33/10/28
تحمیل
(بحث يوم الأحد 28 شوال 1433 هـ 164)
الموضوع :- المسألة التاسعة والثلاثون/ إعادة للفرع الأول وتحرير الكلام في المقام بالوجه الصحيح/ الفرع الثاني : الكلام في الحصة التي يدّعيها الحالف : تارة بعد فرض ثبوتها وقبل استلامها ، وأخرى بعد استلامها وذكر الأقوال في الحالة الثانية وهي ثلاثة / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
كان الكلام في الفرع الأول وهو في ما إذا ادّعى جماعة مالاً مشتركاً لمورّثهم وأقاموا شاهداً واحداً وقد تقدّم أن المشهور - ومنهم السيد الماتن (قده) - ذهبوا إلى اشتراط أن يحلف الجميع حتى تثبت الدعوى لهم جميعاً وأنه إذا حلف بعضهم ثبتت حصته فقط دون الباقين إذا امتنعوا من اليمين وذكرنا أنه في مقابل ذلك من ذهب إلى كفاية حلف البعض في ثبوت الحقّ للجميع وقلنا إنه يمكن أن يكون الوجه في ذلك هو التمسّك بإطلاق دليل تصديق الحالف فإنه وإن كان غرضه من يمينه تحصيل حصته من المال المشترك إلا أنه إنما يحلف على السبب الموجب لذلك من إرث أو وصية أو غير ذلك ومقتضى تصديقه في حلفه ثبوت ذلك السبب في أصله فيثبت حينئذ في حقّ الجميع بلا حاجة الى تكرار اليمين من بقية المدّعين ، وهذا نظير ما لو أقام أحد الشركاء بيّنة فإنه يُغني غيره من الشركاء عن إقامتها .
وعلى ذلك يمكن أن يُساق ما ذُكر نقضاً على الرأي المشهور الذي لا يكتفي بيمين الواحد لإثبات الحقّ للجميع .
وأجيب عنه بأن اليمين وإن كان واحداً ولكن المفروض انحلال الدعوى إلى دعاوى متعددة بعدد الشركاء المطالبين بالحقّ وكل واحد منهم إنما يدّعي حصته لا حصته وحصص الآخرين وما يثبت باليمين إنما هو حصة الحالف لا حصته وحصص الممتنعين ، وثبوت السبب وإن كان هو لازم تصديق الحالف ولكن هذا لا يلازم ظاهراً ثبوته بالنسبة إلى الجميع إذ يمكن التفكيك في مقام الإثبات بين أمور وإن كانت لا تنفكّ في مقام الواقع كما تقدّمت الإشارة إليه ، وأما التنظير بالبيّنة فهو غير تام للفارق بينها وبين اليمين فإن الدليل قد قام في البيّنة على أنها إذا ثبتت - ولو بإقامة أحد المدّعين لها أثبتت الحقّ لجميع المدّعين ولم يكن لازماً عليهم إقامتها أيضاً وهذا بخلاف اليمين فإنه لم يدل دليل على أن صدوره من واحد يُغني عن صدوره من بقية المدّعين .
هذا .. مضافاً إلى أن البيّنة إنما تشهد على أصل دعوى المال المشترك فهي تُثبت السبب بالنسبة إلى جميع المدّعين وإن كانت مُقامة من قِبَل بعضهم وحينئذ تَثبت جميع الحصص المدّعاة ، وأما اليمين فإنه يشهد لصاحبه بحصته وبالسبب المضاف إليه لا بأصل السبب وبالإضافة إلى الجميع فلا معنى لأن يَثبت به دعوى غير من أصدره .
هذا ما ذُكر من قول المشهور وما يمكن أن يُساق عليه من النقض وردّه .. ولكن الصحيح أن يقال إن هاهنا امرين :
الأول : إنه قد تقدّم أن ما يثبت بالشاهد واليمين هو خصوص الدين أو مطلق الحقوق المالية - كما هو المختار دون ما هو غير ذلك مما ليس بحق مالي كالنكاح أو الطلاق أو الوصية وغيرها حتى إنهم ذكروا أن الدعوى إذا كانت سرقة - مثلاً - فإنما يثبت بالشاهد واليمين خصوص المال المُدّعى ولا يثبت بهما أصل الدعوى أي السرقة - ولذا لا يترتب الحدّ على المحكوم عليه بالمال .
الأمر الثاني : ما تقدّم أيضاً مما تمسّك به المشهور كقاعدة مسلّمة عندهم بل أدعي عليه الإجماع من أن ما يثبت بيمين الحالف هو دعواه فقط دون دعوى غيره وإن اشترك معه في ادّعاء السبب الموجب للحقّ ، ولعل الوجه فيه استظهارهم ذلك من أدلة تصديق الحالف في أنه إنما يُصدّق في ما يدعيه لنفسه فحسب ولا يثبت بيمينه غير دعواه .
إذا تبيّن ذلك فأقول :
إن المطالب بالحق تارة يُفترض أنه يدّعي إثبات حصته من المال فيقيم الشاهد ويحلف سواء كان هذا بتوسّط إثبات السبب من نسب أو إرث أو وصية أو غير ذلك - طريقاً لإثبات دعواه - أو لا .
