02-12-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/12/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 434 )/ الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
أمور ترتبط بالمقام:-
الأمر الأوّل:- قد يقال إنّا تمسّكنا فيما سبق لإثبات وجوب القضاء على من نسي الرمي في أحد الأيام بالروايات التي تأمر بإعادته أو قضائه في اليوم الآخر وكانت خمس روايات ثلاث منها لمعاوية بن عمّار وواحدة لعبد الله بن سنان والخامسة لبريد العجلي.
وقد يقول قائل:- إنّ هذه الروايات قد ذكرناها سابقاً ورددنا دلالتها على الوجوب ، والمقصود من ( سابقاً ) يعني حينما بحثنا عنوان رمي الجمار في أيام التشريق فإنه تحت ذلك العنوان المتقدّم قلنا إنّه لا إشكال في وجوب الرمي في اليومين الحادي عشر والثاني عشر ولكن ما هو الدليل على ذلك فكنّا في صدد البحث عن الدليل وقلنا إنّ البعض تمسّك بهذه الروايات - التي منها مثلاً صحيحة معاوية التي تقول:- ( من نسي رمي أحد اليومين قضاه في اليوم الآخر ) - والتي أحدها واردة في الناسي والأخرى واردة في الجاهل . وعلى أيّ حال هذه الروايات ذكرناها أن بعض الأعلام تمسّكوا بها لإثبات وجوب الرمي في اليومين الحادي عشر أو الثاني عشر ونحن ناقشنا هناك وقلنا إنّ التمسّك بهذه الروايات مشكلٌ لأنّ دلالتها قابلة للمناقشة باعتبار أنّ لفظ ( يعيد ) أو ( يأتي به في اليوم الثاني ) لعل هذا يقصد به بيان أنّ المجال مفتوحٌ فيتمكّن أن يأتي به في اليوم الثاني فلا يمكن من خلاله أن نثبت وجوب الرمي في اليوم الأوّل ، ومثلّنا بالقنوت فإنّ من نسى القنوت قبل الركوع يأتي به بعد الركوع ، وماذا يُقصد من أنه يأتي به بعد الركوع ؟ إنَّ المقصود ليس هو الوجوب وإنما المقصود هو أنّه يوجد مجالٌ لتحقيق هذا المستحب وذلك بعد الركوع ، وهكذا بالنسبة إلى الوضوء المستحب فمن نسي المسح فيه فلو جاءت جملة وقالت ( أعاده ) فهل يثبت وجوب الوضوء المستحب ؟ كلّا بل إنّ ما أتى به قد قَصد به تحقيق الاستحباب والمستحب لا يتحقّق بما أتى به لأنه فاسدٌ فإذا أردت أن تحققه فلابد وأن تأتي به بهذا الشكل التام الجديد . إذن هذه الروايات لا يمكن أن نستفيد منها وجوب الرمي ، يعني أنّها مجملةٌ فلا يمكن التمسّك بها وليس حتماً هذا هو المقصود.
والآن نقول:- ربّ قائل يقول:- كيف تمسّكتم بها الآن وسابقاً رفضتم التمسك بها ؟! ومقصودنا من الآن أي في حقّ من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر مثلاً حيث قلنا يجب عليه القضاء في اليوم الثاني عشر وتمسّكنا بهذه الروايات ، فكيف رفضتم التمسّك بها في مسألة إثبات أصل وجوب الرمي والآن قبلتم ، أوليس هذا تهافتاً ؟
والجواب:- إنّه فيما سبق كنّا في صدد إثبات أصل الوجوب في اليوم الأوّل - أي في اليوم الحادي عشر - وأردنا ستفادة ذلك من الروايات التي تقول ( إذا نسي أعاد في اليوم الثاني ) فهنا كنّا نقول إنَّ هذا لا يستفاد منه وجوب الرمي في اليوم الأوّل إذ لعلّ المقصود من ( أعاده في اليوم الثاني ) يعني أنّ المجال مفتوحٌ لتدارك المستحب فإن لم تتمكن من أن تدركه في اليوم الأوّل فالمجال مفتوحٌ لك في أن تعيده في اليوم الثاني ، من قبيل من نسي القنوت قبل الركوع جاء به بعد الركوع ، أو من لم يأت بغسل الجمعة في يوم الجمعة يأتي به يوم السبت . فإذن لا يمكن أن نثبت بهذه الروايات أصل الوجوب من البداية - أي في اليوم الأوّل - ، وأمّا في بحثنا هذا فالمفروض أنّا فرغنا من وجوب الرمي في اليوم الحادي عشر أمّا من أين فرغنا وما هو منشأ الفراغ ؟ إنّه قضيّة أخرى ولو للدليل الذي ذكرناه نحن وهو أنّ القضيّة ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً.
