38/03/10
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/03/10
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الدليل العقلي
ملخص ما ذكرناه من التعليق على ما ذكره بعض المحققين(قده) من الافتراض على ما في تقرير بحثه من أن العلم الإجمالي الوسط تلفيق وتجميع لعدة علوم إجمالية متعددة صغيرة ولهذا اشكل في انحلال هذا العلم الإجمالي.
أما التعليق الأول على ذلك: فلأن ما ذكره من الافتراض مبني على أن تكون سائر الأمارات كفوءً للروايات ولكن الأمر ليس كذلك فإن سائر الأمارات عبارة عن الإجماعات المنقولة والشهرات الفتوائية فإن الشهرات الفتوائية ليست كفوءً لطائفة من الروايات فضلا عن مجموعها كروايات الثقات او الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة، وأما الشهرات الفتوائية فإن كان لها مدرك من الروايات فالعبرة إنما هي بالروايات لا بالشهرة وأما الشهرة التعبدية فهي قليلة جدا فلا يمكن حصول العلم بمطابقة بعضها للواقع.
وكذلك الحال في الإجماعات المنقولة فإن كان لها مدرك من الروايات فالعبرة إنما هي بالروايات لا بالإجماع وأما الإجماع التعبدي فهو قليل جدا فلا نعلم بمطابقة بعضها للواقع.
فإذاً لا يمكن أن تكون سائر الأمرات كفوءً لطائفة من الروايات كأخبار الثقة والأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة فإن أخبار الثقة موجودة في جميع أبواب الفقه بحيث تكفي في عملية الاستنباط في كل باب بمقدار ما يحتاج إليه الناس في حل مشاكلهم.
التعليق الثاني: مع الإغماض عن ذلك وتسليم أن سائر الأمارات كفوءً للروايات ولكن ما ذكره(قده) من أن العلم الإجمالي الوسط هو تجميع من عدة علوم إجمالية صغيرة فهو مبني على أن تكون الأمارات ملحوظة بنحو الموضوعية والاستقلال والمعنى الاسمي بحيث تكون كل أمارة موضوع للحكم وهذا مبني على القول بالتصويب الاشعري وهو باطل بل مستحيل على تفصيل ذكرناه في محله.
والصحيح أن الأمارات ملحوظة بنحو الطريقية والكاشفية والمعنى الحرفي وأنها طريق الى الواقع والحكم الواقعي حكم واحد لا يتغير بتغير الأمارات ولا يتعدد بتعددها فسواء أصابت الأمارة أو أخطأت الواقع يبقى الحكم الواقعي واحد.
وعلى هذا فالعلم الإجمالي متعلق بالحكم الواقعي فلا يكون العلم الإجمالي الوسط تجميعا لعلوم إجمالية صغيرة متعددة لأن العلم الإجمالي الوسط هو علم بثبوت الأحكام الشرعية في الواقع في دائرة مطلق الأمارات والعلم الإجمالي الكبير هو العلم بثبوت الأحكام الشرعية في دائرة مطلق الشبهات سواء كانت فيها رواية أم لم تكن وأما العلم الإجمالي الوسط فهو العلم الإجمالي بثبوت الأحكام الشرعية في الواقع في دائرة مطلق الأمارات وأن العلم الإجمالي الصغير هو علم بثبوت الأحكام الشرعية في دائرة أخبار الثقة أو دائرة الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة.
وعندئذ ينحل العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الوسط لأن المعلوم بالإجمال بالعلم الإجمالي الكبير ليس أكثر من المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الوسط كما أن العلم الإجمالي الوسط ينحل بالعلم الإجمالي الصغير فإن المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الصغير ليس أقل من المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الوسط.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى قد يقال كما قيل إن العلم الإجمالي الوسط ليس تجميعا لعدة علوم إجمالية صغيرة بل هو مردد بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ومن الواضح انحلال العلم الإجمالي في الترديد بين الأقل والأكثر الاستقلالي إلى علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي في الأكثر كما إذا علمنا إجمالا أن ذمة شخص إما مشغولة بخمس دنانير لزيد او بعشرة فإنه ينحل إلى علم تفصيلي باشتغال ذمته بالخمسة وإلى شك بدوي في الزائد، وكذلك لو علمنا إجمالا ان ذمته مشغولة بالصوم خمس أيام او عشرة أو عشرين أو ذمته مشغولة بالصلاة شهر أو شهرين فلا شبهة في انحلال هذا العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي في الأكثر.
