34/08/19
تحمیل
الموضوع: المسألة 110
كان الكلام في تحمل الشهادة ،وقلنا انهم اتفقوا على وجوبه ، لكنهم اختلفوا في ان وجوبه عينياً او كفائياً؟
وقلنا ان المشهور بينهم انه كفائي بمعنى عند قيام من به الكفاية لتحمل الشهادة يسقط وجوب تحمل الشهادة عن الغير في مقابل العينية التي تعني عدم سقوط الوجوب بقيام من به الكفاية بتحمل الشهادة .
هذا ولكن السيد الماتن (قده) ذهب الى العينية ولكن يفسرها بتفسير اخر وهو عند قيام من به الكفاية بتحمل الشهادة بعد دعوته يسقط الوجوب عن الغير وهو نفس معنى الكفائية التي قال بها المشهور ولكن لم يسمه بالكفائي وذلك للفرق بينهما في صورة العلم بوجود من له اهلية تحمل الشهادة فان وجوب التحمل لايسقط عنده فسمى هذا الوجوب بالعيني ، والفرق بين القول بالعينية على غير المعنى الذي اختاره السيد الماتن والقول بالكفائية على المشهور في صورة اذا تحمل من به الكفاية الشهادة كرجلين عادلين فانه على القول بالكفائية يسقط الوجوب وعلى القول بالعينية لايسقط .
وقد قربنا العينية بالمعنى المعروف تمسكاً باطلاقات الادلة من الكتاب والسنة ،إذ هي بمضمون واحد وهو وجوب تحمل الشهادة على من دعي الى تحملها ولايجوز له ان يقول لاأشهد سواء تحمل الشهادة غيره او لم يتحملها وهذا هو مقتضى إطلاق كل واجب من الحمل على العينية دون الكفائية ، ولايمنع من الاخذ بإطلاق الادلة الا دعوى عدم الفائدة من بقاء وجوب التحمل وعدم سقوطه .
وقد اجبنا عليه وقلنا ان الفائدة موجودة وذلك لان الغرض الاصلي للتحمل قد لايتحقق من اشهاد عادلين فقط لاحتمال الموانع التي قد تطرء على هذين الشاهدين من الموت او الغيبة او الفسق ونحو ذلك فلا ضير من ان يشهد صاحب الحق اكثر من شاهدين احتياطاً لئلا يضيع حقه .
فإذاً يمكن تصور فائدة من وجوب التحمل حتى مع قيام من به الكفاية بتحمل الشهادة ، وعليه لامانع من القول بالوجوب العيني لتحمل الشهادة بمعنى وجوب الاستجابة على من دعي الى تحمل الشهادة حتى لو تحملها عادلان .
نعم ، قلنا ان هذا يؤدي الى شيء قد لايمكن الإلتزام به -كما ذكر بعض الفقهاء- من وجوب الاجابة على المائة والمائتين إذا دعو الى تحمل الشهادة ،وهذا من الصعب الالتزام به.
ولكن يمكن ان يقال مادامنا نحتمل عدم تحقق الغرض من الاشهاد فلا مانع من الإلتزام بالوجوب العيني للتحمل لوضوح ان التحمل طريق الى أداء الشهادة وليس على نحو الموضوعية فصاحب الحق نظره الى اقامة الشهادة وهو غرضه الاصلي من الاشهاد ولذا لو تحمل اثنين الشهادة لايسقط الغرض إذ الغرض ليس في نفس التحمل وانما الغرض هو الاداء وفي مقام الاداء قد يموت واحد منهما او يغيب فلا يتحقق الغرض من الاشهاد .
واما إذا علمنا تحقق الغرض من الاشهاد كما إذا قطعنا بشهادة عادلين في مقام أداء الشهادة فحينئذٍ لاداعي للإلتزام بوجوب تحمل الشهادة على مازاد على هذا المقدار وهذا من قبيل ما سيأتي في اداء الشهادة من انه إذا ادى الشهادة من به الكفاية فلا اشكال في سقوط الوجوب عن الباقين بالاتفاق لتحقق الغرض من الاداء .
فدعوة المائة والمائتين تدخل في هذا الباب لانه لااشكال من تحقق الغرض من التحمل بعدد اقل من هذا المقدار يضمن بها أداء الشهادة عند طلبها وحينئذٍ يسقط الوجوب عن الباقين فلا يجب عليهم الاستجابة الى الاشهاد لو دعو، وهذا لايمكن تحديده بضابط معين وانما يختلف باختلاف الحالات .
