37/11/26
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
37/11/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد ـــــ آية النفر
كان الكلام في الجواب عن اشكال المحقق الخراساني على الاستدلال بالآية المباركة وأنها تدل على أن إنذار المنذر وإخباره يكون حجة إذا كان بما تفقهوا من الدين وتعلموا من الأحكام الشرعية ولا تدل على أن إخبارهم عن آرائهم واجتهاداتهم ونظرياتهم يكون حجة فالآية أجنبية عن الدلالة على ذلك وظاهر الآية الكريمة حجية إنذار المنذرين للمنذرين (بالفتح) إذا كان إخبارهم وإنذارهم بما تفقهوا من الدين وتعلموا من الأحكام الشرعية من الوجوب والحرمة وغيرهما فالآية تدل على ذلك ولا نظر للآية إلى إخبارهم وإنذارهم بآرائهم واجتهاداتهم ونظرياتهم.
وعلى هذا فالآية المباركة تشمل الصنف الثاني فقط دون الصنف الأول فهو خارج عن الآية الكريمة واما الصنف الثالث فالقسم الأول منه خارج والقسم الثاني مشمول للآية الكريمة.
هذا في عصر الحضور.
وأما في عصر الغيبة فالأمر أوضح من ذلك فإن فرقة من كل طائفة يقوموا بالنفر إلى الحوزات العلمية كالنجف الأشرف وغيره من الحوزات الدينية للتفقه في الدين ولتعلم الأحكام الشرعية وبعد فترة زمنية يرجعون إلى بلادهم لينذروا أقوامهم وأهل بلادهم بما تفقهوا من الدين وبما تعلموا من الأحكام الشرعية ولا ينقلون لهم آرائهم واجتهاداتهم ولو كان فهو نادر جدا وشاذ والغالب هو نقل آراء وفتاوى المجتهدين للناس.
ثم أن السيد الاستاذ(قده) قد أجاب[1] عن إشكال المحقق الخراساني(قده) بأن الرواة في عصر التشريع غالبا يكونوا من الفقهاء والمجتهدين كزرارة ومحمد بن مسلم والحلبي وأمثالهم إذ الاجتهاد في ذاك العصر أمر سهل، لأنه لا يتطلب أكثر من سماع الرواية من الإمام(ع) ومعرفة مقصود الإمام منها وجهة صدورها، ولا يتوقف الاجتهاد على مقدمة أخرى فإن عملية الاجتهاد في عصر التشريع عملية سهلة وغير معقدة بينما هي عملية صعبة ومعقدة.
والسر في ذلك: هو الفراغ بين عصر التشريع وعصر الاجتهاد فمهما طال أو كثر واجهت النصوص التشريعية الشكوك والأوهام من مختلف الجهات والنواح ويتوقف على تكوين القواعد والنظريات العامة وفق شروطها الخاصة في حدودها المسموح بها شرعا بينما عملية الاجتهاد في عصر التشريع لا تتوقف على تلك المقدمات ولا تواجه الشكوك والأوهام والمخاطر فإن أمثال زرارة إذا سمع الرواية من المعصومين(ع) وفهم منها مقصود الإمام(ع) فهو مجتهد ولا يتوقف على أي مقدمة أخرى بينما في العصر الحاضر ليس الأمر كذلك، فإن عملية الاجتهاد تتوقف على تحقيق إسناد الروايات بكاملها في تمام السلسلة إلى الإمام وأيضا لا بد من تحقيق دلالة الروايات وانها تدل على هذا المعنى او لا تدل وبعد تنقيح عملية السند وعملية الدلالة لا بد من تحقيق الجهة وان الرواية صدرت تقية او صدرت لبيان الحكم الواقعي، وبعد هذه الجهات لا بد من تحقيق أن لهذه الروايات معارض أو ليس لها معارض فلو كان لها معارض فهل يوجد مرجح لها او لا يكون لها مرجح أو ان المرجح يكون في طرف المعارض وليس في طرف الرواية وإذا لم يكن هناك مرجح لشيء منهما فهل مقتضى القاعدة التخيير أو سقوط كلتا الروايتين فلا بد من بحث هذه البحوث تماما، وإذا لم يكن لها معارض فهل هناك دليل حاكم عليها او دليل يقدم عليها دلالة حيث يمكن الجمع الدلالي العرفي بينهما كالدليل الآخر الذي يكون أظهر منه دلالة فيقدم من باب تقديم الأظهر على الظاهر او تقديم الخاص على العام او تقديم المقيد على المطلق.
فعملية الاجتهاد في العصر الحاضر تتوقف على هذه المقدمات تماما ولهذا تكون هذه العملية عملية صعبة معقدة ودقيقة بينما تلك العملية في عصر التشريع عملية سهلة لا تتوقف على تلك المقدمات فإن الفراغ بين عصر التشريع وعصر الاجتهاد هذا الفراغ يؤدي إلى هذه النتيجة.
