38/03/13
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الفقه
38/03/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: خــتــام.
كان كلامنا في تكليف الكفار بالفروع ، وذكرنا في باب الصوم في التعاليق المبسوطة ان الاظهر هو ان الكفار مكلفون بالفروع ، ولكن في باب الزكاة عدلنا عن ذلك وبنينا على ان الاظهر ان الكفار ليس مكلفين بالفروع ، وهذا القول هو الصحيح والوجه في ذلك.
أولاً:- ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) لما بعث من قبل الله تعالى لإنقاذ البشر من المهالك ومن الظلمات الى النور فلا شبهة في انه مبعوث الى كافة البشر بلا فرق بين اصناف البشر وطوائفها والوانها واشكالها فهو مبعوث الى هداية كافة البشر على وجه الكرة الارضية وهو مكلف اولا ببيان كلمتين كلمة التوحيد وكلمة الرسالة فان هاتين الكلمين هما اساس الاسلام ومن آمن بهما فهو مسلم ومحقون الدم والعرض والمال من أي طائفة كان ، فالاسلام متمثل بهاتين الكلمتين ، وان رسالة الرسول الاكرم تشتمل على جميع الاحكام الفرعية اجمالا وبنحو القضية المبهمة ، منها ولاية الائمة الاطهار (عليهم السلام) وولاية علي ابن ابي طالب واولاده الطاهرين (سلام الله عليهم اجمعين) ، ومن هنا ذكرنا ان كل حكم تشتمل عليه الرسالة سواء كان المكلف قاطعا به ام ظانا به ام كان محتملا فإنكاره انكار للرسالة اما قطعا او ظنا او احتمالا ، فان انكار الرسالة احتمالا يوجب الكفر لأنه لابد ان يكون الايمان بالرسالة بنحو قطعي وجزمي ومن هنا قلنا ان انكار الضروري المعروف بين الاصحاب انه موجب للكفر فقد ذكرنا ان انكار الضروري في نفسه ليس موجبا للكفر ، فاذا كان ملتفتا الى ان انكاره انكار للرسالة وتكذيب للنبي الاكرم فاذا التفت الى هذه الملازمة فهو موجب للكفر ، فالموجب للكفر هو انكار الرسالة وتكذيب الرسالة ولا فرق في ذلك بين ان يكون الحكم ضروريا ام قطعيا ام ظنيا ام احتماليا فانكاره انكار للرسالة اما بالضرورة او بالقطع او بالظن او بالاحتمال ، وانكار الرسالة احتمالا معناه انه لم يؤمن بها جزما وقطعا فمن اجل ذلك يوجب الكفر فلا شبهة في ان الامر بالايمان بالرسالة يتضمن الامر بالفروع وان الامر بالتوحيد وبالرسالة يتضمن الامر بالفروع ، فان الايمان بالرسالة يضمن الايمان بالفروع الفقهية اجمالا ، وعلى هذا فمن لم يكن مأمورا بالرسالة كالمشركين والملحدين وجميع الكفار فكيف يكون مكلفا بالفروع ومن لا يعتقد بكلمة التوحيد فكيف يكون مكلفا بالفروع فبطبيعة الحال الايمان بالفروع متفرع على الايمان بالتوحيد والرسالة فمن لم يؤمن بالتوحيد او بالرسالة فكيف يكون مؤمنا بالفروع.
ثانياً:- ان الآيات الكريمة التي هي في مقام التشريع كما اشرنا اليها فان الخطاب فيها موجه الى المؤمنين مع ان الآية الكريمة في مقام تشريع الاحكام الشرعية ، فان هذه الآيات دليل على المؤمنين هم كمكلفين بالفروع دون الكافرين والمشركين وكذا صحيحة زرارة شاهدة على ذلك فان الامام (عليه السلام) صرح بانه يأمر بالاسلام اولا ثم بالولاية فانه صريح بان الامر بالولاية بعد الامر بالرسالة.
