37/11/27
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
37/11/27
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- التنبيه السادس ( المقدمات التي تمسك بها الشيخ النائيني لإثبات فكرة الترتب ) - مبحث الضد.
وهذه المقدّمة التي ذكرها مضمونها جيدّ ، والصحيح كما ذكرنا أنّ المشكلة تنشأ من اجتماع حكمين مطلقين وليس من اجتماع حكمين فعليّين ، لكن هذه لا ينبغي أن تجعل كمقدّمةٍ لإثبات إمكان الترتّب ، والمقدّمات لفكرة الترتّب حينما تذكر فلابدّ وأن تكون لها مدخلية في إثبات إمكان الفكرة ، أما ما يكون من قبيل تحرير محلّ النزاع أو توضحه أو دفع شبهةٍ فهذا لا يذكر بعنوان مقدّمات لإثبات فكرة الترتّب ، فلابدّ وأن يُقتصر في المقدّمات على خصوص ما يتوقّف عليه اثبات إمكان الترتّب ، وهذه المقدمة أقرب إلى توضيح محلّ النزاع أو بيان منشأ المشكلة ، فعلى هذا الأساس لا ينبغي أن تذكر هذه كمقدمة وإنما تذكر بعد ذلك بلسان إن قلتَ قلتُ ، وهذه قضية فنّية ليست مهمة.
المقدمة الثانية:- قال(قده) عن الحكم المشروط إذا تحقق شرطه لا ينقلب ولا يصير مطلقاً بل يبقى مشروطاً ، حينئذٍ نقول إنّه حينما يعصي المكلّف الأمر بالازالة - يعني الأمر بالأهم - سوف يتحقق شرط الأمر بالصلاة ويصير بذلك وجوب الصلاة فعلياً ولكن يبقى كوجوبٍ مشروط لا أنه يصير وجوباً مطلقاً حتى يقال أنّه اجتمع بالتالي وجوبان مطلقان إذ الأمر بالأهم هو مطلقٌ من الأوّل والأمر بالمهم حيث إنه تحقق شرطه صار وجوبه مطلقاً ، كلا بل يبقى وجوبه مشروطاً فالحكم المشروط بتحقّق شرطة لا ينقلب إلى كونه مطلقاً بل يبقى مشروطاً ، فأحدهما مشروط والآخر مطلق ولا يلزم بالتالي اجتماع الحكمين المطلقين.
أما كيف تثبت أيها الشيخ النائيني أنّ هذا الحكم المشروط لا ينقلب إلى المطلق بتحقّق شرطه فإنّ هذه دعوى تحتاج إلى إثبات ؟
ذكر في إثباتها:- أنّ شروط الأحكام موضوعات لها ، يعني يريد أن يقول إنّ كلّ شرطٍ لفعلية الحكم - يعني للوجوب أو للحرمة - مثلا الاستطاعة هي شرط لوجوب الحجّ ، فهذه الاستطاعة التي هي شرطٌ لوجوب الحجّ هي موضوعٌ لوجوب الحجّ ، فأنت تقول ( إنّ استطعت يجب عليك الحج ) ، ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾ فـ ( من استطاع ) يعني إذا استطاع فهذا ( إذا استطاع ) شرطٌ وفي الحقيقة هو موضوعٌ ، يعني أنَّ المستطيع يجب عليه الحج ، فشروط الأحكام موضوعات لها.
وواضح أنّ موضوع الحكم بالمصطلح الأصولي ما هو ؟ وموضوع الحكم غير متعلّق الحكم وقد بينا الفرق بينهما في أوائل هذه الدورة الأصولية ، فمتعلّق الحكم هو ما يدعو الحكم إلى تحقيقه مثل وجوب الحج فهو يدعوني ويحرّكني إلى الحجّ فالحجّ يصير متعلقاً ، أما الموضوع فالحكم لا يدفع نحوه بل يقول إذا فرض وتحقق فيثبت الحكم كالاستطاعة فإنّ وجوب الحج لا يدعو إلى الاستطاعة وإنما إذا تحققت الاستطاعة يجب حينئذٍ الحجّ ، فالاستطاعة موضوعٌ وسمّيت بالموضوع لعلّه لمناسبةٍ لأنه متى وضعت وترتّبت فسوف يثبت الحكم ، مثل البلوغ والعقل والقدرة فهذه كلّها ماذا نسمّيها في أحكام وجوب الصلاة والصوم ووغير ذلك فهل هي متعلّق أو موضوعات ؟ إنها موضوعات ، فصحيحٌ أنها شروطٌ ولكنها موضوعات لأنه يلزم أن نفترضها في المرحلة السابقة فحينئذٍ يثبت الحكم ، فهي موضوعات ، بخلاف الصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد .... فهي متعلّقات لأنّ الحكم يدعو نحو فعلها أو نحو تركها.
فالشيخ النائيني(قده) قال في المقدّمة الثانية إنّ الحكم المشروط بتحقق شرطه لا ينقلب إلى حكم مطلق بل يبقى مشروطاً ودليله هو أنّ شرائط الأحكام موضوعات للأحكام.
ثم أضاف مقدّمة ثانية:- وهي أنه قال:- وما كان موضوعاً للحكم لا يمكن أن ينسلخ عن موضوعيته وعن كونه موضوعاً.
فإذن شرائط الأحكام تبقى هي شرائط وموضوعات ولا يصير الحكم مطلقاً.
هذا ما أفاده في المقدّمة الثانية وقد قلت إنَّ هذه المقدّمة جيّدة لأن فكرة الترتّب تتوقّف على أن لا ينقلب الحكم المشروط إلى مطلق عند تحقّق شرطه وإلا ففكرة الترتّب لا تنفع لأنه يلزم اجتماع حكمين مطلقين ، وهذه المقدمة جيدة ونجعلها من مقدمات فكرة الترتّب.
ولكن نقول:-
أوّلاً:- إنه يمكن صياغة هذه المقدّمة بصياغةٍ جديدة فنقول:- إنّ الأمر بالمهم لا يطارد الأمر بالأهم - يعني لا ينافيه ولا يدفعه - حتى بعد تحقّق شرطه لأنه يبقى مشروطاًً.
ثانياً:- هو(قده) استعان لإثبات بقاء الحكم المشروط على كونه مشروطاً بأنّ شروط الحكم هي موضوعات والموضوعات لا تنسلخ عن كونها موضوعاً ، ونحن نقول:- إذا كانت الموضوعات لا تنسلخ عن كونها موضوعات وهو صحيح فالشروط أيضاً لا تنسلخ عن كونها شروطاً ، فلا داعي إلى تطويل المسافة.
يعني كان من المناسب أن يقول هكذا:- إنّ الحكم المشروط بتحقّق شرطه يبقى مشروطاً لأنّ الشرط لا ينسلخ عن كونه شرطاً ، فإنك إذا قبلت أنّ الموضوع لا ينسلخ عن كونه موضوعاً فاقبل أنّ الشرط لا ينسلخ عن كونه شرطاً ولا فرق بينهما ، ولا داعي إلى التطويل.