38/03/07
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/03/07
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- تتمة مسألة( 27 ) ، مسألة ( 28 ) - المكاسب المحرمة.
تحقيق الحال في الرواية الثالثة:- ذكرنا في المحاضرة السابقة أنَّ الرواية الثالثة دلت على أنه إذا ظهر وجود الرُّبِّ في أسفل السمن فالإمام عليه السلام حكم بأنه له بكيل ذلك سمن والحال أنَّ القاعدة تقتضي أنَّ هذا مورد تبعّض الصفقة فالمشتري بالخيار بين مطلبين ببين أن يمضي البيع بأكمله أو يفسخه بأكمله ، أما أنه يأخذ ويتقبّل السمن بثمنه والباقي يطالب بتبديله بسمن جديد فهذا خلاف ما هو الثابت في خيار تبعّض الصفقة ، هذا تساؤل يرتبط بالرواية الثالثة هذا الاشكال لا يأتي على الرواية الأولى والثانية لأنّه فيهما لم يقل الامام لك بهذا المقدار كيل سمن وإنما قال ردّه ، فهذا الاشكال يردّ على الرواية الثالثة فقط.
وفي الجواب قد يقال:- إنَّ هذا لأجل كون مورد الرواية هو الكلّي فإذا حملناها على الكلّي يعني اشترى منه عكّة من سمن لكن بشكل كلّي لا خصوص هذه العكّة أو تلك العكّة فإذن من حقّه أن يرفض هذا الفرد ويطالب بإبداله بكامله أو بمقدار النصف مثلاً مادام البيع قد وقع على الكلّي فإذا أبدل النصف فالآن سوف تصير عكّة كاملة من السمن فيصير هذا فرداً جديداً سالماً ، فإذن لنحمل الرواية على الكلّي ونقول هي ناظرة إلى ذلك وتنحلّ بذلك المشكلة.
بيد أنه قد يصعب حملها على ذلك حيث إنَّ الوارد فيها هكذا:- ( قضى في رجل اشترى من رجل عكّة فيها سمن .... فوجد فيها ربّاً )[1] وظاهر هذا التعبير ، أي وجد في المبيع المشترى لا في غير المشترى وإنما يكون الأمر كذلك ، يعني يجد في المشترى ربّاً إنما يصدق في المشترى يجد رباً إذا كان المشترى هو الشخصي إما إذا كان المشترى هو الكلّي فلا يصدق أنه وجد في المشترى ربّاً بل قل وجد في الفرد الذي دفعه لا أنه وجد في المشترى ، فنفس التعبير قد يتلاءم مع الجزئي فالمبيع لابدّ وأن يكون مشخصاً حينئذٍ يصدق ( وجد فيه ) - أي في المشترى - وإلا لا يصدق ذلك.
هذا مضافاً إلى أنه عادةً في مثل السمن حينما يشترى في تلك الفترة الزمنية يشترى المعيّن لأنه قد يختلف هذا السمن - الذي كان هو السمن الحيواني وليس السمن النباتي والسمن الحيواني يختلف فرد عن فرد آخر فلذلك حينما يريد شخص أن يشتري حتى في هذا العهد يلاحظ هذا السمن الحيواني بخصوصه ثم بعد ذلك وجد السمن النباتي الذي كلّه بمستوىً واحد أما السمن الحيواني المتداول في تلك الفترة الزمنية فعادةً كان الذي يشترى هو الجزئي وليس الكلّي.
مضافاً إلى أنَّ القضية واضحة ولا تحتاج إلى سؤال لو كان الشراء عن الكلّي يعني كثيراً يكون هذا السائل غافلاً حتى يسأل هذا السؤال فإنه إذا كان الشراء للكلّي فمن الواضح أنه يستطيع أن يقول له أنا لا أريد هذا الفرد وإنما أريد فرداً ثانياً ، فنفس طرح السؤال هو قرينة على أن السؤال عن سمن معيّن وليس عن الكلّي.
