38/03/24
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/03/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات المكاسب المحرمة.
ولا يخفى أنه بناءً على الذي أفاده الشيخ النائيني(قده) في هذا الوجه إذا ضم إلى ما أفاده في الوجه السابق نتمكن أن نقول إنَّ الشيخ النائيني يشترط في صحة الاجارة ثلاثة شروط غير الشروط المعروفة الأول ملكية الأجير للعمل بمعنى القدرة الشرعية على الفعل والترك ، والثاني أن يمكن حصول العمل للمستأجر بفعل الأجير ، والثالث وهو يتفق به مع المشهور وهو عود منفعة إلى المستأجر من خلال الاجارة وإلا كانت سفهية.
ونحن في مقام التعليق نقول: أما الشرط الأوّل فقد تقدم الكلام فيه وأنه يلزم أن يكون الأجير مالكاً للعمل بمعنى القدرة الشرعية على الفعل إذ لو لم يكن قادراً يعني أن الفعل كان محرّماً فإنه إذا كان محرّماً فلا يقدر على فعله فتقع الاجارة فاسدة؛ إذ لا يمكن تعلّق وجوب الوفاء بها وإلا وجب الوفاء بالمحرّم ، صحيح أنّا نعتبر القدرة على الفعل ، وأما القدرة على الترك حتى يلزم من ذلك ما أراده الشيخ النائيني(قده) وهو أنَّ الاجارة على الواجب تقع فاسدة ، كلا لا يلزم اضافةً إلى القدرة الشرعية الفعل القدرة الشرعية على الترك ، بل يكفي القدرة التكوينية ، أما القدرة الشرعية على الترك فلا تلزم لعدم الدليل.
وأما ما ذكره من أنه يلزم حصول العمل للمستأجر بفعل الأجير فلا نعلم من أين أتى بهذا الشرط فإنه لا دليل عليه ، وهو أيضاً لم يستدل على وجهه ، فلا وجه لاعتباره.
وأما ما اعتبره من اشتراط عود المنفعة الى المستأجر فهذا أيضاً يمكن أن نرفع اليد عنه ، فلا يلزم عود منفعة الى المستأجر من خلال الاجارة.
إن قلت: إنه على هذا الأساس سوف تكون المعاملة سفهية والاطلاقات مثلاً منصرفة عن المعاملة السفهية وإن خالف السيد الخوئي(قده) حيث قال هي لا تشمل معاملة السفيه دون السفهية ونحن الآن لا نريد كلام السيد الخوئي فإنه حتى لو بنينا كما استقربنا بعد ذلك أنه يمكن أن يقال إنَّ الاطلاقات منصرفة والمولى لم يقيد اتكالاً على وضوح المطلب فإن العاقل لا يقدِم على معاملة سفهية فلا حاجة الى تقييد هذا الاطلاق فالمولى لم يقيد لعلّه اتكالاً على هذا فالاطلاق منه لا يستهجن لو كان مراده الواقعي هو المقيد ولكن رغم هذا نقول لا يلزم أن ترجع منفعة الى المستأجر ، كما لو فرض أني آجرت شخصاً أن يؤدي الصلاة عن نفسه هو ، إنه في مثل هذه الحالة حتى لو لم يقصد هذا الرجل باستئجاره هذا الشخص أن ينال الثواب والتسبيب الى فعل الاطاعة فينال بالتسبيب الثواب فحتى لو غضضنا النظر عن هذا مع ذلك لو كان هذا الرجل هو يحبّ أن يمشي الشخص الأجير في سلوكه على جادة الشرع فليس هدفه الثواب ولا غير ذلك وافترض أنه لا ينال ثواب التسبيب لأنه لم يقصد القربة لكنه يحب أن يمشي الناس على الصراط المستقيم ، أو لأجل أن تقول الناس عليه إنه المحسن الوجيه ، فهذه الاجارة ولا بأس بأن نقول إن الاطلاقات تشمل هذه الاجارة لأنَّ هذه المعاملة ليست سفهية فإنه يوجد عنده هدف عقلائي وهو أنه حتى يقول عنه الناس المحسن الوجيه ، فعلى هذا الأساس لا مانع من شمول الاطلاق.
فإذن نتمكن أن نقول جميع الشروط الثلاثة التي ذكرها الشيخ النائيني معتبرة ، وبهذا يتضح أنه يمكن أن نحكم بصحة إجارة الأب لولده على أن يصلي الولد عن نفسه إما من باب أن هدفه الثواب فتخرج عن السفهية أو أن هدفه هو أن يقول الناس على ابني بأنه ملتزم فيكفي أي محسّن موجود ولو بهذا المقدار.
