أن ذلك هو مقتضى وجوب الوقوف من الزوال إلى الغروب وحيث أنه قد بقيت فترة إلى الغروب فيلزمه أن يقف فيها وذلك بالعود إلى عرفات . هذا ما يمكن توجيه العود به.
ولكن يمكن أن يقال:- إن الدليل المهم على وجوب الوقوف من الزوال إلى الغروب هو إما الارتكاز المتشرعي أو وجوب الكفارة على من أفاض أو أن المسألة ابتلائية ولازم كونها ابتلائية كون حكمها واضحاً وحيث أن الفقهاء اتفقوا على عدم جواز الإفاضة قبل الغروب فيستكشف أن الحكم الشرعي الواضح الثابت شرعاً هو لزوم الاستمرار إلى الغروب ، إن المدرك لا يعدو أحد الأمور الثلاثة المذكورة على ما تقدم والجميع لا يثبت في حق من أفاض جاهلاً أو ناسياً أن عليه العود ، أما الارتكاز فإن القدر المتيقن منه حالة الملتفت فالملتفت لا يجوز له أن يفيض قبل الغروب أما لو جهل أو نسي فيكون حكمه هو الكون إلى الغروب وبالتالي يلزمه العود إنه لا يستفاد من الارتكاز المذكور فإن القدر المتيقن منه بعد كونه دليلاً لبياً هو الملتفت كما أشرنا ، وأما وجوب الكفارة فهي ثابتة في حق العالم دون الجاهل أو الناسي حتى نفهم وجوب الكون إلى الغروب في حقهما ، وأما ابتلائية المسألة فغاية ما يبته أن الحكم في حق الملتفت هو إلى الغروب أما أن ذلك ثابت حتى في حق غيره بحيث لو أفاض جاهلاً أو ناسياً فيبقى وجوب الكون إلى الغروب ثابتاً في حقه فهذا يصعب استفادته من ذلك ، وعليه فالحكم بلزوم العود في حق الجاهل والناسي أمر مشكل . نعم لا بأس بالمصير إلى ذلك من باب الاحتياط وذلك نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فباعتبار أنه يمكن أن يقال:- إن الكفارة ثابتة في حق من أفاض قبل الغروب وهذا الشخص حينما التفت فهو وإن بقي خارج عرفات عن عمدٍ ولم يعد إليها ولكن هذا البقاء لا يصدق عليه عنوان الإفاضة قبل الغروب حتى تجب به الكفارة ، نعم هو صدق في البداية حينما ترك عرفات ولكن المفروض أنه كان جاهلاً أو ناسياً ولا كفارة عليه وإنما الكلام فيما لو بقي خارج عرفات بعد عرفات فهل تثبت في حقه الكفارة ؟ إنه لا دليل على ذلك وإنما الدليل وارد في حق من أفاض دون من كان خارج عرفات من دون صدق الإفاضة عليه ، فعليه تكون الفتوى بوجوب الكفارة عليه أمر مشكل ، نعم المصير إلى الاحتياط شيء وجيه.
ومن باب الكلام يجرّ الكلام:- وهذا شبيهه يقال في باب الخمس ، فلو فرض أن شخصاً كان عنده مال كسيارة أو دار أو عباءة وكان ذلك مؤونة له ومضت فترة كسنة أو أكثر أو أقل وكانت مؤونة له ولكن بعد ذلك خرجت عن كونها مؤونة كالعباءة التي نتركها بعد أن لبسناها فترة فهل يجب تخميسها بعد أن خرجت عن كونها مؤنة ؟ وهناك مثال أكثر ابتلائية وهو حلي المرأة فإن المرأة أيام شبابها تلبس الحلي وهي بحاجة إلى ذلك فلا خمس ولكن بعد ذلك تستغني عنه فهل يجب عليها الخمس ؟
والجواب:- يمكن أن يجاب بالنفي وأنه لا يجب الخمس ، والوجه في ذلك هو أنه في البداية لم يجب الخمس لأجل أنه كان مؤونة والآن فهو وإن لم يكن مؤونة ولكنه ليس فائدة جديدة قد حدثت وإنما هو بقاء لتلك الفائدة والدليل دلَّ على أن الفائدة متى ما حصلت وجب تخميسها والمفروض أنها حينما حصلت كانت مؤنة ، وعلى هذا الأساس ذهب غير واحد من الفقهاء الى عدم وجوب الخمس في حلي المرأة وهكذا في العباءة والسيارة وغير ذلك.
والمهم هو الأول فنأتي ونطبقه في مقامنا فهو البداية حينما أفاض كان جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة وبعد ذلك لا يصدق عليه عنوان الإفاضة ولكن كما قلت هذه صناعة والذهاب إلى الاحتياط شيء وجيه ، وهو(قده) صار إلى الاحتياط الوجوبي ولكن المناسب أن يجعله استحبابياً.
[1] المدارك 7 398.
[2] الوسائل 10 382 10 من أبواب بقية الصوم الواجب ح1.