وتارة يُفترض أنه يدّعي إثبات السبب مباشرة بأن كان مقصوده ذلك ابتداء .
أما على الفرض الأول : فالدعوى فيه مسموعة ، وبإقامته الشاهد منضماً إلى يمينه تثبت دعواه في حصته من المال لِما ذُكر في الأمرين المتقدّمين فإن الدعوى المفروضة دعوى مالية وأنه بالشاهد واليمين تثبت دعوى الحالف في حصته من المال التي يدّعيها من غير أن يستلزم ذلك ثبوت حصص غيره من الشركاء .
وأما على الفرض الثاني : فالدعوى فيه غير مسموعة لما ذُكر في الأمر الأول من عدم ثبوت غير الحقّ المالي بالشاهد واليمين .
وعلى ذلك يتبيّن أن حصة غير الحالف لا تثبت مباشرة ولا بتوسّط ثبوت السبب حتى لو فُرض أن الحالف الذي أقام مع يمينه شاهداً قد ادّعاها لغيره مع دعواه حصته لنفسه لما ذُكر من أن المستظهر من الأدلة إنما هو تصديق الحالف في خصوص ما يدّعيه لنفسه .
وبهذا يثبت الفرق الواضح بين البينة واليمين .
فتحصّل أن دعوى المال تثبت بالشاهد واليمين ، وأما دعوى السبب فلا تثبت بهما ليقال بعد ذلك بأنه يثبت بها الحقّ للجميع .
هذا تمام الكلام في الفرع الأول .
أما الفرع الثاني - وهو ما ذكره في المتن من انفراد الحالف بحصته في ما إذا كان المُدّعى به ديناً، ومشاركة غيره له في ما إذا كان المُدّعى به عيناً - : فهذا الفرع كما هو ظاهر مترتّب على الفرع الأول الذي أُثبت فيه أنه يثبت بالشاهد واليمين حقّ الحالف دون الممتنع فيقع الكلام في هذه الحصة من المال المشترك التي يدّعيها الحالف : تارة بعد فرض ثبوتها
[1]
وقبل استلامها من قبل الحالف نفسه ، وأخرى بعد استلامها من قبله .
أما على الأول فلا كلام في جواز تصرّفاته في حصته بشتّى أنواع التصرّفات كالبيع والوصية وغيرهما ، وأما على الثاني فهل يختصّ بما استلمه من الحقّ الذي ثبت له أم يشترك معه فيه غيرُه من المطالبين بالحقّ ؟
هنا أقوال ثلاثة :
القول الأول : عدم الاشتراك مطلقاً فيختص الحالف بما استلمه ، وهو مختار جماعة منهم الشيخ صاحب الجواهر (قده) .
القول الثاني : الاشتراك مطلقاً فيثبت لكل شريك نصيبه بالنسبة في الحصة المستلمة وتوزّع كما توزّع الفرائض .
القول الثالث : التفصيل بين العين والدين فيثبت الاشتراك في الأول دون الثاني ، وهو اختيار المشهور والسيد الماتن (قده) .
والكلام يقع في ما استُدلّ به لكل واحد من هذه الأقوال :
أما القول الأول وهو عدم الاشتراك مطلقاً - : فقد استُدلّ له بوجهين :
الوجه الأول : إنه مقتضى إطلاق أدلة الشاهد واليمين فإنها تقتضي ثبوت المال واختصاصه بالمدّعي الذي أقام شاهداً وضم إليه يمينه .
الوجه الثاني : أن الممتنع عن اليمين قد أبطل حجته بامتناعه وأسقط بذلك دعواه فلا يكون له حق في ما أخذه الحالف .
وأما القول الثاني وهو الاشتراك مطلقاً - : فقد استُدلّ له بأن المفروض أن الحالف يعترف بأن المال مشترك بينه وبين جميع المدّعين ومقتضى ذلك كون الحصة المستلمة من قبله مشتركة بينه وبينهم فيثبت فيها نصيبه ونصيب كل واحد من المدّعين على نحو الإشاعة بالنسبة .
وأما القول الثالث وهو التفصيل بين العين والدين - : فقد استُدلّ له بأن العين تتميز بخصوصية تقتضي أن يشترك فيها مع الحالف غيرُه من المدّعين وهي أن الحالف يعترف بأن العين مشتركة بينه وبين جميع المدّعين وأنه كغيره يملك حصة مشاعة فيها فإذا أثبت حصته بالشاهد واليمين وقام باستلامها من المال المشترك يكون بذلك قد أخذها بلا قسمة معهم ومن المعلوم أن القسمة في الأعيان لا تصحّ إلا برضا جميع الشركاء والمفروض هاهنا عدمه فلذا تكون هذه الحصة المستلمة مملوكة لجميع الشركاء على نحو الإشاعة بالنسبة .
هذا ما يتعلّق بالعين في هذا التفصيل ، وأما الدين فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .
[1] أي بحكم الحاكم استناداً إلى الشاهد واليمين .