فإذن محلّ كلامنا الآن هو بعد الفراغ عن وجوب الرمي في أيّام التشريق ولكن هل يلزم القضاء أو لا لمن نسي ؟ إنّه لا محذور في أن نقول هي ظاهرة في الوجوب بعد الفراغ المفروض عن أصل وجوب الرمي . إذن ينبغي التفرقة بين ما إذا فرض أنّ جملة ( نسي أعاد ) إذا جيء بها في موردٍ لم يثبت الوجوب في زمانه - أي من البداية - فلا يمكن التمسّك بها لإثبات الوجوب إذ لعلّ المقصود منها هو أنّ المجال بَعدُ موجودٌ وبين ما إذا فرض أنّها أتت بعد فراغنا من إثبات الوجوب فحينئذٍ لا بأس بالتمسّك بظهورها لإثبات جوب القضاء أو الاعادة . إذن ينبغي التفرقة من هذه الناحية في هذه الكلمة ، وهذه فائدة جميلة ينبغي الالتفات إليها.
الأمر الثاني:- إنّ صاحب الرياض[1] والنراقي[2] استدلّا على وجوب القضاء بالنسبة إلى الحكم الثالث من الأحكام الأربعة المتقدّمة - وهو تقديم القضاء أوّلاً على الأداء - بوجهين:-
الوجه الأوّل:- قاعدة الاحتياط ، يعني أنَّ الاحتياط يقتضي تقديم القضاء على الأداء.
الوجه الثاني:- إنّ سبب وجوب القضاء متقدّمٌ ومادام سبب وجوب القضاء متقدّماً فيلزم تقديم القضاء على الأداء.
هذان وجهان ذكرا في جملة ما ذكر من الوجوه لإثبات وجوب تقديم القضاء على الأداء في كلمات هذين العلمين.
والجواب:-
أما بالنسبة إلى الأوّل:- فتارةً يقصد منه بيان أنّ الأرجح والأفضل هو تقديم القضاء باعتبار أنّ الكلمة قد اتفقت على أنّ تقديم القضاء مجزيٍ وأمّا العكس ففيه كلام - مثلاً - وهذا شيءٌ لا بأس به ، أمّا إذا قُصِد بيان الإلزام - يعني يلزم تقديم القضاء من باب الاحتياط لا إثبات الرجحان - فلا نوافق على ذلك باعتبار أنّا نذهب إلى العالم شغل الذمّة ، يعني أنّ الذمة بِمَ اشتغلت ؟ فنحن نعرف أنّها جزماً قد اشتغلت بالقضاء وبالأداء في الجملة - يعني من دون قيدٍ - أما أنّها اشتغلت بقيد أن يكون القضاء متقدّماً فهذا مما يشكّ في اشتغالها به.
إذن القيد المذكور - أي تقدم القضاء - أمرٌ يشكّ في اشتغال الذمّة به وهو ضِيقٌ زائد يشكّ في اشتغال الذمة به فيكون مجرى للبراءة ، فالذمة مشتغلة يقيناً بأصل القضاء أمّا بقيد أن يكون متقدّماً فنشكّ فنجري البراءة عن القيد المشكوك.
وليس من الصحيح أن نذهب إلى عالم فراغ الذمّة والامتثال بأن نقول:- لو أتينا بالقضاء متقدّماً فحتماً فرغت ذمتنا وبرأت أمّا لو قدّمنا الأداء فسوف نشكّ في فراغها فيلزم تقديم القضاء من باب أنّه نجزم بفراغ الذمّة حين تقديم القضاء.