وعليه ، فالإلتزام بعينية وجوب التحمل لايعني انه إذا دعى الالف او الالفين الى تحمل الشهادة يجب عليهم جميعاً الاجابة .
هذا ، ولكن السيد الماتن حيث التزم بان وجوب التحمل عيني ولكن فسر العينية بما يرجع في روحه الى الكفائية التي التزم بها المشهور والإلتزام بالكفائية على خلاف إطلاقات الادلة من الكتاب والسنة إذ ان مقتضاها العينية إدعى وجود قرينة على تقييد إطلاقات الادلة وحاصلها :
ان الواجب هو تحمل الشهادة عند الاستشهاد ، والاستشهاد المأمور به في الاية يختص باستشهاد رجلين ورجل وامراتين كما تقول الاية (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان ممن ترضون من الشهداء)
[1]
بمعنى عند استشهاد رجلين يجب على هذين الرجلين الاجابة فقط واما ماعداهما فلا يجب عليه التحمل ، ولذا التزم (قده) بعدم وجوب التحمل على الغير لو تحمل من به الكفاية الشهادة وفاقاً الى المشهور وان سمى مثل هذا الوجوب بالعيني لان جهة الملاحظة متعددة بينه وبين المشهور لكنهما يتفقان على انه عند قيام من به الكفاية بتحمل الشهادة فان الوجوب يسقط عن الباقين .
وهذا الكلام منه(قده) يرجع في روحه الى مانقلناه عن المحقق النراقي مع تغيير في الاستدلال .
هذا ، ولكن الظاهر ان النهي عن الاباء في قوله تعالى (ولايأب الشهداء ) الذي يلازم وجوب التحمل منوط في الاية المباركة بقوله (إذا ما دعو) وقد تقدم ان الشهداء لايراد بها العهد الذكري كما ذكر صاحب المستند فلايراد بها الاشارة الى الرجلين او الرجل والمراتين وانما يحتمل ان المراد به الجنس أي كل من له قابلية الشهادة .
ويضاف الى هذا انه حتى لو التزمنا بان هذا صحيح في الاية المباركة باعتبار ان موردها هو الرجلان او الرجل والامراتان ، ولكن هذا لايمنع من التمسك بإطلاق الادلة الاخرى التي ليس فيها الاشارة الى خصوص الشهداء الذين ذكرتهم الاية ، فان مضمونها انه لايجوز لاحدٍ ان يقول لاأشهد إذا دعي الى الشهادة ،وحينئذٍ لامانع من القول بوجوب التحمل على غير الرجلين والرجل والامراتين ، هذا إذا سلمنا ان الاية فيها هذه الدلالة التي ادعوها ، واما إذا لم نسلم ذلك فتكون الاية والنصوص متوافقة على وجوب التحمل على الغير حتى لو قام به من به الكفاية بالمقدار الذي اشرنا اليه لامطلقاً .
هذا تمام الكلام في مسألة 110 وبعد ذلك يقع الكلام في المسألة 107
قال(قده): مسألة 107: لاخلاف في وجوب أداء الشهادة بعد تحملها مع الطلب إذا لم يكن فيه ضرر عليه.
.............
وواضح ان الكلام عن وجوب إقامة الشهادة لايكون الا بعد تحملها والا من لم يتحمل الشهادة ليس فقط لايجب عليه أداء الشهادة بل لايجوز له إقامة الشهادة ، ومن نتكلم عنه في وجوب أداء الشهادة هو العالم بالواقع أي تحمل الشهادة ، وحينئذٍ يقع الكلام في انه هل يجب عليه أداء الشهادة او لايجب عليه ذلك ؟
وهنا ذكر الفقهاء بان تحمل الشهادة على نحوين :
الاول: ان يكون تحمل الشهادة بطلب من المشهود له .
الثاني : ان لايكون التحمل بطلب من المشهود له وانما هو تحمل تبرعي او حصل من باب الاتفاق والصدفة .