وأما ما استدل به المشهور على تكليف الكفار بالفروع كقوله تعالى : ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ، فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾[1] ، فان الآية قبل ذلك (ما سلككم في سقر) فالتعليل بترك الصلاة لا معنى له اذا كانوا هم المشركون فالصحيح هو تعليل دخولهم في جهنم وفي سقر هو بشركهم وبكفرهم لا بترك الصلاة فان هذا التعليل ليس قويا فان التعليل بالأقوى احسن من التعليل بالضعيف مع وجود الاقوى فمع وجود الاقوى التعليل بالضعيف ليس عرفيا وليس مناسبا لفصاحة القران وبلاغته ، فان هذا معناه ان دخولهم في سقر من جهة تركهم الصلاة لا من جهة شركهم وكفرهم وانكارهم الرسالة ، اذن لا يمكن الاستدلال بهذه الآية المباركة.
وأما الآية الثاني وهي قوله تعالى : ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾[2] ، فالظاهر ان قوله تعالى (الذين لا يؤتون الزكاة) صفة مميزة بين المشركين والمسلمين فويل للمشركين من جهة كفرهم لا من جهة انهم لا يؤتون الزكاة فالتمييز بين هؤلاء المشركون وهؤلاء المسلمون بإعطاء الزكاة وعدم اعطاء الزكاة.
النتيجة ان الاظهر ان الكفار ليس مكلفين بالفروع.
ثم على تقدير تسليم انهم مكلفون بالفروع فالمعروف والمشهور انهم لا تصح منهم العبادة فلا تصح من الكافر الصلاة والصوم واداء الزكاة لان الزكاة عبادة وتتوقف صحتها على قصد القربى ولا يتمشى قصد القربى من الكفار.
ولكن لا يمكن المساعدة على هذه النقطة ، فان معنى قصد القربى هو الاتيان بالفعل لله تعالى وتقدس ويعتبر في قصد القربى ان يكون الفعل محبوبا لله تعالى فاذا كان محبوبا فيصح ان يأتي به لله تعالى وتقدس ، اما ان الكافر مبغوض وهو لا يتمكن من التقرب الى الله ، فان حسن قصد التقرب فعلي لا فاعلي فالناصب لأهل البيت سوء من الكافر مع انه متمكن من قصد القربى والفاسق والفاجر القاتل للمؤمنين هو سوء من بعض الكفار مع ذلك اذا صلى يتمكن من قصد القربى وصلاته صحيحة ، اذن الكفر لا يكون مانعا عن قصد القربى اذا كان الفعل قابلا للتقرب وقابلا لإسناده اليه تعالى وتقدس من جهة انه محبوب عند الله فاذا اتى به لله تعالى لا لغيره فيتحقق قصد القربى سواء أكان الفاعل مسلما او كافرا ناصبيا او غيره فلا فرق من هذه الجهة ، فعلى هذا فلو قلنا بان الكفار مكلفون بالفروع فتصح العبادة منهم ، فما هو المشهور من عدم صحة العبادة لا دليل عليه ولا وجه له.
واما سائر الاحكام فلا فرق بين المسلم والكافر فان للحاكم الشرعي ان يجبره على اعطاء الزكاة كما ان للحاكم الشرعي اجبار المسلم الممتنع على اعطاء الزكاة او يأخذ زكاته قهرا بدون اختياره واذا اشترى المسلم تما نصابه فشرائه بالنسبة الى الزكاة فضولي كما هو الحال في المسلمين واذا مات يخرج زكاته من اصل ماله كما هو الحال في المسلم ، فلا فرق بين المسلم والكافر اذا كان مكلفا بالفروع وبالزكاة في هذه الاحكام اصلا.
ثم ذكر السيد الماتن (قدس الله نفسه): الحادية والثلاثون: إذا بقي من المال الذي تعلق به الزكاة والخمس مقدار لا يفي بهما ولم يكن عنده غيره فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة بخلاف ما إذا كانا في ذمته ولم يكن عنده ما يفي بهما فإنه مخير بين التوزيع وتقديم أحدهما، وإذا كان عليه خمس أو زكاة ومع ذلك عليه من دين الناس والكفارة والنذر والمظالم وضاق ماله عن أداء الجميع فإن كانت العين التي فيها الخمس أو الزكاة موجودة وجب تقديمهما على البقية، وإن لم تكن موجودة فهو مخير بين تقديم أيهما شاء ولا يجب التوزيع وإن كان أولى، نعم إذا مات وكان عليه هذه الأمور وضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة ، كما في غرماء المفلس، وإذا كان عليه حج واجب أيضا كان في عرضها)[3] .