38/04/26
تحمیل
الأستاذ السيد علي السبزواري
بحث الفقه
38/04/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: شرائط الوضوء.
قال السيد الماتن (رحمه الله): وكذا إن كان الشك في الجزء الأخير إن كان بعد الدخول في عمل آخر أو كان بعد ما جلس طويلا أو كان بعد القيام عن محل الوضوء ، وإن كان قبل ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة، وإلا استأنف)[1] .
قلنا ان قاعدة الفراغ انما تجري بعد العمل وشك في صحة العمل الذي اتى به وبعبارة اخرى الشك في صحة الموجود فحينئذ تجري قاعدة الفراغ اذا كان المكلف قد فرغ من العمل وهذا لا اشكال فيه.
اما اذا شك في الجزء الاخير فباعتبار انه جزء اخير فيحتاج الى عناية زائدة بخلاف الاجزاء الاخرى وهذه العناية هي انه لابد من تحقق الفراغ منه حتى تجري القاعدة والا مجرد جلوسه في ذلك المكان وانتهائه من ذلك العمل لا يصدق عليه الفراغ ، وهذه المصاديق وهي مجرد الجلوس او القيام من محل الوضوء او الاشتغال بأمر آخر هل ان يستفاد من هذه المصاديق انه فرغ من العمل او لا؟ ذكرنا انه يوجد قولان ، قول نظر الى صحيح زرارة المتقدم واطلاقه يشمل هذه الامور التي ذكرها السيد الماتن كلها الا ان بعض الفقهاء قال لا يصدق الفراغ الا اذا دخل في عمل غيره من صلاة او مطالعة ولكن مجرد الجلوس لا يصدق عليه الدخول في عمل آخر وتقدم الاستدلال عليه ، اذن النزاع بينهم صغروي لا كبروي لان الكل متفقون انه اذا صدق عليه الفراغ فلا اشكال ، فمن قال ان الجلوس طويلا يصدق عليه الفراغ والدخول في عمل آخر نظر الى اطلاق صحيح زرارة وقال البعض انه لا يصدق عليه الفراغ ولا يصدق عليه انه دخل في عمل آخر خصوصا اذا مضى وقتا قصيرا ولا يمكن التمسك بأدلة قاعدة الفراغ لان التمسك بها في هذا المورد من التمسك بالدليل في الشبهة في الموضوع المشتبه.
ثم قال السيد الماتن (رحمه الله) : (مسألة 46): لا اعتبار بشك كثير الشك ، سواء كان في يده الأجزاء أو في الشرائط أو الموانع)[2] .
هذا هو المعروف بين الاصحاب اذ الادلة التي وردت في الاعتناء بالشك وجعلت علاجا للشك انما تنصرف الى الشك العقلائي وشك كثير الشك خارج عن اعتبار العقلاء.
مضافا الى ما ذكرنا سابقا من ان اصالة عدم الغفلة والسهو من الاصول العقلائية التي تقدم في بحث قاعدة الفراغ وفي بحث قاعدة التجاوز وقلنا ان قاعدة الفراغ والتجاوز من صغريات اصالة عدم السهو والغفلة وليست هي اصل وقاعدة بحد نفسها ، وهذا الاصل العقلائي لا يجري في شك كثير الشك.
ومضافا الى ورود روايات خاصة تدل على ان الذي يشك كثيرا لا يعتني بشكه وهذه الروايات صحيحة سندا ودلالتها واضحة نذكر جملة منها.
منها: صحيحة عبدالله بن سنان قال: ذكرت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة، وقلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ): وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله، هذا الذي يأتيه من أي شيء هو؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان) [3] . وهذا الخبر اطلاقه يشمل الوسوسة وكثير الشك.
ومنها: صحيحة زرارة وأبي بصير جميعا قالا : قلنا له : الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري ، كم صلى ولا ما بقي عليه ؟ قال : يعيد ، قلنا : فانه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك ؟ قال : يمضي في شكه ، ثم قال : لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود ، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة ، فانه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك ، قال زرارة : ثم قال : إنما يريد الخبيث أن يطاع ، فاذا عصي لم يعد إلى أحدكم) [4] . هذا الخبر بيان لموضوع وبيان لحكم وبيان لعلاج ذلك المرض ، والخير وان كان واردا في الصلاة ولكنه يشمل غير الصلاة للتعليل الوارد فيه.
ومنها: صحيح محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فانه يوشك أن يدعك ، إنما هو من الشيطان) [5] .
هذه الرواية صريحة في عدم الاعتناء بشك كثير الشك ، ولا اختصاص لها بمورد بل تشمل الشك في جميع الموارد.
ومن هنا يقال انه لا حاجة الى التمسك بقاعدة نفي الحرج والعسر مع وجود هذه الروايات حتى يستشكل بانه هل المراد من العسر والحرج الشخصيين ام النوعيين فاذا كان المراد من العسر والحرج الشخصيين فمن قال ان الاعادة مرة او مرتين يستلزم منه العسر والحرج لشخص معين ، وان كان المراد منه النوعيين ايضا ليس الامر كذلك فانه قد يكون لبعض الاشخاص وقد لا يستلزم لبعض الاشخاص العسر والحرج.
الا ان هذه الروايات بعضها يشمل الوسوسة والفرق بين الشك والوسوسة فكلاهما يشتركان في امر ويختلفان في امر اخر فيشتركان في كثرة الشك والسهو وانهما من الشيطان ويختلفان في ان كثير الشك له منشأ عقلائي اما الوسوسة فليس فيها أي احتمال عقلائي بل مجرد وهم وقد يكون عادة عنده وكذا يشتركان في ان حكمهما واحد وعلاجهما ما ذكره الامام (عليه السلام) وهو ترك الوهم ولا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء مرات فان الشيطان يذهب حينئذ.