01-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع: مسألة ( 385 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة (385 ):- اذا اشترى هديا معتقداً سلامته فبان معيباً بعد نقد ثمنه فالظاهر جواز الاكتفاء به .
 ذكر(قده) فيما سبق أن من شرائط الهدي أن يكون تاماً وسالماً من العيوب وفي هذه المسألة يذكر ما لو اشترى الناسك الهدي معتقداً بأنه سالم ثم بان أنه ليس كذلك وقد حكم(قده) بالاجزاء خلافاً لما هو المنسوب الى الاكثر من عدم الاجزاء ، وينبغي أن يكون الفرق واضحاً بين هذه المسألة وبين ما يأتي في مسألة ( 387 ) فإن المسألة الاتية ناظرة الى حالة ما لو اشترى الناسك الهدي معتقداً كونه سميناً فبان هزيلاً فإن تلك المسألة التي حكم فيها بالاجزاء تغاير هذه المسألة - اي مسألة ما لو اشترى باعتقاد السلامة فبان ناقصاً - فإن السمنة والهزال ليسا من مقولة النقص والتمام وحديثنا في هذه المسألة عما لو اشتراه تاماً فتبين ناقصاً وعبّر(قده) بكلمة ( بعد نقد الثمن ) والمقصود من كلمة ( نقد ) أي سلّم وإنما عبّر بذلك تبعاً للروايات.
 وينبغي الالتفات الى قضية أخرى:- وهي أن المكلف حينما يشتري الحيوان معتقداً سلامته نسأل من اين هذا الاعتقاد بالسلامة ؟ والجواب:- إنه ينشأ من مناشئ مختلفة فقد ينشأ من ناحية أنه من أهل الخبرة وشخّصت خبرته كون الحيوان سالماً ولكنه بعد ذلك بان أنه ليس كذلك ، واخرى يعتمد على غيره من ذوي الخبرة فتبين الاشتباه ، وثالثة - وهو المهم الذي نريد الاشارة اليه - أن لا يكون من هذا القبيل ولا من ذاك وانما اعتقاد السلامة ينشأ من أصالة الصحة يعني هو يشتري الحيوان اعتماداً على اصالة الصحة القاضية بسلامة الحيوان ثم يتبيّن الامر على الخلاف ، وسؤالنا هنا هو أنه ما هي الحدود التي يكون فيها أصل السلامة حجّة فهل هو حجة مطلقاً او هو حجة في حدود معينة ؟ وما هو مدرك حجيته - وهذا جملة معترضة ونكتة علمية نافعة - ؟ والجواب:-يمكن أن يقال نعم إن العقلاء يعتمدون على أصل السلامة بمعنى أنه لو أردنا أن نشتري حيواناً فقد لا نقلّبه ظهراً لبطنٍ إلا اذا كان الانسان صاحب وسوسة وإلا فالذي يشتريه فإنه يشتريه على أصل السلامة ، وواضح أن تعبير اصل السلامة هو تعبير منا فالصادر من الشخص المشتري هو أنه لا يتفحص ويسكت ويشتري ونحن نعبّر عن ذلك بأصل السلامة ولكن في أي حدود يعتمد العقلاء على أصل السلامة فهل مطلقا أو في حدود معينة ؟ لا يبعد أن يقال إنهم يعتمدون على ذلك فيما اذا حصل الظن المعتد به كـ 70% مثلاً بسلامته كما لو فرض اني رأيت الحيوان يسير بشكلٍ جديد ولا أجد فيه عيباً فأشتريه وهذا معناه هو الاعتماد على أصل السلامة ولكن في صورة الظن بسلامته الناشئ ولو بالرؤية السطحية ، وأما اذا فرض انه كان هناك شك في سلامته فضلاً عما اذا كان هناك أدون من الشك بأن كان احتمال السلامة 30% مثلاً فهنا لا نحرز انعقاد السيرة العقلائية على اعتماد أصل السلامة . اذن هذا الاصل يمكن أن يقال هو مقبول فيما لو فرض وجود ظنٍ بسلامة الحيوان فحينئذ يعتمد العقلاء - كما هو ليس ببعيد - عليه وعلى كل شخص ان يراجع الاشباه والنظائر والامثلة حتى يحصل له ذلك فإذا ثبت ذلك فحينئذ يكون حجة ، ولكن كيف نثبت ان هذه السيرة كانت موجودة في عصر المعصوم ؟ والجواب واضح فإن هذه قضيّة توجد بوجود الحياة العقلائية فما دمنا قد افترضنا وجود عقلاء والمفروض انه لا فرق بين عقلاءٍ وعقلاء فعلى هذا الاساس كما يعتمد عقلاء هذا الزمان على اصل السلامة كذلك يعتمد عقلاء ذلك الزمان على الاصل المذكور ايضاً ، هذا اذا لم ندخل نكتة اخرى وهي أنه يلزم اختلال نظام البيع والشراء اذا لم يكن هناك اعتماد على اصل السلامة ، وعلى اي حال اذا ثبت أن هذا الاصل عقلائي وهو ثابت في زمن المعصوم فبعدم الردع يثبت امضاؤه.
