33/07/01
تحمیل
(بحث يوم الثلاثاء 30 جمادى الثانية 1433 هـ 139)
الموضوع :- المسألة العشرون / فروع متمّمة لمحلّ الكلام / الفرع الثاني : في طلب الاستئناف وتجديد النظر من قبل المحكوم عليه في القضية عند حاكم آخر / طرح البحث بهيأة مسألتين كما هو صنيع الفقهاء (رض) / بيان حكم المسألة من حيث سماع الدعوى فيها وعدمه بناء على تفسير معنى الجور / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
كان الكلام في أنه هل تُسمع دعوى المحكوم عليه إذا كان مضمونها أو نتيجتها طلب تجديد النظر في الدعوى لسبب أو لآخر كعدم أهلية القاضي أو القدح في عدالة البيّنة أو التقصير في الاجتهاد وغير ذلك .. هذه هي المسألة بشكلها العام لكن الذي يظهر من عبارات الفقهاء والمتون الفقهية - كما في الشرايع - هو أنهم يذكرونها بهيأة مسألتين ويظهر منهم التفريق بينهما :
المسألة الأولى : وهي ما إذا ادّعى المحكوم عليه أن الحاكم الأول حكم عليه بالجور ، وقد ذكر في الشرايع أنه يجب النظر على الحاكم الثاني في هذه الدعوى وأنه إذا ثبت عنده صحة حكم الحاكم الأول أمضاه وإذا ثبت عنده خطؤه نقضه وردّه
[1]
[2]
.
المسألة الثانية : وهي ما لو ادّعى المحكوم عليه أن الحاكم قضى عليه بشهادة فاسقين
[3]
، وقد ذكر في الشرايع أنه على الحاكم الثاني إحضار الحاكم الأول من دون فرق بين أن يقيم المُدّعى عليه بينة أو لا
[4]
فإن حضر واعترف أُلزم بالمال الذي استُوفيَ بحكمه فيكون ضامناً له وإن أنكر وقال لم أحكم إلا بشهادة عدلين دخل في مسألة أخرى وهي أنه هل يُكلّف
[5]
حينئذ بالبيّنة باعتبار كونه مدّعياً حيث يدّعي أنه حكم بشهادة عدلين أحرز عدالتهما أو ثبتت عنده ببينة - مثلاً أم يُطالب باليمين باعتبار كونه منكراً لما يدّعيه المحكوم عليه ؟
اختار المحقق (قده) الثاني
[6]
[7]
.
والملاحظ مما تقدّم أن البيّنة واليمين قد طُرحت في المسألة الثانية باعتبارهما مرجعاً في الفصل في الخصومة ولم يُطرحا أصلاً في المسألة الأولى مع أنها دعوى أيضاً وإنما الذي طُرح فيها لزوم النظر فيها من قبل الحاكم الثاني فإذا أدّى نظره إلى ما يوافق نظر الحاكم الأول واجتهاده أمضى حكمه وإذا اختلف معه فيه نقضه فيقع الكلام في ما هو المقصود في هذه المسألة
[8]
حتى يكون المرجع فيها نظر الحاكم واجتهاده ولا يكون المرجع فيها البيّنة واليمين كالمسألة الثانية فأقول :
ثمة تفسيران للمسألة الأولى من جهة ما هو المقصود بالجور فيها
[9]
:
الأول : تجاوز الحقّ في كيفية فصل الخصومة كما إذا فُرض اعتماد الحاكم على البيّنة في غير محلّها أو فُرض إهماله لها في محلّها .
الثاني : بطلان الحكم أي كون ما صدر من الحاكم حكماً مخالفاً للواقع فهو حكم بغير ما أنزل الله تعالى ، ويؤيده ما ورد في بعض المتون - كما في بعض كتب العلامة التعبير بالبطلان بدل الجور .
وعلى هذا فيكون الفرق بين التفسيرين أن المحكوم عليه على التفسير الأول يدّعي اختلال شرط من الشروط المعتبرة في القضاء فهو يدّعي مخالفة حكم الحاكم للموازين الظاهرية المجعولة في باب القضاء ، وأما على التفسير الثاني فهو يدّعي بطلان الحكم نفسه من جهة مخالفته للحكم الواقعي .
ومن الواضح أن التفسير الثاني هو المناسب لكون المرجع في المسألة الأولى هو نظر الحاكم الثاني في الدعوى لأن المسألة وفقاً له تكون من موارد الشبهات الحكمية بمعنى أن دعوى المحكوم عليه بطلان الحكم ومخالفته للواقع يخلق شبهة حكمية مفادها أن الحكم هل هو مطابق للواقع أم غير مطابق له فحينئذ يكون المرجع في حلّ هذه الشبهة هو النظر والاجتهاد ولا مجال فيه لإعمال البيّنة أو اليمين لأنه إنما يُستند إليهما في ما كانت المسألة من الشبهات الموضوعية وأما في الحكم فلا معنى للرجوع إلى شيء من ذلك وإنما المرجع فيه - لو قيل بسماع هذه الدعوى - هو نظر الحاكم فحسب .
إذاً فالمناسب لكون المرجع في المسألة الأولى هو نظر الحاكم هو التفسير الثاني لأنه يجعل المسألة من موارد الشبهات الحكمية التي يكون علاجها بالنظر وإعمال الاجتهاد دون التفسير الأول فإنه يجعلها من موارد الشبهات الموضوعية التي لا مجال فيها لإعمال النظر والاجتهاد .