فإذاً لا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة إلى الأكثر عن الوجوب الزائد.
وما نحن فيه أيضا كذلك فإن الأمر يدور بين عشرة أحكام في مادة الاجتماع وبين عشرتين في مادتي الافتراق فيكون الأمر دائرا بين الأقل والأكثر فإن العلم الإجمالي الوسط مردد بين عشرة أحكام في مادة الاجتماع وبين عشرتين في مادتي الافتراق فينحل عندئذ هذا العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بالأقل وهو عشرة أحكام في مورد الاجتماع وشك بدوي في الزائد ولا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن الزائد.
ولكن هذا القيل غير صحيح؛ فإن الميزان في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين وانحلال العلم الإجمالي فيه إلى علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي في الأكثر هو أن يكون الأقل بتمامه موجودا في ضمن الأكثر كمثال الدين أو اشتغال ذمة الشخص بالصلاة أو بالصوم المرددة بين الأقل والأكثر، فإن فيها يكون الأقل موجود في ضمن الأكثر بتمامه ففي مثل ذلك لا شبهة في انحلال العلم الإجمالي.
وأما إذا لم يكن الأقل موجودا في ضمن الأكثر بتمامه فلا يكون داخلا في هذه المسألة كما إذا علمنا إجمالا بنجاسة إناءين شرقيين أو نجاسة إناء غربي فإن الأمر وإن كان دائرا بين الأقل والأكثر الاستقلاليين إلا أن الأقل غير موجود في ضمن الأكثر وعليه لا يمكن انحلال العلم الإجمالي، بل يدور الأمر حينئذ بين المتباينين غاية الأمر أحد طرفي العلم الإجمالي أكثر من الطرف الآخر وهذا لا مانع منه. فإذاً أصالة الطهارة عن الإناءين الشرقيين معارضة بأصالة الطهارة عن الإناء الغربي فلا يمكن جريان كلتا الأصالتين لاستلزامه المخالفة القطعية العملية وعندئذ تسقطان معا. فلا يكون المقام من دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين.
وما نحن فيه كذلك فإن العشرة أحكام في مورد الاجتماع ليس موجودة في العشرتين لموردي الافتراق وإذا لم تكن موجودة فيهما فلا يمكن انحلال العلم الإجمالي لا حقيقة ولا حكما.
أما حقيقة فلأن أحد طرفي العلم الإجمالي لا ينطبق على الطرف الآخر فإن عشرة أحكام في مورد الاجتماع لا تكون موجودة في عشرتي الافتراق حقيقة حتى يكون الانحلال حقيقيا.
واما حكميا فإن أصالة البراءة عن العشرتين معارضة بأصالة البراءة عن العشرة في مورد الاجتماع فلا يمكن جريان كلتا الأصالتين لاستلزامه المخالفة القطعية العملية.
فإذاً لا يمكن الانحلال في المقام لا حقيقة ولا حكما. فلا يكون المقام من دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين إذ قد عرفت أن دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين منوط بان يكون الأقل موجودا في ضمن الأكثر ومع عدم وجوده لا بتمامه ولا ببعضه فلا يمكن انحلال هذا العلم الإجمالي.
ثم أن هنا اشكالا آخر وهو ان العلم الإجمالي بمطابقة بعض الاجماعات للواقع أو بعض الشهرات الفتوائية للواقع في فرض اجتماع هذا العلم الإجمالي مع العلم الإجمالي بمطابقة بعض الروايات للواقع فهل المؤثر في تنجيز الحكم الواقعي في مورد الاجتماع كلا العلميين الإجماليين أو المؤثر أحدهما فقط لا كلا العلمين الإجماليين؟
المشهور إن المنجز هو العلم الإجمالي بمطابقة جملة من الروايات للواقع دون العلم الإجمالي بمطابقة جملة من الشهرات الفتوائية للواقع باعتبار أن هذا العلم الإجمالي متأخر عن العلم الإجمالي بالروايات، وكذلك العلم الإجمالي بالروايات متقدم زمنا على العلم الإجمالي في الاجماعات المنقولة.
فعلى المشهور أن المؤثر هو العلم الإجمالي السابق دون العلم الإجمالي المتأخر ولهذا اشترط المشهور في تنجيز العلم الإجمالي في جميع أطرافه ان لا يكون بعض أطرافه منجزا بمنجز سابق وإلا فلا يكون للعلم الإجمالي منجزا.