وعلى أيّ حال إن قبلنا حملها على الكلّي ولم تقبل بهذه القرائن فبها ونعمت وحلّت المشكلة ، وأما إذا قبلنا هذه القرائن ورفضنا حملها على الكلّي باعتبار أنه بعيد أنَّ نظرها هو إلى الكلّي فنحتاج إلى جواب آخر ولعلّه قد قال هكذا:- إنَّ هذا من باب الحلّ العرفي بالتراضي ، فإنه توجد حلول عرفية من خلال التراضي والشارع يمضي ذلك فالإمام عليه السلام حينما قال أبدِل هذا الفاسد بكيل رُبٍّ من الصحيح ناظر إلى الحلّ العرفي وهم راضون بذلك فحينئذٍ تكون المشكلة مدفوعة من خلال ذلك.
وهذا الحلّ وجيه إذا فرض أنه قام إجماع أو وضوح على أنه في باب خيار تبعّض الصفقة لا يثبت التبعيض بلحاظ أجزاء المبيع بل إما أن يردّ بالكامل أو يقبل بالكامل ، فإن ثبت إجماع أو وضوح شيء مسلّم فسوف نحملها على الحلّ العرفي بالتراضي ، أما إذا شككنا في هذا الوضوح وهذا الاجماع فبإمكان الفقيه أن يلتزم بأنه في مورد تبعض الصفقة يثبت الخيار بهذا الشكل يعني له الحق في أن يرد الكل وله الحق في أن يتقبّل الكل وله الحق أيضاً أنَّ هذا الذي لا يكون صحيحاً يرفضه ويقابل ببدله من السليم ، فلنلتزم بذلك ، أما إذا فرضنا وجود إجماع أو وضوح أو غير ذلك فنحملها حينئذٍ على الحلّ بالتراضي ، وهذه قضية ليست مهمة ولكن أرشنا إليها لما فيها من نكتة علمية.
النقطة الثالثة:- إذا ظهر أنَّ المبيع المدفوع يغاير ما تم الاتفاق عليه فحينئذٍ يثبت بطلان المعاملة من دون ثبوت خيار.
وقد ذكرنا أنَّ الوجه في ذلك واضح وهو أنَّ ما وقع عليه العقد لم يقصد وما قصد لم يقع والعقود تابعة للقصود وهذا شيء ينبغي أن يكون واضحاً ، ولكن كان من المناسب للسيد الماتن وبقية الفقهاء أن يشيروا إلى أنَّ هذا يكون في بيع الجزئي المشخّص وليس في بيع الكلّي ، فالمقصود هو أنَّ هذه المغايرة إنما تضر فيما إذا كان البيع شخصياً حينئذٍ يتم تطبيق ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع وهذا مطلب واضح لا ينبغي التوقف فيه.
مسألة ( 28 ):- لا تصح الاجارة على العبادات التي لا تشرع أن يأتي بها الأجير عن نفه مجاناً ، واجبة كانت أو مستحبة عينية كانت أو كفائية ن فلو استأجر شخصاً على فعل الفرائض اليومية أو نوافلها أو صوم شهر رمضان أو حجة الاسلام أو تغسيل الأموات أو تكفينهم او الصلاة عليهم أو غير ذلك من العبادات الواجبة أو المستحبة لم تصح الاجارة إذا كان المقصود أن يأتي بها الأجير عن نفسه ، نعم لو استأجره على أن ينوب عن غيره في عبادة من صلاة أو غيرها إذا كانت مما تشرع فيه النيابة جاز ، وكذا لو استأجره على الواجب غير العبادي كوصف الدواء للمريض أو العلاج له أو نحو ذلك فإنه يصح ، وكذا لو استأجره لفعل الواجبات التي يتوقف عليها النظام كتعليم بعض علوم الزراعة والصناعة والطب.
ولو استأجره لتعليم الحلال والحرام فيما هو محلّ الابتلاء فالأحوط وجوباً البطلان وحرمة الجرة بل الصحة والجواز فيما لا يكون محلاً للبتلاء لا يخلو من اشكال أيضاً.[2]
..........................................................................................................
هناك نكتتان نبينهما ثم ندخل في صلب المسألة:-
النكتة الأولى:- هذه المسألة تشتمل على بعض النكات العلمي وأهميتها لا تنشأ من شدة الابتلاء بها وإنما تنشأ من النكات العلمية التي تشتمل عليها كما سوف نلاحظ.