 عودٌ الى مسألتنا:- المنسوب الى الأكثر في مسألتنا هو عدم الاجزاء ، قال في الشرائع:- ( ولو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة لم يجزه ) ، وعلق في الجواهر بقوله:- ( كما عن الاكثر سواءً كان بعد الذبح أو قبله نقد الثمن أو لم ينقده لإطلاق عدم الاجتزاء بالناقص ) [1] ، ومنشأ الاختلاف وعدم الاتفاق على الحكم هو اختلاف الروايات فإنه توجد في المسألة ثلاث روايات ذكرناها في المسألة السابقة ونكرر ذكرها الآن:-
 الرواية الاولى:- وهي قد دلت على أن من اشترى الحيوان ثم تبين كونه معيباً فلابد من رده ولا يجزئ ذلك مادام الحيوان هدياً واجباً وليس بأضحية مستحبة ومقتضى اطلاق هذه الرواية هو أنه لا فرق بين أن يكون قد نقد الثمن وسلمه او لا فإنه على كلا التقديرين قالت الرواية أنه لا يجزئ وهي صحيحة جعفر عن أخيه عليه السلام:- ( سأله عن الرجل يشتري الاضحية عوراء [2] فلا يعلم الا بعد شرائها هل تجزي عنه ؟ قال:- نعم الا أن يكون هدياً واجباً فإنه لا يجوز ناقصا ) [3] وهي كما ترى واضحة في أنه لو تنبين بعد الشراء ان الهدي الواجب معيب فلا يجتزى به والامام عليه السلام لم يقيد بحالة ما قبل نقد وتسليم الثمن فمقتضى الاطلاق أنه لا يجزئ حتى لو كان التبيّن بعد تسليم الثمن.
 الرواية الثانية:- وهي قد دلت على أنه لو نقد الثمن وسلّمه ثم تبيّن الخلاف فيجزي واذا كان التبين قبل نقد الثمن فلا يجزئ - وااكد بأن المدار على نقد الثمن وليس على الشراء فربما يسلّم الثمن قبل الشراء ثم بعد التسليم نجري صيغة البيع والشراء - فعلى اساس هذه الرواية يقال إنه اذا تم نقد الثمن وتسليمة فيجزي - يعني حتى لو كان نقد الثمن قبل الشراء - فالتفت الى هذه القضية وهي صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام:- ( رجل يشتري هدياً فكان به عيب عور أو غيره [4] - فقال إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه وإن لم يكن نقد ثمنه رده واشترى غيره ) [5] وهذا كما ترى قد جعل المدار على نقد الثمن وليس المدار على الشراء.