فإنه يجاب:- بأنه من المناسب الذهاب إلى عالم شغل الذمّة وليس إلى عالم فراغ الذمّة ، فأنت انظر إلى الذمّة بم اشتغلت يقيناً فيلزمك أن تفرّغ ذمتك مما اشتغلت به يقيناً ، أمّا الذي لا يُجزَم باشتغال الذمّة به فلا داعي لليقين بفراغ الذمّة عنه ، وفي مقامنا إذا ذهبنا إلى عالم شغل الذمّة نجزم بأنّها قد اشتغلت بالأداء والقضاء في الجملة ونقصد من عبارة ( في الجملة ) يعني من دون قيد تقدّم القضاء ، فالذي نجزم به هو الاشتغال بالقضاء والأداء في الجملة وهذا قد حقّقناه ، يعني لو أتينا بالأداء أوّلاً قبل القضاء حقّقنا فراغ الذمّة يقيناً ، أمّا الاتيان بالقضاء متقدّماً فلا نجزم باشتغال الذمة به حتى يلزم تفريغ الذمّة منه يقيناً . إذن ما اشتغلت به الذمّة يقيناً قد فرّغنا الذمّة منه يقيناً وما نشك في فراغ الذمّة منه لا نجزم باشتغال الذمّة به من البداية حتى يلزم تفريغ الذم منه ، هذه قضيّة ينبغي التفت إليها.
إذن ما ذكره العلمان قابلٌ للمناقشة لما أشرنا إليه ، وهذه قضيّة سيّالة فحاول أن تكون بعيد النظر وأن تنظر إلى عالم شغل الذمّة فإذا استطعت أن تجعل الشك في القيد وفي شغل الذمّة فالمورد مورد البراءة ، وأمّا إذا لم تصنع الشكّ في عالم شغل الذمّة فيصير حينئذٍ المورد مورد الاشتغال.
وأما ما ذكر في الدليل الثاني:- فهذا ليس كلاماً علميّاً.
الأمر الثالث:- ورد في صحيحة معاوية الأولى إنّ من فاته بعض الأيام قضى وفرّق بساعةٍ ، ونص الرواية:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجلٌ نسي رمي الجمار ، قال:- يرجع فيرميها ، فقلت:- فإن نسيها حتى أتى مكة ؟ قال:- يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كلّ رمتين بساعة ، قلت:- فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال:- ليس عليه أن يعيد ) ، ومحلّ الشاهد هو أن الإمام عليه السلام قال:- ( يفصل بين كلّ رميتين بساعة ) ، بينما لو لاحظنا صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة وجدنا أنّ الإمام عليه السلام يقول إنَّ القضاء يأتي به غدوة والأداء يأتي به عن الزوال ونصّها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس ، قال:- يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته والأخرى ليومه الذي يصبح فيه وليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرةً وهي للأمس والأخرى عند الزوال ) . إذن الرواية الأولى تقول إنَّ الفاصل هو ساعة والرواية الثانية تقول إنَّ الفاصل هو غدوةً وعند الزوال ، وهنا ثلاثة أسئلة:-
السؤال الأوّل:- هل أصل جعل الفاصل بين القضاء والأداء واجبٌ أو مستحب بقطع النظر عن كونه ساعة أو غير ذلك ؟
السؤال الثاني:- ما المقصود من الساعة ؟ هل المقصود منها الساعة بمصطلحنا الجديد أو المقصود هو مطلق الوقت - كما نستعمل ذلك أحياناً في عرفنا فأقول إنّي في ساعةٍ انشاء الله تعالى سوف آتيك - فما هو المقصود ؟
السؤال الثالث:- كيف نرفع التنافي ، فهل هناك تنافٍ بين الروايتين باعتبار أن الأولى تقول إنَّ الفاصل هو ساعة فسواء فُسِّر بمطلق الوقت أو فسِّر بالمعنى الاصطلاحي لا يتلاءم مع جعل الفاصل بالشكل الوارد في صحيحة بن سنان - يعني أحدهما بُكرة والآخر عند الزوال - فإن الفاصل بين البُكرة وعند الزوال أكثر من ساعة - فلعله ثلاثة أو أربع ساعات أو أكثر - فالفاصل كبيرٌ بينما على ذاك يصير الفاصل إمّا ساعة بالمعنى المصطلح أو أقل منها كربع ساعة فهي وقتٌ أيضاً ، فحينئذ هل هناك تنافٍ بين الروايتين أو يمكن التوفيق بينهما ؟
أمور ترتبط بالمقام:-
الأمر الأوّل:- قد يقال إنّا تمسّكنا فيما سبق لإثبات وجوب القضاء على من نسي الرمي في أحد الأيام بالروايات التي تأمر بإعادته أو قضائه في اليوم الآخر وكانت خمس روايات ثلاث منها لمعاوية بن عمّار وواحدة لعبد الله بن سنان والخامسة لبريد العجلي.