هكذا ذكره السيد الاستاذ(قده).
وما ذكره(قده) في غاية الدقة والصحة ولكن الراوي في عصر التشريع وإن كان الغالب منهم فقيه ومجتهد ولكن المجتهد قد يروي الراوية الواصلة إليه منهم(ع) بألفاظها حرفيا أو بمضامينه المكشوفة ظاهرا عند العرف وأخرى يروي آرائه وينقلها لا ان الفقيه والمجتهد يروي دائما اجتهاده ليس الأمر كذلك فإن المجتهد قد يروي ما سمع من الإمام(ع) او قد وصلت إليه بطرق معتبرة فيرويها بألفاظها حرفيا بدون إعمال نظر واجتهاد وأخرى ينقل آرائه واجتهاده ولا فرق بينهما من هذه الناحية فقد يكون الراوي عاميا لا يعرف معنى الرواية ولكنه حافظ فإنه لا يعتبر في الراوي أن يكون من اهل الفهم أو من أهل اللسان ولكنه لا بد أن كون حافظا للرواية بتمام ألفاظها وخصوصياتها كما وكيفا فروايته حجة ومعتبرة إذا كان ثقة. هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى يمكن إثبات حجية خبر الواحد من الآية المباركة بالأمر بإنذار المنذرين لأنه واجب على المنذرين بالكسر واما إثبات حجية خبر الواحد بترتب التحذر على إنذار المنذرين فلا يمكن لأن الحذر لا يترتب على إنذار المنذرين بل المترتب هو ترقب الحذر لا فعلية الحذر ووقوعه فعلا لقوله تعالى: (لعلهم يحذرون) فترقب الحذر هو المترتب على إنذار المنذرين وإخبارهم بما تفقهوا من الدين لا وقوع الحذر فعلا فيمكن إثبات حجية خبر الواحد في الآية المباركة من جهة وجوب الإنذار على المنذرين.
وهذا الوجوب لا يخلو إما أن يكون وجوبا نفسيا مولويا أو وجوبا غيريا مقدميا أو وجوبا طريقيا أو إرشاديا ولا وجود لاحتمال خامس.
أما الاحتمال الأول: فهو غير محتمل ضرورة أن الإنذار ليس من الواجبات في الشريعة المقدسة كالصلاة والصيام ونحوهما، أما الاحتمال الثاني: وهو أن الوجوب وجوبا غيريا فالأمر أيضا ليس كذلك، فإن الإنذار ليس مقدمة وجودية لعمل المنذرين (بالفتح) بالأحكام الشرعية؛ لأنهم قد عملوا بالأحكام الشرعية بدون إنذار المنذرين وقد لا يعملون بالأحكام الشرعية بعد إنذار المنذرين أيضا فعمل المنذرين (بالفتح) لا يتوقف على إنذار المنذرين من باب توقف الواجب على مقدمته الوجودية.
هذا مضافا إلى ما ذكرناه في محله انه لا دليل على وجوب المقدمة شرعا.
وعلى هذا فهذا الوجوب إما طريقي او إرشادي فإن كان طريقيا فهو يدل على أن دلالة الآية الكريمة على حجية أخبار الآحاد وإنذار المنذرين تأسيسية لا تأكيدية؛ لأن الوجوب الطريقي وجوب مجعول من قبل الشارع بغرض الحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات اللزومية في موارد الاشتباه والالتباس وحجية أخبار المخبرين وإنذارهم مجعولة للحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من المبادئ والملاكات اللزومية في موارد الاشتباه والالتباس.
واما إذا كان وجوب الإنذار وجوبا إرشاديا فهو إرشاد إلى أن دلالة الآية المباركة على حجية إنذار المنذرين وأخبارهم تأكيدية وإمضائية فإن الآية الكريمة في مقام الإمضاء لما بنى عليه العقلاء من العمل بأخبار الثقة وهذا البناء ممضى شرعا والآية المباركة تدل على إمضاء هذا البناء وتأكيده وتقريره إذا كان الوجوب إرشاديا.
وهذا هو الظاهر لأن جميع الآيات والروايات التي استدل بها على حجية أخبار الآحاد مفادها الإمضاء للسيرة العقلائية الجارية على العمل بأخبار الثقة وليس التأسيس وهذه السيرة مرتكزة في إذهان الناس فإذا كان المخبر ثقة فهم يعملون بقوله بدون أدنى التفات ولذا كانت حجية خبر الثقة أمر مرتكز في الاذهان.
هذا تمام كلامنا في الاستدلال بآية النفر.