إن قلت: من أين لك أن هذا يكفي ؟ بل هذا مجرد احتمال يحتاج الى دليل فكما كنا نطالب الشيخ النائيني(قده) بدليل على الشروط التي أضافها نحن أيضاً قد يقال لنا نحن الذين ننكر هذه ونكتفي بهذه المنفعة بأدنى مراتبها هذه أيضاً تحتاج إلى دليل وأنَّ الاجارة يكفي في صحتها هذا المقدار ؟
قلت: يكفينا اطلاقات صحة الاجارة .
وأذكر فائدة جانبية عرضية: وهي أنه في الاجارة من الصعب أن نحصل على نص يدل على صحة الاجارة بنحو الاطلاق حتى نتمسك بها ، بل روايات باب الاجارة معدودة وواردة في موارد خاصة وتحصيل الاطلاق صعب فماذا نفعل فنحن نريد الاطلاق حتى نصحّح المعاملات المشكوكة به ، وأحسن إطلاق يمكن التمسّك به هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾[1] وواضح على بعض الاشكالات ولكن ذلك متروك إلى بحث الاجارة – ، ولا تتمسك بـ ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾[2] لأن قد يشكك في أن الاجارة تجارة أو لا ؟ والتجارة قد يقال هي تختص بالبيع ولا تشمل الاجارة ، فيتمسّك بأوفوا بالعقود ، فأوفوا بالعقود اطلاقه موجود يصحّح كل إجارة مادامت خارجة عن السفهية فهي مشمولة إلى الاطلاق ، وتقييد هذا الاطلاق هو الذي يحتاج إلى دليل ، والشيخ النائيني(قده) بذكره لهذين الشرطين قيّد اطلاق وهو الذي يحتاج إلى دليل على هذا التقييد ، وأما نحن فنريد أن نأخذ بالاطلاق ، فلا نحتاج إلى دليل بل يكفينا الاطلاق وهو نعم الدليل.
الوجه الثامن: ما نقله الشيخ الاصفهاني(قده) في اجارته[3] حيث نقل عن شيخه صاحب الكفاية أنه في باب القضاء بين المتنازعين وحل الخصومة أحتمل أنَّ الاجارة على القصاء وعلى كل واجب لغو لأنه واجب عليه فدفع الأجرة يكون لغواً.
وأرى أنه لابد من اصلاح هذا الوجه ، فلابد وأن يكون مقصوده من اللغوية يعني حتى لا يلزم السفهية والأكل بالباطل مثلاً ، وإلا فاللغوية بما هي لغوية لا معنى لجعلها مانعاً ، فلابد وأن يقصد منها ما ذكرناه.
وفيه:
أولاً: إنما يلزم اللغوية لو كان الواجب على الأجير بذل العمل بنحوٍ مجاني ولا تجوز الأجرة ، أما إذا فرض أن الواجب يجوز المطالبة بالأجرة عليه ونحن الى الآن لم يثبت عندنا أن الوجوب يمنع من صحة الاجارة أو لا يمنع أي نحن في عين المتنازع فيه وأن الوجوب يمنع من صحة الاجارة أو لا يمنع فإذا كان من حقّه أن يطالب بالأجرة فإذن لا تكون مطالبته بها لغواً رغم وجوب العمل عليه.
إذن هذا الدليل يتوقف على أن يكون الثابت في المرحلة السابقة أن الأجير يجب عليه العمل مجاناً وبلا أجرة وإلا لم تكن مطالبته بالأجرة ودفع الأجرة إليه لغوا بل يكون من حقه ذلك ، فأخذ في الدليل قضية هي عين المتنازع فيه وهذا ما يعبر عنه بالمصادرة.
ثانياً: إنَّ اللغوية تلزم إذا فرض أنه كان الأجير باطلاً للعمل مجاناً ويقول ما دام هذا الفعل واجباً فأنا أيها الناس لا يجوز لي أن آخذ الأجرة فإذن أنا أعمل بلا أجرة فطلب الأجرة حينئذٍ من المستأجر يكون لغواً بعدما كان الأجير باذلاً ، أما إذا فرض أن الأجير قال أريد الأجرة وإن لم تعطوني الأجرة فلا أقوم بالعمل ففي مثل هذه الحالة بذل الأجرة من قبل المستأجر هل يكون لغوا ؟ كلا لا يكون لغواً ، لأنه لا يعمل إلا مع بذل الأجرة ، وإنما يكون لغواً فيما إذا كان مستعداً للعمل من دون دفع أجرة عليه حينئذٍ يلزم اللغوية والسفهية ، أما إذا لم يكن كذلك فلا.