وقد يقول قائل:- إنّ هذه الروايات قد ذكرناها سابقاً ورددنا دلالتها على الوجوب ، والمقصود من ( سابقاً ) يعني حينما بحثنا عنوان رمي الجمار في أيام التشريق فإنه تحت ذلك العنوان المتقدّم قلنا إنّه لا إشكال في وجوب الرمي في اليومين الحادي عشر والثاني عشر ولكن ما هو الدليل على ذلك فكنّا في صدد البحث عن الدليل وقلنا إنّ البعض تمسّك بهذه الروايات - التي منها مثلاً صحيحة معاوية التي تقول:- ( من نسي رمي أحد اليومين قضاه في اليوم الآخر ) - والتي أحدها واردة في الناسي والأخرى واردة في الجاهل . وعلى أيّ حال هذه الروايات ذكرناها أن بعض الأعلام تمسّكوا بها لإثبات وجوب الرمي في اليومين الحادي عشر أو الثاني عشر ونحن ناقشنا هناك وقلنا إنّ التمسّك بهذه الروايات مشكلٌ لأنّ دلالتها قابلة للمناقشة باعتبار أنّ لفظ ( يعيد ) أو ( يأتي به في اليوم الثاني ) لعل هذا يقصد به بيان أنّ المجال مفتوحٌ فيتمكّن أن يأتي به في اليوم الثاني فلا يمكن من خلاله أن نثبت وجوب الرمي في اليوم الأوّل ، ومثلّنا بالقنوت فإنّ من نسى القنوت قبل الركوع يأتي به بعد الركوع ، وماذا يُقصد من أنه يأتي به بعد الركوع ؟ إنَّ المقصود ليس هو الوجوب وإنما المقصود هو أنّه يوجد مجالٌ لتحقيق هذا المستحب وذلك بعد الركوع ، وهكذا بالنسبة إلى الوضوء المستحب فمن نسي المسح فيه فلو جاءت جملة وقالت ( أعاده ) فهل يثبت وجوب الوضوء المستحب ؟ كلّا بل إنّ ما أتى به قد قَصد به تحقيق الاستحباب والمستحب لا يتحقّق بما أتى به لأنه فاسدٌ فإذا أردت أن تحققه فلابد وأن تأتي به بهذا الشكل التام الجديد . إذن هذه الروايات لا يمكن أن نستفيد منها وجوب الرمي ، يعني أنّها مجملةٌ فلا يمكن التمسّك بها وليس حتماً هذا هو المقصود.
والآن نقول:- ربّ قائل يقول:- كيف تمسّكتم بها الآن وسابقاً رفضتم التمسك بها ؟! ومقصودنا من الآن أي في حقّ من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر مثلاً حيث قلنا يجب عليه القضاء في اليوم الثاني عشر وتمسّكنا بهذه الروايات ، فكيف رفضتم التمسّك بها في مسألة إثبات أصل وجوب الرمي والآن قبلتم ، أوليس هذا تهافتاً ؟
والجواب:- إنّه فيما سبق كنّا في صدد إثبات أصل الوجوب في اليوم الأوّل - أي في اليوم الحادي عشر - وأردنا ستفادة ذلك من الروايات التي تقول ( إذا نسي أعاد في اليوم الثاني ) فهنا كنّا نقول إنَّ هذا لا يستفاد منه وجوب الرمي في اليوم الأوّل إذ لعلّ المقصود من ( أعاده في اليوم الثاني ) يعني أنّ المجال مفتوحٌ لتدارك المستحب فإن لم تتمكن من أن تدركه في اليوم الأوّل فالمجال مفتوحٌ لك في أن تعيده في اليوم الثاني ، من قبيل من نسي القنوت قبل الركوع جاء به بعد الركوع ، أو من لم يأت بغسل الجمعة في يوم الجمعة يأتي به يوم السبت . فإذن لا يمكن أن نثبت بهذه الروايات أصل الوجوب من البداية - أي في اليوم الأوّل - ، وأمّا في بحثنا هذا فالمفروض أنّا فرغنا من وجوب الرمي في اليوم الحادي عشر أمّا من أين فرغنا وما هو منشأ الفراغ ؟ إنّه قضيّة أخرى ولو للدليل الذي ذكرناه نحن وهو أنّ القضيّة ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً.
