38/01/15
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/01/15
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – السيرة العقلائية
إلى هنا قد تبين أن التعارض بين الدليلين وكذلك الجمع الدلالي العرفي بين الدليلين كحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد والظاهر على الأظهر والمحكوم على الحاكم جميع هذه الموارد مشروط بأن يكون كلا الدليلين صادرا من متكلم واحد أو ما هو بمنزلة المتكلم الواحد كالأئمة الأطهار فإنهم جميعا يخبرون عن الشريعة الواحدة فهم بمثابة متكلم واحد، ولهذا يقع التعارض بين ما صدر من إمام وما صدر من إمام آخر، وقد يمكن الجمع الدلالي العرفي بينهما.
وعلى هذا فالسيرة العقلائية سيرة صادرة من العقلاء وهي عمل العقلاء بأخبار الثقة والآيات دليل شرعي صادر من الشارع المقدس فلا ارتباط بينهما حتى تقع المعارضة بينهما أو كان أحدهما حاكما على الآخر فلا صلة بين السيرة التي هي من العقلاء لا من الشارع وبين الآيات الناهية عن العمل بالظن التي صدرت من الشارع.
نعم لو أمضى الشارع السيرة فحينئذ تصبح السيرة دليلا شرعيا فيمكن أن تقع المعارضة بينها وبين الآيات الناهية، ويمكن الجمع الدلالي العرفي بحكومة السيرة على الآيات الناهية.
ولكن هذا بحاجة إلى أحراز إمضاء الشارع للسيرة ومع وجود هذه الآيات الناهية عن العمل بالظن فلا يمكن إحراز إمضائها وحينئذ تكون حجية السيرة مشكوكة والشك في الحجية مساوق للقطع بعدمها، أي عدم ترتيب آثار الحجية عليها، والمهم منها اثنان:
احدهما: الاستناد إليها في مقام العمل الخارجي.
والآخر: إسناد مؤداها إلى الشارع.
فإذا لم يترتب على هذا الشيء هذان الأثران فلا يكون حجة أي أن حجية الشيء مساوقة لترتيب هذين الشيئين عليه.
هذا والصحيح في المقام ان يقال: إنه لا يمكن أن تكون هذه الآيات الكريمة بعموماتها وإطلاقاتها رادعة عن السيرة، وذلك لأمرين:
الأول: أن السيرة قطعية، لأنها عبارة عن عمل العقلاء بأخبار الثقة وهي أمر محسوس ومشاهد وقطعي بل هو ضروري وكذلك إمضاء هذه السيرة من قبل الشارع ضروري وقطعي وأما الآيات المباركة فهي وإن كانت قطعية سندا إلا أنها ظنية دلالة، فلا يمكن ان تقاوم السيرة القطعية لأن الدليل الظني لا يمكن ان يقاوم الدليل القطعي فالسيرة دليل قطعي فلا بد من العمل به ولا يمكن رفع اليد عنها بواسطة دلالة هذه الآيات الكريمة لأن دلالة الآيات ظنية.
فمن أجل ذلك لا بد من تقديم السيرة على هذه الآيات، ومن هنا كان الناس يعملون بالسيرة في مرأى ومسمع من هذه الآيات الكريمة أي هم يعملون بأخبار الثقة ارتكازا وطبعا بدون ادنى منبه ومن دون أي احتمال لأن تصلح هذه الآيات أن تكون رادعة عن هذه السيرة.
فالنتيجة ان الدليل الظني لا يمكن ان يقاوم الدليل القطعي.
الثاني: أن هذه السيرة مرتكزة في أذهان الناس وثابتة في أعماق نفوسهم كالفطرة والجبلة فلهذا يعمل الناس بها بطبعهم بدون أدنى منبه وتذكير، ولذلك لا يمكن ان تكون هذه الآيات بعموماتها وإطلاقاتها رادعة عن هذه السيرة، فلو كانت هذه السيرة مخالفة للأغراض التشريعية وفيها مفاسد فلا بد من التصريح بالردع عن هذه السيرة في كل مناسبة وفي كل مجلس وفي كل مورد حتى يمكن قلع جذور هذه السيرة عن أنفس الناس وما دامت جذورها موجودة في النفوس وهم يعملون بها رغم وجود هذه الآيات الكريمة ولا يلتفتون إلى هذه الآيات، فالردع عن هذه السيرة لا يمكن ان يكون من خلال خبر الواحد أو بدلالة الآيات الظنية بل لا بد من بيان مفاسدها مكررا وبأدنى مناسبة وفي كل مجلس ومورد حتى يتمكن من قلع جذورها عن أنفس الناس، فمن أجل ذلك لا يمكن أن تكون هذه الآيات رادعة عن هذه السيرة.
فالنتيجة: ان ما ذكره المحقق النائيني(قده) وكذلك غيره من أن السيرة العقلائية حاكمة على هذه الآيات الكريمة لا وجه له أصلا.
الوجه الثاني من وجوه الأجوبة: ما ذكره المحقق الخراساني(قده)[1] من انه يستحيل رادعية هذه الآيات بعموماتها لأنها دورية، حيث أن رادعية هذه الآيات بعموماتها تتوقف على عدم مخصصية السيرة لها في الواقع باعتبار أن السيرة أخص من عمومات هذه الآيات الناهية فإن السيرة مختصة بأخبار الثقة وأما الآيات الناهية فهي تعم جميع الظنون، وعدم مخصصية السيرة لها في الواقع يتوقف على رادعية هذه الآيات الناهية، وحينئذ تتوقف رادعيتها على رادعيتها، وهذا من توقف الشيء على نفسه، ومرجع توقف الشيء على نفسه إلى علية الشيء لنفسه وهي مستحيلة، فمن أجل ذلك يكون الدور مستحيلا.