والكلام في النحو الاول منهما وهو تحمل الشهادة بطلب من المشهود له وبعد تحمله للشهادة فهل يجب عليه إقامة الشهادة او لا؟
والظاهر انه لااشكال عندهم في وجوب إقامة الشهادة في هذا النحو وقد حكي الاجماع عليه مستفيظاً من قبل جماعة من الفقهاء ، واستدل على ذلك:
اولاً : بقوله تعالى (ولاتكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه )
[2]
فان فيها تنبيه على الاثم الذي يترتب على كتمان الشهادة ، وهي ناظرة الى مقام الاداء لا الى مقام التحمل لان قوله تعالى (ولاتكتموا الشهادة) يستبطن تحمل الشهادة ،ونهي عن كتمانها وهذا لايكون الا في مقام الاداء ، مضافاً الى الروايات الصريحة الدالة على ان هذه الاية ناظرة الى مقام الاداء عكس الاية (ولايأب الشهداء إذا مادعو) فانها ناظرة الى مقام التحمل كصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله (ع) في قول الله عزوجل (ولايأب الشهداء إذا ما دعو) قال: قبل الشهادة ، وقوله (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) قال: بعد الشهادة
[3]
.
فان المقصود بالاول تحمل الشهادة والثاني إقامة الشهادة بعد تحملها مضافاً الى ماقلناه ان نفس النهي عن كتمان الشهادة يستبطن تحمل الشهادة فان الذي لم يتحمل الشهادة لامعنى لان ينهى عن كتمانها .
فإذاً الاية الشريفة ناظرة الى مقام الاداء .
ويبقى شيء لتتميم الاستدلال بالاية في محل الكلام ،إذ كلامنا في وجوب إقامة الشهادة بطلب من المشهود له ،فهل الاية ناظرة الى هذا؟
السيد الماتن يذهب الى ان الاية ناظرة الى وجوب إقامة الشهادة بعد تحملها بالاستدعاء ، لان الاية واردة بعد الامر باستشهاد رجلين او رجل وامراتين وبعد الامر بتحمل الشهادة عند الدعوة فتكون ظاهرة في وجوب الاداء وحرمة كتمان تلك الشهادة التي تحملها بطلب من المدعي إذ قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم او رجل وامرتين)
[4]
هذا خطاب موجه الى من يريد ان يقرض مالاً الى الغير ، وبعد ذلك الاية تقول (ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه) أي بعد فرض التحمل وانه بالاستدعاء قالت انه يحرم عليه كتمان الشهادة .
وأقول: ماذكره السيد الماتن كلام وجيه أي يمكن ان يستفاد من الاية ذلك ، وعلى تقدير ان لا يكون مورد الاية هو تحمل الشهادة بالاستدعاء فتكون الاية مطلقة وحينئذٍ تكون شاملة محل الكلام بالاطلاق ،أي لو كانت مختصة بالاستدعاء او كانت غير مختصة بالاستدعاء أي من تحمل الشهادة مطلقاً يجب عليه اداؤها فهو ايضاً ينفعنا في مقام الاستدلال بها في النحو الاول .
هذا ، وهناك روايات ذكرها الفقهاء ومعظمها ليس تاماً من حيث السند بل لعل كلها كذلك كرواية جابر عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم أو ليزوي بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مد البصر وفي وجهه كدوح تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ومن شهد شهادة حق ليحيى بها حق امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مد البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ثم قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ألا ترى أن الله عز وجل يقول : ( وأقيموا الشهادة لله )
[5]
.
وفي سندها مشكلة ولكنها مروية بعدة طرق كما يذكر صاحب الوسائل في الكافي وفي الفقيه وعقاب الاعمال والامالي .
ورواية الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حديث المناهي - أنه نهى عن كتمان الشهادة وقال : ومن كتمها أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق وهو قول الله عز وجل : ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه )
[6]
.
وكذا الحديث الخامس والسادس في نفس الباب ، فان فيها دلالة على وجوب اداء الشهادة ،ولو نوقش فيها من جهة السند يكفينا الاستدلال بالاية الشريفة في المقام .
[1] البقرة282
[2] البقرة 282
[3] الوسائل ج27، ص309،باب 1 من ابواب الشهادات ،ح1
[4] البقرة 282
[5] الوسائل ج27،ص312 ،باب 2 من ابواب الشهادات ،ح2
[6] الوسائل ج27،ص313،باب 2 من ابواب الشهادات ،ح4