فإذن محلّ كلامنا الآن هو بعد الفراغ عن وجوب الرمي في أيّام التشريق ولكن هل يلزم القضاء أو لا لمن نسي ؟ إنّه لا محذور في أن نقول هي ظاهرة في الوجوب بعد الفراغ المفروض عن أصل وجوب الرمي . إذن ينبغي التفرقة بين ما إذا فرض أنّ جملة ( نسي أعاد ) إذا جيء بها في موردٍ لم يثبت الوجوب في زمانه - أي من البداية - فلا يمكن التمسّك بها لإثبات الوجوب إذ لعلّ المقصود منها هو أنّ المجال بَعدُ موجودٌ وبين ما إذا فرض أنّها أتت بعد فراغنا من إثبات الوجوب فحينئذٍ لا بأس بالتمسّك بظهورها لإثبات جوب القضاء أو الاعادة . إذن ينبغي التفرقة من هذه الناحية في هذه الكلمة ، وهذه فائدة جميلة ينبغي الالتفات إليها.
الأمر الثاني:- إنّ صاحب الرياض[1] والنراقي[2] استدلّا على وجوب القضاء بالنسبة إلى الحكم الثالث من الأحكام الأربعة المتقدّمة - وهو تقديم القضاء أوّلاً على الأداء - بوجهين:-
الوجه الأوّل:- قاعدة الاحتياط ، يعني أنَّ الاحتياط يقتضي تقديم القضاء على الأداء.
الوجه الثاني:- إنّ سبب وجوب القضاء متقدّمٌ ومادام سبب وجوب القضاء متقدّماً فيلزم تقديم القضاء على الأداء.
هذان وجهان ذكرا في جملة ما ذكر من الوجوه لإثبات وجوب تقديم القضاء على الأداء في كلمات هذين العلمين.
والجواب:-
أما بالنسبة إلى الأوّل:- فتارةً يقصد منه بيان أنّ الأرجح والأفضل هو تقديم القضاء باعتبار أنّ الكلمة قد اتفقت على أنّ تقديم القضاء مجزيٍ وأمّا العكس ففيه كلام - مثلاً - وهذا شيءٌ لا بأس به ، أمّا إذا قُصِد بيان الإلزام - يعني يلزم تقديم القضاء من باب الاحتياط لا إثبات الرجحان - فلا نوافق على ذلك باعتبار أنّا نذهب إلى العالم شغل الذمّة ، يعني أنّ الذمة بِمَ اشتغلت ؟ فنحن نعرف أنّها جزماً قد اشتغلت بالقضاء وبالأداء في الجملة - يعني من دون قيدٍ - أما أنّها اشتغلت بقيد أن يكون القضاء متقدّماً فهذا مما يشكّ في اشتغالها به.
إذن القيد المذكور - أي تقدم القضاء - أمرٌ يشكّ في اشتغال الذمّة به وهو ضِيقٌ زائد يشكّ في اشتغال الذمة به فيكون مجرى للبراءة ، فالذمة مشتغلة يقيناً بأصل القضاء أمّا بقيد أن يكون متقدّماً فنشكّ فنجري البراءة عن القيد المشكوك.
وليس من الصحيح أن نذهب إلى عالم فراغ الذمّة والامتثال بأن نقول:- لو أتينا بالقضاء متقدّماً فحتماً فرغت ذمتنا وبرأت أمّا لو قدّمنا الأداء فسوف نشكّ في فراغها فيلزم تقديم القضاء من باب أنّه نجزم بفراغ الذمّة حين تقديم القضاء.