 الرواية الثالثة:- وهي قد دلت على أنه متى ما اشتري الحيوان ونقد ثمنه ثم ظهر العيب فآنذاك يجزئ فشرط الاجزاء ان يكون قد تبيّن العيب بعد الشراء والنقد فلا الشراء وحده يكفي ولا نقد الثمن وحده يكفي بل مجموع الامرين وهي صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من اشترى هدياً ولم يعلم أن به عيباً حتى نقد ثمنه ثم علم فقد تم ) [6] إنه قد فرض الامام عليه السلام أن من اشترى الهدي ونقد ثمنه ثم اي بعد الشراء والنقد علم بالعيب فقد تمّ ومفهومه انه اذا تخلّف أحد هذين القيدين - يعني كان التبين قبل نقد الثمن او قبل الشراء - فلا يجزئ وانما اللازم ان يتبيّن العيب بعد الشراء ونقد الثمن معاً - اي بعد مجموع هذين الامرين -
 هذه ثلاث روايات في المسألة وقد ذكر السيد الخوئي(قده) في المعتمد أن المناسب ان يقال إن النسبة بين الرواية الاولى والثانية وإن كانت هي التعارض ولكن الرواية الثالثة تصلح أن تكون شاهداً على الجمع والتفصيل.
 وبكلمة اخرى:- إن الرواية الاولى قد دلت على انه من اشترى الحيوان ثم تبيّن ان فيه عيباً فلا يجزي ومقتضى الاطلاق أنه لا فرق بين أن يكون التبيّن بعد نقد الثمن وبين عدم نقده فجهة العموم هي نقد الثمن وعدمه فلا فرق بين نقد الثمن وعدمه وجهة الخصوص هي ان التبيّن كان بعد الشراء ، واذا ذهبنا الى الرواية الثانية وجدناها تجعل المدار على نقد الثمن وليس المدار على الشراء فمادة الخصوص هي نقد الثمن فاذا نقد الثمن وتبيّن العيب فحينئذ يجتزى بالحيوان وجهة العموم هي أنه لا فرق بين ان يكون تبيّن العيب قبل الشراء او بعده - وهذا ليس بمهم اذ هو جهة عموم والمهم أنه يجزئ بعد نقد الثمن - فالمعارضة بنحو العموم من وجه ومادة الاجتماع التي يتعارضان فيها هي ما لو اتضح بعد الشراء وبعد نقد الثمن - اي بعد الاثنين معاً - أنه معيب فمقتضى الرواية الاولى عدم الاجزاء لأنه تبيّن بعد الشراء ومقتضى الرواية الثانية هو الاجزاء لأنه تبيّن بعد نقد الثمن فتحصل المعارضة بينهما ولكن الطائفة الثالثة تصلح أن تكون شاهداً للجمع فنحمل الرواية الاولى التي قالت ( لا يجزئ ) على حالة ما اذا تم الشراء ولم يحصل نقد الثمن فهنا لا يجزئ والثانية التي قال ( يجزئ بعد نقد الثمن ) نحملها على ما بعد الشراء ونقد الثمن فتصير هذه الرواية الثالثة شاهد جمعٍ بين الروايتين الأوليين ، والنتيجة بناء على ما أفاده(قده) هي النتيجة المذكورة في متن المناسك حيث قال ( اذا فرض انه اشترى حيواناً معيباً وبعد نقد الثمن - اي بعد الشراء ونقد الثمن - تبيّن أنه معيب فالظاهر الاجزاء ) فسبب فتواه بالاجزاء ومخالفة المشهور هو وجه الجمع الذي أشرنا اليه.


[1] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، ص150.
[2] أي معيبة
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص130، ب24 من أبواب الذبح ح2، آل البيت.
[4] وكيف نقرأ هذه العبارة فهل نقراها بالرفع أي ( عِوَرٌ أو غيره ) اذ العِوَرُ والعيبُ واحدٌ لا فرق بينهما فيصير حينئذً بدل ، او نقرأها بنحو الاضافة فنقول ( فكان به عيبُ عورٍ او غيره ) وايهما الارجح ؟ ليس بمهم ، ولكن اقول إن كلمة عور كما تأتي بمعنى العيب فالشاة عوراء يعني معيبة كذلك يأتي بمعنى ذهاب احدى العينين وهنا يقصد هذا المعنى بقرينة العطف ( عور او غيره ) .
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج19، ص130، ب24 من أبواب الذبح، ح1، آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص131، ب24 من ابواب الذبح، ح3، آل البيت.