النكتة الثانية:- هذه المسألة طويلة وفيها شيء من التشويش وضبطها بهذه الصياغة لعلّه شيء صعب ، لكن إذا أردنا بيان روح هذه المسألة وتركنا الزوائد ثم بعد ذلك نصوغها بصياغة جديدة ، أما روح هذه المسالة فهو يرجع إلى نقطتين أو ثلاث:-
النقطة الأولى:- إنَّ كل واجب هو مطلوب من المكلّف على نحو المجانية ، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه وسواء كان واجباً كأداء الصلاة اليومية عن نفسه ، فالصلاة اليومية عن نفسي هي مطلوبة من عندي بالمجّان أما أن يأتي شخص ويستأجرني للصلاة عن نفسي فهذا لا يصح لأنها مطلوبة مني بنحو المجّان فهي واجب مطلوباً بنحو المجانية ، أو كان مستحباً مطلوباً مني بنحو المجانية مثل النوافل كنافلة الليل أو النوافل اليومية فهي مطلوبة من المكلّف عن نفسه بنحو المجانية فالإجارة على أن يأتي بها بأجرة هذا لا يجوز لأنه مطلوب بنحو المجانية.
إذن النقطة الأولى سوف تصير هكذا:- إنَّ كلّ واجب مطلوب من المكلّف بنحو المجّانية لا تجوز الاجارة عليه وسواء كان واجباً كما في الصلوات اليومية عن نفسه أو مستحباً كالنوافل اليومية عن نفسه.
النقطة الثانية:- أما إذا كان ليس مطلوباً بنحو المجانية فيجوز أخذ الأجرة عليه سواء كان مستحباً أم واجباً ، ومثال كالنيابة في زيارة الإمام الحسين عليه السلام فاستأجرك لزيارة الامام الحسين عليه السلام نيابة عنّي وليس عنك أنت المستأجَر ، ومثال الواجب كأن استأجره على أداء الصلاة عن الميت فإنه يجوز ذلك نيابة ، أو مثل كإجارة الطبيب لوصف الدواء للمريض فإنَّ وصف الدواء من قبل الطبيب واجب وإلا لا يستقيم النظام وإذا لم يقبل الاطباء بذلك فالحاكم الشرعي يجبرهم على ذلك ولكنهم يحق لهم المطالبة بالأجرة - نعم إذا أردوا أجرة عالية وكان سبباً في الاخلال بالنظام فهذه عناوين ثانوية - ، ولكن لم يكن المطلوب هو طبابة بوصف الدواء أو اجراء عملية بنحو المجانية نعم هو واجب ولكن هو ليس مطلوباً بنحو المجانية فيجوز أخذ الأجرة عليه ، ومثال آخر وهو الاجارة على تعليم الواجبات مثل تعليم النجارة والطبابة والصياغة والبناء أي الحرف والصناعات ، فإنَّ تعليم هذه الحرف والصناعات بما تعليم هو واجب لأنَّ المجتمع يحتاج إلى كلّ هذه الحرف والصناعات وحتى لا تذهب هذه الحرف والمجتمع يمكن أن يزاول هذه الحرف ، فهذا التعليم بما هو تعليم هو واجب ولكن ليس واجباً بنحو المجّان.
النقطة الثالثة:- تعليم الأحكام الشرعية ، كأن أذهب وأعلم الناس أحكام شرعية ، قال:- إذا كانت ابتلائية مثل أحكام الصلاة فالأحوط وجوباً عدم الجواز وإذا كانت غير ابتلائية فقيه إشكال أيضاً.
والآن أريد أن أصوغ المسألة بدل الصياغة المذكورة هكذا:- ( لا تصح الاجارة على الاعمال المطلوبة شرعاً من المكلّف مجاناً فلا تصح اجارته لأداء صلاته اليومية عن نفسه وصوم رمضان عن نفسه وهكذا ، وأما ما لم يبنِ على المجانّية فتصح الاجارة عليه سواء كان مستحباً كزيارة المراقد المشرفة وغيرها مما شرّعت فيه النيابة أم كان واجباً كإجارة الطبيب لوصف الدواء ونحو ذلك أو الاجارة على فعل الواجبات التي يتوقّف عليها النظام كتعليم بعض العلوم والحرف كالزراعة والصناعة والطبابة.
والأحوط وجوباً بطلان الاجارة على تعليم الأحكام الشرعية الابتلائية وأما غير الابتلائية فالصحة لا تخلو من إشكال أيضاً ).