ورادعية هذه الآيات عن العمل بالظن بعموماتها مستحيلة.
ثم أورد على نفسه أن مخصصية هذه السيرة لعمومات هذه الآيات الناهية تتوقف على عدم رادعيتها لها في الواقع إذ لو كانت هذه الآيات رادعة عن السيرة فلا تصلح ان تكون السيرة مخصصة لعموماتها، فمخصصية السيرة لعمومات هذه الآيات الناهية تتوقف على عدم رادعية هذه الآيات الناهية للسيرة في الواقع وعدم رادعيتها للسيرة في الواقع يتوقف على مخصصية هذه السيرة لها أي لعمومات هذه الآيات فيلزم توقف مخصصية هذه السيرة على مخصصيتها، وهذا من توقف الشيء على نفسه ومآله إلى علية الشيء لنفسه وهي مستحيلة.
وما ذكره(قده) غريب جدا؛ فإن لازم ذلك أن استحالة رادعية هذه الآيات الناهية بعموماتها عن السيرة في الواقع تستلزم ضرورية المخصصية كما أن استحالة مخصصية السيرة لعمومات هذه الآيات تستلزم ضرورة رادعيتها فكيف يعقل ان تكون رادعيتها مستحيلة ومخصصية السيرة أيضا مستحيلة فكيف يمكن الجمع بينهما.
فلأجل ذلك هذا الإشكال الثاني في نفسه غريب.
ثم أجاب(قده) عن هذا الإشكال ببيان ان مخصصية السيرة لعمومات الآيات الناهية عن العمل بالظن لا تتوقف على عدم رادعيتها عن السيرة في الواقع بل يكفي في مخصصية السيرة عدم العلم برادعيتها وعدم العلم لا يتوقف على شيء لأن العلم بحاجة إلى سبب واما الجهل فلا يحتاج إلى سبب، فإذا لم يوجد سبب العلم فعدم العلم بالذات موجود من الأزل.
فإذن مخصصية السيرة لعمومات الآيات لا تتوقف على عدم رادعية هذه الآيات الناهية عن السيرة في الواقع بل يكفي في مخصصية السيرة لعمومات هذه الآيات عدم العلم بالردع وعدم ثبوت الردع فلا دور في المقام. فإن ما يتوقف عليه مخصصية السيرة غير ما يتوقف عليه رادعية هذه الآيات الناهية عن العلم بالظن بعموماتها فإن ما يتوقف عليه مخصصية السيرة لعمومات هذه اللآيات هو عدم العلم بالرادعية لهذه الآيات، وأما رادعية هذه الآيات فهي تتوقف على عدم مخصصية السيرة لها في الواقع، فمكا يتوقف عليه رادعية هذه الآيات غير ما يتوقف عليه مخصصية هذه السيرة.
وبتعبير آخر ما ذكره(قده) من الجواب جواب عن الدور الثاني لا جواب عن الدور الأول، فالدور الثاني هو ان مخصصية السيرة لعمومات هذه الآيات الناهية تتوقف على عدم كونها رادعة عنها في الواقع، وعدم كونها رادعة عنها في الواقع يتوقف على مخصصيتها فيلزم الدور وتوقف مخصصيتها على مخصصيتها وهو من توقف الشيء على نفسه ومآله إلى علية الشيء لنفسه وهو مستحيل فما ذكره جواب عن هذا الدور باعتبار ان مخصصية السيرة لا تتوقف على عدم رادعية هذه الآيات الناهية بعموماتها عن السيرة في الواقع بل يكفي في مخصصية هذه السيرة عدم العلم بكونها رادعة، وعدم العلم لا يتوقف على شيء حتى يلزم الدور.
فإذن هذا الجواب جواب عن الدور الثاني لا عن الدور الأول.
وهذا الجواب غريب جدا من مثله(قده).
فإن مخصصية السيرة تتوقف على حجيتها بان تكون هذه السيرة حجة حتى تكون مخصصة وحجيتها تتوقف على إحراز إمضائها وإلا فالسيرة في نفسها لا تكون حجة بدون الإمضاء من الشارع، ومع احتمال أن الآيات الناهية تكون رادعة عن هذه السيرة لم نحرز إمضائها فإن مخصصية السيرة تتوقف على عدم العلم بكون هذه الآيات رادعة ولكن احتمال انها رادعة موجود، ومع هذا الاحتمال لا يمكن إحراز أمضاء هذه السيرة والعلم بالإمضاء ومع عدم إحراز إمضاء هذه السيرة لم نحرز حجيتها، وحينئذ تكون حجيتها مشكوكة ومحتملة ولا علم بحجيتها والشك في الحجية كما ذكرنا مساوق لعدم حجيتها فعلا لعدم ترتيب آثار الحجية عليها.
فإذن ما ذكره(قده) من الجواب غريب جدا فإن مخصصية السيرة لا تتوقف إلا على عدم العلم بكون هذه الآيات رادعة ولكن احتمال انها رادعة في الواقع موجود ومع هذا الاحتمال لم نحرز الإمضاء ومع عدم إحراز الإمضاء لا علم بحجيتها فتكون حجيتها مشكوكة وهو مساوق للقطع بعدمها.
فمن أجل ذللك ما ذكره(قده) غريب جدا وسياتي تفسير ذلك.