فإنه يجاب:- بأنه من المناسب الذهاب إلى عالم شغل الذمّة وليس إلى عالم فراغ الذمّة ، فأنت انظر إلى الذمّة بم اشتغلت يقيناً فيلزمك أن تفرّغ ذمتك مما اشتغلت به يقيناً ، أمّا الذي لا يُجزَم باشتغال الذمّة به فلا داعي لليقين بفراغ الذمّة عنه ، وفي مقامنا إذا ذهبنا إلى عالم شغل الذمّة نجزم بأنّها قد اشتغلت بالأداء والقضاء في الجملة ونقصد من عبارة ( في الجملة ) يعني من دون قيد تقدّم القضاء ، فالذي نجزم به هو الاشتغال بالقضاء والأداء في الجملة وهذا قد حقّقناه ، يعني لو أتينا بالأداء أوّلاً قبل القضاء حقّقنا فراغ الذمّة يقيناً ، أمّا الاتيان بالقضاء متقدّماً فلا نجزم باشتغال الذمة به حتى يلزم تفريغ الذمّة منه يقيناً . إذن ما اشتغلت به الذمّة يقيناً قد فرّغنا الذمّة منه يقيناً وما نشك في فراغ الذمّة منه لا نجزم باشتغال الذمّة به من البداية حتى يلزم تفريغ الذم منه ، هذه قضيّة ينبغي التفت إليها.
إذن ما ذكره العلمان قابلٌ للمناقشة لما أشرنا إليه ، وهذه قضيّة سيّالة فحاول أن تكون بعيد النظر وأن تنظر إلى عالم شغل الذمّة فإذا استطعت أن تجعل الشك في القيد وفي شغل الذمّة فالمورد مورد البراءة ، وأمّا إذا لم تصنع الشكّ في عالم شغل الذمّة فيصير حينئذٍ المورد مورد الاشتغال.
وأما ما ذكر في الدليل الثاني:- فهذا ليس كلاماً علميّاً.
الأمر الثالث:- ورد في صحيحة معاوية الأولى إنّ من فاته بعض الأيام قضى وفرّق بساعةٍ ، ونص الرواية:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجلٌ نسي رمي الجمار ، قال:- يرجع فيرميها ، فقلت:- فإن نسيها حتى أتى مكة ؟ قال:- يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كلّ رمتين بساعة ، قلت:- فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال:- ليس عليه أن يعيد ) ، ومحلّ الشاهد هو أن الإمام عليه السلام قال:- ( يفصل بين كلّ رميتين بساعة ) ، بينما لو لاحظنا صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة وجدنا أنّ الإمام عليه السلام يقول إنَّ القضاء يأتي به غدوة والأداء يأتي به عن الزوال ونصّها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس ، قال:- يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته والأخرى ليومه الذي يصبح فيه وليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرةً وهي للأمس والأخرى عند الزوال ) . إذن الرواية الأولى تقول إنَّ الفاصل هو ساعة والرواية الثانية تقول إنَّ الفاصل هو غدوةً وعند الزوال ، وهنا ثلاثة أسئلة:-
السؤال الأوّل:- هل أصل جعل الفاصل بين القضاء والأداء واجبٌ أو مستحب بقطع النظر عن كونه ساعة أو غير ذلك ؟
السؤال الثاني:- ما المقصود من الساعة ؟ هل المقصود منها الساعة بمصطلحنا الجديد أو المقصود هو مطلق الوقت - كما نستعمل ذلك أحياناً في عرفنا فأقول إنّي في ساعةٍ انشاء الله تعالى سوف آتيك - فما هو المقصود ؟
السؤال الثالث:- كيف نرفع التنافي ، فهل هناك تنافٍ بين الروايتين باعتبار أن الأولى تقول إنَّ الفاصل هو ساعة فسواء فُسِّر بمطلق الوقت أو فسِّر بالمعنى الاصطلاحي لا يتلاءم مع جعل الفاصل بالشكل الوارد في صحيحة بن سنان - يعني أحدهما بُكرة والآخر عند الزوال - فإن الفاصل بين البُكرة وعند الزوال أكثر من ساعة - فلعله ثلاثة أو أربع ساعات أو أكثر - فالفاصل كبيرٌ بينما على ذاك يصير الفاصل إمّا ساعة بالمعنى المصطلح أو أقل منها كربع ساعة فهي وقتٌ أيضاً ، فحينئذ هل هناك تنافٍ بين الروايتين أو يمكن التوفيق بينهما ؟