ومن هنا يترجّح التفسير الثاني للمسألة الأولى على التفسير الأول لأن المطروح فيها كون المرجع هو نظر الحاكم لا البيّنة واليمين .
هذا .. ويؤيد جعل المسألة الأولى مسألة مستقلة عن الثانية لا أنهما مسألة واحدة أنها
[10]
على التفسير الأول تكون في الحقيقة مصداقاً من مصاديق المسألة الثانية فإن هذه الأخيرة لا تختص كما سيأتي - بدعوى أن الحاكم قضى عليه بشهادة فاسقين بل تشمل كل دعوى يُدّعى فيها وجود خلل في الشروط والموازين كما لو ادّعى عليه أنه قضى عليه مع عدم كونه مجتهداً أو عدم كونه عادلاً أو قضى عليه ببينة هي ليست في محلّها أو أهمل بينة مع أنه يجب عليه الرجوع إليها فلو فُرض تفسير المسألة الأولى وفق التفسير الأول فقيل بأن المقصود بالجور بطلان الحكم لخلل في الموازين المعتبرة في باب القضاء لا بطلان الحكم لمخالفته للواقع كانت هذه المسألة مصداقاً من مصاديق المسألة الثانية ولا داعي حينئذ للكلام عليها في مقابلها كما هو صنيع الفقهاء (رض) على ما تقدّم
[11]
.
وكيف كان فيقع الكلام في هاتين المسألتين اللتين تكون الأولى منهما ناظرة إلى شبهة حكمية والثانية إلى شبهة موضوعية فأقول :
أما بالنسبة إلى المسألة الأولى على التفسير الثاني
[12]
فإن هذه الدعوى لا تُسمَع من المحكوم عليه لأن المفروض أن ليس ثمة ادّعاء وجود خلل في موازين القضاء ولا ادّعاء عدم أهلية الحاكم ولا عدم اجتهاده ولا أنه قضى بغير الميزان الشرعي وإنما الدعوى أن هذا الحكم الذي انتهى إليه الحاكم مخالف للحكم الواقعي ، وقد تقدّم سابقاً أن حكم الحاكم الجامع للشرائط المعتبرة في باب القضاء نافذ حتى مع قطع المحكوم عليه أو الحاكم الآخر بأنه مخالف للحكم الواقعي لفرض أنه جرى على طبق الموازين وما كان كذلك فإنه يحرم نقضه وردّه تمسّكاً بأدلة النفوذ .
لكن الذي يظهر من الشرايع وغيرها الحكم بسماع هذه الدعوى وأن الحاكم الذي رُفعت إليه هذه الدعوى يجوز له نقضها ولا بد على هذا أن يكون تفسيرها بالتفسير الأول لا بالتفسير الثاني وسيأتي أنه في المسألة الثانية التي تكون المسألة الأولى بالتفسير الأول مصداقاً لها يجوز سماع الدعوى فيها فلعل ذهاب بعض الفقهاء إلى سماع هذه الدعوى مبني على أن المسألة الأولى مفسّرة بالتفسير الأول .
والحاصل أن المسألة الأولى على التفسير الثاني لا تكون مسموعة .
وأما بالنسبة إلى المسألة الثانية التي هي من قبيل الشبهات الموضوعية وهي ما إذا فُرض أن المُدّعى عليه ادّعى بطلان الحكم لاختلال بعض الموازين المعتبرة في باب القضاء من قبيل دعوى عدم أهلية الحاكم للاجتهاد أو عدم عدالته أو دعوى خطئه في تطبيق الميزان أو في مقدمات الحكم أو دعوى فسق الشهود أو قضى عليه ببينة في غير محلّها أو أهمل العمل بها في محلّها وهكذا - فهل تُسمع هذه الدعوى من المُدّعى عليه أم لا .. هذا ما سيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى .
[1] قال في الشرايع في نصّ هذه المسألة (مج4 ص867) :
[2] " الرابعة : ليس على الحاكم تتبّع حكم من كان قبله لكن لو زعم المحكوم عليه أن الأول حكم عليه بالجور لزمه النظر فيه ، وكذا لو ثبت عنده ما يُبطل حكم الأول أبطله سواء كان من حقوق الله أم من حقوق الناس " .
[3] أي أنه ادّعى فسق البيّنة .
[4] وإن كان هذا محلّ خلاف كما سيأتي (منه دامت بركاته) .
[5] أي الحاكم الأول .
[6] قال في الشرايع في نصّ هذه المسألة (مج4 ص867) :
[7] " الخامسة : إذا ادّعى رجل أن المعزول قضى عليه بشهادة فاسقين وجب إحضاره وإن لم يُقم المدّعي بينة فإن حضر واعترف به ألزم ، وإن قال : لم أحكم إلا بشهادة عدلين قال الشيخ (رحمه الله) : يُكلّف البينة لأنه اعترف بنقل المال وهو يدّعي ما يزيل الضمان عنه وهو يشكل لما أن الظاهر استظهار الحكّام في الأحكام فيكون القول قوله مع يمينه لأنه يدعي الظاهر " .
[8] أي المسألة الأولى .
[9] حيث إن الوارد فيها دعوى المحكوم عليه أن الحاكم الأول حكم عليه بالجور .
[10] أي المسألة الأولى .
[11] حيث تبيّن أنهم تكلّموا عن مسألتين وفرّقوا بينهما ولم يتكلّموا عن مسألة واحدة .
[12] يعني كون المسألة ناظرة إلى دعوى بطلان الحكم وكونه حكماً مخالفاً للحكم الواقعي .